رغم سنواته في السلطة و تعرضه بين حين و اخر لأزمات سياسية، مازالت ثقة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في نفسه وفي حزبه، تمثل ركيزة أساسية في شعبيته داخل تركيا وخارجها. وشكل مصرع 25 جنديا تركيا خلال هجمات للمسلحين الأكراد، تحديا كبيرا لحكومة حزب "العدالة و التنمية" الذي يتزعمه أردوغان، غير أن الرجل قابل ذلك بثقة لافتة، ووعد مواطنيه برد يناسب غضبتهم. و تجلت ثقة أردوغان في العديد من المواقف، فخلال حملته الدعائية لانتخابات 2011، قال "سأعتزل السياسة إذا لم أشكل حكومة العدالة والتنمية المنفردة، والسؤال هنا: من أين أتى بكل هذه الثقة والتي حققها بالفعل !!. و يزيد من أهمية السؤال أن قائل هذه الكلمات، هو نفسه الذي تعرض للسجن والمنع من مزاولة السياسة منذ سنوات ليست بعيدة بسبب أبيات شعر قالها 1998، وتضمنت تمسكا حادا بمبادئه الإسلامية. وجاء في هذه الأبيات : مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا هذا الجيش المقدس يحرس ديننا.. بين المناسبتين، كان أردوغان قادرا على تعلم الدرس وعرف أن أسلوب أستاذه زعيم حزب الفضيلة نجم الدين أربكان لا يصلح ولن يؤدي إلى شئ فقرر الانشقاق وتكوين حزبا جديدا بمعاونة صديقه عبدالله جول، فكان ميلاد حزب العدالة والتنمية عام 2001 ونجح الحزب الجديد في الفوز بتشكيل الحكومة 2002 ولكن أردوغان كان يعاني من قرار الحرمان من ممارسة السياسة فتولى جول الوزارة إلى أن استطاعوا تعديل الدستور وتنازل جول لأردوغان عن رئاسة الحكومة وتولى هو الخارجية، ولم يكن التخلص من الإرث الأربكاني بالأمر اليسير فقد وضع أردوغان بين شقي الرحى فكان بين علمانية الدولة التي اختار ألا يواجهها وبين خلفيته وقناعاته الإسلامية التي لن يتنازل عنها، فما كان منه إلا وأن أجل الاختيار، حتى وإنه أرسل ابنته –المحجبة - لاستكمال دراستها بالخارج حتى لا تصطدم بقانون منع المحجبات من ارتياد الجامعات التركية، ولكن عمل على الجانب التنموي وحقق طفرة في اقتصاد تركيا وبنيتها التحتية، مما جعل الشعب يعيد انتخاب الحزب للمرة الثانية. عرف الشعب التركي الفارق بين أردوغان وحزبه وبين المؤسسة العسكرية في التعامل مع المشكلات، ففي الوقت الذي كان الجيش التركي يخلق مشكلات وأزمات جديدة طرح الحزب سياسة "تصفير المشكلات" مما سهل على أردوغان تعديل التشريعات وتقليص دور المؤسسة العسكرية التركية، وحينما حان وقت الانقلاب المتعارف عليه في السيناريو التركي كان أردوغان يقظا وأحبطه، وبجانب هذا خلق أردوغان لتركيا علاقات متميزة بكل الدول وعلى كل الأصعدة ودخلت تركيا بقوة في حسابات موازين القوى في كل قضايا المنطقة وحين أخذ أردوغان موقفه الشهير في "دافوس" لم يكن موقفا حماسيا وإنما أكسب أردوغان وتركيا شعبية واسعة في البلدان العربية. ونجح العدالة والتنمية لفترة ثالثة في تولي مقاليد البلاد وحين جاء إلى مصر وحاول البعض وضعه في الاختبار الصعب أن يختار ما بين إسلاميته وعلمانية الدولة تصرف أردوغان بذكائه المعهود فقال "أنا إسلامي في دولة علمانية "، لم يكن أردوغان يتكلم إلى المصريين فقط وإنما يعي جيدا أنه يتحث لشعبه وناخبيه أولا، فلم يكن يهمه أن يتودد إلى علمانيي مصر ولا أن يهادن إسلامييها ولكن أن يعلم الطرفان أن الأهم هو الشعب.