إنفوجراف| أسعار الذهب في مستهل تعاملات الجمعة 3 مايو    أسعار البيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. عز ب 24155 جنيهًا    دايملر للشاحنات تحذر من صعوبة ظروف السوق في أوروبا    المرصد السوري: قصف إسرائيلي يستهدف مركزا لحزب الله اللبناني بريف دمشق    «القاهرة الإخبارية»: أمريكا تقمع طلاب الجامعات بدلا من تلبية مطالبهم بشأن فلسطين    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    حرب غزة.. صحيفة أمريكية: السنوار انتصر حتى لو لم يخرج منها حيا    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    جدول مباريات اليوم.. حجازي ضد موسيماني.. ومواجهتان في الدوري المصري    الكومي: مذكرة لجنة الانضباط تحسم أزمة الشحات والشيبي    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 4 مايو 2024 | إنفوجراف    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    ضبط 300 كجم دقيق مجهولة المصدر في جنوب الأقصر    معرض أبو ظبي يناقش "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"    زي النهارده.. العالم يحتفل باليوم العالمي للصحافة    «شقو» يتراجع للمركز الثاني في قائمة الإيرادات.. بطولة عمرو يوسف    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    إبراهيم سعيد يكشف كواليس الحديث مع أفشة بعد أزمته مع كولر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    بعد تغيبها 3 أيام.. العثور على أشلاء جثة عجوز بمدخل قرية في الفيوم    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير سورة البقرة (الأيات من 38 إلى 48) للإمام الطبري
نشر في المشهد يوم 28 - 02 - 2014

{38} قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا } فِيمَا مَضَى فَلَا حَاجَة بِنَا إلَى إعَادَته إذْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع هُوَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِع . وَقَدْ : 661 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيل بْن سَالِم , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا } قَالَ : آدَم , وَحَوَّاء , وَالْحَيَّة , وَإِبْلِيس .

{38} قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ } فَإِنْ يَأْتِكُمْ , و " مَا " الَّتِي مَعَ " إنَّ " تَوْكِيد لِلْكَلَامِ , وَلِدُخُولِهَا مَعَ " إنَّ " أُدْخِلَتْ النُّون الْمُشَدَّدَة فِي " يَأْتِيَنَّكُمْ " تَفْرِقَة بِدُخُولِهَا بَيْن " مَا " الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى تَوْكِيد الْكَلَام الَّتِي تُسَمِّيهَا أَهْل الْعَرَبِيَّة صِلَة وَحَشْوًا , وَبَيْن " مَا " الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى " الَّذِي " , فَتُؤْذِن بِدُخُولِهَا فِي الْفِعْل , أَنَّ " مَا " الَّتِي مَعَ " إنَّ " الَّتِي بِمَعْنَى الْجَزَاء تَوْكِيد , وَلَيْسَتْ " مَا " الَّتِي بِمَعْنَى " الَّذِي " . وَقَدْ قَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ : إنَّ " إمَّا " " إنْ " زِيدَتْ مَعَهَا " مَا " , وَصَارَ الْفِعْل الَّذِي بَعْده بِالنُّونِ الْخَفِيفَة أَوْ الثَّقِيلَة , وَقَدْ يَكُون بِغَيْرِ نُون . وَإِنَّمَا حَسُنَتْ فِيهِ النُّون لَمَّا دَخَلَتْهُ " مَا " , لِأَنَّ " مَا " نَفْي , فَهِيَ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَهِيَ الْحَرْف الَّذِي يَنْفِي الْوَاجِب , فَحَسُنَتْ فِيهِ النُّون , نَحْو قَوْلهمْ : " بِعَيْنِ مَا أَرَيْنَك " حِين أُدْخِلَتْ فِيهَا " مَا " حَسُنَتْ النُّون فِيمَا هُنَا . وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة دَعْوَى قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّ " مَا " الَّتِي مَعَ " بِعَيْنِ مَا أَرَيْنَك " بِمَعْنَى الْجَحْد , وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى التَّوْكِيد لِلْكَلَامِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ حَشْو فِي الْكَلَام , وَمَعْنَاهَا الْحَذْف , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : بِعَيْنِ أَرَاك , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُجْعَل مَعَ الِاخْتِلَاف فِيهِ أَصْلًا يُقَاس عَلَيْهِ غَيْره .

{38} قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهُدَى فِي هَذَا الْمَوْضِع الْبَيَان وَالرَّشَاد , كَمَا : 662 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } قَالَ : الْهُدَى : الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل وَالْبَيَان . فَإِنْ كَانَ مَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ , فَالْخِطَاب بِقَوْلِهِ : { اهْبِطُوا } وَإِنْ كَانَ لِآدَم وَزَوْجَته , فَيَجِب أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ آدَم وَزَوْجَته وَذُرِّيَّتهمَا . فَيَكُون ذَلِكَ حِينَئِذٍ نَظِير قَوْله : { فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } 41 11 بِمَعْنَى أَتَيْنَا بِمَا فِينَا مِنْ الْخَلْق طَائِعِينَ . وَنَظِير قَوْله فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : " رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمِينَ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك وَأَرِهِمْ مَنَاسِكهمْ " فَجُمِعَ قَبْل أَنْ تَكُون ذُرِّيَّة , وَهُوَ فِي قِرَاءَتنَا : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } 2 128 وَكَمَا يَقُول الْقَائِل لِآخَر : كَأَنَّك قَدْ تَزَوَّجْت وَوُلِدَ لَك وَكَثَرْتُمْ وَعُزِّزْتُمْ . وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِب عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة ; لِأَنَّ آدَم كَانَ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام حَيَاته بَعْد أَنْ أُهْبِطَ إلَى الْأَرْض , وَالرَّسُول مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى وَلَده , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا وَهُوَ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } خِطَابًا لَهُ وَلِزَوْجَتِهِ : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَى أَنْبِيَاء وَرُسُل إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ التَّأْوِيل . وَقَوْل أَبِي الْعَالِيَة فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مِنْ التَّأْوِيل تَحْتَمِلهُ الْآيَة , فَأَقْرَب إلَى الصَّوَاب مِنْهُ عِنْدِي وَأَشْبَهَ بِظَاهِرِ التِّلَاوَة أَنْ يَكُون تَأْوِيلهَا : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي يَا مَعْشَر مِنْ أَهَبَطْته إلَى الْأَرْض مِنْ سَمَائِي , وَهُوَ آدَم وَزَوْجَته وَإِبْلِيس , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل فِي تَأْوِيل الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا : إمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي بَيَان مِنْ أَمْرِي وَطَاعَتِي وَرَشَاد إلَى سَبِيلِي وَدِينِي , فَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْكُمْ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَفَ مِنْهُمْ قَبْل ذَلِكَ إلَيَّ مَعْصِيَة وَخِلَاف لِأَمْرِي وَطَاعَتِي . يُعَرِّفهُمْ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ التَّائِب عَلَى مَنْ تَابَ إلَيْهِ مِنْ ذُنُوبه , وَالرَّحِيم لِمَنْ أَنَابَ إلَيْهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسه بِقَوْلِهِ : { إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِر الْخِطَاب بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا } وَاَلَّذِينَ خُوطِبُوا بِهِ هُمْ مِنْ سَمَّيْنَا فِي قَوْل الْحُجَّة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ قَدْ قَدَّمْنَا الرِّوَايَة عَنْهُمْ . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره لِمَنْ أَهَبَطَ حِينَئِذٍ مِنْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض , فَهُوَ سُنَّة اللَّه فِي جَمِيع خَلْقه , وَتَعْرِيف مِنْهُ بِذَلِكَ لِلَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة بِمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } 2 6 وَفِي قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } 2 8 وَأَنَّ حُكْمه فِيهِمْ إنْ تَابُوا إلَيْهِ وَأَنَابُوا وَاتَّبَعُوا مَا أَتَاهُمْ مِنْ الْبَيَان مِنْ عِنْد اللَّه , عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُمْ عِنْده فِي الْآخِرَة , مِمَّنْ لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ , وَأَنَّهُمْ إنْ هَلَكُوا عَلَى كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ قَبْل الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة , كَانُوا مِنْ أَهْل النَّار الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا . وَقَوْله : { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ } يَعْنِي فَمَنْ اتَّبَعَ بَيَانِي الَّذِي أُبَيِّنهُ عَلَى أَلْسُن رُسُلِي أَوْ مَعَ رُسُلِي , كَمَا : 663 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ } يَعْنِي بَيَانِي . وَقَوْله : { فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ } يَعْنِي فَهُمْ آمِنُونَ فِي أَهْوَال الْقِيَامَة مِنْ عِقَاب اللَّه غَيْر خَائِفِينَ عَذَابه , بِمَا أَطَاعُوا اللَّه فِي الدُّنْيَا وَاتَّبَعُوا أَمْره وَهُدَاهُ وَسَبِيله { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَوْمئِذٍ عَلَى مَا خَلَّفُوا بَعْد وَفَاتهمْ فِي الدُّنْيَا , كَمَا : 664 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { لَا خَوْف عَلَيْهِمْ } يَقُول لَا خَوْف عَلَيْكُمْ أَمَامكُمْ , وَلَيْسَ شَيْء أَعْظَم فِي صَدْر الَّذِي يَمُوت مِمَّا بَعْد الْمَوْت , فَأَمَّنَهُمْ مِنْهُ وَسَلَاهُمْ عَنْ الدُّنْيَا , فَقَالَ : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } .

{39} وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
يَعْنِي : وَاَلَّذِينَ جَحَدُوا آيَاتِي وَكَذَّبُوا رُسُلِي , وَآيَات اللَّه : حُجَجه وَأَدِلَّته عَلَى وَحْدَانِيّته وَرُبُوبِيَّته , وَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل مِنْ الْأَعْلَام وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ , وَعَلَى صِدْقهَا فِيمَا أَنْبَأَتْ عَنْ رَبّهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْكُفْر : التَّغْطِيَة عَلَى الشَّيْء . { أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار } يَعْنِي أَهْلهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا دُون غَيْرهمْ الْمُخَلَّدُونَ فِيهَا أَبَدًا إلَى غَيْر أَمَد وَلَا نِهَايَة , كَمَا : 665 - حَدَّثَنَا بِهِ عُقْبَة بْن سِنَان الْبَصْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا غَسَّان بْن مُضَر , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَزِيد , وَحَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مَسْلَمَة سَعِيد بْن يَزِيد , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , وَأَبُو بَكْر بْن عَوْن , قَالَا : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا أَهْل النَّار الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ أَقْوَامًا أَصَابَتْهُمْ النَّار بِخَطَايَاهُمْ أَوْ بِذُنُوبِهِمْ فَأَمَاتَتْهُمْ إمَاتَة حَتَّى إذَا صَارُوا فَحْمًا أَذِنَ فِي الشَّفَاعَة "

{40} يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } : يَا وَلَد يَعْقُوب بْن إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن ; وَكَانَ يَعْقُوب يُدْعَى إسْرَائِيل , بِمَعْنَى عَبْد اللَّه وَصَفْوَته مِنْ خَلْقه ; وَإِيل هُوَ اللَّه ; وَإِسْرَا : هُوَ الْعَبْد , كَمَا قِيلَ جِبْرِيل بِمَعْنَى عَبْد اللَّه . وَكَمَا : 666 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إسْمَاعِيل بْن رَجَاء , عَنْ عُمَيْر مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنْ ابْن عَبَّاس : إنَّ إسْرَائِيل كَقَوْلِك عَبْد اللَّه . 667 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , قَالَ : إِيل : اللَّه بالعبرانية . وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } أَحْبَار الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَسَبَهُمْ جَلَّ ذِكْره إلَى يَعْقُوب , كَمَا نَسَبَ ذُرِّيَّة آدَم إلَى آدَم , فَقَالَ : { يَا بَنِي آدَم خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } 7 31 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي بَعْدهَا مِنْ الْآي الَّتِي ذَكَّرَهُمْ فِيهَا نِعَمه , وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ مَا أُنْزِلَ فِيهِمْ وَفِي غَيْرهمْ فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة مَا قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ مِنْ الْحِجَج وَالْآيَات الَّتِي فِيهَا أَنْبَاء أَسْلَافهمْ وَأَخْبَار أَوَائِلهمْ , وَقَصَص الْأُمُور الَّتِي هُمْ بِعِلْمِهَا مَخْصُوصُونَ دُون غَيْرهمْ مِنْ سَائِر الْأُمَم لَيْسَ عِنْد غَيْرهمْ مِنْ الْعِلْم بِصِحَّتِهِ , وَحَقِيقَته مِثْل الَّذِي لَهُمْ مِنْ الْعِلْم بِهِ إلَّا لِمَنْ اقْتَبَسَ عِلْم ذَلِكَ مِنْهُمْ . فَعَرَّفَهُمْ بِإِطْلَاعِ مُحَمَّد عَلَى عِلْمهَا مَعَ بَعْد قَوْمه وَعَشِيرَته مِنْ مَعْرِفَتهَا , وَقِلَّة مُزَاوَلَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرَاسَة الْكُتُب الَّتِي فِيهَا أَنْبَاء ذَلِكَ , أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِل إلَى عِلْم ذَلِكَ إلَّا بِوَحْيٍ مِنْ اللَّه وَتَنْزِيل مِنْهُ ذَلِكَ إلَيْهِ ; لِأَنَّهُمْ مِنْ عِلْم صِحَّة ذَلِكَ بِمَحَلٍّ لَيْسَ بِهِ مِنْ الْأُمَم غَيْرهمْ . فَلِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَصَّ بِقَوْلِهِ : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } خُطَّابهمْ كَمَا : 668 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } قَالَ : يَا أَهْل الْكِتَاب لِلْأَحْبَارِ مِنْ يَهُود .

{40} يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَنِعْمَته الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل جَلَّ ذِكْره اصْطِفَاؤُهُ مِنْهُمْ الرُّسُل , وَإِنْزَاله عَلَيْهِمْ الْكُتُب , وَاسْتِنْقَاذه إيَّاهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْبَلَاء وَالضَّرَّاء مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه , إلَى التَّمْكِين لَهُمْ فِي الْأَرْض , وَتَفْجِير عُيُون الْمَاء مِنْ الْحَجَر , وَإِطْعَام الْمَنّ وَالسَّلْوَى . فَأَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعْقَابهمْ أَنْ يَكُون مَا سَلَفَ مِنْهُ إلَى آبَائِهِمْ عَلَى ذِكْر , وَأَنْ لَا يَنْسَوْا صَنِيعه إلَى أَسْلَافهمْ وَآبَائِهِمْ , فَيَحِلّ بِهِمْ مِنْ النِّقَم مَا أَحَلَّ بِمِنْ نَسِيَ نِعَمه عِنْده مِنْهُمْ وَكَفَرَهَا وَجَحَدَ صَنَائِعه عِنْده . كَمَا : 669 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } أَيْ آلَائِي عِنْدكُمْ وَعِنْد آبَائِكُمْ لَمَّا كَانَ نَجَّاهُمْ بِهِ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه . 670 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ } قَالَ : نِعْمَته أَنْ جَعَلَ مِنْهُمْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُب . 671 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } يَعْنِي نِعْمَته الَّتِي أَنْعَمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فِيمَا سَمَّى وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ , فَجَّرَ لَهُمْ الْحَجَر , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَأَنْجَاهُمْ عَنْ عُبُودِيَّة آل فِرْعَوْن . 672 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } قَالَ : نِعَمه عَامَّة , وَلَا نِعْمَة أَفَضْل مِنْ الْإِسْلَام , وَالنِّعَم بَعْد تَبَع لَهَا . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه { يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسْلِمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامكُمْ } 49 17 الْآيَة . وَتَذْكِير اللَّه الَّذِينَ ذَكَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَة مِنْ نِعَمه عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَظِير تَذْكِير مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ أَسْلَافهمْ عَلَى عَهْده الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ , وَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتَ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } 5 20

{40} يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا مَعْنَى الْعَهْد فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيله وَالصَّوَاب عِنْدنَا مِنْ الْقَوْل فِيهِ . وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع عَهْد اللَّه وَوَصِيَّته الَّتِي أَخَذَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة أَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَسُول , وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة أَنَّهُ نَبِيّ اللَّه , وَأَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } وَعَهْده إيَّاهُمْ : أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } 5 12 الْآيَة , وَكَمَا قَالَ : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } 7 156 : 157 الْآيَة . وَكَمَا : 673 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } الَّذِي أَخَذْت فِي أَعْنَاقكُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَاءَكُمْ . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } : أَيْ أُنْجِز لَكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَيْهِ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعه , بِوَضْعِ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْإِصْر وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ فِي أَعْنَاقكُمْ بِذُنُوبِكُمْ الَّتِي كَانَتْ مِنْ أَحْدَاثكُمْ . 674 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ : عَهْده إلَى عِبَاده : دِين الْإِسْلَام أَنْ يَتَّبِعُوهُ . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يَعْنِي الْجَنَّة . 675 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أَمَّا أَوْفُوا بِعَهْدِي : فَمَا عَهِدْت إلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب , وَأَمَّا أُوفِ بِعَهْدِكُمْ : فَالْجَنَّة , عَهِدْت إلَيْكُمْ أَنَّكُمْ إنْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَتِي أَدْخَلْتُكُمْ الْجَنَّة . 676 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ : ذَلِكَ الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَائِدَة { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } 5 12 إلَى آخِر الْآيَة . فَهَذَا عَهْد اللَّه الَّذِي عَهِدَ إلَيْهِمْ , وَهُوَ عَهْد اللَّه فِينَا , فَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِ اللَّه وَفَى اللَّه لَهُ بِعَهْدِهِ . 677 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يَقُول : أَوْفُوا بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَتِي وَنَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِي فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي غَيْره { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يَقُول : أَرْض عَنْكُمْ وَأُدْخِلكُمْ الْجَنَّة . 678 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ : أَوْفُوا بِأَمْرِي , أُوفِ بِاَلَّذِي وَعَدْتُكُمْ , وَقَرَأَ : { إنَّ اللَّه اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ } حَتَّى بَلَغَ : { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه } 9 111 قَالَ : هَذَا عَهْده إلَيْكُمْ الَّذِي عَهِدَهُ لَهُمْ .

{40} يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } وَإِيَّايَ فَاخْشَوْا , وَاتَّقُوا أَيّهَا الْمُضَيِّعُونَ عَهْدِي مِنْ بَنِي إسْرَائِيل وَالْمُكَذِّبُونَ رَسُولِي الَّذِي أَخَذْت مِيثَاقكُمْ فِيمَا أَنَزَلْت مِنْ الْكُتُب عَلَى أَنْبِيَائِي أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ وَتَتَّبِعُوهُ , أَنْ أَحِلّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَتِي , إنْ لَمْ تُنِيبُوا وَتَتُوبُوا إلَيَّ بِاتِّبَاعِهِ وَالْإِقْرَار بِمَا أَنَزَلْت إلَيْهِ مَا أَحْلَلْت بِمَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَكَذَّبَ رُسُلِي مِنْ أَسْلَافكُمْ . كَمَا : 679 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أَنْ أُنْزِلَ بِكُمْ مَا أَنَزَلْت بِمَنْ كَانَ قَبْلكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْ النِّقْمَات الَّتِي قَدْ عَرَفْتُمْ مِنْ الْمَسْخ وَغَيْره . 680 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } يَقُول : فَاخْشَوْنِ . 681 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } بِقَوْلِ : وَإِيَّايَ فَاخْشَوْنِ .

{41} وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { آمِنُوا } : صَدِّقُوا , كَمَا قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَان عَنْهُ قَبْل . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِمَا أَنْزَلْت } : مَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآن . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } أَنَّ الْقُرْآن مُصَدِّق لِمَا مَعَ الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ التَّوْرَاة . فَأَمَرَهُمْ بِالتَّصْدِيقِ بِالْقُرْآنِ , وَأَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ فِي تَصْدِيقهمْ بِالْقُرْآنِ تَصْدِيقًا مِنْهُمْ لِلتَّوْرَاةِ ; لِأَنَّ الَّذِي فِي الْقُرْآن مِنْ الْأَمْر بِالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقه وَاتِّبَاعه نَظِير الَّذِي مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِنْجِيل وَالتَّوْرَاة . فَفِي تَصْدِيقهمْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد تَصْدِيق مِنْهُمْ لِمَا مَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة , وَفِي تَكْذِيبهمْ بِهِ تَكْذِيب مِنْهُمْ لِمَا مَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة . وَقَوْله : { مُصَدِّقًا } قَطْع مِنْ الْهَاء الْمَتْرُوكَة فِي { أَنْزَلْته } مِنْ ذِكْر " مَا " . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَآمِنُوا بِاَلَّذِي أَنْزَلْته مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ أَيّهَا الْيَهُود . وَاَلَّذِي مَعَهُمْ هُوَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . كَمَا : 682 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } يَقُول : إنَّمَا أَنْزَلْت الْقُرْآن مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 683 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } يَقُول : يَا مَعْشَر أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت عَلَى مُحَمَّد مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ . يَقُول : لِأَنَّهُمْ يَجِدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل .

{41} وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : كَيْفَ قِيلَ : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } وَالْخِطَاب فِيهِ لِجَمْعٍ وَكَافِر وَاحِد ؟ وَهَلْ نُجِيز إنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَنْ يَقُول قَائِل : لَا تَكُونُوا أَوَّل رَجُل قَامَ ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّمَا يَجُوز تَوْحِيد مَا أُضِيفَ لَهُ " أَفَعَلَ " , وَهُوَ خَبَر لِجَمْعٍ , إذَا كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ " فَعَلَ " و " يَفْعَل " لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَنْ الْمُرَاد مَعَهُ الْمَحْذُوف مِنْ الْكَلَام , وَهُوَ " مِنْ " , وَيَقُوم مَقَامه فِي الْأَدَاء عَنْ مَعْنَى مَا كَانَ يُؤَدِّي عَنْهُ " مِنْ " مِنْ الْجَمْع وَالتَّأْنِيث وَهُوَ فِي لَفْظ وَاحِد . أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : وَلَا تَكُونُوا أَوَّل مَنْ يَكْفُر بِهِ , ف " مِنْ " بِمَعْنَى جَمْع وَهُوَ غَيْر مُتَصَرِّف تُصْرَف الْأَسْمَاء لِلتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْع وَالتَّأْنِيث . فَإِذَا أُقِيمَ الِاسْم الْمُشْتَقّ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل مَقَامه , جَرَى وَهُوَ مُوَحَّد مَجْرَاهُ فِي الْأَدَاء عَمَّا كَانَ يُؤَدِّي عَنْهُ مِنْ مَعْنَى الْجَمْع وَالتَّأْنِيث , كَقَوْلِك : الْجَيْش يَنْهَزِم , وَالْجُنْد يَقْبَل ; فَتَوَحَّدَ الْفِعْل لِتَوْحِيدِ لَفْظ الْجَيْش وَالْجُنْد , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : الْجَيْش رَجُل , وَالْجُنْد غُلَام , حَتَّى تَقُول : الْجُنْد غِلْمَان , وَالْجَيْش رِجَال ; لِأَنَّ الْوَاحِد مِنْ عَدَد الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ غَيْر مُشْتَقَّة مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل لَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى الْجَمَاعَة مِنْهُمْ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَإِذَا هُمْ طَعِمُوا فَأَلْأَم طَاعِم وَإِذَا هُمْ جَاعُوا فَشَرّ جِيَاع فَوَحَّدَ مَرَّة عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ نِيَّة " مِنْ " , وَإِقَامَة الظَّاهِر مِنْ الِاسْم الَّذِي هُوَ مُشْتَقّ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل مَقَامه . وَجَمَعَ أُخْرَى عَلَى الْإِخْرَاج عَلَى عَدَد أَسَمَاء الْمُخْبِر عَنْهُمْ . وَلَوْ وَحَّدَ حَيْثُ جَمَعَ أَوْ جَمَعَ حَيْثُ وَحَّدَ كَانَ صَوَابًا جَائِزًا . فَأَمَّا تَأْوِيل ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : يَا مَعْشَر أَحْبَار أَهْل الْكِتَاب صَدِّقُوا بِمَا أَنْزَلْت عَلَى رَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآن الْمُصَدِّق كِتَابكُمْ , وَاَلَّذِي عِنْدكُمْ مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل الْمَعْهُود إلَيْكُمْ فِيهِمَا أَنَّهُ رَسُولِي وَنَبِيِّي الْمَبْعُوث بِالْحَقِّ , وَلَا تَكُونُوا أَوَّل مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَجَحَدَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِي وَعِنْدكُمْ مِنْ الْعِلْم بِهِ مَا لَيْسَ عِنْد غَيْركُمْ . وَكُفْرهمْ بِهِ : جُحُودهمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه , وَالْهَاء الَّتِي فِي " بِهِ " مِنْ ذِكْر " مَا " الَّتِي مَعَ قَوْله : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت } كَمَا : 684 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } بِالْقُرْآنِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي ذَلِكَ مَا : 685 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } يَقُول : لَا تَكُونُوا أَوَّل مِنْ كُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } يَعْنِي بِكِتَابِكُمْ , وَيَتَأَوَّل أَنَّ فِي تَكْذِيبهمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِكِتَابِهِمْ ; لِأَنَّ فِي كِتَابهمْ الْأَمْر بِاتِّبَاعِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مِنْ ظَاهِر مَا تَدُلّ عَلَيْهِ التِّلَاوَة بَعِيدَانِ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَة فِي أَوَّلهَا بِالْإِيمَانِ بِمَا أَنَزَلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ جَلَّ ذِكْره : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } وَمَعْقُول أَنَّ الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه فِي عَصْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْقُرْآن لَا مُحَمَّد , لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ رَسُول مُرْسَل لَا تَنْزِيل مُنْزَل , وَالْمُنْزَل هُوَ الْكِتَاب . ثُمَّ نَهَاهُمْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّل مَنْ يَكْفُر بِاَلَّذِي أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ فِي أَوَّل الْآيَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب . فَذَلِكَ هُوَ الظَّاهِر الْمَفْهُوم , وَلَمْ يَجْرِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الآية ذِكْر ظَاهِر فَيُعَاد عَلَيْهِ بِذَكَرِهِ مُكَنِّيًا فِي قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } وَإِنْ كَانَ غَيْر مَحَال فِي الْكَلَام أَنْ يَذْكُر مُكَنَّى اسْم لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر ظَاهِر فِي الْكَلَام . وَكَذَلِكَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَائِد مِنْ الذِّكْر فِي " بِهِ " عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { لِمَا مَعَكُمْ } لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا ظَاهِر الْكَلَام فَإِنَّهُ بَعِيد مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة وَالتَّنْزِيل , لِمَا وَصَفْنَا قَبْل مِنْ أَنَّ الْمَأْمُور بِالْإِيمَانِ بِهِ فِي أَوَّل الْآيَة هُوَ الْقُرْآن , فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون الْمَنْهِيّ عَنْ الْكُفْر بِهِ فِي آخِرهَا هُوَ الْقُرْآن . وَأَمَّا أَنْ يَكُون الْمَأْمُور بِالْإِيمَانِ بِهِ غَيْر الْمَنْهِيّ عَنْ الْكُفْر بِهِ فِي كَلَام وَاحِد وَآيَة وَاحِدَة , فَذَلِكَ غَيْر الْأَشْهَر الْأَظْهَر فِي الْكَلَام , هَذَا مَعَ بَعْد مَعْنَاهُ فِي التَّأْوِيل . 686 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَك وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } وَعِنْدكُمْ فِيهِ مِنْ الْعِلْم مَا لَيْسَ عِنْد غَيْركُمْ .

{41} وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : 687 - فَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : لَا تَأْخُذُوا عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ : هُوَ مَكْتُوب عِنْدهمْ فِي الْكِتَاب الْأَوَّل : يَا ابْن آدَم عَلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْت مَجَّانًا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 688 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : لَا تَأْخُذُوا طَعْمًا قَلِيلًا وَتَكْتُمُوا اسْم اللَّه . فَذَلِكَ الطَّعْم هُوَ الثَّمَن . فَتَأْوِيل الْآيَة إذَا : لَا تَبِيعُوا مَا آتَيْتُكُمْ مِنْ الْعِلْم بِكِتَابِي وَآيَاته بِثَمَنٍ خَسِيس وَعَرَض مِنْ الدُّنْيَا قَلِيل . وَبَيْعهمْ إيَّاهُ - تَرَكَهُمْ إبَانَة مَا فِي كِتَابهمْ مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ , وَأَنَّهُ مَكْتُوب فِيهِ أَنَّهُ النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل - بِثَمَنٍ قَلِيل , وَهُوَ رِضَاهُمْ بِالرِّيَاسَةِ عَلَى أَتْبَاعهمْ مِنْ أَهْل مِلَّتهمْ وَدِينهمْ , وَأَخْذهمْ الْأَجْر مِمَّنْ بَيَّنُوا لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنُوا لَهُ مِنْهُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعْنَى ذَلِكَ : " لَا تَبِيعُوا " لِأَنَّ مُشْتَرِي الثَّمَن الْقَلِيل بِآيَاتِ اللَّه بَائِع الْآيَات بِالثَّمَنِ , فَكُلّ وَاحِد مِنْ الثَّمَن وَالْمُثَمَّن مَبِيع لِصَاحِبِهِ , وَصَاحِبه بِهِ مُشْتَرٍ . وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ أَبُو الْعَالِيَة : بَيِّنُوا لِلنَّاسِ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا تَبْتَغُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَجْرًا . فَيَكُون حِينَئِذٍ نَهْيه عَنْ أَخْذ الْأَجْر عَلَى تَبْيِينه هُوَ النَّهْي عَنْ شِرَاء الثَّمَن الْقَلِيل بِآيَاتِهِ .

{41} وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول : فَاتَّقُونِ فِي بَيْعكُمْ آيَاتِي بِالْخَسِيسِ مِنْ الثَّمَن , وَشِرَائِكُمْ بِهَا الْقَلِيل مِنْ الْعَرَض , وَكُفْركُمْ بِمَا أَنْزَلْت عَلَى رَسُولِي , وَجُحُودكُمْ نُبُوَّة نَبِيّه ; أَنْ أَحِلّ بِكُمْ مَا أَحَلَلْت بِأَخْلَافِكُمْ الَّذِينَ سَلَكُوا سَبِيلكُمْ مِنْ الْمُثُلَات وَالنِّقْمَات .

{42} وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَلْبِسُوا } : لَا تَخْلِطُوا , وَاللَّبْس : هُوَ الْخَلْط , يُقَال مِنْهُ : لَبَّسْت عَلَيْهِمْ الْأَمْر أَلْبِسهُ لَبْسًا : إذَا خَلَطْته عَلَيْهِمْ . كَمَا : 689 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } 6 9 يَقُول : لَخَلَطْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَخْلِطُونَ . وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : لَمَّا لَبِسْنَ الْحَقّ بِالتَّجَنِّي غَنِينَ وَاسْتَبْدَلْنَ زَيْدًا مِنِّي يَعْنِي بِقَوْلِهِ : لَبِسْنَ : خَلَطْنَ . وَأَمَّا اللُّبْس فَإِنَّهُ يُقَال مِنْهُ : لَبَّسْته أَلْبِسهُ لَبْسًا وَمَلْبَسًا , وَذَلِكَ فِي الْكِسْوَة يَكْتَسِيهَا فَيَلْبَسهَا . وَمِنْ اللُّبْس قَوْل الْأَخْطَل : لَقَدْ لَبِسْت لِهَذَا الدَّهْر أَعْصِرهُ حَتَّى تَجَلَّلَ رَأْسِي الشَّيْب وَاشْتَعَلَا وَمِنْ اللُّبْس قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } 6 9 فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ كَانُوا يَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَهُمْ كُفَّار , وَأَيّ حَقّ كَانُوا عَلَيْهِ مَعَ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ ؟ قِيلَ : إنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مُنَافِقُونَ مِنْهُمْ يُظْهِرُونَ التَّصْدِيق بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْتَبْطِنُونَ الْكُفْر بِهِ , وَكَانَ عُظْمهمْ يَقُولُونَ : مُحَمَّد نَبِيّ مَبْعُوث إلَّا أَنَّهُ مَبْعُوث إلَى غَيْرنَا . فَكَانَ لَبِسَ الْمُنَافِق مِنْهُمْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ إظْهَاره الْحَقّ بِلِسَانِهِ وَإِقْرَاره لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ جَهَارًا , وَخَلَطَهُ ذَلِكَ الظَّاهِر مِنْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ الَّذِي يَسْتَبْطِنهُ . وَكَانَ لَبِسَ الْمُقِرّ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مَبْعُوث إلَى غَيْرهمْ الْجَاحِد أَنَّهُ مَبْعُوث إلَيْهِمْ إقْرَاره بِأَنَّهُ مَبْعُوث إلَى غَيْرهمْ وَهُوَ الْحَقّ , وَجُحُوده أَنَّهُ مَبْعُوث إلَيْهِمْ وَهُوَ الْبَاطِل , وَقَدْ بَعَثَهُ اللَّه إلَى الْخَلْق كَافَّة . فَذَلِكَ خَلْطهمْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَلُبْسهمْ إيَّاهُ بِهِ . كَمَا : 690 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْح , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } قَالَ : لَا تَخْلِطُوا الصِّدْق بِالْكَذِبِ . 691 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } يَقُول : لَا تَخْلِطُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَأَدُّوا النَّصِيحَة لِعِبَادِ اللَّه فِي أَمْر مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . 692 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بِالْإِسْلَامِ . 693 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } قَالَ : الْحَقّ : التَّوْرَاة الَّذِي أَنَزَلَ اللَّه عَلَى مُوسَى , وَالْبَاطِل : الَّذِي كَتَبُوهُ بِأَيْدِيهِمْ .

{42} وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي قَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَكْتُمُوا الْحَقّ كَمَا نَهَاهُمْ أَنَّ يَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ . فَيَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ حِينَئِذٍ : ولَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقّ . وَيَكُون قَوْله : { وَتَكْتُمُوا } عِنْد ذَلِكَ مَجْزُومًا بِمَا جُزِمَ بِهِ : " تَلْبِسُوا " عَطْفًا عَلَيْهِ . وَالْوَجْه الْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُون النَّهْي مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ عَنْ أَنْ يَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَيَكُون قَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } خَبَرًا مِنْهُ عَنْهُمْ بِكِتْمَانِهِمْ الْحَقّ الَّذِي يَعْلَمُونَهُ , فَيَكُون قَوْله : " وَتَكْتُمُوا " حِينَئِذٍ مَنْصُوبًا , لِانْصِرَافِهِ عَنْ مَعْنَى قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } إذْ كَانَ قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا } نَهْيًا , وَقَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } خَبَرًا مَعْطُوفًا عَلَيْهِ غَيْر جَائِز أَنْ يُعَاد عَلَيْهِ مَا عَمَل فِي قَوْله : { تَلْبِسُوا } مِنْ الْحَرْف الْجَازِم , وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيُّونَ صَرْفًا . وَنَظِير ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى وَالْإِعْرَاب قَوْل الشَّاعِر : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَتَأْتِيَ مِثْله عَارٍ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيم فَنَصَبَ " تَأْتِيَ " عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { وَتَكْتُمُوا } الْآيَة , لِأَنَّهُ لَمْ يَرِد : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَلَا تَأْتِ مِثْله , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَأَنْت تَأْتِي مِثْله . فَكَانَ الْأَوَّل نَهْيًا وَالثَّانِي خَبَرًا , فَنَصَبَ الْخَبَر إذْ عَطْفه عَلَى غَيْر شَكْله . فَأَمَّا الْوَجْه الْأَوَّل مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا أَنَّ الْآيَة تَحْتَمِلهُمَا , فهو على مذهب ابن عباس الذي : 694 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } يَقُول : وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . * وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } : أَيْ وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقّ . وَأَمَّا الْوَجْه الثَّانِي مِنْهُمَا فَهُوَ عَلَى مَذْهَب أَبِي الْعَالِيَة وَمُجَاهِد . 695 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : كَتَمُوا بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 696 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَأَمَّا تَأْوِيل الْحَقّ الَّذِي كَتَمُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَهُ , فَهُوَ مَا : 697 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } يَقُول : لَا تَكْتُمُوا مَا عِنْدكُمْ مِنْ الْمَعْرِفَة بِرَسُولِي وَمَا جَاءَ بِهِ , وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدكُمْ فِيمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْكُتُب الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ . * وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } يَقُول : إنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ . 698 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : يَكْتُم أَهْل الْكِتَاب مُحَمَّدًا , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 699 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : الْحَقّ هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 700 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : كَتَمُوا بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ . * وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : تَكْتُمُونَ مُحَمَّدًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ , وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . فَتَأْوِيل الْآيَة إذَا : وَلَا تَخْلِطُوا عَلَى النَّاس أَيّهَا الْأَحْبَار مِنْ أَهْل الْكِتَاب فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه , وَتَزْعُمُوا أَنَّهُ مَبْعُوث إلَى بَعْض أَجْنَاس الْأُمَم دُون بَعْض أَوْ تُنَافِقُوا فِي أَمْره , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَبْعُوث إلَى جَمِيعكُمْ , وَجَمِيع الْأُمَم غَيْركُمْ , فَتَخْلِطُوا بِذَلِكَ الصِّدْق بِالْكَذِبِ , وَتَكْتُمُوا بِهِ مَا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ مِنْ نَعْته وَصِفَته , وَأَنَّهُ رَسُولِي إلَى النَّاس كَافَّة , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولِي , وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ إلَيْكُمْ فَمِنْ عِنْدِي , وَتَعْرِفُونَ أَنَّ مِنْ عَهْدِي الَّذِي أَخَذْت عَلَيْكُمْ فِي كِتَابكُمْ الْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَالتَّصْدِيق بِهِ .

{43} وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : ذَكَرَ أَنَّ أَحْبَار الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِإِقَامِ الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَلَا يَفْعَلُونَهُ ; فَأَمَرَهُمْ اللَّه بِإِقَامِ الصَّلَاة مَعَ الْمُسْلِمِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ , وَإِيتَاء زَكَاة أَمْوَالهمْ مَعَهُمْ وَأَنْ يَخْضَعُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا خَضَعُوا . كَمَا : 701 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة } قَالَ : فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ , فَأَدُّوهُمَا إلَى اللَّه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى إقَامَة الصَّلَاة فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا فَكَرِهْنَا إعَادَته . أَمَّا إيتَاء الزَّكَاة : فَهُوَ أَدَاء الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة ; وَأَصْل الزَّكَاة : نَمَاء الْمَال وَتَثْمِيره وَزِيَادَته . وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : زَكَا الزَّرْع : إذَا كَثُرَ مَا أَخَرَجَ اللَّه مِنْهُ ; وَزَكَتْ النَّفَقَة : إذَا كَثُرَتْ . وَقِيلَ : زَكَا الْفَرْد , إذَا صَارَ زَوْجًا بِزِيَادَةِ الزَّائِد عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ بِهِ شَفْعًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : كَانُوا خَسًا أَوْ زَكًا مِنْ دُون أَرْبَعَة لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُود النَّاس تَعْتَلِج وَقَالَ آخَر : فَلَا خَسًا عَدِيده وَلَا زَكًا كَمَا شِرَار الْبَقْل أَطْرَاف السَّفَا قَالَ أَبُو جَعْفَر : السَّفَا : شَوْك البهمي , والبهمي : الَّذِي يَكُون مُدَوَّرًا فِي السُّلَّاء . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " وَلَا زَكَا " لَمْ يُصَيِّرهُمْ شَفْعًا مِنْ وِتْر بِحُدُوثِهِ فِيهِمْ . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلزَّكَاةِ زَكَاة وَهِيَ مَال يُخْرَج مِنْ مَال لِتَثْمِيرِ اللَّه بِإِخْرَاجِهَا مِمَّا أُخْرِجَتْ مِنْهُ مَا بَقِيَ عِنْد رَبّ الْمَال مِنْ مَاله . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون سُمِّيَتْ زَكَاة لِأَنَّهَا تَطْهِير لِمَا بَقِيَ مِنْ مَال الرَّجُل , وَتَخْلِيص لَهُ مِنْ أَنْ تَكُون فِيهِ مَظْلَمَة لأهل السُّهْمَان , كما قال جل ثناؤه مُخْبِرًا عن نَبِيّه موسى صلوات الله عليه : { أَقَتَلْت نَفْسًا زَكِيَّةً } 18 74 يعني بَرِيئَة مِن الذُّنُوب طَاهِرَة , وَكَمَا يُقَال لِلرَّجُل : هُوَ عَدْل زَكِيّ لِذَلِك الْمَعْنَى . وهذا الوجه أَعْجَب إلَيَّ فِي تَأْوِيل زَكَاة الْمَال من الْوَجْه الْأَوَّل , وَإِنْ كَانَ الْأَوَّل مَقْبُولًا في تَأْوِيلهَا . وَإِيتَاؤُهَا : إعْطَاؤُهَا أَهْلهَا . وَأَمَّا تَأْوِيل الرُّكُوع : فَهُوَ الْخُضُوع لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , يُقَال مِنْهُ : رَكَعَ فُلَان لِكَذَا وَكَذَا : إذَا خَضَعَ لَهُ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : بِيعَتْ بِكَسْرٍ لِتَيْمٍ وَاسْتَغَاثَ بِهَا مِنْ الْهُزَال أَبُوهَا بَعْد مَا رَكَعَا يَعْنِي : بَعْد مَا خَضَعَ مِنْ شِدَّة الْجَهْد وَالْحَاجَة . وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَحْبَار بَنِي إسْرَائِيل وَمُنَافِقِيهَا بِالْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَة إلَيْهِ , وَبِإِقَامِ الصَّلَاة , وَإِيتَاء الزَّكَاة , وَالدُّخُول مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَام , وَالْخُضُوع لَهُ بِالطَّاعَةِ . وَنَهْي مِنْهُ لَهُمْ عَنْ كِتْمَان مَا قَدْ عَلِمُوهُ مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد تَظَاهُر حُجَجه عَلَيْهِمْ بِمَا قَدْ وَصَفْنَا قَبْل فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , وَبَعْد الْإِعْذَار إلَيْهِمْ وَالْإِنْذَار , وَبَعْد تَذْكِيرهمْ نِعَمه إلَيْهِمْ وَإِلَى أَسْلَافهمْ تَعَطُّفًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَإِبْلَاغًا إلَيْهِمْ فِي الْمَعْذِرَة .

{44} أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْبِرّ الَّذِي كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَة يَأْمُرُونَ النَّاس بِهِ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسهمْ , بَعْد إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ كُلّ طَاعَة لِلَّهِ فَهِيَ تُسْمَى بِرًّا . فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس مَا : 702 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أَيْ تَنْهَوْنَ النَّاس عَنْ الْكُفْر بِمَا عِنْدكُمْ مِنْ النُّبُوَّة وَالْعَهْد مِنْ التَّوْرَاة , وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسكُمْ : أَيْ وَأَنْتُمْ تَكْفُرُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدِي إلَيْكُمْ فِي تَصْدِيق رَسُولِي , وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي , وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي . 703 - وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ } يَقُول : أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالدُّخُولِ فِي دِين مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ إقَام الصَّلَاة { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ } . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 704 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِطَاعَةِ اللَّه وَبِتَقْوَاهُ وَهُمْ يَعْصُونَهُ . 705 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : كَانَ بَنُو إسْرَائِيل يَأْمُرُونَ النَّاس بِطَاعَةِ اللَّه وَبِتَقْوَاهُ وَبِالْبِرِّ وَيُخَالِفُونَ , فَعَيَّرَهُمْ اللَّه . 706 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ } أَهْل الْكِتَاب وَالْمُنَافِقُونَ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة , وَيَدَعُونَ الْعَمَل بِمَا يَأْمُرُونَ بِهِ النَّاس , فَعَيَّرَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ , فَمَنْ أَمَرَ بِخَيْرٍ فَلْيَكُنْ أَشَدّ النَّاس فِيهِ مُسَارَعَة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 707 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : هَؤُلَاءِ الْيَهُود كَانَ إذَا جَاءَ الرَّجُل يَسْأَلهُمْ مَا لَيْسَ فِيهِ حَقّ وَلَا رِشْوَة وَلَا شَيْء , أَمَرُوهُ بِالْحَقِّ , فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا تَعْقِلُونَ } 708 - وَحَدَّثَنِي عَلَيَّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم الْحَرَمِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مَخْلَد بْن الْحُسَيْن , عَنْ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ فِي قَوْل اللَّه : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب } قَالَ : قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : لَا يَفْقُه الرَّجُل كُلّ الْفِقْه حَتَّى يَمْقُت النَّاس فِي ذَات اللَّه ثُمَّ يَرْجِع إلَى نَفْسه فَيَكُون لَهَا أَشَدّ مَقْتًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَجَمِيع الَّذِي قَالَ فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله مُتَقَارِب الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَة الْبِرّ الَّذِي كَانَ الْقَوْم يَأْمُرُونَ بِهِ غَيْرهمْ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ , فَهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِمَا لِلَّهِ فِيهِ رِضًا مِنْ الْقَوْل أَوْ الْعَمَل , وَيُخَالِفُونَ مَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إلَى غَيْره بِأَفْعَالِهِمْ . فَالتَّأْوِيل الَّذِي يَدُلّ عَلَى صِحَّته ظَاهِر التِّلَاوَة إذَا : أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِطَاعَةِ اللَّه وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسكُمْ تَعْصِيه , فَهَلَّا تَأْمُرُونَهَا بِمَا تَأْمُرُونَ بِهِ النَّاس مِنْ طَاعَة رَبّكُمْ ! مُعِيرهمْ بِذَلِكَ وَمُقَبِّحًا إلَيْهِمْ مَا أَتَوْا بِهِ . وَمَعْنَى نِسْيَانهمْ أَنْفُسهمْ فِي هَذَا الْمَوْضِع نَظِير النِّسْيَان الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } 9 67 بِمَعْنَى : تَرَكُوا طَاعَة اللَّه فَتَرَكَهُمْ اللَّه مِنْ ثَوَابه .

{44} أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تَتْلُونَ } : تَدْرُسُونَ وَتَقْرَءُونَ . كَمَا : 709 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب } يَقُول : تَدْرُسُونَ الْكِتَاب بِذَلِكَ . وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ : التَّوْرَاة .

{44} أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } : أَفَلَا تَفْقُهُونَ وَتَفْهَمُونَ قَبَّحَ مَا تَأْتُونَ مِنْ مَعْصِيَتكُمْ رَبّكُمْ الَّتِي تَأْمُرُونَ النَّاس بِخِلَافِهَا وَتَنْهَوْنَهُمْ عَنْ رُكُوبهَا وَأَنْتُمْ رَاكِبُوهَا , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ مِنْ حَقّ اللَّه وَطَاعَته فِي اتِّبَاع مُحَمَّد وَالْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِثْل الَّذِي عَلَى مِنْ تَأْمُرُونَهُ بِاتِّبَاعِهِ . كَمَا : 710 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } يَقُول : أَفَلَا تَفْهَمُونَ فَنَهَاهُمْ عَنْ هَذَا الْخَلْق الْقَبِيح . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَمْر أَحْبَار يَهُود بَنِي إسْرَائِيل غَيْرهمْ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هُوَ مَبْعُوث إلَى غَيْرنَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْل .


{45} وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ } : اسْتَعِينُوا عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِي الَّذِي عَاهَدْتُمُونِي فِي كِتَابكُمْ - مِنْ طَاعَتِي وَاتِّبَاع أَمْرِي , وَتَرْك مَا تَهْوُونَهُ مِنْ الرِّيَاسَة وَحُبّ الدُّنْيَا إلَى مَا تَكْرَهُونَهُ مِنْ التَّسْلِيم لِأَمْرِي , وَاتِّبَاع رَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاة . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الصَّبْر فِي هَذَا الْمَوْضِع : الصَّوْم , وَالصَّوْم بَعْض مَعَانِي الصَّبْر عِنْدنَا . بَلْ تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا كَرِهَتْهُ نَفُوسهمْ مِنْ طَاعَة اللَّه , وَتَرْك مَعَاصِيه . وَأَصْل الصَّبْر : مَنْع النَّفْس مُحَابّهَا وَكَفّهَا عَنْ هَوَاهَا ; وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلصَّابِرِ عَلَى الْمُصِيبَة : صَابِر , لِكَفِّهِ نَفْسه عَنْ الْجَزَع ; وَقِيلَ لِشَهْرِ رَمَضَان : شَهْر الصَّبْر , لِصَبْرِ صَائِمه عَنْ الْمُطَاعَم وَالْمُشَارِب نَهَارًا , وَصَبْره إيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ : حَبْسه لَهُمْ , وَكَفّه إيَّاهُمْ عَنْهُ , كَمَا يَصْبِر الرَّجُل الْمُسِيء لِلْقَتْلِ فَتَحْبِسهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْتُلهُ . وَلِذَلِكَ قِيلَ : قَتَلَ فُلَان فُلَانًا صَبْرًا , يَعْنِي بِهِ حَبَسَهُ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَهُ , فَالْمَقْتُول مَصْبُور , وَالْقَاتِل صَابِر . وَأَمَّا الصَّلَاة فَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَاهَا فِيمَا مَضَى فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : قَدْ عَلِمْنَا مَعْنَى الْأَمْر بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبْرِ عَلَى الْوَفَاء بِالْعَهْدِ وَالْمُحَافَظَة عَلَى الطَّاعَة , فَمَا مَعْنَى الْأَمْر بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى طَاعَة اللَّه , وَتَرْك مَعَاصِيه , وَالتَّعَرِّي عَنْ الرِّيَاسَة , وَتَرْك الدُّنْيَا ؟ قِيلَ : إنَّ الصَّلَاة فِيهَا تِلَاوَة كِتَاب اللَّه , الدَّاعِيَة آيَاته إلَى رَفْض الدُّنْيَا وَهَجْر نَعِيمهَا , الْمُسَلِّيَة النَّفُوس عَنْ زِينَتهَا وَغُرُورهَا , الْمُذَكِّرَة الْآخِرَة وَمَا أَعَدَّ اللَّه فِيهَا لِأَهْلِهَا . فَفِي الِاعْتِبَار بِهَا الْمَعُونَة لِأَهْلِ طَاعَة اللَّه عَلَى الْجَدّ فِيهَا , كَمَا رُوِيَ عَنْ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَزَبَهُ أَمْر فَزِعَ إلَى الصَّلَاة . 711 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ إسْمَاعِيل بْن مُوسَى الْفَزَارِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن رِتَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ ابْن جَرِير , عَنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار , عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد بْن أَبِي قُدَامَةَ , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن الْيَمَان , عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إذَا حَزَبَهُ أَمْر فَزِعَ إلَى الصَّلَاة " . * وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَف بْن الْوَلِيد الْأَزْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا عَنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الدُّؤَلِيّ , قَالَ : قَالَ عَبْد الْعَزِيز أَخُو حُذَيْفَة , قَالَ حُذَيْفَة : " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَزَبَهُ أَمْر صَلَّى " . وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَة مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنه فَقَالَ لَهُ : " اشكنب درد " ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : " قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّ فِي الصَّلَاة شِفَاء " . فَأَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ وَصَفَ أَمَرَهُمْ مِنْ أَحْبَار بَنِي إسْرَائِيل أَنْ يَجْعَلُوا مَفْزَعهمْ فِي الْوَفَاء بِعَهْدِ اللَّه الَّذِي عَاهَدُوهُ إلَى الِاسْتِعَانَة بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة كَمَا أَمَرَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , فَقَالَ لَهُ : { فَاصْبِرْ } يَا مُحَمَّد { عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْل فَسَبِّحْ وَأَطْرَاف النَّهَار لَعَلَّك تَرْضَى } 20 130 فَأَمَرَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي نَوَائِبه بِالْفَزَعِ إلَى الصَّبْر وَالصَّلَاة . 712 - وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم قَالَا : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : حَدَّثَنَا عُيَيْنَةُ بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ ابْن عَبَّاس نُعِيَ إلَيْهِ أَخُوهُ قُثَم وَهُوَ فِي سَفَر , فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ الطَّرِيق , فَأَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فِيهِمَا الْجُلُوس , ثُمَّ قَامَ يَمْشِي إلَى رَاحِلَته وَهُوَ يَقُول : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } . وَأَمَّا أَبُو الْعَالِيَة فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول بِمَا : 713 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة } قَالَ يَقُول : اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة عَلَى مَرْضَاة اللَّه , وَاعْلَمُوا أَنَّهُمَا مِنْ طَاعَة اللَّه . وَقَالَ ابْن جُرَيْجٍ بِمَا : 714 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة } قَالَ : إنَّهُمَا مَعُونَتَانِ عَلَى رَحْمَة اللَّه . 715 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة } الْآيَة , قَالَ : قَالَ الْمُشْرِكُونَ : وَاَللَّه يَا مُحَمَّد إنَّك لَتَدْعُونَا إلَى أَمْر كَبِير , قَالَ : إلَى الصَّلَاة وَالْإِيمَان بِاَللَّهِ .

{45} وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنَّهَا } وَإِنَّ الصَّلَاة , فَالْهَاء وَالْأَلِف فِي " وَإِنَّهَا " عَائِدَتَانِ عَلَى " الصَّلَاة " . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : إنَّ قَوْله : { وَإِنَّهَا } بِمَعْنَى : إنَّ إجَابَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَجْرِ لِذَلِكَ بِلَفْظِ الْإِجَابَة ذِكْر فَتُجْعَل الْهَاء وَالْأَلِف كِنَايَة عَنْهُ , وَغَيْر جَائِز تَرْك الظَّاهِر الْمَفْهُوم مِنْ الْكَلَام إلَى بَاطِن لَا دَلَالَة عَلَى صِحَّته . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَكَبِيرَة } : لَشَدِيدَة ثَقِيلَة . كَمَا : 716 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ : إنَّهَا لَثَقِيلَة . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } : إلَّا عَلَى الْخَاضِعِينَ لِطَاعَتِهِ , الْخَائِفِينَ سَطَوَاته , الْمُصَدِّقِينَ بِوَعْدِهِ وَوَعِيده . كَمَا : 717 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } يَعْنِي الْمُصَدِّقِينَ بِمَا أَنَزَلَ اللَّه . 718 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ : يَعْنِي الْخَائِفِينَ . 719 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ : الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 720 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْخُشُوع : الْخَوْف وَالْخَشْيَة لِلَّهِ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلّ } 42 45 قَالَ : قَدْ أَذَلَّهُمْ الْخَوْف الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ , وَخَشَعُوا لَهُ . وَأَصْل " الْخُشُوع " : التَّوَاضُع وَالتَّذَلُّل وَالِاسْتِكَانَة , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لَمَا أَتَى خَبَر الزُّبَيْر تَوَاضَعَتْ سُور الْمَدِينَة وَالْجِبَال الْخُشَّع يَعْنِي وَالْجِبَال خُشَّع مُتَذَلِّلَة لِعِظَمِ الْمُصِيبَة بِفَقْدِهِ . فَمَعْنَى الْآيَة : وَاسْتَعِينُوا أَيّهَا الْأَحْبَار مِنْ أَهْل الْكِتَاب بِحَبْسِ أَنْفُسكُمْ عَلَى طَاعَة اللَّه , وَكَفّهَا عَنْ مَعَاصِي اللَّه , وَبِإِقَامَةِ الصَّلَاة الْمَانِعَة مِنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر , الْمُقِرّ بِهِ مِنْ مِرَاضِي اللَّه , الْعَظِيمَة إقَامَتهَا إلَّا عَلَى الْمُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ الْمُسْتَكِينِينَ لِطَاعَتِهِ الْمُتَذَلِّلِينَ مِنْ مَخَافَته .

{46} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : إنْ قَالَ لَنَا قَائِلُ : وَكَيْفَ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّنْ قَدْ وَصَفَهُ بِالْخُشُوعِ لَهُ بِالطَّاعَةِ أَنَّهُ يَظُنّ أَنَّهُ مُلَاقِيه , وَالظَّنّ : شَكّ , وَالشَّاكّ فِي لِقَاء اللَّه عِنْدك بِاَللَّهِ كَافِر ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ الْعَرَب قَدْ تُسَمِّي الْيَقِين ظَنًّا , وَالشَّكّ ظَنًّا , نَظِير تَسْمِيَتهمْ الظُّلْمَة سُدْفَة وَالضِّيَاء سُدْفَة , وَالْمُغِيث صَارِخًا , وَالْمُسْتَغِيث صَارِخًا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي تُسَمِّي بِهَا الشَّيْء وَضِدّه . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى بِهِ الْيَقِين قَوْل دُرَيْد بْن الصِّمَّة : فَقُلْت لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ سَرَاتُهُمُ فِي الْفَارِسِيِّ الْمُسَرَّدِ يَعْنِي بِذَلِكَ : تَيَقَّنُوا أَلْفَيْ مُدَجَّجٍ تَأْتِيكُمْ . وَقَوْل عَمِيرَة بْن طَارِق : بِأَنْ تَغْتَزُوا قَوْمِي وَأَقْعُدُ فِيكُمُ وَأَجْعَلُ مِنِّي غَيْبًا مُرَجَّمًا يَعْنِي : وَأَجْعَل مِنِّي الْيَقِين غَيْبًا مُرَجَّمًا . وَالشَّوَاهِد مِنْ أَشْعَار الْعَرَبِ وَكَلَامهَا عَلَى أَنَّ الظَّنّ فِي مَعْنَى الْيَقِين أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَفِيمَا ذَكَرْنَا لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ كِفَايَة . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّار فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا } 18 53 وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ تَفْسِير الْمُفَسِّرِينَ . 721 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } قَالَ : إنَّ الظَّنّ هَهُنَا يَقِين . 722 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كُلّ ظَنّ فِي الْقُرْآن يَقِين , إنِّي ظَنَنْت وَظَنُّوا . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الْحَفَرِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كُلّ ظَنّ فِي الْقُرْآن فَهُوَ عِلْم . 723 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } أَمَّا يَظُنُّونَ فَيَسْتَيْقِنُونَ . 724 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } عَلِمُوا أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ , هِيَ كَقَوْلِهِ : { إنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ } 69 20 يَقُول عَلِمْت . 725 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } قَالَ : لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَايِنُوا , فَكَانَ ظَنَّهُمْ يَقِينًا , وَلَيْسَ ظَنًّا فِي شَكّ . وَقَرَأَ : { إنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ } الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ إنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ فَأُضِيفَ الْمُلَاقُونَ إلَى الرَّبّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَعْنَاهُ : الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ رَبّهمْ ؟ وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ , فَمِنْ كَلَام الْعَرَب تَرْك الْإِضَافَة وَإِثْبَات النُّون , وَإِنَّمَا تَسْقُط النُّون وَتُضَاف فِي الْأَسْمَاء الْمَبْنِيَّة مِنْ الْأَفْعَال إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى فَعَلَ , فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى يَفْعَل وَفَاعِل , فَشَأْنهَا إثْبَات النُّون , وَتَرْك الْإِضَافَة . قِيلَ : لَا تُدَافِع بَيْن جَمِيع أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَاتِ الْعَرَب وَأَلْسِنِهَا فِي إجَازَة إضَافَة الِاسْم الْمَبْنِيّ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل , وَإِسْقَاط النُّون وَهُوَ بِمَعْنَى يَفْعَل وَفَاعِل , أَعْنِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال وَحَال الْفِعْل وَلَمَّا يَنْقَضِ , فَلَا وَجْه لِمَسْأَلَةِ السَّائِل عَنْ ذَلِكَ : لِمَ قِيلَ ؟ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أُضِيفَ وَأُسْقِطَتْ النُّون . فَقَالَ نَحْوِيُّو الْبَصْرَة : أُسْقِطَتْ النُّون مِنْ : { مُلَاقُو رَبّهمْ } وَمَا أَشَبَهه مِنْ الْأَفْعَال الَّتِي فِي لَفْظ الْأَسْمَاء وَهِيَ فِي مَعْنَى يَفْعَل وَفِي مَعْنَى مَا لَمْ يَنْقَضِ اسْتِثْقَالًا لَهَا , وَهِيَ مُرَادَة كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت } 3 185 وَكَمَا قَالَ : { إنَّا مُرْسِلُو النَّاقَة فِتْنَة لَهُمْ } 54 27 وَلَمَّا يُرْسِلهَا بَعْد ; وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : هَلْ أَنْتَ بَاعِث دِينَار لِحَاجَتِنَا أَوْ عَبْد رَبّ أَخَا عَوْن بْن مِخْرَاق فَأَضَافَ بَاعِثًا إلَى الدِّينَار , وَلَمَّا يَبْعَث , وَنُصِبَ عَبْد رَبّ عَطْفًا عَلَى مَوْضِع دِينَار لِأَنَّهُ فِي مَوْضِع نَصْب وَإِنْ خُفِضَ . وَكَمَا قَالَ الْآخَر : الْحَافِظُو عَوْرَة الْعَشِيرَة لَا يَأْتِيهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ نَطَف بِنَصْبِ الْعَوْرَة وَخَفْضهَا . فَالْخَفْض عَلَى الْإِضَافَة , وَالنَّصْب عَلَى حَذْف النُّون اسْتِثْقَالًا , وَهِيَ مُرَادَة . وَهَذَا قَوْل نَحْوِيِّي الْبَصْرَة . وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْكُوفَة فَإِنَّهُمْ قَالُوا : جَائِز فِي { مُلَاقُو } الْإِضَافَة , وَهِيَ فِي مَعْنَى يَلْقَوْنَ , وَإِسْقَاط النُّون مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي لَفْظ الْأَسْمَاء , فَلَهُ فِي الْإِضَافَة إلَى الْأَسْمَاء حَظّ الْأَسْمَاء , وَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ اسْم لَهُ كَانَ نَظِيرًا . قَالُوا : وَإِذَا أُثْبِتَ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ النُّون وَتُرِكَتْ الْإِضَافَة , فَإِنَّمَا تَفْعَل ذَلِكَ بِهِ لِأَنَّ لَهُ مَعْنَى يَفْعَل الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَجِب بَعْد . قَالُوا : فَالْإِضَافَة فِيهِ لِلَّفْظِ , وَتَرْك الْإِضَافَة لِلْمَعْنَى . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : وَاسْتَعِينُوا عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِي بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاة , وَإِنَّ الصَّلَاة لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَائِفِينَ عِقَابِي , الْمُتَوَاضِعِينَ لِأَمْرِي , الْمُوقِنِينَ بِلِقَائِي وَالرُّجُوع إلَيَّ بَعْد مَمَاتهمْ . وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الصَّلَاة كَبِيرَة إلَّا عَلَى مَنْ هَذِهِ صِفَته ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ غَيْر مُوقِن بِمَعَادٍ وَلَا مُصَدِّق بِمَرْجِعٍ وَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب , فَالصَّلَاة عِنْده عَنَاء وَضَلَال , لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو بِإِقَامَتِهَا إدْرَاك نَفْع وَلَا دَفْع ضُرّ , وَحَقّ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَة صِفَته أَنْ تَكُون الصَّلَاة عَلَيْهِ كَبِيرَة , وَإِقَامَتهَا عَلَيْهِ ثَقِيلَة , وَلَهُ فَادِحَة . وَإِنَّمَا خَفَّتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِلِقَاءِ اللَّه , الرَّاجِينَ عَلَيْهَا جَزِيل ثَوَابه , الْخَائِفِينَ بِتَضْيِيعِهَا أَلِيم عِقَابه , لِمَا يَرْجُونَ بِإِقَامَتِهَا فِي مَعَادهمْ مِنْ الْوُصُول إلَى مَا وَعَدَ اللَّه عَلَيْهَا أَهْلهَا , وَلِمَا يَحْذَرُونَ بِتَضْيِيعِهَا مَا أَوَعَدَ مُضَيِّعهَا . فَأَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحْبَار بَنِي إسْرَائِيل الدِّين خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَات أَنْ يَكُونُوا مِنْ مُقِيمِيهَا الرَّاجِينَ ثَوَابهَا إذَا كَانُوا أَهْل يَقِين بِأَنَّهُمْ إلَى اللَّه رَاجِعُونَ وَإِيَّاهُ فِي الْقِيَامَة مُلَاقُونَ .

{46} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي قَوْله : { وَأَنَّهُمْ } مِنْ ذِكْر الْخَاشِعِينَ , وَالْهَاء فِي " إلَيْهِ " مِنْ ذِكْر الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره فِي قَوْله : { مُلَاقُو رَبّهمْ } فَتَأْوِيل الْكَلِمَة : وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الْمُوقِنِينَ أَنَّهُمْ إلَى رَبّهمْ رَاجِعُونَ . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل الرُّجُوع الَّذِي فِي قَوْله : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 726 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ } قَالَ : يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ بِمَوْتِهِمْ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , قَالَ فِي الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } 2 28 فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مَرْجِعهمْ إلَيْهِ بَعْد نَشْرهمْ وَإِحْيَائِهِمْ مِنْ مَمَاتهمْ , وَذَلِكَ لَا شَكَّ يَوْم الْقِيَامَة , فَكَذَلِكَ تَأْوِيل قَوْله : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ }

{47} يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَة نَظِير تَأْوِيله فِي الَّتِي قَبْلهَا فِي قَوْله : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } وَقَدْ ذَكَرْته هُنَالِكَ .

{47} يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا ذَكَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ آلَائِه وَنِعَمه عِنْدهمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } : أَنِّي فَضَّلْت أَسْلَافكُمْ , فَنَسَبَ نِعَمه عَلَى آبَائِهِمْ وَأَسْلَافهمْ إلَى أَنَّهَا نِعَم مِنْهُ عَلَيْهِمْ , إذْ كَانَتْ مَآثِر الْآبَاء مَآثِر لِلْأَبْنَاءِ , وَالنِّعَم عِنْد الْآبَاء نِعَمًا عِنْد الْأَبْنَاء , لِكَوْنِ الْأَبْنَاء مِنْ الْآبَاء , وَأَخْرَجَ جَلَّ ذِكْره قَوْله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } مَخْرَج الْعُمُوم , وَهُوَ يُرِيد بِهِ خُصُوصًا ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى عَالَم مَنْ كُنْتُمْ بَيْن ظَهْرَيْهِ وَفِي زَمَانه . كَاَلَّذِي : 727 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : فَضَّلَهُمْ عَلَى عَالَم ذَلِكَ الزَّمَان . 728 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : بِمَا أُعْطُوا مِنْ الْمُلْك وَالرُّسُل وَالْكُتُب عَلَى عَالَم مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَان , فَإِنَّ لِكُلِّ زَمَان عَالَمًا . 729 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : عَلَى مَنْ هُمْ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ . * وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عَلَى مَنْ هُمْ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ . 730 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت ابْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : عَالَم أَهْل ذَلِكَ الزَّمَان . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } 44 32 قَالَ : هَذِهِ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّبَعَ أَمْره , وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ الْقِرَدَة وَهُمْ أَبْغَض خَلْقه إلَيْهِ , وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّة : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } 3 110 قَالَ : هَذِهِ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّه وَاتَّبَعَ أَمْره وَاجْتَنَبَ مَحَارِمه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوص الَّذِي وَصَفْنَا مَا : 731 - حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر جَمِيعًا , عَنْ بَهْز بْن حَكِيم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَلَا إنَّكُمْ وَفَّيْتُمْ سَبْعِينَ أُمَّة " قَالَ يَعْقُوب فِي حَدِيثه : " أَنْتُمْ آخِرهَا " . وَقَالَ الْحَسَن : " أَنْتُمْ خَيْرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه " . فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا الْخَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيل لَمْ يَكُونُوا مُفَضَّلِينَ عَلَى أُمَّة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَأَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } وَقَوْله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } 45 16 عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ تَأْوِيله . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى بَيَان تَأْوِيل قَوْله : { الْعَالَمِينَ } بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته .

{48} وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي فِيهِ نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا . وَجَائِز أَيْضًا أَنْ يَكُون تَأْوِيله : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِيه نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : قَدْ صَبَّحَتْ صَبَّحَهَا السَّلَام بِكَبِدٍ خَالَطَهَا سَنَام فِي سَاعَة يُحِبّهَا الطَّعَام وَهُوَ يَعْنِي : يُحِبّ فِيهَا الطَّعَام , فَحُذِفَتْ الْهَاء الرَّاجِعَة عَلَى " الْيَوْم " , إذْ فِيهِ اجْتِزَاء بِمَا ظَهَرَ مِنْ قَوْله : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس } الدَّال عَلَى الْمَحْذُوف مِنْهُ عَمَّا حُذِفَ , إذْ كَانَ مَعْلُومًا مَعْنَاهُ . وَقَدْ زَعَمَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَحْذُوف فِي هَذَا الْمَوْضِع إلَّا الْهَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَحْذُوف إلَّا " فِيهِ " . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى جَوَاز حَذْف كُلّ مَا دَلَّ الظَّاهِر عَلَيْهِ . وَأَمَّا الْمَعْنَى فِي قَوْله : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } فَإِنَّهُ تَحْذِير مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَة عُقُوبَته أَنْ تَحِلّ بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة , وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي لَا تَجْزِي فِيهِ نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا , وَلَا يَجْزِي فِيهِ وَالِد عَنْ وَلَده , وَلَا مَوْلُود هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِده شَيْئًا . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَا تَجْزِي نَفْس } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَا تُغْنِي : كَمَا : 732 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس } أَمَّا تَجْزِي : فَتُغْنِي . وَأَصْل الْجَزَاء فِي كَلَام الْعَرَب : الْقَضَاء وَالتَّعْوِيض , يُقَال : جَزَيْته قَرْضه وَدَيْنه أَجْزِيه جَزَاء , بِمَعْنَى : قَضَيْته دَيْنه , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : جَزَى اللَّه فُلَانًا عَنِّي خَيْرًا أَوْ شَرًّا , بِمَعْنَى : أَثَابَهُ عَنِّي وَقَضَاهُ عَنِّي مَا لَزِمَنِي لَهُ بِفِعْلِهِ الَّذِي سَلَفَ مِنْهُ إلَيَّ . وَقَدْ قَالَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعِلْم بِلُغَةِ الْعَرَب : يُقَال : أَجَزَيْت عَنْهُ كَذَا : إذَا أَعَنْته عَلَيْهِ , وَجَزَيْت عَنْك فُلَانًا : إذَا كَافَأْته . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ جَزَيْت عَنْك : قَضَيْت عَنْك , وَأَجْزَيْت : كَفَيْت . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد , يُقَال : جُزْت عَنْك شَاة وَأَجَزْت , وَجَزَى عَنْك دِرْهَم وَأَجْزَى , وَلَا تَجْزِي عَنْك شَاة وَلَا تَجْزِي بِمَعْنًى وَاحِد , إلَّا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ جُزْت عَنْك وَلَا تَجْزِي عَنْك مِنْ لُغَة أَهْل الْحِجَاز , وَأَنَّ أَجْزَأَ وَتُجْزِئ مِنْ لُغَة غَيْرهمْ . وَزَعَمُوا أَنَّ تَمِيمًا خَاصَّة مِنْ بَيْن قَبَائِل الْعَرَب تَقُول : أَجْزَأْت عَنْك شَاة , وَهِيَ تُجْزِئ عَنْك . وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّ جَزَى بِلَا هَمْز : قَضَى , وَأَجْزَأَ بِالْهَمْزِ : كَافَأَ . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَقْضِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا وَلَا تُغْنِي عَنْهَا غِنًى . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا مَعْنَى : لَا تَقْضِي نَفْس عَنْ نَفْس , وَلَا تُغْنِي عَنْهَا غِنًى ؟ قِيلَ : هُوَ أَنَّ أَحَدنَا الْيَوْم رُبَّمَا قَضَى عَنْ وَلَده أَوْ وَالِده أَوْ ذِي الصَّدَاقَة وَالْقَرَابَة دَيْنه ; وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَإِنَّهُ فِيمَا أَتَتْنَا بِهِ الْأَخْبَار عَنْهَا يُسَرّ الرَّجُل أَنْ يبرد لَهُ عَلَى وَلَده أَوْ وَالِده حَقّ , وَذَلِكَ أَنَّ قَضَاء الْحُقُوق فِي الْقِيَامَة مِنْ الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات . كَمَا : 733 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَنَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ أَبِي خَالِد الدُّولَابِيّ يَزِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَحِمَ اللَّه عَبْدًا كَانَتْ عِنْده لِأَخِيهِ مَظْلَمَة فِي عِرْض " قَالَ أَبُو بَكْر فِي حَدِيثه : " أَوْ مَال أَوْ جَاه , فَاسْتَحَلَّهُ قَبْل أَنْ يُؤْخَذ مِنْهُ وَلَيْسَ ثَمَّ دِينَار وَلَا دِرْهَم , فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَات أَخَذُوا مِنْ حَسَنَاته , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَات حَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتهمْ " . * حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَان الْمُقَدّمِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَرَوِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِك , عَنْ الْمَقْبُرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّام الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 734 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْم بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز الدَّرَاوَرْدِيّ , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَمُوتَن أَحَدكُمْ وَعَلَيْهِ دَيْن , فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ دِينَار وَلَا دِرْهَم , إنَّمَا يَقْتَسِمُونَ هُنَالِكَ الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات " وَأَشَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا . 735 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : قَالَ : حَدَّثَنَا سَالِم بْن قَادِم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة هَاشِم بْن عِيسَى , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَارِث بْن مُسْلِم , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَقْضِي عَنْهَا شَيْئًا لَزِمَهَا لِغَيْرِهَا ; لِأَنَّ الْقَضَاء هُنَالِكَ مِنْ الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات عَلَى مَا وَصَفْنَا . وَكَيْفَ يَقْضِي عَنْ غَيْره مَا لَزِمَهُ مَنْ كَانَ يُسْره أَنْ يَثْبُت لَهُ عَلَى وَلَده أَوْ وَالِده حَقّ , فَيَأْخُذهُ مِنْهُ وَلَا يَتَجَافَى لَهُ عَنْهُ ؟ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } : لَا تَجْزِي مِنْهَا أَنْ تَكُون مَكَانهَا . وَهَذَا قَوْل يَشْهَد ظَاهِر الْقُرْآن عَلَى فَسَاده , وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يَقُول الْقَائِل : مَا أَغْنَيْت عَنِّي شَيْئًا , بِمَعْنَى : مَا أَغْنَيْت مِنِّي أَنْ تَكُون مَكَانِي , بَلْ إذَا أَرَادُوا الْخَبَر عَنْ شَيْء أَنَّهُ لَا يَجْزِي مِنْ شَيْء , قَالُوا لَا يَجْزِي هَذَا مِنْ هَذَا , وَلَا يَسْتَجِيزُونَ أَنَّ يَقُولُوا : لَا يَجْزِي هَذَا مِنْ هَذَا شَيْئًا . فَلَوْ كَانَ تَأْوِيل قَوْله : { لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } مَا قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْله لَقَالَ : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس } كَمَا يُقَال : لَا تَجْزِي نَفْس مِنْ نَفْس , وَلَمْ يَقُلْ لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا : وَفِي صِحَّة التَّنْزِيل بِقَوْلِهِ : لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا أَوْضَح الدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا وَفَسَاد قَوْل مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله فِي ذَلِكَ .

{48} وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالشَّفَاعَة مَصْدَر مِنْ قَوْل الرَّجُل : شَفَعَ لِي فُلَان إلَى فُلَان شَفَاعَة , وَهُوَ طَلَبه إلَيْهِ فِي قَضَاء حَاجَته . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلشَّفِيعِ شَفِيع وَشَافِع لِأَنَّهُ ثُنِّيَ الْمُسْتَشْفِع بِهِ , فَصَارَ لَهُ شَفْعًا , فَكَانَ ذُو الْحَاجَة قَبْل اسْتِشْفَاعه بِهِ فِي حَاجَته فَرْدًا , فَصَارَ صَاحِبه لَهُ فِيهَا شَافِعًا , وَطَلَبه فِيهِ وَفِي حَاجَته شَفَاعَة ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الشَّفِيع فِي الدَّار وَفِي الْأَرْض شَفِيعًا لِمَصِيرِ الْبَائِع بِهِ شَفْعًا . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَقْضِي نَفْس عَنْ نَفْس حَقًّا لَزِمَهَا لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَلَا لِغَيْرِهِ , وَلَا يُقْبَل اللَّه مِنْهَا شَفَاعَة شَافِع , فَيُتْرَك لَهَا مَا لَزِمَهَا مِنْ حَقّ . وَقِيلَ : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَاطَبَ أَهْل هَذِهِ الْآيَة بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ فِيهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل , وَكَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَوْلَاد أَنْبِيَائِهِ , وَسَيَشْفَعُ لَنَا عِنْده آبَاؤُنَا . فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ نَفْسًا لَا تَجْزِي عَنْ نَفْس شَيْئًا فِي الْقِيَامَة , وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة أَحَد فِيهَا حَتَّى يُسْتَوْفَى لِكُلِّ ذِي حَقّ مِنْهَا حَقّه . كَمَا : 736 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن نَصِير , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْعَوَامّ بْن مُزَاحِم رَجُل مِنْ قَيْس بْن ثَعْلَبَة , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّانَ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ الْجَمَّاء لَتَقْتَصّ مِنْ الْقَرْنَاء يَوْم الْقِيَامَة , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة فَلَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا } . .. 21 47 الْآيَة فَآيَسَهُمْ اللَّه جَلَّ ذِكْره مِمَّا كَانُوا أَطْمَعُوا فِيهِ أَنْفُسهمْ مِنْ النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه مَعَ تَكْذِيبهمْ بِمَا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ وَخِلَافهمْ أَمْر اللَّه فِي اتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْده بِشَفَاعَةِ آبَائِهِمْ وَغَيْرهمْ مِنْ النَّاس كُلّهمْ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ غَيْر نَافِعهمْ عِنْده إلَّا التَّوْبَة إلَيْهِ مِنْ كُفْرهمْ وَالْإِنَابَة مِنْ ضَلَالهمْ , وَجَعَلَ مَا سُنَّ فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ إمَامًا لِكُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْل مِنْهَاجهمْ لِئَلَّا يَطْمَع ذُو إلْحَاد فِي رَحْمَة اللَّه . وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَ مَخْرَجهَا عَامًّا فِي التِّلَاوَة , فَإِنَّ الْمُرَاد بِهَا خَاصّ فِي التَّأْوِيل لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِر مِنْ أُمَّتِي " وَأَنَّهُ قَالَ : " لَيْسَ مِنْ نَبِيّ إلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ دَعْوَة , وَإِنِّي خَبَّأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لِأُمَّتِي , وَهِيَ نَائِلَة إنْ شَاءَ اللَّه مِنْهُمْ مَنْ لَا يَشُرْك بِاَللَّهِ شَيْئًا " . فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ يَصْفَح لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِشَفَاعَةِ نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ عَنْ كَثِير مِنْ عُقُوبَة إجْرَامهمْ بَيْنه وَبَيْنهمْ , وَأَنَّ قَوْله : { وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة } إنَّمَا هِيَ لِمَنْ مَاتَ عَلَى كُفْره غَيْر تَائِب إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاضِع الْإِطَالَة فِي الْقَوْل فِي الشَّفَاعَة وَالْوَعْد وَالْوَعِيد , فَنَسْتَقْصِي الْحِجَاج فِي ذَلِكَ , وَسَنَأْتِي عَلَى مَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي مَوَاضِعه إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

{48} وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْعَدْل فِي كَلَام الْعَرَب بِفَتْحِ الْعَيْن : الْفِدْيَة . كَمَا : 737 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : يَعْنِي فِدَاء . 738 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } أَمَّا عَدْل فَيَعْدِلهَا مِنْ الْعَدْل , يَقُول : لَوْ جَاءَتْ بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبَا تَفْتَدِي بِهِ مَا تُقَبِّل مِنْهَا . 739 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : لَوْ جَاءَتْ بِكُلِّ شَيْء لَمْ يُقْبَل مِنْهَا . 740 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : قَالَ ابْن عَبَّاس : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : بَدَل , وَالْبَدَل : الْفِدْيَة . 741 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : لَوْ أَنَّ لَهَا مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا لَمْ يُقْبَل مِنْهَا فِدَاء قَالَ : وَلَوْ جَاءَتْ بِكُلِّ شَيْء لَمْ يُقْبَل مِنْهَا . 742 - وَحَدَّثَنِي نَجِيح بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَكِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي أُمَيَّة مِنْ أَهْل الشَّام أَحَسَن عَلَيْهِ الثَّنَاء , قَالَ : قِيلَ يَا رَسُول اللَّه مَا الْعَدْل ؟ قَالَ : " الْعَدْل : الْفِدْيَة " . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْفِدْيَةِ مِنْ الشَّيْء وَالْبَدَل مِنْهُ عَدْل , لِمُعَادَلَتِهِ إيَّاهُ وَهُوَ مِنْ غَيْر جِنْسه ; وَمَصِيره لَهُ مَثَلًا مِنْ وَجْه الْجَزَاء , لَا مِنْ وَجْه الْمُشَابَهَة فِي الصُّورَة وَالْخِلْقَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } 6 70 بِمَعْنَى : وَإِنْ تَفْدِ كُلّ فِدْيَة لَا يُؤْخَذ مِنْهَا , يُقَال مِنْهُ : هَذَا عَدْله وَعَدِيله . وَأَمَّا الْعَدْل بِكَسْرِ الْعَيْن , فَهُوَ مِثْل الْحِمْل الْمَحْمُول عَلَى الظَّهْر , يُقَال مِنْ ذَلِكَ : عِنْدِي غُلَام عِدْل غُلَامك , وَشَاة عِدْل شَاتك بِكَسْرِ الْعَيْن , إذَا كَانَ غُلَام يَعْدِل غُلَامًا , وَشَاة تَعْدِل شَاة , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلّ مِثْل لِلشَّيْءِ مِنْ جِنْسه . فَإِذَا أُرِيدَ أَنَّ عِنْده قِيمَته مِنْ غَيْر جِنْسه نَصَبْت الْعَيْن فَقِيلَ : عِنْدِي عِدْل شَاتك مِنْ الدَّرَاهِم . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْعَرَب أَنَّهُ يُكْسَر الْعَيْن مِنْ الْعِدْل الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْفِدْيَة لِمُعَادَلَةِ مَا عَادَلَهُ مِنْ جِهَة الْجَزَاء , وَذَلِكَ لِتَقَارُبِ مَعْنَى الْعَدْل وَالْعِدْل عِنْدهمْ , فَأَمَّا وَاحِد الْأَعْدَال فَلَمْ يُسْمَع فِيهِ إلَّا عِدْل بِكَسْرِ الْعَيْن .

{48} وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } وَتَأْوِيل قَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } يَعْنِي أَنَّهُمْ يَوْمئِذٍ لَا يَنْصُرهُمْ نَاصِر , كَمَا لَا يَشْفَع لَهُمْ شَافِع , وَلَا يُقْبَل مِنْهُمْ عَدْل وَلَا فِدْيَة . بَطَلَتْ هُنَالِكَ الْمُحَابَاة وَاضْمَحَلَّتْ الرَّشَا وَالشَّفَاعَات , وَارْتَفَعَ بَيْن الْقَوْم التَّعَاوُن وَالتَّنَاصُر , وَصَارَ الْحُكْم إلَى الْعَدْل الْجَبَّار الَّذِي لَا يَنْفَع لَدَيْهِ الشُّفَعَاء وَالنُّصَرَاء , فَيَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلهَا وَبِالْحَسَنَةِ أَضْعَافهَا . وَذَلِكَ نَظِير قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمْ الْيَوْم مُسْتَسْلِمُونَ } 37 24 : 26 وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي مَعْنَى : { لَا تَنَاصَرُونَ } 37 25 مَا : 743 - حُدِّثْت بِهِ عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ } مَا لَكُمْ لَا تُمَانِعُونَ مِنَّا ؟ هَيْهَاتَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكُمْ الْيَوْم ! وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ فِي مَعْنَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } : وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ اللَّه يَوْمئِذٍ نَصِير يَنْتَصِر لَهُمْ مِنْ اللَّه إذَا عَاقَبَهُمْ . وَقَدْ قِيلَ : وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ بِالطَّلَبِ فِيهِمْ وَالشَّفَاعَة وَالْفِدْيَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَعْلَمَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَة أَنَّ يَوْم الْقِيَامَة يَوْم لَا فِدْيَة لِمَنْ اسْتَحَقَّ مِنْ خَلْقه عُقُوبَته , وَلَا شَفَاعَة فِيهِ , وَلَا نَاصِر لَهُ . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة مَعْدُوم لَا سَبِيل لَهُمْ إلَيْهِ .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.