حملت جدران المعابد الفرعونية القديمة رسوماً دالة على تنوع وتعدد الفنون الحركية التي ابتدعها المصريون القدماء، منها الرقص الذي عرف فيما بعد بالرقص الشرقي. هذا النوع من التعبير الجسدي الذي وُلد على أرض مصر وشهد تطويرات عدة إلى أن انتقل إلى كافة بلاد المنطقة. هذا الفن الذي تحول خلال العقود الثلاث الماضية إلى جريمة أخلاقية وعلت الأصوات تقلل من شأنه وتُجرمه وتُجرم من تمتهنه وتحولت صورة الراقصة في الأذهان إلى صورة عاهرة. هل سيختفي تماماً مع تصاعد أصوات التيارات السياسية الدينية؟ لا ينسى المصريون إنشغال ممثلوا تيار الإخوان في مجلس الشعب الذي تشكل عام 2005 بملابس هيفاء وهبي وأغنية بوسي سمير، وملابس دينا، وبالتالي ونحن مقبلون على انتخابات مجلس الشعب القادم، وكافة التوقعات تنبئ باكتساح إخواني سلفي، فهل سيشرع البرلمانيون القادمون قانوناً لتجريم ممارسة الرقص الشرقي؟ وهل سيرضى المصريون؟ وإذا كان المصريون فعلاً يرغبون في حكماً دينياً في مصر؟ فلماذا إذاً رغم هبوط أرصدة السينما طوال عام 2011، ترتفع فجأة مع فيلم " شارع الهرم " من بطولة الراقصة دينا والمطرب الشعبي سعد الصغير، رغم أنه نافس أمام فيلم محمد سعد " تيك تاك بوم"، ورغم أنه فيلم بلا مضمون حقيقي سوى الغناء والرقص؟. أستاذ علم الاجتماع الدكتور مهمدي محمد، يرى أن الشعب المصري تعداده يزيد عن 85 مليون مواطن، منهم الملتزم دينياً وأخلاقيا، ومنهم من هو على النقيد وبالتالي لا يمكننا توصيف نجاح فيلم "شارع الهرم" جماهيرياً، على أساس أن الشعب المصري ينتصر للرقص الشرقي على حساب القيم الأخلاقية. لكن هل يعني ذلك ان الرقص الشرقي في مصر على وشك الموت؟. تدافع الفنانة نجوى فؤاد عن الرقص الشرقي الذي أعطته عمرها كله قائلة: الرقص الشرقي لن يموت مهما فعلوا، فهو يسير في دماء كل المصريات، أنظروا إلى كل العائلات المصرية حتى هؤلاء الذين يجرمون الرقص جهراً، ستجدونهم يعلمون ابنتهم الصغير ةكيف " تهز وسطها" على الموسيقى ويصفقون لها فرحين. إذهبوا إلى الأفراح الشعبية وسترون النساء يرقص وهن يرتدين الحجاب والنقاب أيضاً. من قال إن الرقص الشرقي سيموت، هم يحاربونه فعلاً لكنهم لن ينتصروا ولن يختفي الرقص لأنه يجري في دمائنا. لكن على العكس يقدم الدكتور مهدي محمد أستاذ الاجتماع، وجهة نظره فيقول؛ إن انتشار البطالة والفراغ الذي يواجه الشباب، يجعلهم يقدمون على مشاهدة مثل هذه الأفلام، فربما يكون هناك نجاح مادى للفيم ولكن هناك فشل فى الاخلاقيات والقيم الايجابية فى المجتمع. ويضيف: 60 % من الشعب المصرى شباب ولا يجد عمل، وعدم قيام الدولة بدورها في توفير فرص عمل للشباب جعله لا يستطيع الزواج، فمنهم من لجأ إلى الإدمان والتدخين ومنهم من اتجه الى اشباع غرائزه بطرق غير مشروعة، وبالتالى أصبح هناك خلل فى منظومة القيم .
لكن الدكتورة فاطمة البودي، صاحبة دار نشر "عين" تخالف هذا الرأي تماماً، فالشباب المصري أثبت بجدارة أنه لا يعاني من الفراغ، وأنه واجه البطالة بقوة وابتدع لنفسه طرقاً جديدة لكسب لقمة العيش، كما أن ثورة 25 يناير، أكبر دليل على أن شباب مصر ليس جاهلاً ولا منحلاً، بل إنه شباب مثقف وواعي. وباعتبارها صاحبة دار نشر قالت: معظم المقبلين على شراء الكتب من الشباب، مصر لم تعدم شبابها وشاباتها المثقفين، وإقبالهم على مشاهدة الرقص الشرقي نوع من أنواع الترفيه عن النفس خاصة وأن هذا الرقص متأصل في ثقافتنا الشعبية منذ القدم.
ولا ترى نجوى فؤاد أيضاً في إقبال الشباب على فيلم " شارع الهرم" ضياع للقيم أو أنهم فقدوا أخلاقهم، حيث تقول: المصريون والعرب والعالم كله يقبل على مشاهدة الرقص الشرقي، فهل هذا يعني أن شعوب العالم كلها منحلة أخلاقياً؟ الرقص الشرقي انتشر الآن في العالم كله وحتى الآن يأتي إلينا فتيات من أوروبا وأمريكا ليتعلمن الرقص منا ويذهبن ليقدمنه على المسارح العالمية. نحن الذين نُجرم الرقص الشرقي للأسف حتى أصبحت الساحة فارغة ولا توجد راقصات مصريات يكملن المسيرة بعد لوسي ودينا، كما أصبح الفن نفسه " سمك لبن تمر هندي" وأي ممثلة بإمكانها أن ترقص بأي شكل في المسلسلات والأفلام. الرقص الشرقي لن يموت ولكن للأسف سيخرج من بلادنا ليقدمه الأجانب والله أعلم قد ينسبوه لأنفسهم في المستقبل.
يقول أحمد أيمن الطالب بكلية التجارة جامعة القاهرة؛ أنا طالب ملتزم في دراستي وأعمل في فترة الصيف، ومع ذلك ذهبت لأشاهد فيلم "شارع الهرم"، لأني أحببت أن أرفه عن نفسي وأشاهد رقص دينا الذي أحبه وكذلك أسمع أغاني سعد الصغير. وعن فكرة احتمال منع الرقص إذا تحولت مصر إلى دولة دينية، قال احمد: لا أعتقد أن تمنع أي حكومة مصرية الرقص الشرقي، لأنه لو منعوه من السينمات والمسارح لن يستطيعوا منعه من الأفراح الشعبية وبيوت المصريين. لكن محمود عبد الله المدرس، يناقض رأي الطالب أحمد أيمن ويؤكد رفضه لمثل هذه النوعية من الأفلام، فهي حسب قوله تسيئ للأفلام المصرية، لكنه لا يرى في نجاح الفيلم جماهيرياً أمراً عجيباً، حيث أن مثل هذه الأفلام يقبل عليها المراهقين والشباب الصغير.
الناقد السينمائي طارق الشناوي لا يرى أن فيلم "شارع الهرم"، فيلماً ناجحاً فلقد كان حسب قوله: " فيلماً رديئاً فنيا، فلم يكن على مستوى جيد من الإخراج ولا حتى التصوير والأداء التمثيلي، لكنه نجح للظروف التى تم عرضه فيها، فتواجده فى العيد هو سبب نجاحه، كذلك تواجد دينا وسعد الصغير ساهم بقوة في إقبال الجمهور على المشاهدة"، وحول إن كان ذلك يعني أن الرقص الشرقي لن يموت برغم الأصوات الدينية والأخلاقية المتصاعدة ضده، قال الشناوي:" هذا أمر غير مشكوك فيه، فالرقص والغناء الشعبي يعدا من أهم الفنون المصرية الشعبية، التي من الصعب جدا القضاء عليها أو منعها حتى لو حكم مصر قانون ديني". ومع كل ما سبق، يبقى السؤال مفتوحاً خاصة لعلماء النفس والاجتماع والفلاسفة في مصر، فالحالة العامة التي تجتاح الشارع السياسي يغلب عليها النفس الديني السياسي، مع ذلك يقف فيلم شارع الهرم الذي يخلو من أي مضمون فيما عدا الرقص الشرقي، أمام هذا التيار بقوة ويكشف قمة الصراع داخل الشارع المصري، بين ما هو مطروح على السطح السياسي وبين ما هو قائم بالفعل في قلب الشارع الشعبي المصري.