رفضت المحكمة الدستورية فى تركيا إجازة بعض التعديلات التى تقدم بها حزب العدالة والتنمية الحاكم على دستور البلاد، خصوصاً تلك المتعلقة بمنح الرئيس عبدالله جول مزيداً من الصلاحيات فى عزل وتعيين القضاة وأعضاء المحكمة العليا وتقليص صلاحيات الهيئات القضائية العليا المناهضة للحكومة، والتى تعد معقل الدفاع عن العلمانية التركية، وذلك استجابة لطعن المعارضة التى كسبت أحدث جولات المواجهة مع الحزب الحاكم. وألغت المحكمة مساء أمس الأول جزئيا مادتين من إجمالى المواد ال29، التى كان البرلمان أقرها لتعديل الدستور وأثارت الجدل لدى العلمانيين، كونها تحد من صلاحيات القضاء والجيش، وكشفت مصادر بالمحكمة أنها نظرت فى 6 مواد فقط من حزمة التعديلات الدستورية فى جلسة استغرقت 9 ساعات وقال رئيس المحكمة القاضى حازم كيليج إن مجلس القضاة رفض إلغاء التعديلات كلها وألغى ما يتعلق بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء، الذى يعين القضاة ووكلاء النيابة العامة، وأضاف أنه يمكن طرح باقى التعديلات للاستفتاء كما هو مقرر فى 12 سبتمبر المقبل. ويمثل قرار المحكمة صفعة قوية لحزب العدالة والتنمية فى مساعيه لتعزيز سلطات الرئيس من ناحية والحد من سلطات القضاء واستغلال التعديلات لتعزيز فرص انضمامه للاتحاد الأوروبى، ولم تدم فرحة الحزب الحاكم طويلا بعد إقرار التعديلات فى مايو الماضى ومصادقة الرئيس عبدالله جول عليها، كما يمثل القرار انتصارا للمعارضة العلمانية فى صراعها المفتوح مع الحزب الحاكم، إذ يرى العلمانيون الرافضون للإصلاحات أنها محاولة من «العدالة والتنمية» للسيطرة على الدولة وتقويض المبادئ العلمانية لتركيا، وبخاصة بعد حملتهم ضد الحزب فى 2008، حيث كادت المحكمة الدستورية أن تصدر قرارا بحظره بتهمة خرق المبادئ الأساسية للعلمانية كما تتردد تكهنات باحتمال حظر الحزب مجددا. ونددت الحكومة بقرار المحكمة الدستورية واتهمتها بتخطى صلاحياتها بإصدارها حكماً حول الجوهر وليس فقط حول الشكل، وقال وزير العدل التركى سعدالله أرجين إن «التعديلات تشكل مراجعة مهمة للدستور حتى وإن حذفت بعض الجمل»، وأضاف «اعتبارا من الآن، ندخل فى عملية الاستفتاء»، التى أكد أن المواد التى رفضتها المحكمة ستدخل ضمن الاستفتاء. وعلى الرغم من الإنجازات التى حققها حزب العدالة والتنمية الحاكم، بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان على المستوى المحلى والاقتصادى، فقد دافع الحزب عن تلك التعديلات فى الدستور الموروث من عهد الحكم العسكرى فى 1980، وقال إنها تهدف إلى تعزيز المعايير الديمقراطية وتحسين فرص أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، إلا أن المعارضة اتهمته بالسعى إلى تقوية قبضته من خلال تحكم الحكومة فى القضاء والإضرار بنظام المحاسبة وبتوازن السلطات. وبعد رفض المحكمة التعديلات المقترحة، يتوقع أن تدخل تركيا مرحلة شلل حكومى، بينما استبعد رئيس الكتلة البرلمانية فى الحزب الحاكم سعاد كليج إجراء انتخابات مبكرة للخروج من المأزق الحالى. وتنص التعديلات التى لم ترفضها المحكمة على الحد من ولاية المحاكم العسكرية وتسمح للمحاكم المدنية بمحاكمة العسكريين فى أوقات السلم فى قضايا تتعلق بمحاولة إسقاط الحكم والمساس بالأمن القومى وبالجريمة المنظمة، كما تتضمن التعديلات بندا يتيح محاكمة قائد الجيش وكبار مساعديه أمام المحكمة العليا، وتتيح التعديلات محاكمة المسؤولين عن انقلاب 1980.