ينظر البعض إلى طلاب الجامعات الخاصة ك«شباب ينتمي للطبقات العليا المرفهة.. مولود وفي فمه ملعقة ذهب». طلاب الجامعات الحكومية على وجه الخصوص يرسمون صورة لطالب الجامعة الخاصة ك«طالب بلا مشاكل، يستمتع بالعملية التعليمية، ولا يعاني من أي ناحية». لكن سلسلة من الأحداث المتتابعة بعد اندلاع ثورة 25 يناير أدت إلى تغيير هذه الصورة، حيث تفجرت «انتفاضات طلابية» في عدد من الجامعات الخاصة للمطالبة بتشكيل اتحادات طلابية شرعية منتخبة تمثل الطلاب أمام إدارات الجامعات، وإقرار لوائح داخلية تنظم العمل وتحدد طرق الإشراف على الشؤون المالية، هذا بالإضافة إلى مطالبة البعض بإلغاء زيادات المصاريف السنوية. الجامعة الأمريكية كانت أول محطة ل«بوابة المصري اليوم» في رحلة الجامعات الخاصة هي الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بصفتها أقدم جامعة خاصة في مصر، تاريخ طويل نسبيًا مع النضال الطلابي، والتي شهدت مؤخرًا معركة كبرى ضد زيادة المصاريف. يحكي المدون والناشط السياسي خريج الجامعة الأمريكية حسام الحملاوي أن أول اعتصام حضره وهو طالب كان في عام 1996 لمساندة لبنان، وبعدها في فبراير 1998 تظاهر الطلاب أمام السفارة الأمريكية اعتراضًا على غزو العراق، لكن نقطة التحول في تاريخ الحراك الطلابي بالجامعة كانت عام 2000، وقت أحداث الانتفاضة الفلسطينية. حيث استمرت المظاهرات في أكتوبر من هذا العام لأسبوع كامل. ويشير «الحملاوي» إلى أن جميع المظاهرات التي كانت تبدأ بالتظاهر حول القضايا العالمية والإقليمية «كانت تنتهي غالبًا بمظاهرات ضد حسني مبارك ونظامه، فمظاهرة عام 2000 انتهت بهتاف «يا مبارك فوق فوق.. بكرة الضرب في باب اللوق». وقد تجددت في العام الحالي الحركة الطلابية بالجامعة الأمريكية إثر قرار عدد من الطلاب إطلاق حملة «مش دافع» في أوائل سبتمبر 2012 اعتراضًا على قرار الإدارة زيادة المصاريف 7% في خطوة اعتبرها الطلاب «نقض لوعد الإدارة بعدم زيادة المصاريف في اعتصام العام الماضي». وهكذا قرر الطلاب في 16 سبتمبر الماضي غلق الجامعة وإقفال أبوابها في وجوه الطلاب والأساتذة والإدارة، مع البدء في حملة توقيعات على الإنترنت، وصلت لحوالي 3000 توقيع، في محاولة لمنح قرار إغلاق الجامعة «شرعية أكبر». وقد ردت إدارة الجامعة على تصعيد الطلاب بإزالة البوابات. لكن الطلاب أعادوها، مع تأكيدهم على عدم الرحيل حتى تتحقق مطالبهم. وبعد تظاهرات خرجت رافضة لغلق أبواب الجامعة ومنددة ب«إعاقة المرحلة التعليمية»، قررت إدارة الجامعة أن تعلق الدراسة حتى حل الأزمة. في الوقت نفسه سعى مجموعة من خريجي الجامعة الجامعة الأمريكية للتناقش مع رئيسة الجامعة الأمريكية بالقاهرة ليزا أندرسون لإيجاد حلول للخروج من المأزق، خصوصًا أن اتحاد أولياء الأمور كان قد طلب من رئيسة الجامعة أن تقدم بلاغًا ضد الطلاب حتى يتم فضهم من قبل قوات الأمن. وبعد شد وجذب، وبعد معركة حامية، وافقت «أندرسون» على كل المطالب عدا مطلب زيادة ال«7%» ومطلب آخر بتعلق بالمصاريف، معللة ذلك بأنه «مستحيل لأن ميزانية الجامعة قد تم إعدادها مسبقًا مع حساب هذه الزيادة». الجامعة البريطانية المحطة الثانية كانت الجامعة البريطانية، والتي بدأت مشكلة طلابها منذ عامين، ولكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة بعد فشل الإدارة في حل مشكلة المعادلة البريطانية من جامعة «لافبرا» لطلبة قسم هندسة بترول بالجامعة. وقد حاولت الجامعة أن تحل الموضوع مع الطلاب «ماديًا»، فعرضت عليهم في البداية مبلغ 25000 جنيهًا، تغير بعد ذلك إلى 50000 جنيهًا بعد أن رفض الطلاب العرض الأول وقرروا الاعتصام أمام الحرم الجامعي. وأشار الطلاب إلى أن تظاهراتهم هدفها الوقوف ضد ما أسموه «عمليات نصب واحتيال وغش تجاري»، مهددين بمقاضاة إدارة الجامعة. الدكتور مصطفى جودة، نائب رئيس الجامعة، قال ل«بوابة المصري اليوم»: «حاولنا التفاوض أكثر من مرة مع الطلاب. لكنهم بعد كل تفاوض كانوا يعاودون الاحتجاج مرة أخرى»، مضيفًا «قمنا في الوقت نفسه بالتفاوض مع جامعة (لافبرا)، بل واتجهنا لمفاوضة جامعة أخرى لمنح الطلاب الشهادة المعادلة منها». وسعت الجامعة البريطانية لحل «الأزمة العلمية» ب«عرض تجاري جديد»، وذلك عقب اجتماع عمر ألفي رئيس اتحاد الطلاب وأحد المعتصمين مع محمد فريد خميس رئيس الجامعة ورئيس مجلس الأمناء. يتلخص العرض الجديد في دفع مبلغ 60,000 جنيه للطلاب كتعويض لهم، بالإضافة إلى تعويضهم ماديًا على الأموال التي دفعوها من أجل المعادلة (3 آلاف جنيه في أول عام، وألف جنيه كل عام)، مع تكفل الجامعة بدفع مصاريف شهادة الماجستير لطلاب القسم المتضررين في أي جامعة بمصر يختارون الالتحاق بها. وافق الطلاب فعلاً على العرض، مطالبين بالحصول على مستند رسمي موقع من رئيس الجامعة يوثق الاتفاق. لكن الجامعة البريطانية لم ترد، وبالتالي أكمل الطلاب اعتصامهم مع سعيهم للتصعيد «لو لم يمنحوا الموافقة الرسمية من إدارة الجامعة». وفي النهاية تحقق النصر للطلاب، فقد انتهت الأزمة بعد أن منحت الإدارة للطلاب 76 ألف جنيهًا، فضلاً عن تمويل إجراء دراسات عليا في الجامعة الأمريكية أو أي جامعة في مصر. الجامعة الألمانية أما الجامعة الألمانية فأزمتها ليست مالية، فقد قرر الطلاب إجراء استفتاء على اللائحة الطلابية الداخلية مما أدى إلى اشتباكات بينهم وبين أفراد أمن الجامعة حين حاولوا دخول الجامعة بصناديق زجاجية لإجراء الاستفتاء، لكن رغم ذلك تمكن الطلاب من إتمام الاستفتاء، فوافق 96% منهم على اللائحة التي كتبوها بنفسهم. يقول الطالب «حسن زيكو»: «كنا ننادي باستفتاء على لائحة طلابية كتبها الطلبة عوضًا عن تلك المعقدة التي تكتبها الجامعة». ولفت «زيكو» إلى أن إدارة الجامعة تبرر اعتراضها على اللائحة الطلابية بقولها إن «اتحاد الطلاب لا يجب أن يكون مستقلاً، وأن مسألة اللائحة من ضمن سلطات مجلس أمناء الجامعة»، مشيرًا إلى أن الطلاب يستعدون ل«انتخابات اتحاد طلاب جديد عوضًا عن الاتحاد الحالي التابع لإدارة الجامعة قبل يناير المقبل». ومن الملفت أن حركة طلاب الجامعة الألمانية تتشابه مع حركة قرنائهم بالجامعات الحكومية. فقد رفضت 17 حركة طلابية بالجامعات الحكومية لائحة طلابية مقترحة لاستحواذ ما يسمى ب«اتحاد طلاب مصر» على صياغتها ولرغبتهم في صياغة لائحة تعبر عن مصالح الطلاب وليس إدارات الجامعات. جامعة مصر الدولية بدأت مشكلة جامعة مصر الدولية منذ عام، عندما طالبت الحركة الطلابية بالجامعة بوجود «اتحاد طلاب شرعي» يمثل الطلاب أمام الإدارة، فاختلقت الإدارة، بحسب ما يقولون، «أعذارًا غير مبررة ترد بها على السؤال عن عدم وجود قوانين معلنة تحدد العلاقة بين الطلاب وإدارة جامعتهم». حاول الطلاب مناقشة إدارة الجامعة على مدى شهور. ووعدت الإدارة بتحقيق مطالبهم والتوقيع على اللائحة المعدلة. لكن بعد أن طلبت الإدارة تعديل بعض المواد باللائحة في بداية العام الدراسي الحالي أهملت الموضوع ولم تقم بالرد في اليوم المتفق عليه. وهنا جاء قرار الطلاب بالتصعيد عن طريق مظاهرة وسلسلة بشرية هدفها «المطالبة بتطبيق اللائحة المتفق عليها ومن أجل أول انتخابات شرعية في تاريخ الجامعة منذ نشأتها عام 1996»، فامتثلت الإدارة ووعدت بالاستجابة لمطالب الطلاب. هذا وقد أشار القيادي بالحركة الطلابية بالجامعة مصطفى قنديل إلى أنهم كتبوا «لائحة لاتحاد الطلبة تعطيه صلاحيات جيدة يستطيع بها الدفاع عن حقوق جميع الطلاب، وقدمنا اللائحة للإدارة من 6 أشهر، واستمرت الإدارة في المماطلة واختلاق الحجج لتعطيل الإمضاء، وكان هناك تباطؤ غير عادي». وتابع قنديل: «بدأنا بمظاهرات وسلاسل بشرية يوميًا. وبعد أسبوع أعلن نائب رئيس الجامعة موافقته علي اللائحة وأنها سترسل للطلاب علي الايميل. لكننا فوجئنا بلائحة أخرى غير المتفق عليها ترسل للطلاب. وبعد الضغط الشديد على مدى يومين تم تعديل اللائحة لتطابق تلك التي قدمناها». كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وفي مقابل نضالات طلاب الجامعات الخاصة، برزت كذلك تحركات طلاب الأقسام الخاصة بالجامعات الحكومية، فطلاب القسم الإنجليزي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تظاهروا ضد إدارة الكلية بسبب زيادة المصاريف دون تحسن مستوى التعليم والخدمات. فالدفعة السابقة كانت تدفع 6,000 جنيه. أما الطلبة الآن فعليهم دفع 8,700 جنيه، فضلا عن 1,000 جنيه للكتب. فقد قرر طلاب الفرقة الثانية شعبة اللغة الإنجليزية عدم دفع المصاريف حتى يصل لهم رد واضح من المجلس الأعلى للجامعات أو الكلية عن معايير تحديد المصاريف المرتفعة. ومن المنتظر أن ينضم إليهم طلاب «الشعبة الإنجليزية» في كليتي الإعلام والتجارة. وفي هذا السياق، رفع الطلاب شعارات مطالبة بالوقوف ضد تحويل التعليم إلى تجارة قائلين إنهم «لا يريدون أن يتحول تعليمهم إلى بيزنس تتربح منه إدارات الجامعات». كلنا في الهم طلبة الحركة الطلابية الصاعدة في الجامعات الخاصة تستحق الانتباه. فهي تشير إلى أن الطلاب في كل الجامعات بغض النظر عن كونها حكومية أو خاصة، وبسبب صغر سنهم وتشابه ضغوط الإدارات عليهم، يعانون مشاكل بها درجة من التماثل. المصاريف واللوائح وتقييد النشاط الطلابي وتسليع الجامعات هي أهم ما يعترض عليه الطلاب بالجامعات الخاصة. فمعظم التحركات الطلابية بتلك الجامعات رفعت مطالب متقاربة في هذه الأمور. وفي المقابل فإن إدارات الجامعات كان رد فعلها، في أحيان كثيرة، متماثل: من التسويف، إلى استدعاء الأمن وخوض المواجهات، إلى الرضوخ لبعض المطالب ورفض بعضها الآخر. وفيما يخص سياسات الإدارات الجامعية لمواجهة الحركة الطلابية، نلاحظ أن الجامعات الخاصة تفضل تعيين لواءات سابقين من الجيش أو أمن الدولة كمديري أمن، وذلك نظرًا لكونهم يمتلكون خبرة في التعامل مع التحرك الطلابي داخل الجامعات الحكومية في «عصر مبارك». لكن الناشط الحقوقي عماد مبارك يؤكد أن هذه السياسات لن تؤدي إلى شيء: «أنا مع الطالب، سواء كان طالبا بجامعة خاصة أو حكومية، طالما حقه مشروعا. فحق الفرد والإنسان لا يقاس بموقعه الاجتماعي.. أما فكرة معاقبة الطلاب، فهي فكرة عبثية أثبتت فشلها... المعاقبة تضع الإدارات نفسها في دائرة مفرغة لا توصل لشيء».