عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم في بداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 6 مايو    تراجع سعر الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الإثنين 6 مايو 2024    الأقصر تحددد شروط التصالح فى مخالفات البناء وبدء تلقي الطلبات الثلاثاء    انطلاق قطار مفاجآت شم النسيم من القاهرة حتى سيدي جابر    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارات عنيفة شمال بيت لاهيا    تزامنا مع بدء الإخلاء.. تحذير من جيش الاحتلال إلى الفلسطينيين في رفح    عاجل.. أوكرانيا تعلن تدمير 12 مسيرة روسية    محمد صلاح يُحمل جوزيه جوميز نتيجة خسارة الزمالك أمام سموحة    مصرع طالب ثانوي وإصابة آخرين في حادث تصادم بدائري الإسماعيلية    موعد وقفة عرفات 1445 ه وعيد الأضحى 2024 وعدد أيام الإجازة في مصر    وسيم السيسي يعلق علي موجة الانتقادات التي تعرض لها "زاهي حواس".. قصة انشقاق البحر لسيدنا موسى "غير صحيحة"    سعر التذكرة 20 جنيها.. إقبال كبير على الحديقة الدولية في شم النسيم    أخبار التكنولوجيا| أفضل موبايل سامسونج للفئة المتوسطة بسعر مناسب وإمكانيات هتبهرك تسريبات حول أحدث هواتف من Oppo وOnePlus Nord CE 4 Lite    بمناسبة ذكرى ميلادها ال 93، محطات في حياة ماجدة الصباحي    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    موعد مباراة نابولي ضد أودينيزي اليوم الإثنين 6-5-2024 والقنوات الناقلة    خبير تحكيمي: حزين على مستوى محمود البنا    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    "لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرانية    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رشيد مدينة الآثار والحضارة
نشر في المشهد يوم 12 - 10 - 2011

تتميز مدينة رشيد بموقعها الفريد حيث التقاء البحر بالنيل، كما يوجد بها المتحف الذي يعد تحفة تاريخية على مر السنين والذي أغلق بعد ثورة 25 يناير، كما تحوى مدينة رشيد عددًا هائلاً من المنازل الأثرية ذات القيمة التاريخية.
فمدينة رشيد واحدة من مدن محافظة البحيرة، وتقع على مسافة 12 كيلو متراً فوق مصب النيل عند فرع رشيد وكان تعرف قديماً بالأرموسية ويسمى البوغاز وهو كلمة تركية الأصل تعنى Gosterأي الحلقوم، والبوغاز عبارة عن مدخل شديد الضيق يصل إليه المجرى مخترقاً كتل الرمال ومكوناً ذراعاً عند مصب النيل وهذه الكتل الرملية قد تكونت مع ترسيبات النهر حين يفقد سرعته عند اقترابه من البحر وليس هناك ما هو أكثر تقلباً من هذا الممر، فكتل الرمل التي يخترقها تتحرك على الدوام بفعل الأمواج وعندما تهب رياح الغرب او رياح الشمال بشىء من العنف تندفع مياه النيل من جديد نحو الجنوب فيضطرب المجرى في كل مكان، وتمثل رشيد إحدى زوايا المثلث الذي تشغله الدلتا بين القاهرة ودمياط ورشيد، وكان هيرودوت أول من أطلق كلمة (الدلتا) على السهل المتكون من ترسيبات النهر والذي يشبه حرف الدال اليوناني (الدلتا) على شكل المثلث المقلوب.
وتعتبر مدينة رشيد واحدة من أهم ثغور مصر، وقد ذكرها سترابون باسم بولبتين، كما ذكر أنها تقع على مصب فرع النيل البولبتينى "فرع رشيد"، وقد اشتق اسمها من الاسم الفرعوني "رخيت" وهو اسم يعنى سكان منطقة الدلتا وقد تحول ذلك الاسم إلى الاسم القبطي وهو "رشيت" ثم تحول فيما بعد إلى رشيد، والرخيت هم سكان الدلتا القدماء قبل الوحدة السياسية بين الشمال والجنوب، والفرع البولبتينى أحد فروع النيل السبعة في العصور القديمة وتتفرع من الفرع الكانوبى "ترعة الإسكندرية " ويسير متبعاً في سيره فرع رشيد الحالي، أما اسمه فقد اشتق من مدينة بولبتين وهذا الفرع لم يكن في زمن هيرودوت 450 ق.م سوى ترعة حفرتها يد البشر كما ذكرها هذا المؤرخ وقد ورد ذكره بأنه فرع منذ زمن سترابون 1 ق.م وكان أكثر انحدراً واستقامة في مجراه وقد تضاءلت أهمية الكانوبى الذي أصبح ترعة وأصبح البولبتينى فرعاً، وقد أطلق الرومان على الفرع البولبينى اسم الأشتوم وهى تعنى الحلقوم وتعنى البوغاز أيضاً، وكانت المنطقة التي تشغلها مدينة رشيد في العصر الفرعوني ضمن المقاطعة السابقة "رع امنتى" أو "نفرامنتى" وهى المقاطعة الأولى غرباً وسماها اليونانيون متيليت وتقع بين الإسكندرية والفرع البولبتينى، وتعنى كلمة متيليت بلد الأجانب إشارة إلى الهلينيين الذين سكنوا شمال الدلتا، وكانت منطقة "أبو قير" من مدن المقاطعة إلى جانب مدينة بولبتين الى الشمال من محافظة البحيرة.
وعندما غزا الاسكندر الأكبر مصر وقام ببناء مدينة الإسكندرية سنة 331ق.م بدأت مدينة بولبتين في الاضمحلال حيث تحولت التجارة عنها إلى الفرع الكانوبى إلا أنها ظلت تؤدى دورها الديني والتجاري واستمرت بها صناعة العجلات الحربية أيضاً، وكانت نتيجة لموقع رشيد على البحر المتوسط وعلى مدخل نهر النيل أثر كبير في زيادة الاهتمام بتحصينها ففي عصر الدولة المصرية الحديثة 1575 :1085ق.م وفى عهد الأسرة التاسعة عشرة (1308 - 01186ق.م) قام الملك منفتاح ببناء تحصينات في رشيد في المدة من 1224 :1214ق .م وذلك للدفاع عن البلاد ضد هجمات قراصنة البحر، وقد حاول ابسماتيك الأول مؤسس الأسرة السادسة والعشرين أن يعيد إلى مصر وحدتها فأقام معسكراً على ساحل مدينة رشيد لحماية شواطئ رشيد.
وفى العصر البطلمى 333 ق.م كانت مدينة بولبتين سوقاً رائجة وكان بها معبد كبير يسمى "بولبتنيوم" يضم فى جنباته نسخة من القرار الذي اصدره مجمع الكهنة إجلالاً وتقديراً للملك بطليموس الخامس عام 196ق.م وكان مدوناً على حجر باللغة الهيروغليفية واليونانية والديموطيقية، وقد اكتشفه الفرنسيون عام 1799م بقلعة قايتباي برشيد وكان جزءاً من البناء نقل ضمن الأحجار المستخدمة والتي جلبت من أطلال بولبتين، واستولى الإنجليز على هذا الحجر وهو ما يعرف باسم "حجر رشيد" الذي كان مفتاحاً لفك طلاسم ورموز اللغة المصرية القديمة على يد العالم الفرنسي شامبليون وهو الآن محفوظ بالمتحف البريطاني.

وقد احتفظت مدينة رشيد بمكانتها الدينية حتى العصر البيزنطي وكانت تمثل نظاماً مسيحياً منعزلاً عن باقي مدن الدلتا نتيجة لإحاطتها بالبحيرات والمجارى المائية واستمر هذا الدور حتى الفتح العربي لمصر على يد القائد عمرو بن العاص فبعد أن فتح مدينة الإسكندرية 641ه وعقد صلحاً مع صاحب رشيد ويدعى "قزمان" وقد أدى الجزية للمسلمين وبقيت الكنائس في رشيد كما هي لمن بقى على دينه من أهلها ومع أن رشيد فتحت صلحاً إلا أنها كانت مسرحا للعديد من ثورات الأقباط وذلك ما حدث عام 107ه وعام 133ه .
ولقد ذكر المؤرخون أن مدينة رشيد الحالية بدأت في الظهور عام 256ه /870م عندما أمر الخليفة العباسى المتوكل بإنشاء عدد من الربط في عام 239ه/853م ، والرباط عادة ما يكون ذا طابع ديني وحربي معاً ويقع على الحدود الإسلامية وفى ثغورها المعرضة للاعتداء بعد التهديد البيزنطى للثغور المصرية وفى عام 256ه/870م شهد تحولاً في التجارة من الفرع الكانوبى الذي جف تماماً في هذه السنة وانعزلت الإسكندرية واضطرت الملاحة إلى العودة مرة ثانية لفرع رشيد وانعزلت أيضاً مدينة فوه والتي كانت تقصدها السفن من الإسكندرية.
ولقد ازدهرت مدينة رشيد في القرن 3ه وأصبحت مدينة آهلة بالسكان ولها ميناء هام وتضم أربع عشرة قرية ثم اضمحل شأنها فأصبحت تضم رشيد وإدكو ثم أصبحت تابعة للإسكندرية وكان بها سوق وحمام ونخيل كثير ولها إيراد واسع.
وفى العصر الفاطمي أصبحت مدينة متحضرة وانتعشت تجارتها ومزارعها بعد أن أنشأ الفاطميون مدينة القاهرة 358ه - 969م وتدهورت الإسكندرية تماماً وأصبحت رشيد مع دمياط ميناءين هامين ومركزين للتجارة، وقد تعرضت مدينة رشيد في أواخر العصر الفاطمي مع غيرها من المدن الساحلية لحملة قبرصية سنة 550ه / 1160م وكان السلب والنهب هو الأثر الذي تركته هذه الحملة البحرية عليها.
وفى العصر الأيوبى تركز الصراع على الجهة الشمالية الشرقية للدلتا وبرغم ذلك فقد اتخذ فرع رشيد طريقاً لإحدى الحملات الحربية الذي سلكته حتى فوه عام 600ه / 1023م حيث أقامت هناك أياما تنهب المدينة.
وفى القرن السابع الهجري كانت رشيد قرية صغيرة وقد وصفها ياقوت الحموي بأنها بليدة على البحر والنيل قرب الإسكندرية، كما يذكر ابن مماتى ما كان يؤخذ من ضرائب مفروضة على المراكب التجارية الوافدة حيث كانت الرياح تدفع المراكب فتدخل ميناء رشيد ويصعب إخراجها إلى الإسكندرية ويرسل موظفون من الإسكندرية لتقدير الضرائب على هذه المراكب التجارية ونتيجة لذلك أصبحت رشيد في المركز الثاني بعد الإسكندرية وكانت الرمال تسد البوغاز وتصل للطرق والمباني، وأدى ذلك لتدهور التجارة في رشيد في العصر الأيوبى حيث انتقل أهلها إلى مدينة فوه.
أما في العصر المملوكي فزاد الاهتمام برشيد وصارت ثغراً مستقلاً بذاته في عصر الناصر محمد بن قلاوون وأصبحت من الأعمال النستراوية نسبة إلى نستراوة شمال بحيرة البرلس، كما أنشئ بها منار عمره السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى وبأسفله برج عمره صلاح الدين بن عرام على شاطئ النيل، كما أنشأ فيروز العرامى برجاً كذلك، ونتيجة لأهمية رشيد فقد أصبحت مطمعاً للقراصنة القادمين من جزر البحر المتوسط والذين كانوا يتخذون من رودس قاعدة لهم. وكانت هذه الأخطار سبباً رئيسياً دفع السلطان جقمق 845ه / 857م إلى تزويد المدينة بالجنود لحمايتها من الجند الفرنجة وهجماتهم، كما أنشأ السلطان قايتباي 876ه - 1472م قلعة بها، وأمر السلطان الغوري بإنشاء سور على ساحل البحر وأبراج لحفظ الثغر وشجع الأجانب على الإقامة بها وخاصة البنادقة منهم.
وفى العصر العثمانى أصبحت مدينة رشيد مركزاً هاماً للتجارة الدولية والبحرية مع استانبول بعد أن استولى السلطان سليم الأول على مصر في عام 1517م وأصبحت اقرب الثغور المصرية إلى عاصمة الدولة العثمانية وشهدت رشيد تزاوجا عظيماً بين الفنون العثمانية والمصرية والمغربية وأنشئت بها الدور والحمامات والمساجد وأصبح الثراء الفني والمعماري بهذه المدينة يدل دلالة واضحة على مدى التطور الاقتصادي والفني والمعماري في العصر العثمانى.

وفى ظل الاحتلال الفرنسي لمصر فقد استولى الفرنسيون على مدينة رشيد في يوليو 1798م بدون قتال ووضعوا فيها حامية وصار الجنرال مينو حاكماً عليها، وقد أنشأ الفرنسيون معسكرات خارج المدينة لحمايتهم وكانت تسمى "القشلة" واهتم الفرنسيون بترميم قلعة قايتباي برشيد خاصة بعد هزيمتهم أمام الإنجليز في أبوقير وأطلقوا عليها "قلعة سان جوليان" وهو اسم لأحد جنودهم الذي قتل أثناء الحملة وعندما غزا الإنجليز مصر 1807 م وشرعوا في غزو رشيد أرسل محمد على النجدة إلى المدينة، كما شرع في بناء سور حول المدينة وأبراج خارجها وقام بتحصين الطوابي بسواحلها، وقد استطاع أهالي رشيد أن يتصدوا لهذا الغزو الإنجليزي ويجبروا الجنرال فريزر على توقيع معاهدة تنص على الانسحاب الكامل من مصر، إلا أن عصر محمد على كان بداية لاضمحلال المدينة خاصة بعد حفر ترعة المحمودية 1819 والتي تسببت في تحول التجارة إلى مدينة الإسكندرية، ومع أن محمد على قد أنشأ المصانع المختلفة برشيد إلا أنها لم تكن عوضاً عن التجارة وحدث لرشيد ما حدث في الماضي لمدينة بولبتين حيث هجرها أهلها وتهدمت منازلها وأغلقت وكالاتها وغطتها الرمال.
وفى العصر الحديث أطلق على مدينة رشيد الاسم اللاتيني Rosetta أي الوردة البيضاء وخلبت المنطقة لب الرحالة والمؤرخين فأبدعوا في وصف مزراعها وحدائقها، كما أن مدينة رشيد لم تأخذ اسمها المكتوب باللاتيني لأنها على شكل الوردة ولكن لأن الحدائق تحيط بالمدينة من كل جانب، وفى نطق الاسم فإن العادة التي نتبعها في نطق الصعب حيث إنه مشتق عن الاسم العربي الأصعب وهو رشيد وهى بالتأكيد أكثر مدينة مقبولة في مصر عن أي مكان آخر، وقد بنيت منازلها بصفة عامة بصورة أفضل من منازل القاهرة وكان موقعها على نهر النيل يعطى منظراً رائعاً للزراعة الأكثر جمالاً وهذا ما أطلقه عليها سونينى "حديقة مصر".
لقد كانت مدينة رشيد من المدن التي لعبت دوراً هاماً في التجارة المصرية على مر العصور نظراً لموقعها وإشرافها على مدخل فرع رشيد حيث أصبحت المدينة أقرب المدن المصرية إلى إستانبول وكانت السفن ترد إليها محملة بالبضائع من أوروبا وامتلك أهلها السفن التي تنقل البضائع إلى أوروبا مما كان له اثر كبير في الازدهار الاقتصادى الذي كان من نتائجه تطور العمران وازدهاره وأصبحت رشيد من المدن ذات الطرز المعمارية الخاصة التي واكبت الازدهار الاقتصادى الذي كان من نتائجه تطور العمران وازدهاره. ولقد أعيد بناء هذه المدينة في العصر العثمانى حيث لم يتبق من آثار المماليك سوى الأسوار والقلاع خارجها.
وتحتفظ مدينة رشيد حتى الآن بالعديد من آثارها التي أقيمت في العصر العثمانى والتي يبلغ عددها حالياً اثنين وعشرين منزلاً وحماما وطاحونة بالإضافة إلى احد عشر مسجداً وزاوية وثلاثة أضرحة. والمنازل الباقية برشيد تعد أكبر مجموعة منازل أثرية بمدينة واحدة في مصر وقد ضمت هذه المنازل مميزات فريدة كان للظروف الطبيعية أثر فيها لقرب المدينة من البحر ولكثرة الأمطار شتاء وللحرارة الشديدة صيفاً أثره البالغ مما يؤثر سلباً على هذه المنازل.
ازدهرت مدينة رشيد بعمائرها المدنية والدينية على حد سواء في العصر العثمانى وكان لموقع مدينة رشيد وأهميتها سبباً في هذا الازدهار لموقعها على نهر النيل حيث توفر المصدر الأول للمياه لذلك انتشرت حولها الأراضي الخصبة التي استخدمت كمورد للغذاء وإلى جانب المساعدة في تكوين ريف يساعدها في تحقيق مقومات الحياة وكان نهر النيل من عوامل الاتصال بين رشيد ومدن القطر وساعد موقعها على ساحل البحر المتوسط على توفير سبل الاتصال بالعالم الخارجي وكان ذلك سبباً لازدهار التجارة والعمران بها وأصبحت رشيد في العصر العثمانى مدينة تجارية بالدرجة الأولى لذا اكتفى العثمانيون بمراعاة الأساليب الدفاعية في التخطيط خاصة في الشوارع وداخل العمائر كما أنشئت العمائر التي تخدم التحول الجديد لمدينة رشيد كالوكالات والأسواق ودوائر الأرز وانتشرت القصور والمنازل والمساجد والكنائس وأصبحت مدينة عامرة وآهلة بالسكان وقد زاد الاهتمام بإنشاء العمائر بمدينة رشيد في العصر العثمانى كدليل على التطور العمراني والاقتصادي وكان من الطبيعي أن يعتمد سكان مدينة رشيد في تشييد عمائرهم على إمكانيات البيئة المحلية كالطمي في تصنيع مواد البناء واستخدم الجير والحمرة وأحياناً الجبس وكان التسقيف يتم بالخشب أو بالبناء بالأقبية المتقاطعة أو القباب، وقد سميت أخطاط المدينة باسم الحرف التي كانت تمارس بها وقد كانت المنطقة المحصورة بين مسجد زغلول ومسجد المحلى هي مركز المدينة والمركز التجاري والصناعي وعلى ذلك فإن مدينة رشيد تختلف كثيراً عن المدن التي تنتشر فيها حركة العمران والحياة حول المسجد بل المثير أن مدينة رشيد بها مسجدان تنتشر بينهما الحرف والصناعات ولم يكن للمسجد دور أساسي في تنظيم العمران بالمدينة.
كما أنشئت العمائر التجارية المختلفة في رشيد كالخانات والقياسر والوكالات إلى جانب الأسواق وقد أشار الرحالة الى أنه كان برشيد فى القرن 17 م عدد كبير من الخانات منها خان سليمان باشا وخان داوود وخان أحمد باشا وخان محمد باشا السلحدار وخان البنادقة وأنشئت قيسارية رشيد جنوب المدينة في القرن 16 م وقد أقيم العديد من الوكالات والتي زالت ولم يتبق منها شيء ولكن تم التعرف عليها من خلال الوثائق ومنها وكالة الشونى ووكالة الباشا وقد اقيمت العديد من العمائر الصناعية كالأفران والسيارج والمعاصر ودوائر الأرز والطواحين إلى جانب مصانع القلوع والمنسوجات والتي اندثرت جميعها الآن ما عدا طاحونة أبو شاهين والتي مازالت قائمة حتى الآن بالإضافة إلى الحمامات العامة والتي لم يتبق منها إلا حمام عزوز والبوابات والباقي منها إلى اليوم بوابة أبو الريش بالإضافة إلى العمائر المدنية والمتمثلة في اثنين وعشرين منزلاً والعمائر الدينية المتمثلة في ثلاثة عشر مسجداً وزاوية وضريحا خلفتهم الحقبة العثمانية بمدينة رشيد.
الواجهات والمداخل : استخدم الطوب في بناء منازل رشيد واستخدمت الأحجار التي جلبت من مدينة بولبتين إلى جانب الأعمدة والتيجان القديمة وتميزت الواجهات بأنها مزينة بالطوب المنجور الأسود والأحمر مع استخدام مونة القصرمل والجير والحمرة مع استخدام الجبس لتنفيذ اللحامات البارزة بين الطوب كما حرص المعمار على إبراز كتلة المدخل الرئيسية وتنفيذ زخارف من الجص والفخار على المداخل تضم عناصر هندسية وكتابات ومن العناصر الهامة في واجهات المنازل الميدات الخشبية التي تتخلل الجدران لتقويتها.
الشبابيك : تنوعت بين الحديد والخشب ويلاحظ أن شبابيك الدور الأرضي بالمنازل مرتفعة وشبابيك الأدوار العليا تعلوها مناور وتم تنفيذ شبابيك جانبية (قواصف) من خشب الخرط المتنوع الأشكال للتهوية.
الفتحات : وهى الفتحات النافذة سواء كانت بالجدران وبالأسقف ومنها الفتحات المستطيلة كأبواب المخازن والوكالات بالمنازل والأبواب ذات الخوخات والأبواب الداخلية التي تغلق على الحجرات والفتحات المعقودة كما في أبواب الأسبلة والإصطبلات والأبواب الداخلية التي تغلق على الأدوار المختلفة للمنازل والنوع الثالث من الفتحات تلك الفتحات المزدوجة والتي تنقسم إلى قسمين بواسطة عمود من الرخام وكل قسم منها معقود بعقد نصف دائري وتوجد هذه الفتحات بالمنازل خلف الأواوين أما النوع الرابع فهي المزغلية ووجدت في الحمامات.
الأبواب : تنوعت أبواب المنازل فمنها الأبواب الداخلية والخارجية أما الأبواب الخارجية فتشمل الأبواب ذات الخوخات والأبواب الخالية من الخوخات أما الأبواب الداخلية فهي التي تؤدى إلى ادوار المنازل المختلفة فكل منها من ضلفة واحدة، وقد دعمت بعض الأبواب الخارجية والداخلية بالمنازل بالمسامير الحديدية المكوبجة زيادة في الحماية والتحصين .
الأسقف : لعب الخشب دوراً معمارياً وإنشائياً هاماً في أسقف المنازل بمدينة رشيد في العصر العثمانى ويتكون السهم من براطيم يعلوها ألواح من الطبق الخشب ولقد راعى المعمار أن تكون كل غرفة مستقلة في سقفها عن الغرفة المجاورة ومن الأساليب المعمارية في تنفيذ أسقف المنازل أسلوب أسقف التخفيف والذي يتكون فيه السقف من سقفين بينهما مسافة 50 سم بحيث يصبح العلوى عبارة عن أرضية الحجرة على أن تسير البراطيم في اتجاه معاكس.
الأقبية المتقاطعة : أبدع المعمار في استخدام الأقبية المتقاطعة في تغطية حواصل المخازن والوكالات بالمنازل لإمكان إحراز أكبر اتساع بالحواصل والقاعات وتميزت الدركاوات بالمخازن والوكالات باستخدام الأقبية المتقاطعة ذات الخوصات وكان يتم عمل سقف خشبى يعلو هذه الأقبية وهو غير محمل عليها.

السلالم : انتشر استخدام السلالم بالمنازل للوصول إلى الأدوار المختلفة وهناك سلالم داخل وكالات المنازل من الدور الأرضي إلى الدهليز فقط وبنيت السلالم من الطوب والبلاط الحجارى مع استخدام الأنوف الخشبية لحماية درج السلم واستخدمت بعض السلالم الحجرية بالمنازل أيضاً.
الأسبلة بالمنازل : ضمت منازل رشيد عدداً من الأسبلة التي ألحقت بها وكان المكان المخصص لإنشاء السبيل يشرف على الطريق بواجهة أو واجهتين وهناك نوعان من الأسبلة بمنازل رشيد أولها السبيل ذو الشباك الواحد والثاني فهو السبيل ذو الشباكين وقد صنعت شبابيك الأسبلة من المصبعات والأكر النحاسية وأحيطت بعض الأسبلة بالأشرطة الرخامية التي نفذت عليها الزخارف النباتية والكتابات وفى أحيان أخرى بلاطات القاشانى وضمت هذه الأسبلة أحواضاً من الرخام والآخر ضم أحواض من الحجر الجيرى.
الحمامات والمطابخ : ضمت منازل رشيد عدداً من الحمامات أقيمت بأدوار الحريم ويتكون الحمام من بيت الوقود يضم قدراً من الفخار ودست من النحاس للماء الحار وبيت الحرارة الذي يتم الدخول إليه من مجاز البيت الدافئ عن طريق ممر معقود يشبه الحرف اللاتيني "L" ويضم بيت الحرارة حجرة الاستحمام التي تعلوها قبة ضحلة بها فتحات مغطاة بزجاج ملون.
أما المطابخ بمنازل رشيد فقد تكونت عناصرها من مصطبة مبنية بالطوب بها فتحة لوضع الأدوات الخاصة بالمطبخ ويعلو المصطبة عقد خاص لحجز الدخان حتى لا يتسرب لداخل المنزل ويتم تصريفه عن طريق المداخن المبنية بالطوب ولها قصبة توصل الدخان إلى اعلى.
الأغانيات : كانت الأغانيات من العناصر التي انتشرت بجميع منازل رشيد وهى دواليب من الخشب البعض منها كان مطعماً بالعاج والصدف وانتشرت بها العناصر المعمارية والفنية وبعض عناصر الخرط الخشبي المتنوع والمفاريك والأشكال الهندسية ولقد حرص المعمار أن تكون تلك الأغانيات موازية لبراطيم الأسقف الخشبية بالحجرات الرئيسية بالمنازل .
الخزائن الحائطية : استمر استخدام الحنايا بالجدران والتي ظهرت بالمنازل القبطية حتى العصر العثمانى وقد ظهرت تلك الحنايا بمنازل مدينة رشيد وكان الهدف منها هو التخفيف من ثقل الجدران ودعت الضرورة إلى استغلال هذه الحنايا لتنفيذ خزائن حائطية لشغل الفراغ وزينت بالخورنقات.
الأواوين والدكك : تعد الأواوين من العناصر المعمارية وكان مكانها يتصدر الدور قاعة، والإيوان بمنازل رشيد هو المقابل للتختبوش بمنازل القاهرة ويقع الإيوان دائماً أمام شباك مزدوج يقوم على عمود من الرخام وكان يطل على الشارع أو الفناء وملحق بالإيوان دكة من الخشب للجلوس.
الأحجبة : يعد حجاب منزل الأمصيلى بالدور الأرضي المثال الوحيد للأحجبة بعمائر رشيد وينقسم إلى ثلاثة أقسام يعلو كل منها عقد مدبب وترتكز على عمودين رخاميين وسد هذا الحجاب بالخرط الصهريجى والميمونى، والباب من الحشوات الخشبية .
المنازل الأثرية بمدينة رشيد - منزل عصفور، منزل البقرولى، منزل فرحات، منزل حسيبة غزال، منزل الأمصليى، منزل مكي، منزل ثابت، منزل طبق منزل القناديلى، منزل الميزونى، منزل التوقاتلي، منزل الجمل منزل رمضان، منزل علوان، منزل محارم ،منزل أبوهم، منزل كوهية، منزل بسيونى، منزل درع، منزل جلال، منزل عرب كلى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.