الحنين والأشواق الحارة فاقت كل التوقعات ..ففى ذكرى الزعيم جمال عبد الناصر بدى المجتمع المصرى وكأنه جسد يبحث عن رأسه أو روحه تماما كما فى الأسطورة الفرعونية فالروح تغادر جسد المصرى القديم وتظل تبحث عن جسد مماثل ومطابق كذلك فعلت الروح المصرية الثورية ظلت منذ وفاة ناصر تبحث عن هذا الرجل الذى لم يأت أبدا (ناصر)!.. الأمر مدهش ولكنه مفهوم ففى خلال عامين ونصف أسقط الشعب المصرى مبارك رمز الإستبداد وأطاح بالفاشية الدينية للإخوان ، وبدت البطولة جماعية لا مكان فيها (للكل فى واحد ) و(الزعيم الضرورة )و(البطل الملهم )...ولكن ظل هناك نقصا لا تخطئه العين ..الروح المصرية التى تطلعت للسادات بعد حرب أكتوبر 73 وأعتبرته إمتدادا لناصر سرعان ما صدمتها الخيبات فمن وقف لإطلاق النار إلى إنتصار عسكرى فى 73 سرقت مكاسبه السياسية ... إلى صلح منفرد وإنفصال أخر للروح المصرية عن الجسد العربى الأوسع وهو المحيط والمياه الطبيعية لمصر إلى معاهدات إنتقصت من السيادة المصرية على ترابها الوطنى ..هكذا ضاع حلم ناصر وتبدد على يد رفيق دربه ، ثم توالت النكبات فمن السادات إلى زمن مبارك الذى أتبع سياسة القضاء على الروح الناصرية فكلما أطلت برأسها تمت الإطاحة بها ..حدث هذا فى صورة الفريق سعد الدين الشاذلى هذه العبقرية العسكرية الفذة إلى المشير أبو غزالة ومحاولاته تقوية جيشه والتى كشفها الأمريكان بخيانة مرسى فيما عرف بقضية (الكربون الأسود) ،وأدت فى النهاية إلى الإطاحة به بأوامر أمريكية نفذها مبارك فورا ! وظلت الروح المصرية تبحث فترى فى عمرو موسى البطل المنقذ تارة ثم يتم تنحيته من المشهد وإغراقه فى بحور العرب المريرة وهنا يفقد البطل ظله ، ويتضح أن بطولاته كانت فى جزء كبير منها بضع أمنيات لشعب مهزوم ثم يصدم الشعب فى البرادعى ..ثم يتعاطف الشعب مع حمدين صباحى ويتعاطف ويرى فيه شبيها بناصر ولكن شيئا ما ظل ناقصا وغير مطابقا .. ويعلق البعض الأمال على أيمن نور سرعان ما تتبدد بواسطته هو شخصيا ...ويظل البحث مستمرا ..ولعل التأييد الشعبى الجارف للفريق أول عبد الفتاح السيسى فى جزء منه هو تخليق وتحليق حول الفكرة ذاتها وبحثا دؤوبا عنها ...ولكن تأتى أمواج الغرب وأمريكا وإسرائيل لتضرب الحلم الناصرى الذى أفزعهم بقوة ومبكرا جدا حتى قبل أن ينتبه المصريون إلى أن هناك من يمكنه أن يحمل المشعل ..وتأتى تصريحات السيسى لتنفى الحلم ولكن يبقى تحت الجلد المصرى نفس الشعور ونفس الرغبة المتأججة فى البحث عن المخلص والزعيم والقائد القوى الذى يحقق (الكرامة )و(العدل الإجتماعى ) و(يتصدى لكل أعداء الوطن) هذه هى الشروط الثلاثة التى يبحث عنها الشعب المصرى فى رئيسهم ومخلصهم وقد وجدها فى السيسى ولكن كل الظروف تسير عكس إتجاه رغبة الجماهير ورغم تجريف الحياة السياسية إلى أن الفكرة تتعاظم وربما تدفع الملايين إلى تفويض جديد يطالب السيسى بالترشح .. هذا هو السؤال وهذا هو قدر الشعب المصرى ..الذى يمر بمرحلة تحول وطنى طويلة ربما يكون قادرا فيها على خلق نظام ديمقراطى مؤسسى لا يكون فيه دورا متعاظما للبطل الفرد وتكون البطولة فيه لجموع الشعب و ينحصر الإلهام فى الشعب ومؤسساته وإحترامه لدولة القانون .....إن إقرار نظاما برلمانيا سيتيح لصباحى أن يصبح رئيسا للوزراء وفى ظهره الفريق السيسى كوزيرا للدفاع وحاميا لمدنية الدولة ووطنيتها ستكون معادلة صحيحة تماما وحلا مرضيا للشعب وللطرف الدولى أيضا ...... من الأفضل لمصر أن يبقى الفريق السيسى وزيرا للدفاع وضامنا للدولة الوطنية العصرية الديمقراطية بصرف النظر عن اسم رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية القادم ...لكن ترى ماذا تخبئ لنا الأيام ؟. .........رحم الله عبد الناصر على قدر ما أعطى لشعبه ... ....عاش كفاح الشعب المصرى . خبير إعلامى [email protected]