لم يتوقف الجدل الدائر حول مدى خطورة الإصابة بفيروس أنفلونزا الخنازير «A H1N1» منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عنه فى شهر إبريل من العام الماضى، حيث ساد الذعر فى أنحاء كثيرة من العالم، خاصة أن خبر ظهور الفيروس كان مصاحبا لخبر آخر مضمونه وفاة 20 مواطنا مكسيكيا بعد الإصابة به. الذعر الذى انتقل إلى مصر بسرعة البرق، تبعه عدد لا حصر له من القرارات الحكومية لمواجهة الفيروس، بدأتها وزارة الصحة بإعلان الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة، عن أن الوزارة تستعد لإقامة «مقابر جماعية» لحالات الوفاة التى ستنتج عن الفيروس، وهو التصريح الذى ساهم فى زيادة رعب المواطنين من أنفلونزا الخنازير، وخوفهم من تحوره أو اتحاده مع فيروس أنفلونزا الطيور لينتجا فيروسا جديدا أشد خطورة وفتكا من سابقه. الآن، وبعد مرور حوالى 9 أشهر منذ بدء الإعلان عن المرض، تغير الوضع كثيرا عن الشهور السابقة . هدأ الذعر قليلا، ولم تهدأ حالات الوفاة التى أصبحت تتزايد يوميا، ولكن كل ما حدث لم يمنع أن يخرج عدد كبير من نقابة الصيادلة ليعلنوا ويقولوا إن أنفلونزا الخنازير «وهم كبير» عاشه المصريون ومعهم حكومتهم. «مجرد وهم وبيزنس لصالح شركات الأدوية العالمية». هكذا وصف د. محمود عبدالمقصود، أمين عام نقابة الصيادلة، الخوف من مرض أنفلونزا الخنازير، مضيفا أن مصر وقعت ضحية لصالح مجموعة من شركات الدواء العالمية، وساهمت قرارات منظمة الصحة العالمية فى الخوف والذعر و«إيهام» المواطنين بأن هناك كارثة تنتظرهم. ويرى أن المؤامرة كانت «محكمة»، ووقع ضحيتها أيضا وزير الصحة الذى كان مدركا من البداية لوضع الفيروس الحقيقى دون تضخيم، لكنه اضطر إلى التماشى مع الموجة الإعلامية فى تضخيم وضع فيروس أنفلونزا الخنازير فى مصر، ويتابع: «من الأفضل لوزير الصحة أن يضخم الأمر وبعد كده يطلع مفيش حاجة، بدل ما يهدى الناس من الأول وفى الآخر تطلع هناك مصيبة». ويشير عبدالمقصود إلى أن نسبة الوفاة من فيروس أنفلونزا الخنازير فى مصر «أقل من الطبيعية»، وأن وهم الخوف من الفيروس بدأ ينقشع عن المواطنين، خاصة مع انشغالهم بأمور أخرى مثل كأس الأمم الأفريقية. الدكتور محمد عبدالجواد، القائم بأعمال نقيب الصيادلة، يقول إن فيروس أنفلونزا الخازير تم إحاطته ب «المبالغة الشديدة»، رغم أن الفيروس ضعيف الخطورة، ولو أصاب إنساناً نسبة قوة حالته الصحية خمسة من عشرة فقط، سيشفى منه. ويشير إلى أن الدول الأوروبية أعلنت منذ حوالى الشهرين أن فيروس أنفلونزا الخنازير لم يعد له وجود، وتم إدراجه فى قائمة فيروسات الأنفلونزا «غير الخطرة»، وهو ما يتوقع حدوثه فى مصر قريبا، خاصة أن الفيروس لم يتحور ويتم القضاء عليه من خلال عقار «التاميفلو». ودعا عبد الجواد وزير الصحة إلى الظهور فى «الوقت المناسب» خلال الشهر القادم ويعلن أن فيروس أنفلونزا الخنازير غير خطير ووضعه حاليا لا يدعو إلى القلق. ويؤكد الدكتور أحمد رامى، عضو مجلس نقابة الصيادلة، أن تضخيم الفيروس يرجع إلى مصالح شركات الأدوية والمنظفات التى استفادت كثيرا من تضخيم الخوف من الفيروس، والمتاجرة بفزع المصريين، بالإضافة إلى التصرفات الخاطئة التى قامت بها وزارة الصحة ووزير الصحة نفسه، مثل تصريحاته بشأن «المقابر الجماعية»، والتى وصفها رامى بالخطأ المهنى والسياسى. ويصف الدكتور سيف إمام، عضو مجلس نقابة الصيادلة، فيروس أنفلونزا الخنازير بأنه «وهم» أكثر منه «حقيقة»، مرجعا ذلك إلى غياب ثقافة إدارة الأزمات فى مصر، ووجود قدر كبير من التخبط والتداخل فى قرارات وزارة الصحة، وأزمة الثقة بين الحكومة والمواطنين، فعندما تعلن وزارة الصحة أن التطعيم آمن ولا خطورة منه، ويظهر عدد قليل من الأطباء يشككون فى فاعليته، فورا ينساق المواطنون إلى آراء الأطباء، ولا يأخذون فى الاعتبار قرارات وزارة الصحة ومن ورائها الحكومة.