فى عام 1995 تلقيت دعوة من الدكتور سعيد النجار رحمه الله والأستاذ الدكتور سعد الدين إبراهيم أمد الله فى عمره، للمشاركة – كأمين عام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان وقتها – فى عضوية لجنة لمراقبة الانتخابات، يشارك فيها إلى جانب أربع مؤسسات حقوقية معروفة عدد من الشخصيات العامة المرموقة. لم أكن متحمسا لقبول الدعوة أو للمشاركة، وقدمت باسم المنظمة ورقة عمل ترفض الانخراط فى مراقبة انتخابات كان من المقطوع به وفقا للخبرات المتراكمة أنها لن تكون نزيهة بأى شكل من الأشكال. على أن تشكيل اللجنة والشخصيات التى قبلت الانضمام إليها، فضلا عن الهجوم الضارى عليها واتهامها بكل خسيس من الاتهامات جعل الانسحاب منها أمرا صعبا. وأقر الآن بأن تلك كانت المرة الأولى التى يقوم فيها تحالف حقيقى وقوى بين مؤسسات مدنية وشخصيات عامة معروفة، وعلى قواعد واضحة وعلمية من أجل مراقبة العملية الانتخابية. أصدرت المنظمة فيما بعد تقريرا مفصلاً عن تلك الانتخابات بعنوان «انتخابات لم ينجح فيها أحد» رصدت فيه المخازى التى رافقت تلك الانتخابات وقدمت توصيات لتلافيها، وفى عام 2000 وعلى الرغم من أنه نتيجة ظروف متعددة لم تكن هناك محاولات كبرى لمراقبة الانتخابات، فإننى شاركت مع الصديق د. جهاد عودة والأخ حافظ أبوسعدة فى دراسة حول هذه الانتخابات والتى كانت تخضع لإشراف قضائى كامل وقتها صدرت باللغتين العربية والإنجليزية تحت عنوان «باب على الصحراء» انتهت بالعديد من التوصيات الرامية الى تحسين مناخ العملية الانتخابية. وفى عام 2005 شاركت من خلال الحملة الوطنية لمراقبة الانتخابات التى كانت تضم أربع مؤسسات حقوقية مرموقة فى مراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بل فى تحرير التقرير النهائى عن الانتخابات، والذى صدر تحت عنوان «ذكر ما جرى» أعدت فيه ترديد نفس ما رددته خلال العشر سنوات الماضية، متعلقا بضمان نزاهة الانتخابات. وقد اكتشفت خلال تلك الفترة أن تنظيم انتخابات نزيهة أمر يخرج عن طاقة النظام السياسى ويتعارض جذريا مع مصالحه. تداعت تلك الذكريات إلى ذهنى وأنا أتابع النتائج التى أسفرت عنها انتخابات مجلس الشعب التكميلية فى دائرة أجا، والتى أعلنت نتائجها الأسبوع الماضى. يلفت الانتباه أولا فى تلك الانتخابات فوز مرشحى الحزب الحاكم بأغلبية كاسحة وصلت إلى ما يزيد على سبعة وثمانين ألف صوت لكل منهما مقابل أربعة آلاف صوت فقط لصاحب المركز الثالث!!!. كما يثير العجب ثانيا أن يربح الحزب الحاكم هذه الانتخابات فى الأسبوع الذى وصلت فيه أزمة الغاز إلى ذروتها فى جميع أنحاء البلاد إلى درجة سقوط قتلى فى صراع الحصول على الوقود، فمن المعروف أن الأحزاب الحاكمة فى الدول الديمقراطية حول العالم تخسر فى العادة الانتخابات التكميلية، نتيجة تململ الناخبين من تطبيقها لبعض السياسات التى يرونها ضارة بهم، وعلى العكس فى مصر فإن سياسات الحزب الوطنى التى تؤدى – وفقا لما يقوله نوابه فى البرلمان - إلى إفقار الفلاحين عمدا، وانخفاض مستوى الخدمات الأساسية المقدمة إلى الجمهور خاصة فى المدن والمراكز الصغيرة، قد يسرت له الفوز بجميع الانتخابات التكميلية التى جرت أثناء هذا الفصل التشريعى، وهو ما يثير التساؤل حول جدوى العملية الانتخابية ذاتها!!!. وتؤكد تلك الانتخابات ثالثا أن التلاعب بأحكام القضاء هو سياسة ثابتة للحكومة، فعلى الرغم من صدور الأحكام الخاصة بإعادة الانتخابات فى بعض الدوائر خلال عام 2005 فإن تنفيذ تلك الأحكام تراخى إلى قبيل انتهاء الفصل التشريعى لمدد تتراوح من أربعة أشهر إلى عامين، أعيدت الانتخابات بدائرة المنشية عام 2007، وفى عام 2008 أجريت الانتخابات فى كفر الشيخ وبعدها الفيوم وبعدها دائرة شبين القناطر منذ عدة أشهر، ثم دائرة أجا قبيل أربعة أشهر فقط من انتهاء الفصل التشريعي. تقديرى أن الدولة يتعين أن تنفذ وبحسن نية أحكام القضاء، وليس من قبيل تلك النية الحسنة أن تترك الأحكام مهملة بلا تنفيذ لفترة طويلة أو تنفذها على النحو الملائم لرغبات الحكام ومصالحهم، فإن فعلت فهى تمتهن العدالة ورجالها بطريقة لا تليق بالحكومة ولا بالقضاء . فى ظنى أن انتخابات أجا ومن قبلها شبين القناطر ومن قبلهما انتخابات مجلس الشورى والمحليات تؤكد أنه سواء جرت مراقبة الانتخابات البرلمانية القادمة محليا أو دوليا فإن النتيجة واحدة ومعروفة سلفا .....لقد توفيت السيدة نزيهة، وهى فى حاجة إلى معجزة كى تعود إلى الحياة من جديد.