إنفوجراف.. مشاركة وزير العمل في اجتماعِ المجموعةِ العربية لمؤتمر جنيف    منتدى الأعمال المصري المجري للاتصالات يستعرض فرص الشراكات بين البلدين    سوريا.. 12 قتيلا جراء قصف جوي إسرائيلي على ريف حلب    إصابة 8 مدنيين إثر قصف أوكراني استهدف جمهورية دونيتسك    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    خالد الغندور: زيزو مش بيدافع ب نص جنيه.. وإمام عاشور لا يقدم 90 دقيقة بنفس المستوى    أفشة: كولر خالف وعده لي.. وفايلر أفضل مدرب رأيته في الأهلي    أفشة: أنا أفضل لاعب في مصر.. واختيار رجل المباراة في الدوري «كارثة»    «أهل مصر» ينشر أسماء المتوفين في حادث تصادم سيارتين بقنا    إعدادية القليوبية، نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة القليوبية عبر هذا الرابط    محافظ بورسعيد يودع حجاج الجمعيات ويوجه بتوفير سبل الراحة.. فيديو وصور    إعلام فلسطينى: اندلاع حريق فى معسكر لجيش الاحتلال قرب بلدة عناتا شمالى القدس    العثور على جثة طالبة بالمرحلة الإعدادية في المنيا    عماد أديب: نتنياهو يعيش حياة مذلة مع زوجته    كريم خان يتسبب في "خيبة أمل جديدة" بين نتنياهو وبايدن    التموين تكشف حقيقة تغيير سعر نقاط الخبز ومصير الدعم    السجيني: نزول الأسعار تراوح من 15 ل 20 % في الأسواق    الذكاء الاصطناعي يحدث ثورة في الكشف المبكر عن قصور القلب    وكيل كوناتي: إذا قرر اللاعب الانتقال إلى الدوري المصري سيكون من خلال الأهلي    موقف الشناوي من عرض القادسية السعودي    ميدو: ليس هناك وقت ل«القمص» وحسام حسن سيخرج أفضل نسخة من صلاح    الكشف عن تفاصيل عرض موناكو لضم محمد عبد المنعم.. ورد حاسم من الأهلي    خسارة للبايرن ومكسب للريال.. أسطورة البافاري يعلق على انتقال كروس للملكي    بعد الخبز.. مقترح حكومي بزيادة السكر التمويني إلى 18 جنيها    "التعليم": شرائح زيادة مصروفات المدارس الخاصة تتم سنويا قبل العام الدراسي    تنخفض لأقل سعر.. أسعار الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الإثنين 3 يونيو بالصاغة    أصعب 24 ساعة.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الإثنين: «درجات الحرارة تصل ل44»    مصرع وإصابة 16 شخصا في حادث تصادم سيارتين بقنا    دفن جثة شخص طعن بسكين خلال مشاجرة في بولاق الدكرور    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم دراجتين ناريتين بالوادي الجديد    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الإثنين 3 يونيو 2024 (تحديث)    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    دعاء في جوف الليل: اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا    4 شهداء في غارة للاحتلال على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    دراسة صادمة: الاضطرابات العقلية قد تنتقل بالعدوى بين المراهقين    «فرصة لا تعوض».. تنسيق مدرسة الذهب والمجوهرات بعد الاعدادية (مكافأة مالية أثناء الدراسة)    النيابة الإدارية تكرم القضاة المحاضرين بدورات مركز الدراسات القضائية بالهيئة    محمد أحمد ماهر: لن أقبل بصفع والدى فى أى مشهد تمثيلى    محمد الباز ل«بين السطور»: «القاهرة الإخبارية» جعلتنا نعرف وزن مصر الإقليمي    إصابة أمير المصري أثناء تصوير فيلم «Giant» العالمي (تفاصيل)    الفنان أحمد ماهر ينهار من البكاء بسبب نجله محمد (فيديو)    عماد الدين حسين: مصر ترجمت موقفها بالتصدي لإسرائيل في المحافل الدولية    أسامة القوصي ل"الشاهد": مصر الوحيدة نجت من مخطط "الربيع العبري"    مدير مكتب سمير صبري يكشف مفاجأة عن إعلام الوراثة وقصة نجله وبيع مقتنياته (فيديو)    رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني يعلق على تطوير «الثانوية العامة»    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الإثنين 3 يونيو 2024    كوريا الشمالية توقف بالونات «القمامة» والجارة الجنوبية تتوعد برد قوي    عماد الدين حسين: مصر ترجمت موقفها بالتصدي لإسرائيل في المحافل الدولية    حالة عصبية نادرة.. سيدة تتذكر تفاصيل حياتها حتى وهي جنين في بطن أمها    استمتع بنكهة تذوب على لسانك.. كيفية صنع بسكويت بسكريم التركي الشهي    وزير العمل يشارك في اجتماع المجموعة العربية استعدادا لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    قبل ذبح الأضحية.. أهم 6 أحكام يجب أن تعرفها يوضحها الأزهر للفتوى (صور)    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية الفرجاني في مركز بني مزار غدا    ما جزاء من يقابل الإحسان بالإساءة؟.. أمين الفتوى يوضح    اللجنة العامة ل«النواب» توافق على موزانة المجلس للسنة المالية 2024 /2025    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    أمناء الحوار الوطني يعلنون دعمهم ومساندتهم الموقف المصري بشأن القضية الفلسطينية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شمسُ الحصَّادين أطفأها التطرف
نشر في المشهد يوم 22 - 09 - 2014

شمسُ "الحصَّادين" لم تحجبها فقط حقول الألغام المحيطة بديارهم ومراعيهم، وانما حجبتها أساساً روحُ التطرف المستند إلى جهل فاضح بالدين، فضلاً عن التشبث بتقاليد بالية، والتنافس المحموم على السُلطة. فكبيرهم؛ عبد الكافي؛ قاد القرية إلى قتل امرأة بلا ظهير قَبَلي يحميها بدعوى ارتكابها الفاحشة، ليتجرع في النهاية من الكأس نفسها حين تُوجه تهمة مماثلة إلى ابنته.
ما سبق هو ملخص ما دار ببالي بمجرد أن فرغت من قراءة رواية "شمس الحصادين" للكاتب عبد الستار حتيتة. الرواية صدرت مؤخراً عن دار "جداول" في بيروت، أما صاحبها فهو من مواليد مرسى مطروح عام 1966، ويعمل - كما جاء في التعريف به- صحافيا متجولا بمنطقة الشرق الأوسط.
وتضع "شمسُ الحصَّادين"، قضية حقول الألغام التي خلَّفتها الحرب العالمية الثانية في بؤرة الاهتمام مجدداً، لكن الأهم - من وجهة نظري- أنها تدين ما تتعرض له عينة من المصريين من تهميش وإهمال، ساهما إلى حد كبير في ايجاد بيئة صالحة لتفريخ التطرف، حتى بات هو السيد الآمر الناهي المتحكم في رقاب العباد، ومن ثم غاب كل ما يمكن أن يدل على أن هؤلاء المهمشين هم رعايا دولة تعد الأقدم في التاريخ.
"الحصَّادون"، قبيلة تعيش وسط حقول ألغام زرعها الانجليز والألمان ومن كان مع كل طرف منهما في الحرب العالمية التي دارت واحدة من أشهر معاركها في صحراء العلمين. وبطل الرواية الصبي "سنوسي"، يتعامل الجميع معه على أنه "مكلوب"، يستحق القتل لأنه حرَّض - عبر ميكروفون مسجد القرية- ابنة عمه "نجية" على الهرب معه ليتزوجها، بعد أن قرر والدها، الذي ضربته الفاقة وفقد الكثير من نفوذه التليد، تزويجها من ثري لا ينتمي الى قبيلة معروفة!
أما "نجية"، فما أن بلغ "سنسوسي الثالثة عشر من عمره، حتى بات محرماً عليها أن تلعب معه، وأصبح الاقتران به زوجاً، مستحيلاً بعدما "فقد" عقله في أعقاب فقده والديه اللذين انهار بيتهما نتيجة لعاصفة يعتقد الناس أنها عقوبة الهية على استحلالهما نبش قبور قتلى الحرب واستخدام حجارتها في تشييد ذلك البيت المنكوب.
تنطلق الأحداث من اجتماع مجلس إدارة شؤون القرية التي باتت تضم بين أهلها أناساً ينتمون الى قبائل أصغر من "الحصادين"، فضلاً عن "غرباء" لا ينتمون الى أصول معروفة، للنظر في أمر "سعيدة"، الأرملة، التي قال أحدهم إنه رآها في جنينة الزيتون مع شخص مجهول. وعلى طريقة "الفلاش باك"، يردُنا عبد الستار حتيتة الى نحو ثلاثين أو أربعين عاماً سبقت ذلك الحدث، لنعرف أن القرية سبق أن شهدت مثله مرة واحدة في تاريخها، وكانت ضحيته امرأة أخرى عوقبت أيضاً بالقتل من دون أن يتيقن معاقبوها من ارتكابها ما يوجب ذلك المصير البائس. في ذلك الماضي كان من يحكم هو كبير الحصَّادين، الذين عرفوا بذلك الاسم لمهارتهم الفائقة في حصاد الشعي، لكن بعد أن راح كثير من أبناء القبيلة ضحية الألغام المزروعة حولهم واضطرار آخرين إلى الهجرة تحت وطأة الخوف من ملاقاة ذلك المصير، أو العيش في ظل جدب تزداد حدته عاماً بعد آخر، رأى عبد الكافي أن يدير شؤون الناس مجلسٌ يتولى أحدُ كبارهم رئاسته لمدة عام واحد، ثم يخلفه كبير آخر، وهكذا.
يضعنا عبد الستار حتيتة في أجواء غرائبية تتسق مع طبيعة المستوى المعرفي للشخصيات وطبيعة المكان ذاته، الذي تطوقه حقول الألغام ومقابر ضحايا الحرب. ومن أجمل تلك الأجواء علاقة الصداقة التي تنشأ بين سنوسي وأحد هؤلاء الضجايا؛ الجندي الألماني "بوهلر" الذي كان في السابعة عشرة من عمره عندما ساقوه إلى الحرب وحرموه من الاقتران بحبيبته، لاقترافه في حق الكنيسة إثماً، عقوبته سجن روحه في قبره إلى الأبد. ذلك الإثم تمثل في تسلله الى الكنيسة ليكتب على أحد جدرانها أنه يحب "كيثي" التي يرفض أبوها أن يزوجها له. إذن التطرف ليس قرين دين بعينه، فبوهلر وسنوسي طاردتهما التهمة الدينية نفسها المستندة الى تفسير متطرف، مع أن هذا مسيحي، وذاك مسلم.
"قبل أذان الظهر، كان سنوسي مقيداً في المكان نفسه الذي ربطوا فيه سعيدة. مجرد كومة لحم ملفوفة في القماش يطن عليه الذباب. وفي هذه الأثناء كان أبناء الحصادين، رغم قلة عددهم، يعبئون اسلحتهم بالذخيرة دون انتظار لأي اوامر من عبدالكافي أو الشيخ سليمان. ومن الطرف الآخر كان الشيخ مفتاح قد استحوذ على ميكروفون المسجد مستقوياً بقرارات حتوش واحتشاد قبيلته وباقي بيوت القبائل الصغيرة. وما بين الصحو والغياب يستمع سنوسي عبر مكبر الصوت لوعيد شيخ قبيلة مديقش الغر وهو يتحدث عن العذاب الذي ينتظر ابن الحصادين في الآخرة". ص 255
وأخيراً، أجدني مرة أخرى في حاجة إلى التوقف أمام رمزية زمن الحكي، عقد السبعينات، الذي شهد بداية تنامي خطر التطرف الديني، في مصر بتواطؤ سلطوي، يدعي الاستنارة، ومن ثم المضي بثبات - في ظل شورى شكلية تحكمها اعتبارات عشائرية- نحو انطفاء شمس الجدارة والصدارة، وأفول مكاسب ضحى من أجلها الأسلاف، في ظل "تقدم" صوري تجلى في إنارة القرية بالكهرباء وبناء بيوتها بالحجارة، بدلاً من صوف الأغنام!
هي رواية بديعة، بجماليات سردها، انتهى حتيتة من كتابتها، كما هو موضح في نهاية الكتاب، في خريف 2012، أي في ذروة حكم "الإخوان المسلمين"، تلك الذروة التي ما كان لتلك الجماعة الإقصائية أن تبلغها، لو لم يتواطأ معها أهلُ الحُكم.
غلاف شمس الحصادين
غلاف شمس الحصادين
المقال المنشور في العدد الأسبوعي
المقال المنشور في العدد الأسبوعي
بقية المقال
بقية المقال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.