عيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع وسعر الذهب اليوم بمستهل تعاملات الإثنين 20 مايو 2024    «القاهرة الإخبارية»: بعض جثث طائرة «رئيسي» احترقت ولا يمكن التعرف على هويتها    تصل إلى 45 درجة في الظل.. «الأرصاد» تعلن ارتفاع الحرارة على محافظات الصعيد    إيمي سمير غانم تحيي ذكرى وفاة والدها: «ربنا يرحمك ويصبرنا على فراقك»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    "جهار": الإرادة السياسية الدافع الأكبر لنجاح تطبيق المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل    السيطرة على حريق بمنفذ لبيع اللحوم فى الدقهلية    اليوم.. أولى جلسات استئناف المتسبب في وفاة الفنان أشرف عبدالغفور    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    استقرار أسعار الفراخ عند 82 جنيها فى المزرعة .. اعرف التفاصيل    الحكومة الإيرانية: وفاة الرئيس إبراهيم رئيسى لن تحدث أى اضطراب فى الأداء    الشعباني يلوم الحظ والتحكيم على خسارة الكونفيدرالية    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري قبل اجتماع البنك المركزي    اليوم.. محاكمة طبيب نساء شهير لاتهامه بإجراء عمليات إجهاض داخل عيادته بالجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهمًا بتهمة قتل شقيقين واستعراض القوة ببولاق الدكرور    تراجع الفائض التجاري لماليزيا خلال أبريل الماضي    رحل مع رئيسي.. من هو عبداللهيان عميد الدبلوماسية الإيرانية؟    البنك المركزي الصيني يضخ ملياري يوان في النظام المصرفي    جوميز: هذا هو سر الفوز بالكونفدرالية.. ومباراة الأهلي والترجي لا تشغلني    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 20 مايو    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: اليمين المتطرف بإسرائيل يدعم نتنياهو لاستمرار الحرب    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    مصدر أمني يكشف تفاصيل أول محضر شرطة ضد 6 لاعبين من الزمالك بعد واقعة الكونفدرالية (القصة الكاملة)    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    المسيرة التركية تحدد مصدر حرارة محتمل لموقع تحطم طائرة رئيسي    فاروق جعفر: نثق في فوز الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    الهلال الأحمر الإيراني: فرق الإنقاذ تتوجه لمكان يوجد فيه رائحة وقود    وسائل إعلام رسمية: مروحية تقل الرئيس الإيراني تهبط إضطراريا عقب تعرضها لحادث غربي البلاد    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    طريقة عمل الشكشوكة بالبيض، أسرع وأوفر عشاء    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    أول رد رسمي من الزمالك على التهنئة المقدمة من الأهلي    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأويلية نصر والتراث
نشر في المشهد يوم 21 - 11 - 2014


إعمال العقل مع الركود الفكرى للتراث العربى
يتبع تحرير التراث من أي سلطة مسبقة للنص إسقاط القداسة عن أي طرح بشري ليس له عصمة تمنع عنه النقد والنظر والمراجعة والتقييم فى تأويلية نصر
حاولت الدراسات والمناهج المعاصرة الخروج من حالة الركود الفكري التى تعيشها دراسات التراث العربي فجاء بعضها تلفيقيا يمزج القديم بالحديث في محاولة لإيجاد مشروعية للحديث، وجاء بعضها مرتديا ثوب حداثة لم يحسن كاتبوها حياكة ثوبها، فأتوا بدراسات سمتها الإغراب وحالتها الاستلاب، في الوقت نفسه تمسك البعض بنظرة استعلائية قوامها أننا نملتك من الدرس والبحث ما لا نحتاج معه إلى تحديث أو تحريك، متخذا من قراءات القدامى للنص جزءا من النص، فوقع تحت سلطة نص مصطنع على نحو أصاب العقل بالكثير من الجمود، وأصاب البحث بحالة من النقل، وتمخض عنهما حالة من الترديد المسبق للنتائج قبل التعرف على المقدمات، وسوق الأحكام قبل مناقشة الأفكار، فاستحوذ على البحث التراثي أقلام صارخة تنفعل وكأنها تفعل، وكتابات حالمة صبغت الأفكار بألوان محلية لتكسبها شرعية القبول والتداول، وخطاب جماعات إسلامية أفسدت اللغة، فجعلت المفعول والفاعل سواء، والخطاب متداخلا مع النص، وجعلت التفكير انفعالا أداته الوجدان، وليس حالة مستمرة وسيلتها العقل.
وفي خضم تلك المساجلات جاءت التأويلية عند نصر بعيدة عن التسليم أو التلوين أو الاستنطاق أو العزل للتراث، ونتاج حوار جدلي مع الفكر الغربي لم يكتف فيه بالاستيراد والتبنى ولم يفر منه بالانكفاء على الذات، فبنى مشروعه الفكري على الاختيار بوصفه عملية مستمرة من القبول أو الرفض العقلي، وقد جاءت تأويليته منتجا فكريا جديدا تأثر بالهرمنيوطيقا الغربية، والدراسات العقلانية ذات الطابع التأويلي في التراث العربي، فلا يمكن لقارئ تأويلية نصر أن يفهمها دون التعرف على مفاهيم اللغة والنص وعملية الفهم والتفسير والتجربة والتاريخ والمعنى والمغزى، وجدلية الثابت والمتغير، وعلاقة الجزء بالكل في التأويلية الغربية عند ديلثى وجادامر وهيتش، ولا يمكننا كذلك أن نرى التأويلية عند نصر منفصلة عن ابن عربي والجرجاني والقاضى عبدالجبار، فالمدخلات التراثية والغربية اختمرت في نفس وفكر نصر منجزة تأويليته في نسختها العربية.
وليس التأويل بدخيل على التراث العربي فقد عرفته الدراسات القرآنية واللغوية والنقدية، فلم تخل كتب المفسرين القدماء منه، متمثلا في استنباط دلالة التراكيب بما تتضمَّنه من حذف وإضمار وتقديم وتأخير وكناية واستعارة ومجاز. فالتأويل بوصفه "تعبير عن عمليات ذهنية على درجة عالية من التعمق في مواجهة النصوص والظواهر مستهدفة الوصول إلى المغزى دون القطع بأنها الحقيقة الكامنة في النص حاضر في التراث مشكلا إحدى منطلقات تأويلية نصر.
فتنطلق تأويلية نصر في قراءة الترات من قاعدتين الأولى: اكتشاف دلالات النص التراثي فى سياقها التاريخي الثقافي الفكري، والثانية: محاولة الوصول إلى "المغزى"، فاكتشاف الدلالة والوصول إلى المغزى إحدى إشكاليات القراءة التى تحاول تأويلية نصر التغلب عليها."
ونجد صدى لتعدد المستويات الدلالية للنص والتمييز بين المعنى الظاهر في النص، والمغزى الكامن فيه التى تناولها نصر في تأويليته عند عبدالقاهر -وإن توقف عبدالقاهر عند حدود ثقافته لم يمكن تجاوزها- حين يميز في النص بين معنى هو ظاهر النص الناتج من محصلة علاقاته السياقية، ومعنى المعنى وهو باطن النص الناتج من محصلة علاقاته الاستبدالية، فلم يشغل عبدالقاهر نفسه بالمعنى الظاهر على السطح في دراسة التراث، بل شغله المغزى المستهدف من النصوص، فتعامل مع النصوص بوصفها رموزا وإيماءات وإشارات تحتاج إلى تفسير منه وكان عبدالقاهر من سابقيه كنصر من عبدالقاهر تجاوز المستوى اللغوي الظاهر للنص، وأخذ يبحث في المستويات اللغوية الكامنة في النصوص، وبدأ يناقش ما تضمنه من مفاهيم وتصورات وفق ما أسماه نصر "الهدم والبناء" إحدى منطلقات تأويلية نصر أبوزيد، فالشيخ عبدالقاهر لا يجد سبيلا لطرح مفاهيمه إلا من خلال عمليتين تبدوان متعارضتين: هما الهدم والبناء، أو هما الإثبات والنفي، فينفي عبدالقاهر من مفاهيم وتصورات سابقيه ما يتناقض مع مفاهيمه وتصوراته، أو يؤكد مفاهيمه عن طريق تأويل بعض نصوص سابقيه، فيثبت بالتأويل وهذا البناء، أو ينفي بالإنكار وهذا الهدم.
من هنا رفضت التأويلية القراءة الأحادية الثابتة للتراث أو تلوينه بقراءة مرضية للجميع؛ لذا تقف التأويلية على الجانب المقابل من المدرسة التوفيقية والمدرسة الظاهرية التى تؤكد على المعنى الثابت، والدلالة الظاهرة، منتجة نمطا فكريا تقليديا يرتكز على الثبات والتثبيت والدفاع عن الماضى بمضمونه مهما كان صادما أو متناقضا مع العقل، وهذا من شأنه تزييف معرفة الحاضر بماضيه، وسد الطريق أمام مستقبل يتخذ من اللحظة الحاضرة نقطة مراجعة وتقييم للماضي الذى يؤدى الوعي به إلى حسن التخطيط للمستقبل، وقد ظل الصراع بين تأويلية نصر والمدرسة الظاهرية متجددا؛ لأن تأويليته تنال من أفكارهم التى توحد بين الدين والفكر، وتلغى المسافة بين الذات والموضوع، وتحول النصوص الثانوية إلى نصوص أولية لها من القداسة ما للنصوص الأصيلة من الحسم الفكري والقطعي.
فتسعى التأويلية إلى "تحرير التراث" أي تحرير قراءة التراث من أي سلطة مسبقة للنص على القارئ، فمبدأ تحكم النص أو بعبارة أصح تحكم فهم خاص لفئة معينة للنص يسجن العقل، ويسلب الإنسان أبرز خصائصه التى ألحّ عليها القرآن الكريم في قوله تعالى "لعلهم يتفكرون" ويتعارض خطابهم مع الإسلام في أهم أساسياته وهي الدعوة إلى التفكر وإعمال العقل.. وهنا يصطدم نصر بالمدرسة الأكثر استحواذا على الخطاب الديني، والناطق الرسمي باسم فهم التراث التى أطلق عليها الظاهرية.
فأنصار المدرسة الظاهرية قديما وحديثا "اتخذوا من الحاكمية سلاحا لإهدار دور العقل ومصادرة الفكر على المستوى العلمي والثقافي، ومدّ مفهوم الجاهلية كي يشمل كل اتجاهات التفكير العقلي في التراث الإسلامي."
ويتبع تحرير التراث من أي سلطة مسبقة للنص إسقاط القداسة عن أي طرح بشري ليس له عصمة تمنع عنه النقد والنظر والمراجعة والتقييم، فتعامل نصر مع التراث ينطلق من إعمال العقل والارتكاز على الفهم والاستنباط، فيسيطر على خطابه اتجاه نقدي لا يرى للتراث قداسة بوصفه فكرا بشريا حول الدين؛ لذلك يدرس التاريخ دراسة نقدية كما فعل ابن خلدون، ويدرس تاريخ الفرق الإسلامية، والاتجاهات الفقهية والكلامية والفلسفية من المنظور النقدي.
وتنظر التاويلية إلى التراث كوحدة فكرية واحدة، تتجلى في أنماط وأنساق جزئية متغايرة في كل مجال معرفي خاص فتتجنب تأويلية نصر فصل الأفكار الجزئية عن سياق منظومتها الفكرية العامة، فتعدد التراث بين اللغة والنقد والبلاغة والعلوم الدينية لا ينفى الوحدة في إطارها النظري العام، فلم يكن سيبويه -مثلا- وهو يضع البناء النظري والقوانين الكلية للغة العربية معزولا عن إنجازات الفقهاء والقراء والمحدثين والمتكلمين، ولم يكن عبدالقاهر الجرجاني يتحدث عن المجاز منفصلا عن جدل المنشغلين بعلم الكلام وأصول الفقه حول التأويل والتعطيل للمتشابه من آي القرآن الكريم.
فالتراث كله كتلة واحدة مترابطة وإن باتت حديثا فروعا منفصلة لا ينتبه الباحثون إلى طبيعة توحدها، فتأويلية نصر ترى أن أي قراءة واعية للتراث قراءة تصل الحاضر بالنص وتربط النص بمختلف المجالات المعرفية للتراث "هناك فارق كبير بين الإيمان "النظري" بوجود علاقات تنتظم المجالات المعرفية للتراث وبين التحقيق "العيني" من التأثيرات المتبادلة التى تكشف عن وحدة المنظومة الفكرية للتراث. وهذا التحقق العيني الملموس يجب أن يكون أحد هموم القراءة الواعية للتراث في أي مجال من مجالاته، فالقراءة التى تعكف على مجال ما عكوفا منغلقا تعجز عن اكتشاف الدلالات الحقيقية لمنجزاته المعرفية.
وتنطلق التأويلية عند نصر من موقف التساؤل الدائم والمراجعة المستمرة، القادرة دوما على تصحيح الأخطاء، والتقدم نحو مزيد من الاجتهاد والتجديد. وتصبح القراءة معه فعلا مستمرا لا يتوقف، يبدأ من الحاضر والراهن وينطلق إلى الماضي والتراث ثم يرتد إلى الحاضر مرة أخرى فى حركة لا تهدأ ولا يقر لها قرار، لكنها الحركة التى تؤكد الحياة وتنفى سكون الموت، إنها حركة الوجود والمعرفة في نفس الوقت، وتجد لهذا المنطلق جذورا عند عبدالقاهر إذ يبدأ صوغ قضيته ومناقشة فكرته بطرح سؤال ينطلق منه، مفاده: ما الذى يميز كلاما من كلام؟ وما الصفة الباهرة التى بهتت العرب في النص القرآني.
وتنفر التأويلية من منطقة "اللاتعليل، ولا تقبل الأقوال المرسلة، وتحرص على التفصيل في معرفة الخصائص، والتعليل للنتائج، فالاختزال من آفات الخطاب الديني، وأحد إشكاليات تحليل النصوص التراثية، "فاختزال الفكرة في كلمة يحول المعرفة إلى كبسولات تُغنى عن الدخول في التفاصيل استمرارا لعصر التلخيصات التى كانت إيذانا بأفول عصر التقدم والازدهار في تاريخ المسلمين، ويلتقى نصر فى بحثه عن العلل واهتمامه بالتفاصيل بعبدالقاهر الجرجاني الذى أنكر على القدامى عمومية القول بلا تفصيل، وإصدار الحكم بلا تعليل. ففي قضية الإعجاز القرآن التى تمثل شغله الشاغل، لا يقنع بآراء السابقين عليه في القول بالإعجاز دون ذكر الحجة وبيان العلة.
بقلم
ا.د/ عبدالباسط سلامة هيكل
أستاذ العلوم اللغوية وآدابها المساعد جامعة الأزهر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.