مازلت أتابع الكلام عن الرسائل التى لا تصل رغم أهميتها، ومن هذه الرسائل شهر رمضان وصيامه. الصيام عبادة ذات طابع خاص، يقول تعالى فى الحديث القدسى «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به». ما الذى يجعل الصوم مختلفا عن أركان الإسلام الأخرى، قيل فى أحد التفسيرات إن الصوم عمل باطنى لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فهو نية قلبية بخلاف سائر الأعمال فإنها تظهر ويراها الناس أما الصيام فإنه عمل سرى بين العبد وربه، وقيل الصوم جماع الصبر فهو صبر على الطاعات وصبر عن المحرمات وصبر على المنغصات، والله تعالى يقول: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). اختار الله للصيام شهر رمضان، الشهر الذى أنزل فيه القرآن، الشهر الذى يضم ليلة خيرا من ألف شهر وهى ليلة القدر، رسائل سرية بين العبد وربه عبادة مميزة فى شهر مميز، سر وراء سر، ورسالة وراء رسالة. الرسالة الأولى، كسر العادات التى تتحول عند الناس لعبادات، صوم رمضان يكسر العادات، على مدى شهر تتغير عادات 11 شهر، فى الطعام والشراب والنوم وتفاصيل الحياة اليومية، وأولها أننا لا نأكل حين نجوع ولكن فى مواقيت محددة لا يمكن أن نأكل قبل المغرب أو بعد أذان الفجر. يدربنا الله كل عام على كسر العادة، كيف يمكن أن نبدأ عادات جديدة بالإرادة والتدرب تدريباً سنويا على تنمية ملكات الإنسان وتقوية إرادته، للأسف لانستفيد منه لأننا لا نلتفت إلى أولى الرسائل وهى أنه يمكنك أن تغير عاداتك، يمكنك أن تتحكم فى شهواتك، يمكنك كل عام أن تبدأ من جديد. الرسالة الثانية : الإحساس بالجوع يحنن قلبك على المحتاج، يحثك على التفكير فيمن يجوع طوال العام وليس فقط فى ساعات النهار المحددة للصيام، هناك من يحتاج مساعدتك فى هذا الكون، لوجودك رسالة، لست وحدك فى هذه الحياة هناك من يجب أن تشاركه ويشاركك عطايا الله ونعمه تتحول عبارات مثل «حب لأخيك مثلما تحب لنفسك» و«ما استحق إن يولد من عاش لنفسه فقط» لأحاسيس ومشاعر تخاطب العقل والوجدان فتدفعه لفعل الخير والكرم والجود والعطاء، إنه شهر البذل. الرسالة الثالثة: التدبر والتفكر، فى هذا الشهر الكريم نحرص على قراءة القرآن.. صلاة التراويح والتهجد.. سلوكيات تعبدية وعبادات تبعدك عن اللهاث اليومى وزحمة البرامج، وتعطيك فرصة للتدبر والتأمل وهو ما يحثنا عليه الله فى الكثير من آيات القرآن. هذه الرسائل الثلاث الرئيسية تختفى وسط هذا الشره الاستهلاكى الذى نكون أشد حرصا عليه فى رمضان، زيارة لأى «سوبر ماركت» تؤكد زيادة الاستهلاك والإنفاق فى الشهر الكريم الذى جاء ليحارب الإسراف وليعودك على التقشف والجوع. ما يحدث من مشادات فى البيوت بين الأزواج وبين الأولاد وفى الشارع بدعوى «نرفزة» الصيام سلوك غريب وشاذ على شهر التسامح والروحانيات، هذا الصراع فى الفضائيات على المشاهد من أجل تسويق الإعلانات وجذبه بفائض من الإنتاج مابين مسلسلات وفوازير وبرامج توك شو، كلها لاتراعى حكمة التدبر والتفكر فى الشهر الكريم وتبعد الصائم عن أجواء التقرب من الله والتدبر. بعد كل ما نفعله ماذا يبقى من رمضان؟؟؟ رسائل لاتصل وصائمون يكتفون منه بالجوع والعطش.