آداب ينبغي على الحاج التحلي بها في المناسك .. تعرف عليها    محافظ الغربية يتابع استمرار الأعمال بمستشفيي طنطا العام والأورام    الفريق أول محمد زكى يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    سفير مصر ببوليڤيا يحضر قداس عيد القيامة بكاتدرائية السيدة العذراء بسانتا كروس|صور    بدء تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء بالمراكز التكنولوجية بالبحيرة    معيط: العجز الكلى للموازنة يتراجع سنوياً.. ونستهدف خفضه ل 80%    زراعة عين شمس تستضيف الملتقى التعريفي لتحالف مشاريع البيوتكنولوجي    تحقق العدالة والكفاءة.. ننشر مبادئ الوثيقة المُقترحة للسياسات الضريبية «2024 2030»    الأمم المتحدة: مخزون الوقود يكفى يومًا واحدًا.. وتحذيرات من «كارثة إنسانية»    فرنسا تعرب عن «قلقها» إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    الأهلي يقسو على الاتحاد السكندري برباعية في الدوري    «عبدالمنعم» يتمسك بالإحتراف.. وإدارة الأهلي تنوي رفع قيمة عقده    إخماد حريق داخل سور الإذاعة والتلفزيون بالإسماعيلية    تكريم لبلبة في ختام مهرجان بردية لسينما الومضة    تعرف على موعد حفل نانسي عجرم ب باريس    مأساة الشعب الفلسطينى حاضرة فى مهرجان «كان» السينمائى    منفذ عملية الاستطلاع لمواسير النابالم، رحيل اللواء خضر محمد خضر أحد أبطال لواء العظماء    خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    كيف خلق الله الكون؟ رد قوي من محمود الهواري على المنكرين    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    في اليوم العالمي للربو.. مخاطر المرض وسبل الوقاية والعلاج    طريقة عمل السينابون، حلويات سويسرية بنكهة القرفة المميزة    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل الرئيس التنفيذي لجمعية "لأجلهم"    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    البرلمان العربي: الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يقوض جهود التوصل لهدنة    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    محافظ جنوب سيناء: مصر تطور مناطق سياحية في نويبع وسانت كاترين ودهب    «الداخلية» تستجيب ل«المصري اليوم»: ضبط المتهمين في مشاجرة أسوان    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    انطلاق فعاليات المؤتمر السادس للبحوث الطلابية والإبداع بجامعة قناة السويس    أسامة جلال يخضع لعملية جراحية ويغيب عن بيراميدز 3 أسابيع    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه.. وسبب لجوئه لطبيب نفسي    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد سعيد يكتب: الآن .. وقد تراجعت فتنة المونديال كم فضحت من نظم.. وكم كشفت عن خبايا؟


العنوان صادم.. بل وجارح
ولكن:
من السموم الناقعات دواء
فالذى يحدث بين مصر والجزائر يثبت عجز الأنظمة الحاكمة فى البلدين عن التعامل مع أزمة أشبه بكرة القدم التى فجرت الفتنة، حيث كان يجب أن تعامل بنفس ما تعامل به هذه الكرة الملعونة المظلومة.. وبالأقدام كما اعتادت من لاعبى منتخبى البلدين.. ولكن بأقدام النخب فى مصر وأقدام النخب فى الجزائر.
أما أن تندفع نابحة أجهزة الإعلام الخاصة والحكومية نفخاً فى نار فتنة بين الشعبين والدولتين! فهذه جريمة يعاقب عليها، وقبل الأجيال والتاريخ قانون العقوبات فى البلدين فور وقوع تهديد لمصالح كل منهما لدى الآخر، أو قطع العلاقات بين البلدين، وعلى أى مستوى كان هذا القطع، حيث تكون العقوبة السجن المشدد.
ثم
إن من الهزل والخداع ما يردده كل طرف منهما عن حرية الإعلام، خاصة المملوك لغير الدولة فى الجزائر وفى مصر، فالادعاء كاذب وتجرؤ على الواقع المعاش تجريبياً، وعلى امتداد الساحة الإعلامية فى جميع أنحاء العالم.
فأولاً: الإعلام لمن يملكه.
وثانياً: العملية الإعلامية جزء من كل، هو المجتمع.. تدور به فيه صانعاً عنده وعياً أو خالقة منه قطيعاً.
وثالثاً: الحقيقة فى الإعلام نسبية.. كل جهاز يدعيها لنفسه وينكرها على غيره.
ورابعاً: إن منصة إطلاق الصواريخ حاملة الرؤوس النووية والجرثومية وقذفها على الغير تتضاءل قدراتها التدميرية المادية والنفسية ما تنزله بهذا الغير من قتل وتدمير حتى يكاد يصبح أشبه بلعب الأطفال إذا ما قورن تأثيرها بتأثير أجهزة البث التليفزيونى عبر الفضاء المفتوح على شعب بالملايين وكامل أجياله لعشرات ومئات الملايين.
وخامساً:
إنه من الممكن والسهل أن يهزم جيش بلد جيش بلد آخر سواء بتسليح متميز أو قيادة حكيمة أو غلبة كاسحة، وتبقى الهزيمة محدودة فى الجيش واحتلال بلد، ولكن الهزيمة الحقيقية لا تكون إلا يوم أن ينجح المعتدى فى هزيمة إرادة الشعب المهزوم جيشه.. وهذه مهمة أجهزة الإعلام.
وسادساً:
إن عموم الإعلاميين إحدى طائفتين.. إما حواريو أنبياء.. وإما أعوان شياطين.
ولنتأمل آراء خبراء الاتصال فى العالم حول العمليات الإعلامية، واحرص على إثباتها بهدف أجلّ وأكبر من فضيحة المونديال المصرية الجزائرية، بأن يتأمل المتلقى من الصحافة والإذاعة والتليفزيون كل ما يطرح عليه بحذر وفطنة مستنفراً كل مداركه ومخزونه وكسبه الفكرى والحياتى للتعرف على «الأنا» فى كل سطر وقول وصورة، ومدى مصداقيتها وأهدافها بما فيها الخبى منها، فزمن الدعاة الأول من أنبياء ورسل انتهى، وحتى فى زمنهم كان هناك ادعاء إسرائيلى باليهودية ولا غيرها دين، ثم جاء المسيح مصححاً مطهراً مترفعاً عن إثمهم وقتلهم الأنبياء، وأخيراً نزل الوحى على الرسول المصطفى بالتوحيد، حيث لا وليد ولا شريك ولتختلف الأديان وتتقاتل بحكمة سبحانه (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم فيما فيه يختلفون) «يونس- 19»، و(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم) «المائدة- 48».
فماذا يقول فى الإعلام المعاصر أساتذة فى العالم، خاصة فى أمريكا؟
أكد جورفيدال فى كتابه Homage to Dnuicl Shays، ونشرت معالجة له فى عرض نيويورك للكتب ودورياتها وبالصفحة 12 من عدد 10/8/1972 (إن العبقرية المرعبة للنخبة السياسية الأمريكية تتمثل، ومنذ البداية، فى قدرتها على إقناع الشعب بالتصويت ضد أكثر مصالحه حيوية).
ويكشف باولو فرير فى الصفحة 135 من كتابه Pedgogy of the Oppaessed طبعة نيويورك 1971، كيف يسعى الإعلام عندما يريد تضليل العقول ودفع الناس إلى قناعات وسلوكيات تغرس فيه استسلام قطيع الأغنام مردداً (بأن المضطهِدين- بكسر الهاء- يطورون سلسلة من المناهج تستبعد أى تصوير للعالم بوصفه قضية أو حالة قابلة للمواجهة والتغيير: فى صورة كيان ثابت يستحيل إدخال تعديل عليه وليبدو لهم شيئاً مفروضاً أو مقرراً يتعين على الناس بوصفهم مجرد متفرجين- أن يتكيفوا هم معه).
ويعلن جورج جيربنر فى الصفحة 158 من مجلة «scientific american» عدد سبتمبر 1972 (أن بنية مدارك شعب والتى تربط عناصر الوجود بعضها ببعض، وتشكل الوعى العام بما هو كائن.. وما هو مهم.. وبما هو حق.. وبما هو مرتبط بأى شىء آخر: هذه البنية أصبحت حالياً منتجاً يتم تصنيعه).
ثم
لنكتف بعبارة وردت فى تقرير رسمى لاسبيرو أجينو، نائب الرئيس الأمريكى الأسبق، ريتشارد نيكسون، ونشر على مرحلتين فى 14 و21 نوفمبر 1969 بصحيفة «نيويورك تايمز» وفيها يفضح زيف الحيادية والموضوعية فى أجهزة الإعلام مثبتاً (أن المسؤولين عن الأنباء صياغة واختياراً وترتيباً وأداءً موظفون مسؤولون عن عملهم أمام من استخدمهم مما يؤكد سذاجة الاعتقاد بحياد الصحف ومحطات الإذاعة والتليفزيون).
هذا إعلام السلم..
أما إعلام الحرب: دامية مثل حروب مصر وإسرائيل قبل معاهدة كامب ديفيد المشؤومة، أو باردة مثل حرب مصر والجزائر بسبب أحداث وتداعيات مباراة فى كرة القدم!، فأذكر فيما يلى كلمة جامعة مانعة فيها توجز مقدمة كتابه munition of the mind war propaganda.
إن إعلام الحرب مطلوب منه تحقيق هدفين فى نفس الوقت.. تعبئة الروح المعنوية واستمرارية القتال عند طرف.. وإلغاء أو إضعاف إرادة القتال والصمود عند الطرف الآخر، وهكذا يجب أن نفهم ما يجرى إعلامياً بين مصر والجزائر ومعهم من سعد بالإثم من حكام بقية البلاد ومن يواليهم من ملاك أجهزة إعلامية تبدو قانونياً غير رسمية.. ولندرك حجم الجريمة التى يمضى أطرافها عميقاً، وفى مقدمتهم مصر والجزائر بطبيعة الحال، فى ارتكابها يوماً بعد آخر كابرا فى إثر كابر وبممارسات أقرب إلى الفُجر والكفر أو هما معًا كما تشاء مدارك كل متلقٍ فأين الرئاسة فى البلدين؟
فردية كانت مثل مصر.. أو مدينة عسكرى يتصدرها تبركاً أحد الأحياء من مجاهدى ثورة الاستقلال المعجزة!
ثم..
ألا يوجد هناك من ينصح ويزجر وليهدئ ويخرس كثيرين.. أم أن لابد من استعمار فرنسى وحشى ليعرف شباب المتعصبين والمستغلين من الجزائريين قيمة الدماء والتضحيات التى بذلها آباؤهم المجاهدون فى حرب التحرير!
وفى مصر..
ألا يوجد رجل رشيد حول الرئيس يعى تأثير الإعلام ويردع ولدىّ الرئيس ويزجرهما ويرد على أبيهما ما يغرقون فيه صباح مساء منذ بدأت الأزمة وفى أجهزة إعلامية رسمية، ويعرضون تاريخه كله بالصواب فيه والخطأ لضربة قاتلة إذ يتم اختزال مصر وتقزيمها فى مباراة كرة قدم ومشجعين جرحى الاعتداء عليهم؟!.. أستغفر الله وأعوذ بالله.. ومارجريت تاتشر، الرئيسة السابقة لحكومة بريطانيا، تعاقب متعصبين من أبناء بلدها اعتدوا على بلجيكيين، وخربوا منشآتهم فى بروكسل إثر هزيمة نادٍ إنجليزى أمام نادٍ بلجيكى فتحرمهم من السفر خارج البلاد زماناً، وتنذر النادى الإنجليزى بحرمانه من مباريات خارجية وإقامة مبارياته الداخلية دون جمهور.. وتقول لنواب فى مجلس العموم عاتبوها على صرامتها أيامها (بريطانيا ليست أقدام لاعبى كرة قدم ومشجعين غير عاقلين.. بريطانيا أكبر ومسؤوليتى أن أبقيها أكبر وأكبر).
هذه هى مواقف النخب بريطانية نعم. ولكنها النخب المختارة ومن كبار القوم كما يقول محمد بن أبى بكر الرازى فى كتابه مختار الصحاح
فأين نخبنا فى مصر والجزائر..
رئيس غاضب..
ورئيس غائب..
وبين الرئيسين يا قلب احزن..
النخبة لا تعنى الغضب.. أو الهرب..
النخب هم صناع القرار.. يليهم منفذو القرار..
وبين هؤلاء وأولاء يربض من يروجون للقرار من إعلاميين ومشايخ وقساوسة ومثقفين وفنانين.. وعناصر كثيرة أخرى.. وليأت آخر المطاف رغم ملهاة الشعبية البلهاء للعبة كرة القدم.. كرة العدم وكرة الندم وفق منطق ما نحن فيه فى مصر والجزائر من أوحال..
أما الرئاسة..
ولنقصر الحديث اليوم عن مصر والجزائر.. فإنها فى القاهرة فردية ممثلة فى شخص حسنى مبارك.. قد يكون بجانبه عرض عسكرى منذ ثورة 23 يوليو يسهم معه فى اتخاذ القرار ويستبعد كثيرون هذا الرأى بحجة قدرته على إحداث تغييرات متقاربة فى قيادات الأجهزة السيادية الأمر الذى يرجح فرديته..
وبعكس الوضع فى الجزائر..
المؤسسة العسكرية أولاً.. وتنظيم مدنى حزبى يتحرك وفق ثوابتها ومطالبها.
ثم
من القلة الحية من مجاهدى ثورة نوفمبر 1954.
ثم.. رئيس «بركة» من مجاهدى ثورة 1954، ويتميز مثل الرئيس القوى العروبى الراحل هوارى بومدين بذكاء وجلد وقدرة على المناورة وكسب الأنصار والتعامل مع الأضداد والنأى عن التصادمات، مما جعله أنسب شخصية معاصرة.
إن الرئيس المتفرد بالقرار كان ذكياً عندما جعل خطبته فى افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة يوم السبت 21 نوفمبر خالية من أى مهاترات، مؤكداً حرصه على كرامة مصر والمصريين.. .. وليثر السؤال الذى يجب أن يردده كل مواطن يريد مع كرامته رغيفاً وسكناً وعلاجاً إلى آخر ضروريات الحياة، هل النظام الحاكم برجاله كبروا أم صغروا فى حالة عجز تهدد مستقبل الوطن والمواطن!!
وأجيب من واقع أمرين تشهدهما مصر.. أولاً ما نعانيه حالياً من ترك أجهزة إعلامية غالبيتها رسمية أو ثقافية أرزقية تختزل مصر فى كرة قدم وحفنة- ولتكن بالآلاف- تم الاعتداء عليها بأسلحة بيضاء وبذاءات وإشارات صناعة جزائرية.. فمصر ليست عشرة آلاف- مصر ملايين- وإهانة مصر فى شخوصهم لها أساليبها القانونية والدبلوماسية والرئاسية أيضاً وصولاً إلى ما يردده البعض من مقاطعة وإمكانية طرد سفير وترك رجال الأمن لعناصر شعب تدمر السفارة فى القاهرة.. ولكن.. ماذا بعد؟.. لا عروبة لمصر؟! ليكن.. فإن كانت العروبة هوانا فلنلعن العروبة مع كل شهيق وزفير.. إن شاعراً جزائرياً أمازيغى الأصل ميزانى المولد مؤلف النشيد الوطنى الجزائرى مدح فى مدح دين الله وقدسية احترام الإنسان فيه قائلاً:
وهبنا العروبة جنساً ودينا
وإنا بما قد وهبنا رضينا
إذا كان هذا يوحد صفا
ويجمع شملاً رفعنا الجبين
وإن كان يعرب يرضى الهوان
ويلبس عاراً أسأنا الظنونا
ولكن:
إن كان فى الجزائر مثل هذا الشاعر.. وفى يقينى أنهم كثيرون بالملايين من الشباب الواعى فكيف نأخذ شعباً بحفنة مجرمة بانفعال خارج العقل أو بتحريض لها على إثم؟!.. وكيف لا نفرق بين شرذمة وشعب؟!.. وكيف نصر فى مكابرة هستيرية يقودها ولدا الرئيس وأحدهما يصرخ «بلا قومية».. وكأن القومية منحة من مصر للعرب.. بينما هى فى الأصل مصلحة لمصر مع كل العرب.. وتذكر العدوان الثلاثى والذى كان فيه ولدا الرئيس طفلين يحبوان. ووقفة العرب مع مصر وإيقاف تصدير البترول من ميناء الكويت، وعبر أنابيب التابلاين السعودية..
ولا أنسى قطع البترول عام 1973 والسلاح الجوى الجزائرى الذى شارك فى حرب العبور بعد أن أسهم فى الدفاع عن سماء مصر المفتوحة بعد تدمير طائرات السلاح الجوى المصرى صباح اليوم المشؤوم 5 يونيو 1967 وتذكروا سفرة بومدين يومها إلى موسكو عارضاً رهن بترول الجزائر لسداد ثمن تزويد مصر بالسلاح والذخيرة وقطع الغيار ولتبدأ على الفور معركة الاستنزاف والاستعداد لتحرير الأرض.. وأما إن كان الولدان لا يعرفان.. فلديهما الرئيس الوالد عايش وشارك وأبصر بأم عينيه ذلك كله.. فلماذا الاستمرار فى هذا الشحن المأفون وليس ضد الجزائر فقط وإنما ضد العروبة كلها.. وكأن الجزائر هى العروبة.
هل هذا عجز.. أم تراه أمرا آخر له خبئ.. جاءت اعتداءات الجزائريين فرصة للبدء فى تنفيذه فى ظل تقارب مصرى إسرائيلى ضد إيران مثلاً.. وفى ظل كثافة نشاط تركى شرق أوسطى.. وفى ظل دولة مسخ يراد فرضها على العرب بما فيهم عرب فلسطين؟!
وقد يكون هناك من يلعب بثوابت مصر ومصالحها تماماً مثلما كان يلعب الملك فاروق بنخب مصر وحكوماتها الست المتتالية خلال الأشهر الستة السابقة على عزله وطرده بثورة 23 يوليو؟!
أياً كان الأمر.. فهناك ما هو أكثر من هذا الشأن السياسى المصرى الجزائرى الذى قد يشق ويستغلق على أفهام كثيرين.
فهناك الأمر الثانى.. القائم دليلاً على عجز النخب الحاكمة.. والمتصل برفع القمامة من شوارع المدن والقرى بما فيها العاصمة القاهرة.. وهو بكل المقاييس والتجارب.. كان لا يحتاج إلى أكثر من مقشة وكناس وزبال بقفة وعربة يجرها حمار.. ففرضت الحكومة جباية على الكهرباء رسوم نظافة تجاوزت مئات الملايين شهرياً، أعطتها وبالمعلوم من الفساد لأكذوبة شركات أجنبية تم حشدها بلواءات جيش وشرطة بآلاف لكل منهم شهرياً.. ولتتكدس القمامة فى الشوارع.. ويعقد رئيس الدولة اجتماعاً لمجلس الوزراء لمناقشة المشكلة.. وتنتصر القمامة على الجميع معلنة عجز النظام الحاكم عن الإمساك بمقشة وقيادة عربة يجرها حمار..
ونحن لا نريد
اشتعال ثورة بسبب عجز الحكام عن وضع نظام حكم يحول دون أن يمسك الشعب بمكانس يدفع بها عنه وعن صحته ومستقبله قمامة حول الرئيس خادعة مفسدة لا تهتم بغير شارع العروبة ونفر قليل قليل من سكانه يقولون صباح مساء «ومن بعدنا الطوفان».
■ ■ ■
والجزائر..
وأيضاً سأقصر الحديث عن مشكلتين اثنتين تمثلان عجز النخبة الحاكمة عسكرية ومدنية عن مواجهتها فى رأى البعض.. ومشاركة فريق غالب من النخب الحاكمة فى صناعتهما وتكريسمها تمهيداً لجزائر مقسمة إلى ثلاث دول تبدأ بحكم ذاتى وتنتهى بالانفصال الذى خطط له ويسعى إليه الاستعمار فى مواجهة كل دولة كبرى مثل الجزائر والسودان ومصر أيضاً حيث يصطنع لها بين الحين والآخر مشاكل مغربية وقبطية وسيناوية أيضاً.
ولنبدأ بالإرهاب.. الجزائر.
لقد وصلت سطوته إلى سيطرته الكاملة دينياً أو عرقياً استقلالياً أو إجرامياً على جبال ومناطق بمساحات شاسعة ليس للحكومة المركزية عليها السلطان المتعارف عليه فى الدول حتى إن أشجاراً باسقة اخترقت سيقانها أسفلت الطرق فى بعض الجبال القريبة من العاصمة وليكثر القول والتقول عن تقاعس مقصود من جهات فى المؤسسة الحاكمة ترعى هذا الإرهاب كسباً لمال ونفوذ فى رأى وتمهيداً لتقبل أمراً واقعاً بتمزيق وحدة التراب الجزائرى فى ظل العرقية البربرية والأطماع الفرنسية فى الصحراء!!
وفى رأى كثيرين من الجزائريين:
إنه خاطئ.. أو متآمر.. ذلك الذى يرى فى استسلام الحكومة لنزعات عرقية بالاعتراف باللغة الأمازيغية غير المكتوبة لغة رسمية اتساقاً مع واقع جزائرى قديم بينما لم تكن - ورغم إغراءات وغوايات الاستعمار الفرنسى للبربر بمزايا عن العرب وصلت إلى التلويح بحكم ذاتى ارتقت فى مرحلة الثورة إلى شرف المواطنة الفرنسية الكاملة - ورفض قادة الثورة - وأغلبهم بربر - هذه الغواية الاستعمارية، ماضين فى الثورة بنداء الاستقلال ووحدة التراب.. وهم يذكرون الناس من حولهم ببطولات البربر نساء ورجالاً ضد الاستعمار ومساعيه ضد وحدة الجزائر.. مثل «لالا» فاطمة نسومر ومولود قاسم تايت بلقاسم والشيخان السعيد الصالحى وأحمد حسين وحفيد عمروش وعبان رمضان وكريم بلقاسم ومحمد بوضياف وأب النضال من أجل عروبة وإسلام الجزائر العتهاجى البربرى عبدالحميد بن باديس وغيرهم آلاف مؤلفة نال منهم الشهادة وفق ملفات وزارة المجاهدين نحو سبعمائة ألف وأربعمائة شهيد دفاعاً عن عروبة الجزائر وإسلامها واستقلالها ووحدة ترابها وليقرأ من يريد أن يعرف ما فى قلوب بربر الجزائر من عروبة وحب للعرب، لتهدأ نفسه وتطمئن وتستنكر معه أولئك الذين يسعون فى الجزائر لتنفيذ مخطط استعمارى قديم عجز الفرنسيون طوال احتلال نحو 124 عاماً أن يفرضوه.
يقول زجال بربرى من قبيلة أولاد سيدى عبيد بالشرق الجزائرى
ثاروا أولاد العربية
قصدوا قتال الروم
سكنوا جبال الظهرية
وين يدور الحوم
أبطال أولاد العربية
ومن حاضر من القوم
ويشيد البربرى الشاعر ابن ليانه الهادى السنوسى بمصر وزعيمها سعد زغلول رمزاً لطموح عربى جزائرى فى قصيدة نظمها سنة 1925 عندما علم بمرضه الأخير.
هلالك يا فخر العروبة لم يزل
كما كان لكن خانه الطعن والضرب
إذا كان سعد للعروبة طالعا
فإنا وإن غارت طوالعنا عرب
ويقول زعيم نضال الجزائر ومعلم صناع ثورة نوفمبر عبدالحميد بن باديس البربرى العهناجى الأصل
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب
هذا لكم عهدى به حتى أوسد فى الترب
فإذا هلكت فصيحتى تحيا الجزائر والعرب
وما هذا الشعر إلا نبض الأحرار الأبرار من ملايين الشعب فى الجزائر أما زيغ وقبل العرب.
غير أن عجز النخب الحاكمة واستسلامها لحسابات وضغوط حفاظاً على السلطة ومغانمها زاد المتطرفين والمستعمرين معاً على فرض الحروف اللاتينية «الفرنسية» حروفًا تكتب بها اللغة البربرية ولتنتهى تماماً بعد جيلين لا أكثر لغة القرآن الكريم تمهيداً لحكم ذاتى شبيه بالحكم الذاتى لجنوب السودان.. ومن ثم مع الأيام يجىء الانفصال الذى استبدل به الاستعمار القديم أسلوبه العسكرى الغالب بتمزيق كل مجتمع عربى وغير عربى وجعله شراذم تطلب كل منها حماية فتعود مرتعًا له وبنفر أحمق من أبنائه.
أليس هذا هو العجز.. عجز يوشك فى الجزائر أن يمزقها فى خروج كامل «وأعف عن التخوين» على أهداف ثورة نوفمبر 1954.
وعجز مثله يوشك فى مصر الكنانة المحروسة جنة الله فى أرضه كما كانوا يرددون أن يجعلها مقلب قمامة..
البلدان
لديها عجز فى النخب الحاكمة وكفاءتها فى مواجهة المشكلات.. كشفته مباراة كرة قدم وسلوك متدن معروف بين المتعصبين من مشجعى الأندية والمنتخبات فى مصر وفى الجزائر وفى بلجيكا وبريطانيا والعالم كله.
لقد جاءت فضيحة تناول نخب الأنظمة والإعلام لفتنة المونديال لتؤكد عجزها الذى تعانى منه جماهير الشعبين وتفاقم مشاكلها من الزبالة إلى البطالة.. وليس أمامنا كعقلاء شعوب غير أن نرفض استمرار هذا العجز.. فكثير من مشاكلنا مقدور عليه محلياً لولا تدنى الرؤية وتهرؤ التفكير وعبثية التقدير وهزلية التنفيذ - مما يفرض سرعة التغيير.. تغيير الأنظمة.. وتغيير النخب وقبل الأنظمة ونخبها تغيير نظرتنا كملايين. وسلبيتنا فى التعامل مع المجتمع والسلطة ومتغيرات الحياة.. هذا إن أردنا ألا نموت يوماً بكرة قدم فى الحلقوم.. وتزداد سخرية العالم منا وضحكه على حمقنا.
ونصحت
كما نصح أمير الشعراء أحمد شوقى أمة العرب منذ نحو سبعين عاماً..
نصحت ونحن مختلفون داراً.. ولكن كلنا فى الهم شرق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.