لم أفرح مثلما فرح الكثيرون من أبناء محافظتي، قنا، بعودة اللواء عادل لبيب مرة أخرى، لأنه بكل "بساطة" اهتم بالمظهر الخارجي على حساب الجوهر خلال فترته السابقة، مما كان له أثر سلبي عانت منه المحافظة عندما تركها لخليفته. إذا عدنا بالذاكرة إلى عام 1998؛ كانت محافظة قنا عبارة عن شارعين رئيسيين ( الجميل والمحطة)، وميدانيين (المحطة والبنزيون)، ومسجد سيدي عبد الرحيم القنائي، وكوبري دندرة، بالإضافة إلى بعض الشوارع المتهالكة، والأرصفة المتناهية الصلاحية، و"القهاوي" الخاصة بالرجال فقط. وبعد أن تولى اللواء عادل لبيب المسؤولية في عام 1999 وحتى عام 2005؛ أصبحت المحافظة متعددة الشوارع والميادين، التي لا تعد ولا تحصى، وحدث تحول كبير في مسجد سيدي عبد الرحيم القنائي بعد التوسع الذي أضيف إليه، كما طور كوبري دندرة، وألحق به كورنيش على امتداد النهر، يبدأ من نادي قنا الرياضي جنوبًا، وينتهي بكوبري "الشاورية" شمالاً. كما تزينت الشوارع بالأشجار والأنوار وصور الرئيس السابق حسني مبارك، حتى أن المسافة بين الصورة والأخرى كانت لا تتعدى بضع خطوات في كل شارع رئيسي بالمحافظة، وأضيف على ذلك انتشار النوادي الاجتماعية و"الكافيات" التي تمركزت في منتصف المحافظة من جميع الاتجاهات، يرتادها الرجال والنساء معًا. والأعمال السابقة شهد لها الجميع، ونالت المحافظة الجوائز بسببها، ولكنها من وجهة نظري "أعمال لا تبقى" أي أنها تنتهي بغياب من صنعها، وهذا ما حدث بالفعل؛ فبعد أن انتقل اللواء عادل لبيب في عام 2006 إلى محافظة البحيرة، ومنها إلى الإسكندرية، بدأت هذه الأعمال تذبل شيئًا فشيئًا، حتى تلاشى بعضًا منها، وهو ما يحاول المحافظ إعادته مرة أخرى هذه الأيام. وأعتقد أن الأعمال التي يجب أن يركز عليها المحافظ هذه المرة ليس لها علاقة بالمظهر الخارجي والتجميل والورود والصور، وإنما أعمال تترك له بصمة لا يمحوها الزمن إن غادر المحافظة في يوم من الأيام، وهي الأعمال الجوهرية أو التي تتعلق بالإنسان ذاته، وليست بالبيئة التي يعيش فيها، وهذا سيحتاج من المحافظ تحويل دفة الأموال، الملايين، من الإنفاق على ما لا ينفع، إلى ما ينفع الناس. وتوجد تجارب فريدة وعديدة في دول كثيرة حولنا مرتبطة بالصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، من الممكن أن تستفيد منها المحافظة في إقامة مشروعات للشباب وللأسر وللعائلات، وكل ما سيفعله المحافظ هو إرسال لجنة فنية إلى الصين على سبيل المثال، أو استقدام خبراء صينيين لنقل خبرات هذه الصناعات، وتدريب أبناء المحافظة عليها. وبذلك نكون قد وضعنا المحافظة على الطريق الصحيح، ووضعنا حدًا للبطالة التي يعاني منها الشباب، وللإهانة التي يشعرون بها عند عملهم في "النظافة" أو غيرها من الأعمال التي لا تتناسب مع التركيبة القبلية لهم. وسبب هذا الحدث في هذا التوقيت أنني علمت بأن اللواء لبيب بدأ تكليفه نشيطًا ومتحمسًا، ولف المحافظة من شرقها لغربها، ومن شمالها لجنوبها، وفي النهاية أصدر توجهاته بزيادة عدد عمال النظافة في الشوارع وعلى كورنيش النيل، لمحاولة إنقاذ الثروة الخضراء من الضياع، مما أشعرني بأن تجربة المحافظ في الفترة السابقة ستتكرر هذه المرة دون جديد، في الوقت الذي ينتظر فيه أبناء المحافظة تغييرًا في أسلوب حياتهم، والاهتمام بهم وليس بشيء غيرهم، حتى وإن كانت الطبيعة التي يعيشون فيها. فهل يفعلها اللواء عادل لبيب، ونجد في المحافظة قريبًا "ثورة" صناعية؟ إنا لمنتظرون.