اسرائيل تحتفل سنويا بانتصارات علمية وطائراتنا مازالت ترقص ابتهاجاً ب 73
في نفس اليوم الذي كنا نحتفل فيه بالذكرى الثامنة والثلاثين لانتصار أكتوبر 73، كانت إسرائيل تحتفل بفوز أحد علمائها بجائزة نوبل للكيمياء لهذا العام. لم تكن تلك الجائزة هي الأولى من نوعها في تاريخ دولة إسرائيل التي تأسست عام 1948، فعلاقة جامعاتها وعلمائها وأدبائها بنوبل وغيرها من الجوائز العالمية، علاقة طويلة لا تنقطع أبداً. مصر وإسرائيل صراع دام نحو ثلاثة وستين عاماً منذ نشأة الدولة اليهودية، أخذ في طياته الكثير من الأحداث منها نكسة 67 وانتصار 73، وبرغم معاهدة كامب ديفيد المعروفة بمعاهدة السلام، لم يتوقف هذا الصراع على الأقل على المستوى الشعبي، ومؤخراً ظهرت اتفاقية الغاز على السطح وارتفعت وتيرة العداء للدولة الصهيونية بعد ثوة 25 يناير، التي فجرت المشاعر المصرية الحقيقية تجاه هذا الكيان. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وأنا أكتب هذا التحقيق وتحلق فوق رأسي طائرات القوات المسلحة المصرية إحتفالا بيوم النصر، هو: ما الذي حققته مصر في مقابل إسرائيل منذ 1973؟ أو منذ قيام الدولة الصهيونية ذاتها؟ ماذا قدمنا نحن المصريون للعالم أو حتى لأنفسنا على المستوى العلمي والمعرفي؟ لم يكن فوز العالم الإسرائيلي دانييل شيختمان أستاذ علوم المواد بالمعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا، في حيفا، بجائزة نوبل في الكيمياء، هو الفوز الأول لإسرائيل بتلك الجائزة المرموقة، بل العاشرة في مجال الكيمياء فقط، وذلك مقابل أربع جوائز حصدتها مصر في السلام والأدب ولا يمكننا أن نحسب جائزة زويل على أنها مصرية بأي حال من الأحوال. ليس هذا فقط ولكن علي مستوي الشركات تأتي الشركات الإسرائيلية للطاقة البديلة والتكنولوجيا الحيوية والاتصالات والأقمار الصناعية الاسرائيلية، في المستوى الثاني بعد الشركات الأمريكية في بورصات وول ستريت. وحيث أن الجامعة محراب العلم في أي مجتمع تجد أن الجامعات الإسرائيلية دائما ما تحتل مراكز متقدمة على المستوى العالمي حسب التصنيفات الدولية، وخاصة الجامعة العبرية التي احتلت المركز 64 على مستوى العالم، بينما لم يرد ذكر أي من الجامعات العربية في الخمسمائة جامعة الأولى، بينما تدخل مصر في المراتب المتدنية منها وتخرج على استحياء ما بين وقت وآخر. وبما أن أهل العلم هم أكثر الناس دراية بأحواله يقول الدكتور عمرو الديب أستاذ الرمد بالمعهد القومي لعلوم الليزر؛ أن مصر غير مؤهله الآن للحصول علي جوائز علمية بسبب عدم وجود "ثقافة البحث العلمي "، فالباحث المصري لا يقوم بالبحث سوي ليحصل علي ترقية وسط تردي النواحي الأخلاقية، حيث لا يوجد ضمير في العمل، بينما من المتوقع أن تفوز الهند بنوبل القادمة لأنها أصبحت جزء من أمريكا وهناك إهتمام موسع بالبحث العلمي . في مقابل مشكلة الضمير نجد منظمة اليونيسكو عام 2008م تقول؛ أن إسرائيل تنفق على البحث العلمي ضعف ما ينفقه العالم العربي أجمع، حيث بلغ مجموع ما أنفقته على البحث العلمي دون العسكري ما يعادل حوالي 9 مليار دولار. أما هنا حسب الدكتور وحيد عبد اللاه الأستاذ بقسم الكيمياء كلية العلوم جامعة القاهرة، فالبحث العلمي يسير إلي الخلف لا إلي الأمام، فالجيل السابق جارى البحث العلمي العالمي بشكل كبيرة وتقدم معه، بعكس الجيل الحالي والذي يرجع السبب فيه إلي تحول التعليم من فلسفه إلي "نقل " بمساهمة الحكومة والأسرة والمجتمع، إضافة إلى انخفاض ميزانية البحث العلمي وتحول الماجستير والدكتوراه من درجة علمية إلي شكل إجتماعي، مع افتقاد البحث العلمي إلي خطة شاملة تضعها الدولة لتصب في إطار استراتيجية عامة. وقد جاء تعليقه على طلاب البحث العلمي بقوله: "إنهم كارثة ". وعندما نتحدث مع الطلاب نجد عبد الله سعيد طالب بالفرقة الثالثة كلية علوم يقول؛ أن الكلية نظري وليست عملي والدليل عل ذلك أنني لا أفهم شيء عن العملي ولكن "بعدي في الإمتحان " فالكلية تؤهلني جيدا لكي أكون مندوب مبيعات وليس عالم. أما محمد صابر طالب بالفرقة الرابعة قسم كيمياء جيولوجي، فيؤكد أن التجارب التي هي أساس الدراسة لا نري سوي نصفها فقط بسبب ضعف الإمكانيات، فالدكتور ينفذ نصف التجربة ويترك الباقي، لنكمل دراستنا نظرياً. وختم كلامه قائلاً: لا أتخيل ان أحصل انا أو أحد زملائي على أي جائزة علمية من أي نوع. أما نظرية المؤامرة التي يضعها المصريون دائماً نصب أعينهم عندما يقارنون أحوالهم بأحوال الغرب أو إسرائيل، فيتحدث عنها الدكتور حامد رشدي القاضي رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق، قائلاً: " إسرائيل والدول المتقدمة لا تريد لمصر أن تتقدم في مجالات معينه منها الطاقة الذرية والفضاء، فهي تتعمد عدم إعطاء المصريين فرصة لدراستها، كالدعوة إلي البعثات والمؤتمرات، ودائماً ما يتحججون بعدم وجود أماكن وفي المقابل تمنح تلك الأماكن لدول أخري". ويبرر ذلك بالخوف من العقلية المصرية، كما يعلل زيادة الأبحاث الإسرائيلية بأنها أمريكية في المقام الأول وتتلقى تمويلها من هناك، حيث لا تنفق عليها إسرائيل شيئاً، لها شيئا بل إن العلماء معظمهم أمريكان ولكن الجائزة تنسب لإسرائيل لأن البحث تم علي أرضها!. ولأن الحياة لا تخلو دائماً من التناقدات، يري الدكتور نور توفيق أستاذ الكيمياء بجامعة القاهرة؛ أن الفترة الحالية بها اضطرابات في كل شيء وهذا يصل أيضا إلي البحث العلمي، مؤكداً أن مصر بها العديد من الكوادر التي تنشر أبحاثها في مجلات علمية عالمية وهي مؤهلة بالفعل بالحصول علي جوائز عالمية، وأن البحث العلمي في مصر يسير في طريق جيدة والميزانية المخصصه له معقولة! أما بالنسبة لبراءات الاختراع، فهي المؤشر شديد التباين بين مصر وإسرائيل ، فقد سجلت إسرائيل ما مقداره 16,805 براءة اختراع، بينما سجل العرب مجتمعين حوالي 836 براءة اختراع في كل تاريخ حياتهم، وهو يمثل 5% من عدد براءات الاختراع المسجلة في إسرائيل,وهنا يظهر مركز تسجيل براءة الإختراع الذي تتحدث عنه الباحثة والمهندسة الدكتورة هبة الرحمن أحمد الباحثة بالمركز القومي للبحوث، أن هناك روتينية كبيرة للحصول علي براءة إختراع فهي قد أجرت إختراعاتمنها " مواد تستخدم كبدائل للأسنان"، "ماكينات بديلة للحقن "، "مواد تستخدم ككقطع غيار للسيارات". وتذكر عن تجربتها أنه بعد فترة فحص قانوني فني للمشروع للتأكد من أنه لم يسجل علي مستوي العالم يحصل المخترع علي براءة إختراع بعد فترة من ثلاث إلي أربع سنوات، ليواجه الفراغ بعد ذلك حيث لا توجد جهة لتمويل تنفيذ المشروع أو مكان لتسويقه، سوي أن يقوم الباحث بذلك بمجهوده الشخصي . من كل ما سبق، فنحن نطرح التساؤل أو نحاول أن نطبق عليه المنطق القياسي للمنطق، فإن كانت المقدمات تؤدي إلى النتائج، فنحن لا نعتقد أبداً أن هناك مقدمات علمية في مصر ستؤدي خلال العشر سنوات القادمة على الأقل إلى أي نتائج قد نلمسها بأيدينا، أو نحاول الاحتفال بها كبديل لانتصار حربي اقترب من منتصف عمره، فلقد وُلِد جيلي بعد نصر أكتوبر بسنين طويلة واضطر للاحتفال بانتصار جيل آبائه، ولم نر حتى الآن انتصاراً يخصنا سوى ثورة 25 يناير التي فيما يبدو أنها على وشك الانقلاب علينا سلباً. ماذا قدمت مصر ذات السبعة آلاف سنة حضارة كما حفظنا في المدرسة، في مقابل إسرائيل التي لم تكمل مئويتها الأولى بعد؟ وإلى متى سنظل نحتفل بانتصارات حربية لم يحمل فيها جيلي سلاحاً، وإن كنا نحلم بانتصارات علمية ومعرفية وليس مجرد رفع علم مصر على سفارة إسرائيل.