نص وشهادة: تنقيب ورؤية وتغيير وتأقلم الكتابة رؤية،وبقدر عمق الرؤية تتحدد قيمة الكتابة. وقيمة الصدق في الفن تأتي من عمق التجربة. إن أهم ما يميز الكتابة الجديدة والجيدة أيضا هي البعد عن تنقيب واقع سبق تعريفه وتحديده من قبل. إن الشكل الروائي هو الشيء الوحيد في مختلف الفنون المتعارف عليها القادر علي الابتكار والتجديد والإدهاش من داخله. ولقد حاولت علي مدي علاقتي بالأدب أن أنتبه إلى قدرتي علي الاستفادة والاستثمار من كل الأعمال الأدبية. فمثلا في روايتي الأولي كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد كان الحدث الهام في الرواية هو الموت. وهو حدث عادي ومتكرر ملايين المرات. ليس داخل الحياةفقط ولكن داخل الأعمال الأدبية. ولأنني أعرف أن أهم ما يميز الكتابة الجديدة والجيدة أيضا هو البعد عن تنقيب واقع سبق تعريفه وتحديده من قبل فقد كنت في موقف لا أحسد عليه. ماذا أصنع ومادتي الخام تم تدوينها منذ آلاف السنين علي جدران المعابد الفرعونية بلغة معروفة؟ماذا أفعل لأخرج من مأزق الموت عند المبدعين السابقين؟ لقد وجدت الحل الأمثل هو الدخول في قلب الأحداث. إذن لابد من وجود لغة شاعريةوإيجازية في نفس الوقت. الإيجاز في عالم مليء بالتعقيدات، والإيجاز الذي أعنيه هو الدخول في قلب الأشياء مباشرة دون تورية أو إضمار. وأظن أنها الفن الوحيد القادر علي تغير نفسه والتأقلم مع الواقع المرعب الذي يفوق الخيال الذي نعيشه. أريد أن أقول من وراء ذلك أن روح الرواية هي روح الاستمرار. ولكن الاستمرار الذي أعنيه هو استمرار الاستثمار. استثمار ما سبق إنجازه وإلا فلن يبقيإلا ثرثرة لا طائل من ورائها ولا نهاية لها أيضا. إن الأدب ليس النضال ولا المقاومة فقط، كما أن الأدب ليس الأفكار فقط.الأدب هو ما يحدثه من ضجيج، ذلك الضجيج هو ما يؤدي إلى التغيير، إن الرواية هي الفن الوحيد القادر علي تغيير نفسه والتأقلم مع الواقع المرعب الذي يفوق الخيال الذي نعيشه. ---------- النص| المهمة الأولى والأخيرة (مقطع من رواية ملاك الفرصة الأخيرة) كانت مهمته الأولي هي مهمته الأخيرة أيضا،وظل طوال عمره لا يتعدى كونه ساعي بريد من قبل الله. ملاك طيب يذهب إلى رب عائلة ما لينقذه من الفقر أو الموت في اللحظة الأخيرة ثم يختفي. في الحقيقة هو لا يختفي. هو فقط دائم الذهاب إلى أسرة جديدة في شتي أنحاء المعمورة. ومن هنا أحس هذا الصباح بالكسل، هو لم يعرف معنا هذا الكسل من قبل حتى يمكنا أن نقولها ونحن متأكدين من تلك الحقيقة. لكن هذا ما حدث. لكم يفرح وهو يرىفرح الإنسان حين ينتشله هو وأفراد أسرته من الجوع أو التشرد أو الموت الذي علي بعد فرسخلكنه ابدأ لم يعرف كل أفراد الأسرة الناجيةولم يكن في الحقيقة يشغل رأسه بذلك. الفرح موجود دائما. هكذا استمعملاك الفرصة الأخيرة إلى ما يدور في رأسه. رفع جناحيه في الهواء بتكاسل واضح وأضافوهو يهز رأسه وكأنه يؤكد علي فكرته بلسانه: بعد ساعة أو يزيد قليلا سوف يكون هناك رب أسرة مليئة بالذعر والخوف عيونه بقرية ما لا أعرفها،لابد ستتلألأالفرحة في عيونه عندما أدركه،وعند ذلك لابد سوف أرىتلك الفرحة. لينتظر الفرح قليلا ريثما أفرد جناحي في هذا الصباح الجميل. هكذا همس الملاك لنفسه. وهكذافعل. مد جناحيه تحت سماء فاتنة تشبه كثيرا امرأة الأحلام. هل تعرفون امرأة الأحلام التي لطالما برع الشعراء في وصفها؟ تلك المرأة يقولون عنها أنها ذهبت ذات مساء إلى البحر وعرت ثدييها اللذين يشبهان كوز الصنوبر وغنت بصوت رائق وحنون لحبيب اليوم الذي لابد موجود في انتظارها كالعادة. لكن مالا تعرفه تلك المرأة أن البحر قد أختطف حبيبها قبل بلوغها الشط بلحظاتي للي هول ما يخبئه القدر لامرأة الحلم.لقد استمع إليها البحر أمس للمرة الأولى. وللمرة الأولي أيضا ظلت روح البحر متقدة طوال الليل لم يعرف كل علماء الطبيعة أن البحر حين هاج وماج كان ذلك من أجل أنه أحب امرأة الحلم لقد ظلت روحه متقدة مذ ذاك، هاجت مشاعره الحزين ,فهاج الماء. عشق قلبه امرأة الحلم،فأحب الماء المرآةومن هنا أرد أن يسعد سيده وصاحبه البحر,أن يشفي قلبه الذي اتقد مذ أمس ,لم يجد أمامه حل غير سحب الحبيب،لقد أرد أن يوفر الأمان لصاحبه. نظر البحر إلى المرآة بعشق ولم يرخها. كانت تغني للحبيب الذي لابد تأخر لسبب ما لم يشغل بالها في حينهاظن البحر أنها تغني له هوفمد يده وضمها إليه بقوة. يقول بعض الناس أنهم كثيرا ما استمعوا إلى غناء المرآة الحلم كثيرا في لحظات تقبيلهم لمن يحبون أمام البحر وقت الغروب. لكن مالا يعرفه الناس أن الماء كلما حن إلى صوت امرأة الحلم الحقيقي انتظر إلى أن ينام البحر،وذلك يحدث لا ريب، ولا يلزمه الاستماع إلى صوتها العذبإلا أن يقرب مابين جثة الحبيب وروح المرآةوحين ذلك يهتز طربا وتحدث الأعاصير. ربما يكون الماءكاذبًا فهو أبدا لا يستقر علي شيء.. لم يكن ليخطر علي بال الملاك أن يحس بتلك السعادة وهو يهمل عمله.لكن هناك أشياء كثيرة وجب علي الروي فك طلسمها لكي نستطيع تصديق أن ملاك الفرصة الأخيرة كما يطلق عليه أصدقائه قد تكاسل عن وظيفته. وللمتعطشين لإجابة هذا السؤال أقول لهم أن الروي قد علم أشياء كثيرة تتعلق بحياة ذلك الملاك منه ذاته. بل أنني سوف أخبركم بآخر سرا قاله لي،وهو أنه ملاك الفرصة الأخيرة طبعا للمرة الأولي طوال عمره الذي لا يعلمه إلا الله قد حلم بالفتاة التي كانت ممسكة بيده أبيها المشعث الشعر وهو يمنحه الكيس الأرجواني ليلة أمس. للمرة الأولي منذ آلاف السنين يحلم ويتذكر حلمه. ------------- سعيد نوح: روائي وسيناريست، من أعماله: كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد رواية 1995. دائما ما أدعو الموتى رواية 2002. تمثال صغير لشكوكو متتالية قصصية 2004. 61 شارع زين الدين رواية 2006. ملاك الفرصة الأخيرة رواية 2008. أحزان الشماس رواية 2010.. 7 الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك رواية 2013. كلب عجوز رواية 2014.رجال أتلفها الهوا.. قيد النشر في روايات الأهرام. ---- إبراهيم عبد المجيد http://almashhad.net/Articles/992661.aspx سعيد نوح http://almashhad.net/Articles/992663.aspx صبحي موسى http://almashhad.net/Articles/992666.aspx عمار علي حسن http://almashhad.net/Articles/992669.aspx ماهر مهران http://almashhad.net/Articles/992673.aspx محسن يونس http://almashhad.net/Articles/992676.asp وحيد الطويلة http://almashhad.net/Articles/992680.aspx هاني القط http://almashhad.net/Articles/992700.aspx أنهار الرواية المصرية .. ملف خاص (شهادات ونصوص ل 8 روائيين) http://almashhad.net/Articles/992649.aspx