منذ صباح الأحد الموافق 13 ديسمبر الجارى وأنا أتابع الصحف، التى نشرت نتائج التقرير السنوى للمركز المصرى لحماية ودعم صناعة الدواء، لعلنى أعثر على رد من وزارة الصحة أو نقابة الصيادلة أو وزارة الاستثمار يصحح المعلومات والأحكام الخطيرة التى تضمنها هذا التقرير.. ولكن الأيام مرت والتقرير تم تداوله على عشرات المواقع الإلكترونية، وكررت «المصرى اليوم» نشره صباح الاثنين 14 ديسمبر، وأعادت «الأهرام» نشره فى عدد الجمعة 18 ديسمبر، ولم يحرك كل هذا التشهير بصناعة الدواء فى مصر ساكناً فى وزارتى الصحة والاستثمار. واللافت أن هذا التقرير صدر قبل أيام من الاحتفال باليوبيل الماسى لصناعة الدواء فى مصر، التى أتمت عامها الخامس والسبعين، وبدلاً من رصد التاريخ المهيب لهذه الصناعة الاستراتيجية الناجحة والرائدة بكل المقاييس، وبدلاً من تسجيل الملاحم الوطنية لهذه الصناعة، وإبراز الدور النضالى المذهل لروادها من العلماء والباحثين والعاملين، إذا بنا أمام تقرير خطير تناقلته بسرعة مريبة عشرات الوسائط الإعلامية، يهدم هذه الصناعة من جذورها ويدفع المواطنين إلى مزيد من فقدان الثقة فى كفاءة الدواء الوطنى، كما أنه سيؤدى حتماً إلى دعم الحملة ضد الدواء المصرى فى الأسواق العربية والأفريقية، وهى حملة ترعاها وتنفق عليها مبالغ طائلة جهات مشبوهة تخطط منذ عقود لهدم هذه الصناعة الوطنية الرائدة. يستند التقرير، الذى أصدره هذا المركز، إلى دورية «لانسيت» العالمية المتخصصة فى صناعة وكفاءة الدواء.. وينقل عنها دون تمحيص ما ذكرته عن الفوضى الشاملة والمتعمدة فى سوق الدواء المصرية.. وعن عدم خضوع هذه الصناعة فى مصر لأى رقابة، وعن افتقارها الكامل لأى خطط استراتيجية طويلة الأمد.. والأخطر من كل ذلك ما ذكرته هذه الدورية - ونقله عنها المركز - عن تزوير النشرات الطبية للعديد من المنتجات الدوائية التى تباع فى الصيدليات. والمتأمل للتقرير يكتشف - بعد عناء - أنه يتحدث أساساً عن الأدوية المهربة أو الأدوية المستوردة بواسطة القطاع الخاص، ولكن الطريقة غير الاحترافية التى حكمت صياغة التقرير، وانتقلت منها إلى التقارير الصحفية التى تناقلتها الوسائط الإعلامية المختلفة، أدت إلى خلط مخيف، وتركت انطباعاً راسخاً بأن صناعة الدواء فى مصر تحكمها «الأهواء الشخصية وسيطرة أصحاب النفوذ»، الذين يصنعون دواء عديم الكفاءة، يزوّرون نشراته الطبية ويكتبون فيها ما يحلو لهم دون أدنى رقابة من أى نوع على هذه الصناعة. والخطأ وارد ومؤكد فى تقرير صادر عن مركز حقوقى يعمل فى مجال حماية ودعم صناعة الدواء.. ويديره حالياً محام حسن النية على دراية جيدة بالقوانين المنظمة لصناعة وتداول الأدوية، ولكنه بعيد كل البعد عن أسرار هذه الصناعة العملاقة التى تحكمها صراعات ومؤامرات ودسائس، مثلما تحكمها مواثيق وعهود دولية صارمة. الخطأ وارد فى تقرير يخلط عن غير قصد بين سوق التهريب وعالم الصناعة، وينقل دون تمحيص عن دورية أجنبية أحكاماً مريبة تضرب صناعة وطنية فى مقتل، ولكن غير المقبول أن تعتصم وزارة الصحة حتى الآن بصمت أكثر ريبة، يصب فى مصلحة وحوش الأدوية المستوردة الذين يحلمون بزوال هذه الصناعة من مصر، ويسعون فى دأب شيطانى لهدم مصانع قطاع الأعمال ومصانع القطاع الخاص الوطنى، التى كانت ومازالت هى خط الدفاع الأول عن صحة المصريين. نعم، لدينا فوضى فى تجارة الأدوية وتهريبها وغشها، ولكنها فوضى لا تنتمى إطلاقاً إلى صناعة الدواء الوطنية، بل هى فوضى تستهدف هذه الصناعة العملاقة، وتخطط لحرمان المصريين منها، وإفساح السوق لصناعة الدواء الأجنبية.. وهو هدف لو تحقق لمات أكثر من نصف الشعب المصرى بسبب العجز التام عن تدبير نفقات الدواء. فانتبهوا يا سادة قبل فوات الأوان! [email protected]
