تتعدد مظاهر التكافل الاجتماعي في الشارع المصري في رمضان، فبين موائد الرحمن والحقائب الرمضانية والمساعدات المالية والعينية للجمعيات الخيرية في ينبوع خير لا ينقطع طوال الشهر الكريم والزكاة والصداقات وصلة الأرحام ، حيث كان رسول الله صلى الله عليهم وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة فيدارسه القران، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وأن الجود في الشرع كما عرفه الحافظ ابن حجر رحمه الله بأنه "إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة ". ولما كان رمضان موسمًا من مواسم الخيرات و القربات و التنافس في اكتساب الحسنات والتسابق في رقي الدرجات كان له هذه الميزة من الجود النبوي الذي صوره لنا هذا الحديث و منها: الجود بالعبادة : حيث أن رمضان موسم من مواسم العبادة و الطاعة، ولهذا فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يعطيه مزيد أهمية فيكثر فيه من الطاعات والعبادات حتى أنه في ثلثه الأخير يتفرغ لعبادة ربه و مناجته فيعتكف في تلك الليالي المباركة في مسجده تقربًا إلى الله تعالى. وإن الصيام والقيام وقراءة القران وذكر الله والدعاء والعمرة والصدقة كل ذلك من العبادات و الطاعات التي هي من مظاهر الجود وغنى النفس بالعبادة، و لهذا كان من بديع ربط الحافظ ابن حجر رحمه الله بين الجود ومدارسة القرآن التي أشار لها الحديث قوله: قيل الحكمة فيه أن مدارسة القران تجدد له العهد بمزيد غنى النفس والغنى سبب الجود. الجود بقراءة القرآن : وقراءة القران جزء من الجود بالعبادة، لكن إفرادها هنا لمزية خاصة بهذا الشهر ذكرت في الحديث "حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القران ومن هنا فهم الإمام النووي رحمه الله هذا المعنى فقال وهو يعدد فوائد هذا الحديث "واستحباب الإكثار من القراءة في رمضان وكونها أفضل من سائر الأذكار إذ لو كان الذكر أفضل أو مساوياً لفعلاه"، حيث إن رمضان فرصة عظيمة للنهل من معين القران الكريم قراءة وحفظاً و تدبراً ، لقد أنزل القرآن في هذا الشهر العظيم "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ".
ففي الآية الكريمة كما ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: " يمدح تعالى شهر الصيام من بين الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه، ثم يمدح الله تعالى القران الكريم، الذي أنزله هدى لقلوب العباد ومن آمن به وصدقه واتبعه و"بينات" أي دلائل وحجج بينة واضحة جليلة
لمن فهمها و تدبرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال والرشد المخالف للغي مفرقاً بين الحق و الباطل والحلال و الحرام.
الجود بالمال و الصدقة: وكما تحدثنا عن الجود بقراءة القران فكذلك الجود بالمال والصدقة يدخل تحت الجود بالعبادة، لكن إفراده أيضاً لميزة خاصة للجود المالي في رمضان و هذا يظهر من جوانب :النص على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان أجود الناس فقد كان صلى الله عليه و سلم كريمًا معطاءً، يجود بالمال والعطاء بفعله و قوله يعطي صلى الله عليه وسلم عطاء من لايخشى الفقر، قال الله تعالى "من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً"، حتى أنه صلى الله عليه و سلم عمق هذا المفهوم في نفوس أصحابه رضوان الله عليهم عملياً، سألهم مرة عن أحب المالين إلى الإنسان هل هو المال الذي بيده أو مال وارثه، ثم وضح لهم أنه ليس للإنسان إلا ما أنفق و قدم لآخرته . وعمقه أيضاً صلى الله عليه و سلم بقوله في أحاديث كثيرة منها: قال صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفًا"، وقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث القدسي "انفق يا ابن ادم أنفق عليك"، وغيرها من الأحاديث التي تبين فضل وأجر هذه العبادة العظيمة.
ومن أنواع الجود المالي و الذي يتأكد في مثل هذا الشهر الكريم، تفطير الصائمين، قال صلى الله عليه و سلم: "من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء".
ومن جانبه قال الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن العطاء المجتمعي متواجد في الشارع المصري وفي كل مكان في شهر رمضان، ولكنه لم يصل إلى المستوى المطلوب بعد، مُضيفًا أنه شهر عطاء في إطار العبادة مع الله ومع الذكر والعبادة والتقرب إلى الله وعطاء في التواصل الإجتماعي مع الناس ولا فرق في التعامل الناس والعبادة.
وقال الجندي، إن المصريون في هذا الشهر الكريم لديهم نوايا طيبة بقدر الإمكان يعملون على أن يكونوا في معية الله ولكن هذا العطاء قادر على إدراج القيم والمعاني النبيلة، ومقاصد الإسلام والصيام في هذا الشهر هو جماع لكل الفضائل والإنجازات الحضارية والمجتمعية، لافتًا إلى أن ما عاشه المصريون في الفترة الأخيرة من السنوات الماضية من حالة التخبط السياسي، أثر عليهم سلبًا في مجمل حياتهم.
وتابع: إن بداية الأعمال الخيرية في رمضان هذا العام كانت طيبة ولكنها لم تكن على المستوى المطلوب، ولكن هناك فرصة حقيقية لكي ينتقل المصريون في العطاء، لافتًا إلى وجود ولمس الظواهر السلبية من تراجع قيمة العمل وعدم إداراك حقوق أبناء الدين والوطن والانفلات الإخلاقي
واستطرد أنه تتراجع قيمة التواصل التساند والتكامل وهي من القيم الأصيلة في الاسلام، لافتًا إلى أن الشخصية المصرية لايزال كما هو مشاهد ومعلوم وأن هناك العديد من فئات المجتمع يئن من ضغوط الفقر والحاجة والمناطق العشوائية وهي أمور تحتاج التكافل الذي هو من أخص خصائص شهر رمضان وهي الإحساس بحرمان الأخرين ومعاناتهم ولأن التقوى وهي غاية من غايات الصيام تعني الشعور باللآلام وأمال الآخرين مع الجوع والعطش والامساك عن متع الحياة يستشعر الصائم أن هناك آخرين يعانون طوال العام من هذه الحقوق المشروعة في الحصول على مقومات وضروريات الحياة من المأكل والمشرب والملبس والزواج وغير ذلك، وهي أمور لا يمكن التغلب عليها ولا حلها بواسطة قرار من الدولة وإنما تحتاج إلى تعاون مجتمعي وضمير ديني يؤكد على حق الآخرين في الحصول على هذه الضروريات وفك معاناة المحتاجين ، مستشهدًا بحديث الرسول"ص"،: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه".
وأشار عضو مجمع البحث الاسلامية إلى أننا نفتقد للمعاني النبيلة رغم وجود الصيام وامتلاء المساجد بالساجدين المصلين لكن مقاصد وجوهر شهر رمضان لاتزال في حاجة مًلحه بأن نستعيدها مرة أخرى، مًضيفًا أن غياب مثل هذه الفضائل كانت موجودة في الاسر والشخصية المصرية ولكن بسبب التخبط في العلاقات والاستبداد والظلم وليس ما هو موجود الآن بمقياس بالصور حتى ما كانت موجودة قبل ذلك وليس المظهر الحقيقي للشهور رمضان وهو مسح دموع الفقراء، مضيفًا أن الأوضاع الخاطئة مازالت في المجتمع ولم تختفي ، وانه علينا أن نعلي القيم الاسلامية الأصيلة في نفوس أغلبية هذا المجتمع والقيم الدينية مع شركاءنا في الوطن وهم المسيحيين
ورأى أنه على الدولة أن تعيد صياغة منظومة العدالة الإجتماعية بين الناس فإعادتها مطلوبة ، مؤكدا بقوله " إن اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً"، مشددا على أنه ليس واجب المسلم أن يصلي ويصوم ويحج فقط الإسلام أعمق من هذا.
ومن ناحيته أوضحت الدكتورة عفاف النجار، العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن مظاهر العطاء لاتقتصر على أنها مادية ولكنها لابد وأن تكون مادي أو معنوي، موضحة أن العطاء المادي يتمثل بذل الصداقات حيث الرسول "ص" أجود ما يكون في رمضان وأغلب المسلمين يجعلون ميعاد لدفع الزكاة في رمضان، التي تتمثل في الزكاة ومؤائد الرحمن التي يدعى إليها المحتاجين ولا تكون مظهر ولكنها لابد وأن تكون قريبة لله تعالى، وصلة الأرحام0
ورأت عميد جامعة الأزهر، أن أوضاع البلاد الآن تحتاج إلى مزيد من التبرعات لسد القصور والعجز والجمعيات الأهلية التي تؤدي الخدمات، بما فيها من المستشفيات التي تحتاج إلى أسره والمرضى الواقفين في طوابير لتلقي العلاج وغيرهم ممن يستحقون العطاء0
ورأت النجار ، أن الاوضاع السياسية لا تؤثر على مظاهر العطاء في الشهر الكريم، مضيفه أنه من اعتاد على فعل الخير للخير لن ينقطع عنه تحت أي ظروف أو أوضاع غير مستقره لاحساسه بإحتياج الفقراء احتياجه للتصدق0
وقالت إن العطاء المعنوي هو زيادة روح الودة والترابط بين المسلمين والمسيحيين وليس المسلمون فقط وإنما نحن شعب واحد ونسيج، وأنه يجب تباد التهاني والمجاملات في المناسبات، مضيفه، " ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".