" المدنيون هدفاً" نعم باختصار تلك هي الاستراتيجية الصهيونية ،والتى تستخدمها دائماً ، لتوفير فرصة للانسحاب من المعارك وحفظ ماء الوجه ، دون ان تعلن خسارتها للمعركة ، وقد طبقتها من قبل فى عدة معارك، وكانت اخرها حربيها على غزة 2008، 2012، وقبلهما الحرب على لبنان 2006. تتلخص تلك الاستراتيجية ، بتصعيد شديد فى استهداف المدنيين ، وذلك عندما تشعر بقرب الاندحار وفشلها فى تحقيق اهدافها من العمليات العسكرية،ويكون الهدف هنا هو اثارة الرأى العام الدولى ،وزيادة عدد النداءات الدولية التى تنادى بضرورة وقف الحرب، فتتوقف اسرائيل وتدعى انها توقفت امتثالاً للنداءات الدولية. وليس خفياً على احد ان اسرائيل منذ ان بدأت حربها الاخيرة على غزة وهي تستهدف المدنيين،حيث فى الوقت الذى اكدت فيه الأممالمتحدة إن غالبية (70-80%) من القتلى الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم في العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي بقطاع غزة، وتخطى عددهم 1359 قتيل، ونحو7400 جريح من المدنيين، وتلقي إسرائيل باللائمة على “حماس” بدعوى استخدامهم كدروع بشرية. فى الوقت الذى قتل فيه 3 مدنيين إسرائيليين فقط من بين كل ضحايا العملية ال60 وفقاً لإحصائيات العدو، يتضح هنا مدى تحقيق اهداف عسكرية من قبل المقاومة التى تحدد اهدافاً عسكرية ،وليست منازل ومستشفيات واماكن عبادات ، فى الوقت التى تقع كل المناطق المحتلة فى مرمى نيران المقاومة الفلسطينية. وقد قالت صحيفة “الجارديان”،فى تقرير لها إنه بات من الصعب على إسرائيل إنكار تعمدها استهداف منشآت البنية التحتية بقطاع غزة. اضافت الصحيفة أن تصريحات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تنفي دائما استهدف البنية التحتية، لم تعد مقنعة في ظل استمرار استهداف المحطات الكهربائية والوقود وغيرها من منشآت البنية التحتية التي كان آخرها استهداف محطة للتوليد الكهربي بقطاع غزة. وقالت إن تعمد إسرائيل الهجوم على محطة توليد الكهرباء في غزة، هدفه تطبيق ما يعرف ب”عقيدة الضاحية”، فهي تستخدم التقنية العليا والقوة العسكرية في تدمير ما هو أبعد من الأهداف العسكرية، أما إذا كانت استهداف المحطة وليد الصدفة، فإن ذلك يثير تساؤلات عديدة حول إدعاءات الجيش الإسرائيلي بشأن دقة استهدافه للأهداف بقطاع غزة. وقد قامت إسرائيل بالشيء نفسه خلال حربها ضد حزب الله اللبناني عام 2006. وذلك ما دفع الكاتب الاسرائيلى جدعون ليفي يؤكد فى مقال فى هآرتس ان الحرب الدائرة الان هي حرب تضليل. قال ليفي :"ان التضليل الثالث هو ادعاء أن الجيش الاسرائيلي "يفعل كل شيء" لمنع قتل المدنيين. وقد تجاوزوا الألف القتيل الأول، وإن جزءا كبيرا منهم على نحو مخيف من الاولاد الصغار واكثرهم مدنيون؛ مع أحياء سُويت بالارض و150 ألف لاجيء لا يدع لهم الجيش الاسرائيلي أي مكان آمن يهربون اليه – إن كل ذلك يجعل هذا الادعاء ليس أكثر من فكاهة مرة. وكذلك الزعم أن العالم يؤيد الحرب ويعترف بعدالتها هو تضليل اسرائيلي: صحيح أن ساسة الغرب ما زالوا يرددون أن من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها، لكن الجثث المتراكمة واللاجئين اليائسين يُهيجون العالم ويُبغضون اليه اسرائيل أكثر فأكثر. وسينتهون الى أن يجرفوا ايضا المناصرين من الساسة. واستمرارا لسياسة التعتيم منعت الإذاعة الإسرائيلية إعلانًا يعرض أسماء الضحايا الأطفال بقطاع غزة أنتجته إحدى المنظمات الحقوقية فى إسرائيل، وذلك لما يثيره- وفقا لوجهة نظر الإذاعة - من جدل سياسى فى الشارع الإسرائيلى وفقا لما نشرته الجارديان. وقد طعنت منظمة "بتسليم" الحقوقية ضد قرار الإذاعة فى المحكمة ولكن تم رفض الطعن، مما جعل المنظمة تلجأ إلى المحكمة الإسرائيلية العليا لمحاولة بث الإعلان فى محطات الإذاعة المختلفة ولتعريف الجماهير الإسرائيلية بحصيلة القتلى من الأطفال فى الحرب الدائرة فى قطاع غزة. وفى الوقت الذى لم يتمالك كريس جونيس، المتحدث باسم وكالة غوث اللاجئين، نفسه وأجهش بالبكاء أثناء حديثه مع قناة الجزيرة حول استهداف الكيان الصهيوني للمدنيين ومباني الأممالمتحدة وأطفال ومدارس الأونروا. نجد مصربعد استهداف مدرسة الاونروا تجدد مطالبتها للجانب الإسرائيلي بضرورة ضبط النفس والتوقف الفوري عن استهداف المدنيين(والتى لم تتوق اسرائيل عن استهدافهم منذ بدء الحرب) (وللعلم تلك هي المرة الثالثة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة التي تستهدف فيها الغارات والقصف مدارس تابعة لأونروا في القطاع ،كما استهدفت 45مسجدا و7مستشفيات )، وعن الاستخدام المفرط وغير المبرر للقوة والذي راح ضحيته المدنيون الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء . كما أكدت على ضرورة الالتزام الكامل بقواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع التي تحظر تماما استهداف المدنيين!! فى وقت لم تلتزم فية دولة الاحتلال الاسرائيلي بهدنة اعلنتها الاربعاء ،حيث واستشهد 23 مواطنا على الأقل، مساء الأربعاء، واصيب نحو 200 آخرين، في قصف مدفعي مكثف استهدف سوق البسطات في حي الشجاعية شرقي غزة.و من بين الشهداء صحفيون ومسعفون وعاملون في جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية والصليب الأحمر الدولي وأطفال ونساء وشيوخ. يقول خبراء عسكريون أن استهداف المساجد والمشافي لا يستهدف ضرب الروح المعنوية للفلسطينيين وتكثيف الحصار ، ولكنه يعبر عن روح يأس ودليل عجز وهيستريا المهزوم بعدما فوجئ الاحتلال بقوة المقاومة التي كبدته خسائر كبيرة بين قواته . وفى اطار سياسة التعتيم الاعلامى على الخسائر التى منى بها ،كشفت مصادر خاصة في الداخل الفلسطيني المحتل أن عائلات درزية يخدم أولادها في جيش الاحتلال يقبلون منحا فورية من جيش الاحتلال بقيمة 50 ألف شيكل مقابل قبولها بعدم نشر مقتل ابنها خلال الحرب العدوانية على قطاع غزة.كما تحصل هذه العائلات على تعويضات من جيش الاحتلال تصل إلى مليون شيكل في كثير من الأحيان.كل ذلك فى سبيل التعتيم على قتلاهم. ولعل هذا ما دفع الجيش الاسرائيلى الى اعتقال عدة جنود ومدنيا للاشتباه في أنهم سربوا أعداد القتلى والمصابين في غزة على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل ابلاغ أسر القتلى أو الجرحى رسمياً. علاوة على الاحساس بانعدام الامان في اسرائيل أصبح جزءاً لا يتجزأ من الواقع. كما تبين في الايام الاخيرة ايضا بان الحرب في غزة تنتقل الى الضفة والى شرقي القدس، ومن شأنها أن تشعل انتفاضة واسعة النطاق. على هذه الخلفية،ترى اسرائيل انه لا مفر من القول ان هذه الحرب يجب ان تنتقل من الميدان الى طاولة المباحثات، فيما يتعين على "صورة النصر" ان تكتفي بمجرد تحقيق هدوء طويل المدى وتدمير الانفاق الهجومية. في غياب مسيرة سياسية شاملة، تؤدي الى اتفاق سلام بين اسرائيل والفلسطينيين، فان هذا هو انجاز لا بأس به.