قام البنك المركزي المصري، خلال آخر أسبوعين من شهر يناير، بطرح 8 عطاءات متتالية لينخفض الجنيه أمام الدولار بنحو 35 قرشًا إضافة إلى السماح للبنوك بتوسيع هامش بيع وشراء الدولار إلى 10 قروش بدلاً من 3 قروش، ليصل عند مستوى 7.59 جنيه بالتعاملات الرسمية بالبنوك بدلاً من 7.14 جنيه، وسط توقعات بمزيد من الانخفاض خلال الفترات المقبلة. بينما بدا سعر الدولار متأرجحًا داخل السوق السوداء عند مستويات محددة، وصلت ذروتها عند 7.95 جنيه، وتراجعت لتبلغ 7.82 جنيه وفق أحدث تعاملات، إلا أنه حتى الآن اتجاهات السوق تشهد حالة من الارتباك وتتوقف فقط على العرض والطلب. وبحسب متعاملون في السوق، فإنه من المتوقع انخفاض قيمة الجنيه مجددًا بالتعاملات الرسمية خلال الفترة المقبلة وحتى منتصف فبراير، موعد زيارة مندوبى صندوق النقد الدولى قبل مؤتمر مارس الاقتصادى، كما توقعوا أن يشهد الدولار حينها حالة من الثبات والتراجع الطفيف على سعر الدولار فى السوق السوداء، ليتم توحيد سعر الصرف والتي قد تكون بين مستوى 7.8 إلى 8 جنيهات. ووفق تصريحات هشام رامز محافظ البنك المركزي، فإن المركزي سيطرح، عطاء ملياري - أي بقيمة مليار جنيه - وسيكون فى وقت لن يتوقعه أحد، لكن السؤال سيظل قائم، هل يكون بعد توحيد سعر الصرف فعليًا والقضاء نهائيًا على السوق السوداء للدولار ليهبط بالسعر الرسمى للدولار من أعلى مستوياته؟ أم هناك مفاجآت أخرى لا يزال المركزي يحملها؟. قال رامز إن هناك قرارات كثيرة سيتم من خلالها ضبط الأسواق الفترة المقبلة، كما أن الاقتصاد سيتحرك في الاتجاه السليم، فلا يمكن أن نسعى لجذب الاستثمار وهناك سوقين للعملة، على حد قوله. أكد أن القرار لم يتخذ إلا بعد الاطمئنان على المدخرات خاصة مع تراجع أسعار السلع وتراجع موجات التضخم مع تراجع الأسعار العالمية للبترول، موضحًا أن إلغاء "السوداء" بداية خطة المركزي بشكل جاد، لكي تختفي السوق غير الرسمية مثلما كانت قبل 2010. في المقابل، أكد الدكتور خالد حنفي وزير التموين، أن هناك استعدادات لحركة الدولار تكون عبر آليات السوق من خلال زيادة المعروض، قائلاً: إن هذا الأمر يضمن عدم زيادة الأسعار بشكل كبير مع تغير سعر العملة، فضلاً عن استقرار الأسعار لفترة طويلة. وكانت مؤسسة كابيتال ايكونوميكس للأبحاث، توقعت - وفق أحدث تقاريرها - أن يواصل الجنيه الهبوط خلال عام 2015 ليصل إلى نحو 8.25 جنيه للدولار بنهاية العام، ولكن على مراحل وليس دفعة واحدة. ويرى جيسون توفي - الاقتصادي في كابيتال ايكونوميكس - أن على المركزي بذل المزيد لمنع تنامي الضغوط على الجنيه مجددًا، قائلاً: "لكن ينبغي أن يصاحب تلك الإجراءات مزيد من الجهود لزيادة كميات العملة الصعبة التي يتم ضخها في الاقتصاد عبر القنوات الرسمية." تعويم بطئ للجنيه.. قد يكون التعبير الأدق الذي يجسد حقيقة ما حدث للعملة، وفق ما يراه الخبير المالي محمد دشناوي، الذي أكد أن هذا الأمر يزيد من المضاربة على الدولار، كما يساعد المضاربين على التخارج بأرباح كبيرة، مما يعرض "المركزي" للفشل في السيطرة على السوق الموازية، متوقعًا تجاوز الدولار لمستوى 8 جنيهات، بإتباع هذا المنهج. لافت إلى أنه في يوم 27 يناير 2003 حدث "التعويم" في يوم واحد فقط، حيث وصل الدولار إلى مستوى 7 جنيهات، ثم أخذ في الانخفاض حتى وصل إلى مستوى 5.35 جنيهًا، مع مراعاة الفرق في الوضع الاقتصادي للبلاد بين الأمس واليوم. من جهة أخرى، قال محمد الأبيض رئيس شعبة شركات الصرافة، "الوضع في مكاتب الصرافة عادي، لكنه مختلف في السوق السوداء، أضاف: "اعتقد نقدر نقول أن العوامل مؤدية إلى نجاح ولكن الناس تترقب وهناك إحجام عن بيع الدولار." كما أشاد بلال خليل نائب رئيس الشعبة العامة لشركات الصرافة باتحاد الغرف التجارية، بالآلية التي اتخدها المركزي لخفض سعر صرف الجنيه والقضاء على السوق الموازية، قائلاً: "فكرة بديعة لمحاربة السوق السوداء.. والدولار ينهار وسيكسر 7.80 جنيه". تابع: "في الوقت نفسه لا يمكن التنبؤ باتجاه الدولار خلال الأيام المقبلة فالأمر في النهاية متروك للعرض والطلب". فيما أكد اتحاد الغرف التجارية، أن حالة الارتباك التي يشهدها سوق العملات، سيلقي بظلاله على السوق والسلع المختلفة، وأن استمرار ارتفاع الدولار فى السوق الرسمي سيؤدي إلى "كارثة"، خاصة وأن 95% من الأسعار نستوردها من الخارج، وبالتالي فإن المستهلك حده هو من يتحمل تلك الارتفاعات. مطالبًا الدولة بالتدخل لحل تلك المشكلات بوضع الخطط اللازمة لمواجهة تلك الأزمات المتكررة من وقت لآخر، حيث أن هناك مؤامرة على الاقتصاد المصرى ونواجه خطرًا حقيقيًا. ولكن.. مهما اتجه البنك المركزي إلى سياسات، فإنها تظل نظريات، وعند اصطدامها بالواقع فإنها ستجد أمامها الواقع العملي والفعلي الذي سيحول دون تطبيق تلك النظريات أو السياسات، ليحطم كل ذلك، مؤكدًا أن الأسعار لن تتحدد إلا بناءً على المطلوب من الدولار وحجم المعروض منه.. لذا على البنك المركزي أن يتخذ العظة من التجارب السابقة، والتي تؤكد أن تثبيت سعر العملة يخلق لها سوق موازية، وأن يترك الحرية للعملة.. فهنا يكمن الأمل في سعر عادل وفي القضاء على السوق السوداء.