شهدت ولادة التليفزيون تعثرا ونهوضا إلى أن خرج إلى حيز الوجود، وترجع بوادر التفكير فى التجربة إلى عام 1947، عندما أكدت الحكومة المصرية أنها ستفتح اعتمادا بمبلغ 200 ألف جنيه لبناءا ستوديوهات للإذاعة والتليفزيون طبقا لما نشرته جريدة le progres، لكن أثبتت الأيام أن هذا العزم لم يتعد مجرد محاولة لاستغلال اسم التليفزيون لتحقيق أغراض سياسية. اتضحت هذه الأهداف السياسية عندما عرضت الشركة الفرنسية عام 1951، تصوير المهرجانات التى أقيمت بمناسبة الزواج الثانى للملك فاروق وأذيع الحفل الذى تضمن أغنية لمحمد الكحلاوى وعرضا للأزياء العالمية وعرضت هذه الشركة على الحكومة المصرية إقامة محطة تليفزيونية بالقاهرة، وروجت الشركة لمشروعها بوضع عدد من أجهزة الاستقبال التليفزيونية فى بعض الأماكن بالقاهرة، ونظمت الشركة سهرة محلية شهدها الأعضاء الذين كان من حظهم أن وضعت أجهزة الاستقبال التليفزيونية فى نواديهم، وحضر كبار الصحفيين السهرة، وتحدث الجنرال «ليسكى» قائلا: «لقد أثبتت التجربة أن جو مصر من أصلح الأجواء التى تساعد على تعميم التليفزيون فيها ولسوف يتمتع سكان القاهرة وضواحيها بهذا الاختراع أكثر من سكان لندن وباريس. وهللت كل الصحف، وبخاصة الأجنبية الصادرة فى القاهرة بتلك التجربة وبالغت كثيرا فى الكتابة عنها ولعل السبب- فيما يبدو- أن الشركة صاحبة التجربة فرنسية، وقالت جريدة la Bourse Egytienne الصادرة فى 5 مايو سنة 1951م «تليفزيون النيل ولد أمس» وقالت جريدة l.Egypt «زيارة من القلب لصندوق المعجزات .. استوديوهات تليفزيون النيل» وبدأ الاتجاه الحقيقى فى إدخال التليفزيون مصر بعد الثورة، عندما ترددت أنباء عن اقتراح هيئة أجنبية إنشاء محطة للتليفزيون بالقاهرة تغطى منطقة قدرها 60 كيلومتراً، ويمكن أن تزداد فيما بعد، وعرض الصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد آنذاك على الرئيس جمال عبدالناصر موضوع إنشاء دار الإذاعة الجديدة وإنشاء محطة تليفزيونية فوق جبل المقطم ووافق الرئيس جمال عبدالناصر على ذلك، وأوكل المسؤولية إلى المهندس صلاح عامر وكيل الإذاعة للشؤون الهندسية وعليه اعتمدت حكومة الثورة مبلغ 108 آلاف جنيه لإقامة مبنى الإذاعة والتليفزيون فى مساحة 12 ألف متر بشارع ماسبيرو بكورنيش النيل. وبدأت الدراسات وتم الإعلان عن استيراد مصر لأجهزة اتصال حديثة، وقد عهد إلى عزالدين فؤاد كبير مهندسى الإذاعة وضع المواصفات لهذه المحطة والاستوديو والأجهزة الخاصة به حتى يمكن إعلانها فى مناقصة عامة لاستيراد جميع ما يلزم وإخراج مشروعها إلى النور خلال عام على الأكثر وخطط لإقامة محطة التليفزيون على مساحة قدرها خمسة آلاف متر مربع فوق جبل المقطم وأن ينشأ الاستوديو الخاص بها على مساحة كبيرة بجوار مبنى الإذاعة الجديد بميدان التحرير، وقد تقرر أن توفد الإذاعة بعثات من المهندسين إلى الخارج للتدريب على وسائل استعمال التليفزيون ودراسة نواحيه الفنية لتكون نواة من المهندسين الفنيين يمكنهم الإشراف على تشغيل هذه المحطة وقال المهندس صلاح عامر فى حديث له بمجلة الإذاعة فى 7 يوليو عام 1956 لقد خطت الاستعدادات الفنية لإدخال التليفزيون، وتم إعلان مواصفات توريد أجهزة التليفزيون وعطاءاتها، وتنافست الشركات العالمية تنافسا كبيرا لتوريد أجهزة لمصر، وبلغت مجموعة العطاءات نحو عشرين عطاءً وكان من المتوقع بدء خدمة البث التليفزيونى فى أى شهر من سنة 1957، ولكن توقف تنفيذ المشروع كليا بسبب العدوان الثلاثى، واستؤنفت دراسته فى عام 1959 بحيث يغطى أكبر رقعة ممكنة من الأراضى المصرية، كما تمت دراسة توفير أجهزة الاستقبال بأقل سعر ممكن، واقترح إنشاء مصنع محلى لإنتاجها بمصر بدلا من استيرادها. وفى 25 يوليو من نفس العام فتحت مرة أخرى عطاءات المشروع المقدمة من 14 شركة عالمية من كبرى الشركات المنتجة لمعدات وأجهزة التليفزيون وتبين أن أصلح المشروعات من الناحيتين الفنية والاقتصادية وسرعة التوريد هو العرض المقدم من شركة R.C.A الأمريكية واستغرق التعاقد ثلاثة شهور أخرى حيث أبرم التعاقد مع الشركة على المشروع بأكمله فى نهاية 1959. فى الوقت نفسه كان العمل جاريا فى إنشاء دار التليفزيون العربى من خلال مبنى شامخ على كورنيش النيل الذى وضعت الرسوم النهائية له عام 1955، بعد دراسات تنفيذية دقيقة شاملة، وفى عام 1956م دقت أساساته التى تكلفت 108 آلاف جنيه، ولكن نظرا للظروف الحربية والسياسية فى هذا العام فقد تأخر المشروع وتعثر طيلة ثمانية أعوام وبدأ تنفيذ الإنشاءات الهندسية ومحطات الإرسال للمشروع فى يناير 1960، وتوقع الخبراء العالميون أن التليفزيون العربى يستطيع بدء إرساله بعد عام على الأقل، لكن د. عبدالقادر حاتم حدد يوم 21 يوليو من العام نفسه موعداً لبدء الإرسال وحتى شهر يونيو 1960، كانت استوديوهات التليفزيون تحت الإعداد والتجهيز، وكانت التجارب الأولية تتم فى مسرح قصر عابدين على البرامج المتعددة، وكان يجرى العمل الفنى فى أحد بلاتوهات استوديو مصر، وفى نفس الوقت عادت البعثات الهندسية والإذاعية من أمريكا بعد دراستهم بمعهد R.C.A وأكاديمية S.R.T بمدينة نيويورك واقترب الموعد المحدد لبدء الإرسال ونجحت المعجزة وافتتح التليفزيون المصرى فى تمام الساعة السابعة مساء 21 يوليو 1960، وبدأ الإرسال ولمدة خمس ساعات يوميا خلال عيد الثورة الثامن ونقل البرنامج على الهواء عن طريق سيارات الإرسال الخارجى ليراها الشعب فى القاهرة وطنطا وبنها، وشاهد الشعب على الشاشة الفضية الصغيرة الافتتاح بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم حفل افتتاح مجلس الأمة، وخطاب الرئيس جمال عبدالناصر، ونشيد وطنى ثم نشرة الأخبار والختام بالقرآن الكريم وولد التليفزيون المصرى عملاقا كما وصفته الصحافة المصرية والأجنبية، فقد ضربت ساعات إرساله أرقاما قياسية بالنسبة لكثير من الدول التى سبقتنا فى هذا المضمار بزمن بعيد، فقد وصل إرسال الساعات إلى 11 ساعة من برامجها، وبدأ التليفزيون بتغطية قدرها حوالى 100كم من الإشعاع التليفزيونى حول القاهرة وبدأ إرساله على قناتين تمكنان من إذاعة برنامجين منفصلين ومختلفين، وكان عدد الأجهزة التليفزيونية لا يتجاوز عشرة آلاف جهاز ولكن نجاح برامج التليفزيون دفع آلاف المواطنين إلى التزاحم على شراء كل الأجهزة المحلية والمستوردة كان التليفزيون فى البدايات إدارة تابعة لهيئة الإذاعة حتى أصبح مؤسسة عامة ذات طابع اقتصادى، وفى 4 أكتوبر 1962 صدر قرار من رئيس الجمهورية بضم هيئة الإذاعة والتليفزيون إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومى، وتم فصل التليفزيون سنة 1966 ليصبح هيئة مستقلة. أما عن الدراما التليفزيونية فعندما بدأ الإرسال التليفزيونى قدم تمثيلية مسجلة على شريط رقم 1 بعنوان «جهاز المعلم شحاتة» وهى تمثيلية اجتماعية معاصرة واستغرق عرضها ست عشرة دقيقة. وغزا الإعلان التليفزيون فى أول أغسطس 1960 أى بعد أسبوع من بدء الخدمة، وذلك نظير أجر لا يقل عن عشرة جنيهات ولا يزيد على ستين جنيهاً للدقيقة الواحدة