لوح المحتجون بالعلم الروسي مرددين "روسيا.. روسيا" في مظاهرات في القرم التي أصبحت آخر معقل كبير لمقاومة الحكام الجدد في أوكرانيا. وفي سيمفروبول عاصمة المنطقة استولى عشرات المسلحين على مبنى البرلمان ورفعوا العلم الروسي. وتقبل الناس في شتى أنحاء أوكرانيا الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش يوم السبت حتى في مناطق الشرق المتحدثة بالروسية التي كانت قاعدته السياسية. لكن القرم وهي شبه جزيرة تقع في البحر الأسود ولا يربطها بباقي البلاد سوى شريط ضيق من الأرض هي وحدها حتى الان التي تتحدى النظام الجديد. ونظرا لأهميتها الاستراتيجية ولأنها المنطقة الأوكرانية الوحيدة التي تضم اغلبية من الروس كما انها مقر اسطول البحر الاسود الروسي فهي الان محور معركة بين روسيا والغرب حول مستقبل اوكرانيا. ويتصاعد التوتر في سيمفروبول حيث يحاول الانفصاليون استغلال الفوضى بعد تغيير السلطة في كييف لدعم مطالبتهم لروسيا باستعادة المنطقة التي منحها الزعيم الشيوعي نيكيتا خروتشوف لاوكرانيا السوفيتية عام 1954. ومع إطلاق بعض الأعيرة النارية اقتحم 50 مسلحا البرلمان تحت جنح الظلام. واتصل بهم رئيس وزراء المنطقة هاتفيا لكنهم لم يقدموا اي مطالب ولم يذكروا سبب وجودهم هناك. ووعدوا بالاتصال به ثانية لكنهم لم يفعلوا. وتجمع زهاء 100 من افراد الشرطة امام المبنى وقام عدد مماثل من الاشخاص بمسيرة حاملين الاعلام الروسية ومرددين "روسيا.. روسيا" ودعوا الى اجراء استفتاء في القرم. وقال احد المحتجين ويدعى أليكسي (30 عاما) "لدينا دستورنا.. القرم مستقلة. الحكومة في كييف فاشية وما يفعلونه غير مشروع." وحذرت واشنطنموسكو من ارسال قوات وهي خطوة قد تشعل حربا جديدة في المنطقة التي تنازعتها الأيادي في حروب كثيرة على مدى التاريخ. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعرض عضلاته يوم الاربعاء ووضع القوات العسكرية في غرب روسيا في حالة تأهب قائلا ان روسيا تعمل على ضمان أمن منشآتها في ميناء سفاستوبول في القرم. ووضع الطائرات الحربية في حالة تأهب أيضا يوم الخميس. ويرى الانفصاليون في القرم أن الآن أنسب من أي وقت مضى لمناشدة روسيا مساعدتهم. وقال الضابط المتقاعد دانييل رومانينكو (73 عاما) "لقد عبرت محيطين وأربعة بحور مع البحرية الروسية والان يملي علي بعض الفاشيين ما ينبغي ان أفعل؟" واصفا القيادة الأوكرانية الجديدة بأبشع صفة ممكنة في بلد اجتاحته ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وقال وسط حشد في سفاستوبول مرتديا بزته العسكرية "ينبغي ان يكون لنا خيار أن نتحد أخيرا مع روسيا." وكان طقس القرم المعتدل جعلها منتجعا يقصده القياصرة الروس والزعماء السوفيت للاستجمام. وتتمتع المنطقة بما تحفل به من مزارع الكروم والبساتين والشواطئ التي تكسوها الخضرة بمناظر خلابة. لكن القلق بين الروس في القرم جعلهم يخرجون في احتجاجات حتى قبل ان يجرد البرلمان في كييف يانوكوفيتش من سلطاته يوم السبت بعد احتجاجات استمرت ثلاثة اشهر وكان اغلب المشاركين فيها متظاهرين يؤيدون الاندماج مع اوروبا. وساندت موسكو يانوكوفتيش برغم انها لم تكن شديدة الاعجاب به وقد قلص رحيله قدرة الكرملين على التأثير في أوكرانيا. أما بالنسبة إلى الروس الذين يتجاوز عددهم المليون في القرم فيزيد رحيله شعورهم بعدم اليقين ويريد الكثيرون الحماية من روسيا الأم التي تربطهم بها عرى ثقافية ودينية وثيقة. وقال فلاديمير وهو رجل أعمال عمره 37 عاما "ليس لنا حكومة شرعية ومن ثم فعلينا ان ننهض بشؤوننا بأنفسنا." وتولى المحتجون ذوو التوجهات الانفصالية شؤونهم بأنفسهم في اجتماع حاشد يوم الاحد واختاروا أليكسي تشالي وهو رجل أعمال روسي رئيسا بحكم الأمر الواقع لبلدية سفاستوبول من خلال التصويت برفع الايادي. وفي اليوم التالي تجمع حشد ضخم في الشوارع خارج مقر اجتماع ادارة المدينة وهو ما ضمن عدم امكان عرقلة تعيينه. وتبرز هذه الاحداث التي تتسم بالفوضى والتي أعقبها مزيد من الاحتجاجات هذا الاسبوع ومزيد من الدعوات الى الانفصال مدى الصعوبة التي تكتنف عملية انتقال السلطة في اوكرانيا وبوجه خاص في القرم. وترددت شائعات تفيد بأن بعض المحتجين في كييف تحركوا من العاصمة في طريقهم الى القرم لوضع حد للتحركات الانفصالية ودفع ذلك بعض أبناء القرم الى إنشاء وحدات غير رسمية للدفاع الذاتي. ويقول منظمو تلك الوحدات إن زهاء 3000 رجل انضموا اليها في سفاستوبول وحدها ويتولى بعض قدامى المحاربين وافراد قوات الامن السابقين تدريب الشبان المنضمين. وفي أماكن أخرى في أوكرانيا ولا سيما في العاصمة كييف يشيع الاحتقار لقوات الأمن المعروفة باسم بيركوت باعتبارها القوة التي أطلقت النار على المحتجين. وقال جينادي باسوف زعيم حزب الكتلة الروسية الذي يمثل الروس "ينبغي ان نحمي أنفسنا من المجرمين المسلحين القادمين الى القرم ملثمين ليثيروا الاضطرابات. لقد حولوا أوكرانيا إلى إحدى جمهوريات الموز." ولا يعتبر الحزب الوحدة مع روسيا هدفه الأساسي لكنه يعتقد ان شق أوكرانيا من النصف بين المناطق المتحدثة بالروسية في الشرق والمناطق التي يغلب عليها استعمال اللغة الاوكرانية في الغرب مسألة مجدية اقتصاديا وثقافيا. وقال باسوف مبرزا ازدراء الروس للمحتجين في كييف وأغلبهم من غرب البلاد "معظم قوة أوكرانيا الاقتصادية في الشرق حيث يعمل الناس فعليا أما في الغرب فلا يفعلون شيئا سوى الذهاب الى كييف للاحتجاج." وتكشف مثل هذه التعليقات عن مدى اتساع الانقسام في اوكرانيا بسبب الاحتجاجات في كييف التي فجرها قرار يانوكوفيتش في نوفمبر تشرين الثاني رفض اتفاقات تجارية وسياسية مع الاتحاد الاوروبي وإعادة بناء العلاقات مع روسيا. وكانت هذه الاحتجاجات بالنسبة الى بعض الروس في القرم القشة التي قصمت ظهر البعير. فالمنطقة التي لا يربطها بجنوب اوكرانيا سوى شريط ضيق لا يتجاوز عرضه في بعض المناطق خمسة كيلومترات صار ما يجمعها ببقية البلاد في نظرهم اقل من اي وقت مضى. وقال ليونيد بيلونسكي وهو نائب في برلمان المنطقة من حزب كورولتاي روخ المحافظ "الناس لا يدركون ان هذه كانت ثورة على حكومة مجرمة ويظنون ان كل هذا تأثر بالغرب. وهم يرون أن المحتجين وراء المتاريس باتوا الآن أعداء ألد من الحكومة الفاسدة التي أطاحوا بها." وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الروس ما زالوا يعتبرون القرم التي ضمتها روسيا عام 1783 منطقة روسية. لكن ليس كل سكان شبه الجزيرة مؤيدين لروسيا أو معارضين للوضع السياسي الجديد كما تشهد المواجهات بين المحتجين المتنافسين خارج برلمان المنطقة في سيمفروبول امس الاربعاء. وتضم المنطقة مجموعات عرقية مختلفة من بينها التتار الذين يعودون اليها الان بأعداد كبيرة بعد أن رحلهم منها الدكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين الى آسيا الوسطى أو منطقة الأورال في روسيا. وهم يخافون فكرة الوحدة مع روسيا. وقال زعيم التتار في القرم رفعت شوباروف في مقابلة "في 1738 سقطنا في قبضة الامبراطورية الروسية وعندها بدأت كل معاناتنا. الروس (في القرم) يمكنهم أن يتطلعوا إلى بوتين أما نحن فنتمسك بأوكرانيا." وتواجه المحتجون الروس والتتار أمام البرلمان في سيفروبول يوم الاربعاء لكنهم تفرقوا بعد اشتباكات بالأيدي.