نكرر ما قلناه من قبل مراراً وعلى مدى سنوات، على الذين يتمنون أو يتوقعون أو يحرضون على صدام بين النظام والإخوان المسلمين، أن ينتظروا إلى مالا نهاية أو إلى أن يسمح النظام الحالى أو الذى سيخلفه للجماعة بتشكيل حزب سياسى لأن هذه هى النتيجة التى لا مفر من التسليم بها كما يستحيل أن يتجمد الموقف فى منتصف الطريق، فلا النظام راغب فى التراجع عن قرار السماح عام 1974، للإخوان بالعمل السياسى والنقابى والاجتماعى والإعلامى، دون جماعة شرعية، ولا هو قادر أيضاً على ذلك، بحكم تغير الظروف الداخلية وفى العالم كله بالنسبة لقضية الحريات، ولإيمان الأجهزة الأمنية باستحالة القضاء على الجماعة وبخطورة التضييق عليها إلى الدرجة التى تدفع عناصرها للعودة للعمل السرى وإغراق البلد فى موجات من القلق ليست فى حاجة للمزيد منها لأن ما هو موجود ومتوقع يشكل خطورة فعلية وإذا كان نظام الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر، بشعبيته الساحقة وسيادة الاتجاه للتنظيم السياسى الواحد فى معظم دول العالم، وبعد الضربة الهائلة التى تلقتها الجماعة عام 1954، بعد فشلها فى اغتياله لم يوقف محاولات إعادة بناء التنظيم السرى المسلح رغم أنه أفسح لمن خرجوا من الجماعة مجالاً للعمل فى كل أجهزة الدولة والمجتمع فهل هذا النظام قادر على ما لم يقدر عليه عبدالناصر؟.. والجماعة بدورها تغيرت، فلم تعد الرافضة للتعددية الحزبية أو المتورطة فى تخزين أسلحة للقيام بالاغتيالات والإرهاب مثلما كانت أو اللجوء لمناورات سياسية انتهازية كالتى قامت بها أيام حسن البنا بالتحالف مع الملكين فؤاد وابنه فاروق ورئيس الوزراء إسماعيل صدقى باشا.. ضد حزب الوفد لكسر شعبيته لصالح القصر مقابل مكاسب سياسية وكرروها مع ثورة يوليو، ومع السادات، واستفادوا كثيراً جداً ابتداء من عام 1982 فى عهد مبارك وحتى الآن من تجربة العمل مع الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة، وخوض الانتخابات والمساومات، مما أدى إلى تسلل المرونة والاعتدال إلى عقليات الكثير من قياداتهم، وتخطف أبصارهم تجربة تولى نظرائهم الأتراك الحكم بدعم أوروبى وأمريكى، وبالتالى فهم بدورهم ليسوا على استعداد لارتكاب حماقة تفقدهم كل ما كسبوه من النظام مهما تمادى فى اتخاذ الإجراءات ضدهم لعلمهم أنها محسوبة ولوقف تمددهم لإعادتهم إلى حجم محدد، وسيقبلون بما يبقيه لهم، حتى لو تم تزوير الانتخابات القادمة ضدهم بأن يكون لهم عشرة أعضاء فى مجلس الشعب بدلاً من 88 أو حتى ولا واحد، والاثنان يفهمان بعضهما أكثر من فهم الآخرين لهما، ولهذا لم تكن هناك غرابة أن يترك النظام اجتماعات مكتب الإرشاد علنية تعقبها مؤتمرات صحفية للمرشد العام خفيف الظل محمد مهدى عاكف رغم أنه- قانوناً- يمكن القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة بأنهم محظورون، كما كان ممكناً للأمن تعطيل انتخاب مجلس الشورى العام لمكتب الإرشاد الجديد رغم إجرائه بالتمرير بالقبض على من يحمل أى ورقة متوجهاً بها لعضو مجلس شورى ليدلى فيها بصوته أو بعد أخذها منه لتكون دليلاً مادياً وهى إجراءات حدثت من قبل مرات عديدة.. أثناء عقد مجموعات من الإخوان اجتماعات محدودة سواء لمجلس الشورى أو للتخطيط لانتخابات مجلس الشعب، وصدرت فيها أحكام بالسجن خمس سنوات على البعض ومنهم صديقنا الدكتور عصام العريان عام 1995. أى أن جوهر موقف النظام والإخوان من بعضهما لم يحدث فيه أى تغير، وبالتالى فالقول بأن المتشددين أو المحافظين أو القطبيين- نسبة لسيد قطب عليه رحمة ربك- حققوا انتصاراً على المعتدلين والمنفتحين ودعاة التجديد فى انتخابات مكتب الإرشاد، والتحذير من تغييرات فى سياسات الجماعة، هو قول لا يستند إلى أساس باستثناء أن الأمين العام للجماعة الدكتور محمود عزت، وآخرين كانوا أعضاء فى تنظيم 1965 بزعامة سيد قطب الذى كفر الدولة والمجتمع فى كتابه «معالم فى الطريق»، وقام التنظيم بتخزين الأسلحة والتدريب عليها، ووضع رسومات كروكية للأماكن التى سيتم نسفها ومنها القناطر الخيرية وتجنيد أحد الحراس الخاصين لجمال عبدالناصر وهو إسماعيل الفيومى لاغتياله عندما تصدر له الأوامر، وهذه تفاصيل موجودة فى كتاب صديقنا وزميلنا العزيز الراحل جابر رزق- مذابح الإخوان فى سجون ناصر- وكان أحد أعضاء التنظيم وحكم عليه بالسجن 15 سنة وأفرج عنه عام 1974، وكان المستشار الصحفى للمرشد الثالث عمر التلمسانى- عليهما رحمة الله- والحقيقة التى لا يدركها الكثيرون أن سيد قطب لم ينشئ التنظيم لأنه كان فى السجن، إنما الذى بدأ فى إنشائه قبل اكتشافه بالصدفة بسنوات، عبدالفتاح إسماعيل وزينب الغزالى، أى استمرار للإخوان، ولم يكن سيد قطب قد ألف كتابه إنما كان مشغولاً وهو فى السجن باستكمال كتابه «فى ظلال القرآن»، وكلما انتهى من جزء أرسله خارج السجن ليطبع فى مصر.. وأخبرته زينب الغزالى بحكاية التنظيم، وعرض عليها فصولاً من كتابه «معالم فى الطريق» وصدر الكتاب عام 1964 فى أول طبعة له عن مكتبة وهبة بشارع الجمهورية وعرضه فى إذاعة القرآن الكريم صديقنا الإخوانى والكاتب دمث الخلق محمد عبيد عبدالله السمان- عليه رحمة الله- وخرج قطب من السجن فى نفس السنة ولم يصادر الكتاب إلا بعد القبض على التنظيم عام 1965. واكتشاف أنه دستوره وأساسه الفكرى.. صحيح أن قيادات الجماعة فى السجون لم يوافقوا على ما انتهى إليه قطب لكن ما يهمنا أن من بنوا التنظيم كانوا «إخوان»، ولم تختلف أفكارهم كثيراً عنهم وشهدت التغييرات التى أشرنا إليها بعد عام 1982، والالتزام بها، وربكم الأعلم بما فى الصدور، أما ما يهمنا فهو ما يعلنونه ويلتزمون به، وهو يبتعد عن أفكار قطب ويتمسك بما انتهت إليه الجماعة، أما وجود بعض الخلافات حول تولى قبطى رئاسة الجمهورية أو دخول المرأة عضواً فى مكتب الإرشاد واعتبارهما مع غيرهما من قضايا صراعاً بين إصلاحيين وقطبيين فهى خلافات عادية يحدث أكثر وأعنف منها فى جميع الأحزاب والهيئات حتى القضائية بالنسبة للمرأة وتوليها منصب القضاء والنيابة بل إن البابا شنودة يعارض ترشيح قبطى لرئاسة الجمهورية رغم تأييد صديقنا الدكتور محمد السيد حبيب، النائب الأول للمرشد، فهل يتفق البابا مع القطبيين؟! وهكذا انتهت المساحة المخصصة قبل أن ننتهى نحن مما نريد قوله.