وزير التعليم العالي يتفقد الأعمال التنفيذية بمشروعات جامعة كفر الشيخ    «أكاديمية الشرطة» تنظم ورشة تدريبية عن «الدور الحكومي في مواجهة مخططات إسقاط الدولة»    رئيس جهاز العبور يتابع سير العمل بمشروعات الطرق والمحاور    السيسي للحكومة والإعلام: اتكلموا مع الناس، هو أنا هتعذب لوحدي    جامعة القاهرة تحصل على منحة إضافية لإنشاء مركز التميز للزراعة والمياه    مخاوف من توقف محطة المياه عن العمل في غزة    بيان من الفصائل الفلسطينية بشأن قرار محكمة العدل الدولية    عبدالحليم قنديل: يكتب مصير «كامب ديفيد»    الزمالك يحصل على توقيع الجزار مدافع غزل المحلة    كاشيما ينتصر على كونسادول سابورو بالدوري الياباني    مدرس لغات بمدارس انترناشونال.. التجديد 15 يوم ل "سفاح التجمع"    «حجازي» يتفقد امتحانات الدبلومات الفنية.. ويشدد على التصدي لمحاولات الغش    ضبط 14 طن أقطان غير مطابقة للمواصفات بالقليوبية قبل ترويجها بالأسواق    حبس سفاح التجمع لاتهامه بقتل 3 سيدات ورمي جثثهم على الطريق الصحراوي    ضبط شخصين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بشبرا الخيمة    مهرجان جمعية الفيلم السنوي يكشف عن أفلام دورته ال 50    العوضي: ربنا نجاني من حادث السيارة بفيلم "هبوط اضطراري"    جامعة الإسكندرية تبحث التعاون مع سفير اليونان    داعية: الصلاة النارية تزيد البركة والرزق    هل من حق الشاب منع خطيبته من الذهاب للكوافير يوم الزفاف؟ أمين الفتوى يرد    الصحة: إصدار 290 ألف قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة تجاوزت 1.7 مليار جنيه    توقيع 3 مذكرات في الري والثقافة والتجارة.. 22 مسؤولًا من أذربيجان يزورون مصر    لأول مرة.. وزير المالية: إطلاق مشروع تطوير وميكنة منظومة الضرائب العقارية    تعرف على المحطة الخامسة لمعرض "رمسيس وذهب الفراعنة" في أوروبا    وزير الري: مشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط يخدم الدول الإفريقية    منافسة قوية بين الأهلي والترجي لتعزيز رقم تاريخي.. «غير اللقب»    المفتي: لا يجب إثارة البلبلة في أمورٍ دينيةٍ ثبتت صحتها بالقرآن والسنة والإجماع    محمد علي يوضح سنة مهجورة بعد الوتر    وفد لجنة الإدارة المحلية بالنواب يتوجه فى زيارة ميدانية لمحافظة البحر الأحمر    أستاذ زراعة: اهتمام غير مسبوق بالنشاط الزراعي في الجمهورية الجديدة وطفرة في الصادرات    عاجل.. صدمة مدوية للشناوي بسبب نجم الزمالك    "كولر بيحب الجمهور".. مدرب المنتخب السابق يكشف أسلوب لعب الترجي أمام الأهلي    إنبي يكشف حقيقة انتقال أمين أوفا للزمالك    4 صور جديدة تظهر رشاقة شيماء سيف بعد خسارة 50 كيلوجراما من وزنها    وزير الخارجية يقوم بزيارة الي بيت مصر بالمدينة الجامعية في باريس    وزير الدفاع الأمريكي يستأنف عمله بعد خضوعه لإجراء طبي    "المقاومة الإسلامية بالعراق" تعلن قصف "هدف حيوي" بإيلات    الأهلى ضد الترجى.. بطل تونس يعلن جاهزية بن حميدة لمواجهة الليلة    للذكور والإناث.. بدء اختبارات القبول للدفعة العاشرة من معاوني الأمن (التفاصيل والشروط)    جامعة المنيا تنظم قافلة طبية لقرية دلجا    برنامج تدريبى حول إدارة تكنولوجيا المعلومات بمستشفى المقطم    حيل ذكية لتبريد المنزل دون مكيف الهواء في الموجة الحارة.. وفر فلوسك    أسعار الذهب صباح اليوم السبت 25 مايو 2024    حبس سائق دهس شخصين في النزهة    صباحك أوروبي.. عهد جديد لصلاح.. صفقات "فليك" لبرشلونة.. وغموض موقف مبابي    إصابة 25 شخصا فى حادث انقلاب سيارة ربع نقل على طريق بنى سويف الفيوم    الصين تعلن انتهاء مناوراتها العسكرية حول تايوان    نصائح الدكتور شريف مختار للوقاية من أمراض القلب في مصر    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    Genesis Neolun| الكهربائية الفاخرة.. مفهوم يعبر عن الرفاهية    عيد الأضحى 2024 الأحد أم الاثنين؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    ليست الفضيحة الأولى.. «الشاباك» الإسرائيلي أخطأ مرتين في نشر صورة إعلامي مصري    إطلاق مئات الآلاف من البعوض المعدل وراثيا في الهواء    حظك اليوم| برج القوس 25 مايو.. تأثير في الحياة العاطفية والاجتماعية    استعلم الآن.. رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2024 الترم الثاني بالاسم والرقم القومي    المدارس المصرية اليابانية تعلن بدء التواصل مع أولياء الأمور لتحديد موعد المقابلات الشخصية    "كان يرتعش قبل دخوله المسرح".. محمد الصاوي يكشف شخصية فؤاد المهندس    مواعيد مباريات اليوم السبت والقنوات الناقلة، أبرزها مواجهة الأهلي والترجي في النهائي الإفريقي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أسامة الغزالى حرب يكتب: أرض الإهمال

أكتب هذا المقال بمناسبة سرقة لوحة الفنان العالمى «فان جوخ» «زهرة الخشخاش» من متحف محمد محمود خليل بالقاهرة (التى نبهنا الأستاذ محمد سلماوى إلى أن اسمها الصحيح هو «آنية وزهور»! فى مقاله بأهرام 1 سبتمبر 2010)، ولكن موضوعى ليس هو على الإطلاق سرقة تلك اللوحة بالذات، ولكن ما أريد أن أتناوله هنا هو ظاهرة مصرية بامتياز، ليست سرقة اللوحة المذكورة إلا إحدى علاماتها البسيطة! إنها ظاهرة الإهمال أو التسيب أو اللامبالاة التى تكاد تكون سمة قومية ترتبط بمصر والمصريين.
ويقينى – ابتداء - أنه لا أمل ولا مجال لإحداث إصلاح حقيقى فى بلدنا ومجتمعنا إلا إذا بدأنا بنقد أنفسنا، وكشف عيوبنا، التى يقع داء الإهمال بالقطع ضمن أبرزها! ولنستعد هنا بعض الحقائق التى كشف عنها اختفاء لوحة «فان جوخ». فوفقا لما صرح به النائب العام ونشر فى الصحف فى الأسبوع الماضى فقد اكتشف سيادته أن «جميع» أجهزة الإنذار معطلة، وأن كاميرات المراقبة ال43 التى يحتويها المتحف لا يعمل منها إلا 7 فقط! (وبالطبع لن نسأل هنا ماذا كانت تكلفة توريد وتركيب وصيانة تلك الأجهزة والكاميرات). وقال النائب العام أيضا إن عدد أفراد الحراسة غير كاف، فضلا عن أن الحراسة أيضا شكلية ولا تسمح للحراس بأى سيطرة فعلية على المتحف، سواء فى الداخل أو من الخارج! والأدهى من ذلك أن نفس الملاحظات اكتشفتها النيابة العامة فى حادث سرقة 9 لوحات من متحف آخر هو «متحف محمد على» فى العام السابق 2009، فضلا عن أن اللوحة المعنية نفسها سبق أن سُرقت عام 1977 وتمت استعادتها!
وعندما تفجر الخلاف بين وزير الثقافة والسيد محسن شعلان، المسؤول عن قطاع الفنون التشكيلية بالوزارة، ظهرت مفاجآت أخرى مخزية ومخجلة. فالمسؤول الكبير بالوزارة قال إن المتاحف المصرية فى حالة متردية، ونبهنا إلى حقائق مفزعة تتعلق بمتاحف أخرى فى مصر، وأشار بالذات إلى متحفى «الجزيرة بالقاهرة»، و«حسين صبحى بالإسكندرية»، أما متحف الجزيرة الذى يضم فى مخازنه ما يقدر بأربعة آلاف قطعة من أفضل الأعمال الفنية فى العالم، التى قدرت قيمتها منذ أكثر من 20 عاما ب 30 مليار دولار (؟!)،
فلن أضيف بشأنه جديدا أكثر مما ذكرته الصحفية حنان حجاج فى تحقيقها المتميز الذى نشرته بالأهرام فى 31 أغسطس الماضى، وذكّرتنا فيه بأن مقتنيات ذلك المتحف جُلبت أساسا من قصور العائلة المالكة وأثرياء مصر ما قبل الثورة (أى أثرياء العهد البائد وفقا للتسمية التى أطلقها رجال ثورة يوليو المجيدة!) وذكّرتنا أيضا بأن المتحف نفسه كان قد بناه أصلا المهندس المصرى الشهير مصطفى بك فهمى «على طراز شديد التميز ونفذته شركة إيطالية وافتتحه الملك فاروق تحت اسم (متحف الحضارة) باعتبار أنه يؤرخ لتطور الحضارة الإنسانية فى عصورها المختلفة»!
أما الآن – كما تقول حنان حجاج - ف«لا أحد يعلم ماذا فعل سجن المخازن بتلك الكنوز، وهل لا تزال كما هى أم امتدت إليها يد العابثين طوال سنوات كانت مكدسة خلف حجرات لا تستعصى على الفتح، وحوائط خشبية لا تستعصى على الكسر» (؟!) وتصيبنا الزميلة بالهلع والجزع عندما تسأل د. نوار باعتباره فنانا تشكيليا معروفا عن إمكانية أن تؤثر الطريقة المزرية التى تخزن بها مقتنيات المتحف عليها فيقول لها: «نعم تؤثر مليون فى المائة! بل ويمكن أن تفسد تماما التحف، سواء لوحات أو مقتنيات أخرى»!
 غير أن الأدهى والأمر (وهناك دائما أدى وأمر) هو ما جاء فى جريدة الشروق أول سبتمبر الماضى على لسان د. على محمد على، أستاذ الفنون بجامعة قناة السويس، من أن هناك تكتما من جانب وزارة الثقافة على عمليات «نهب وإهمال كاملة يتعرض لها ليس فقط متحف الجزيرة وإنما أيضا قصر عائشة فهمى بالزمالك..»! وقال د. على: «إن جميع من يعمل بقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة وخارجها يعلمون جيدا أن ما تم نهبه وتم الصمت عليه طوال الأعوام الماضية ثروات من الفنون لا حصر لها ضاعت ولم يحاسب عليها أحد!».
أما متحف حسين صبحى أو متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية الذى اكتمل بناؤه عام 1954 على أرض أهداها لبلدية الإسكندرية البارون «دى منشا»، أحد الاثرياء الأجانب الذين كانوا يعيشون فى المدينة، ليكون متحفا فنيا بالإسكندرية، يعرض فيه مقتنياته من الأعمال الفنية العالمية الثمينة خاصة للفنان «إدوارد فريدهايم» التى بلغت 210 أعمال، وكان يقام فيه بينالى الإسكندرية بشكل منتظم فهل أصبح هو أيضا ضحية الإهمال والتقصير؟!
غير أن ما يصيب الإنسان بمزيد من الدهشة والفزع أيضا ما أعلن بشأن متحف النوبة فالمتحف حديث جدا (تم إنشاؤه فى عام 1997 أى منذ 13 عاما فقط) ومبنى المتحف فى ذاته يعكس العبقرية الإبداعية لمصممه المهندس المصرى محمود الحكيم، والتناغم مع البيئة المحيطة به من صخور وتلال وشمس حارقة! والمتحف، فضلا عن أنه يحكى التاريخ الطويل والمثير للنوبة وحضارتها وأهلها، فإنه يضم حديقة رائعة، وقطعا أثرية منذ عصور مختلفة تعود إلى ما قبل التاريخ!
 هذا المتحف أعلن مسؤولو المجلس الأعلى للأثار – عقب حادثة سرقة زهرة الخشخاش- إغلاقه بسبب تعطل كاميراته وأجهزة الإنذار فيه، بعد انتهاء عمرها الافتراضى! هنا أطرح تساؤلا بسيطا: هل عملية تجديد الكاميرات وأجهزة الإنذار تحتم بالضرورة منع زيارة المتحف أمام آلاف السياح الذين يفدون من بلادهم البعيدة لمشاهدة آثار مصر وتأمل تاريخها، خاصة أن كثيرا منهم يأتى مسلحا بالخرائط والكتب بل بدليل المتحف نفسه للاطلاع المباشر على مقتنياته؟ وهل كان لابد أن تسرق زهرة الخشخاش حتى يتنبه المسؤولون إلى تدهور أنظمة أمان وحماية متحف النوبة؟
على أى حال، يبدو أن حكاية متاحف مصر مسألة يطول شرحها، ولكنى فقط سوف أضيف مثالا أخيرا أصادفه شخصيا بشكل يكاد يكون يوميا ويثير لدىّ - فى كل مرة - تعجبا وتساؤلا! ففى شارع 26 يوليو فى القاهرة، ناحية مسجد السلطان أبوالعلا وخلف مبنى وزارة الخارجية مباشرة، توجد «خرابة كبيرة» عليها لافتة «متحف المركبات الملكية» ألاحظ منذ سنوات طويلة أن جدرانها الخارجية أحيانا تجدد وترمم بالجبس الأبيض ثم يقف الأمر عند ذلك، وتبدأ القذارة والتلوث والعنكبوت تعشش عليها، وتظهر مرة أخرى عمليات ترميم وتنظيف محدودة ثم تختفى.. وهكذا. وعندما رجعت للمراجع المتخصصة وجدت عجبا!
فتلك الخرابة كانت فى الأصل مبنى فاخرا أنشأه الخديو إسماعيل عام 1863 أى منذ ما يقرب من «160» عاما ليكون مبنى للمركبات الخديوية والخيول، وأطلق عليه وقتها اسم «مصلحة الركائب الخديوية» ثم «متحف الركائب»، ثم أضاف إليه الملك فؤاد بعض التعديلات عام 1917 وكان بمثابة إسطبل للخيول لحفظ العربات الملكية! وكان يفترض أن المتحف يحتوى على 67 عربة ملكية من أشهرها عربة الآلاى الكبرى التى أهداها نابليون الثالث والملكة أوجينى للخديو إسماعيل عند افتتاح قناة السويس عام 1869، وقام الملك فاروق بتجديدها واستخدامها فى أثناء افتتاح البرلمان وفى زفافه! وغيرها من المركبات الفاخرة والفريدة وأنا هنا أتساءل: أين يا ترى هذه المركبات الآن وما حالها؟!
غير أن الأدهى من ذلك أننى اطلعت على موضوع نشر فى جريدة وطنى (يوم 10 يوليو 2007 بواسطة إيمان حنا) يتحدث عن قرب الانتهاء من تطوير متحف المركبات الملكية الموجود فى منطقة بولاق بتكلفة قدرت بنحو 25 مليون جنيه واستغرق ترميمه وتطويره حوالى العامين؟!! و«يفتتح قريبا وسيتم إدراجه على الخريطة السياحية»، وبالمناسبة فإن المبنى قريب جدا من وزارة الخارجية ويمكن أن يكون أحد المواقع الجاذبة لزوار الوزارة من الدبلوماسيين الأجانب. ولكن سؤالى البسيط هو: أين ذهبت ال 25 مليون جنيه؟ أين هذا التطوير؟ بل أين العربات الملكية ذاتها؟!! إننى أدعو كل من يقرأ هذا المقال إلى أن يمر على المتحف المذكور ربما يساعدنى فى العثور على إجابة عن تساؤلاتى.
ماذا أقصد من هذا كله؟
أقصد أن القضية ليست سرقة زهرة الخشخاش ولا قضية متحف محمد محمود خليل ولا قضية متاحف مصر كلها، بل ليست قضية الوزير فاروق حسنى، فالرجل قضى فى منصبه وقتا أطول بكثير جدا من اللازم، ويستحيل عليه – حتى من الناحية الإنسانية البحتة - أن يضيف أى جديد إلى عمله بعد قضاء ما يقرب من 23 عاماً فى نفس المكان؟!! القضية هى ذلك الداء أو المرض الذى يخيم بظله الثقيل على مصر كلها.. ليس فقط متاحفها وإنما جميع مبانيها: مساكنها وفى قراها ومدنها ومؤسساتها الحكومية والخاصة.
إن نظرة واحدة، لا أقول خارج العاصمة فى الصعيد أو الدلتا أو سيناء، وإنما فى قلب القاهرة، وفى وسط المدينة.. وفى أهم شوارعها الرئيسية: الطرق والمبانى والمركبات ووسائل المواصلات (بما فيها تاكسى لندن الجديد؟!) والبشر الهائمين على وجوههم... إلخ، تكشف بجلاء (وهو ما يلاحظه القادم الأجنبى غير المعتاد على المنظر) كيف أن الإهمال أضحى ظاهرة مصرية قومية تطرح علينا فى كل لحظة التساؤل: لماذا هذا؟ وكيف وصلنا إلى ذلك الحضيض؟ ذلك هو جوهر السؤال!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.