بين "باعة المناديل" في الإشارات والميادين، يمكن لك أن تشاهد مصر التي يخشى الجميع الاقتراب منها.. عالم غريب، تختلط فيه التجارة بالتسول بالبلطجة، لكنه لا يخلو من أشياء جميلة تتصل بطبيعة المواطن المصري، وليس بمجال العمل نفسه. وتنامت خلال الفترة الأخيرة "ظاهرة باعة المناديل" خصوصا من الفتيات والنساء اللائي يقفن في الميادين وإشارات المرور انتظارا لرزق يأتي من مشتر عادي أو محسن يرجو الثواب أو راغب في أشياء أخرى، تقول الفتيات إنه غالبا "غير شريف". في هذا العالم، عاشت "المشهد" يوما كاملا، قضت جزءا منه أمام سور الأزبكية والجزء الآخر أمام جامع الحسين، وبينهما فترة وجيزة أمام جراج العتبة، حيث يتجمع كبار الباعة، ومنظمو السوق، حسب وصف أحدهم. وتحت حرارة الشمس وقت الظهيرة جلسنا بجوار البائعين وبدأت عمليه البيع وسط التحرك المستمر بين أرجل المارة وصوت البائعين الذين ينادون للترويج لسلعتهم، وبدأت عملية البيع لكن هذه التجربة أظهرت الطيبة الموجودة بقلوب المصريين الذين لفت أنظارهم الفتاة الجالسة على حافة الممر فمنهم من دفع ضعف سعر المنديل الواحد، ومنهم من دعاها للتعود على "رذالة الزبائن"، وعدم استعجال الرزق. وعلى الرغم مما يقال عن وجود مافيا في هذه المنطقة لتقسيم الأرصفة، تعامل أحد الباعة الموجودين عند سور الأزبكية مع محررة "المشهد" برفق، وأخبرها أن المكان يتسع للجميع "طالما كانت أوضاع البلد بهذا السوء"، مشيرا إلى أنه يأتي كل يوم ويعود لأولاده بما يكفيهم. وقدر البائع دخله اليومي بنحو 50 جنيها، موضحا أن أيام الزحام تشهد زيادة في هذا الرقم، كونه يبيع مستلزمات شخصية كالأحذية وفرش الأسنان والحلاقة. واضاف أن فتيات كثيرات يأتين يوميا للمكان ببضائع مختلفة، لكنهن يتحركن لاحقا باتجاه اشارات المرور، حيث تزيد فرص البيع. وفي مقابل سهولة الجلوس عند سور الأزبكية، واجهت "المشهد" صعوبة في إيجاد مكان بمنطقة جراج الأوبرا، حيث قال أحد البائعين إنهم يد فعون مقابل جلستهم "حق الفرشة " 10 جنيهات على الأقل يأخذها منهم صاحب المكان. بعد ذلك توجهت "المشهد" إلى جامع الحسين الذي يمثل لباعة المناديل والاشياء البسيطة سوقا مضمونة، لاعتبارات الزحام القادم من كل محافظات مصر. هنا، يمر كل يوم الكثير من رواد المسجد غير عابئين بحياة الشظف والبؤس التي تحياها سيدات كثيرا جالسات أمام المسجد يعشن على بضعة جنيهات من بيع المناديل. وهنا أيضا سجلت "المشهد" بعضا من هذا البؤس، حيث لم تمر سوى بضع دقائق من الجلوس بجوار السيدات الجالسات لنفس المهمة، الإ وجاءت سيدة أربعينية تسأل: ما اسمك؟ وما مكان سكنك؟ وسبب تواجدك هنا بالذات أمام الحسين؟ وبسرعة لافتة رسمت هذه السيدة تفاصيل يوم "الفتاة القادمة من المنوفية بحثا عن لقمة عيش"، بعد أن أبلغتها رفضها جلوسها أمام المسجد.. قالت بحدة "هتسرحى كل يوم على القهاوى وبالذات قهوة الفيشاوى، الزبون هناك حلو وبيدفع"، ثم زادت على ذلك نصيحة إضافية:"متخديش أقل من 5 جنيه فى الكيس، ولو أى حد إتعرضلك قوليله انك من طرف أم أحمد". بدت السيدة وكأنها المعلمة التي تأوى العديد من الجالسات أمام المسجد، وكان ذلك غير صحيح، فقد جاءت أم أحمد بعد دقائق ومعها رجلان أخذا يكرران ذات الأسئلة: مسكنك؟ عملك السابق ؟ لماذا الحسين ؟ وبعد ذهابهما أكدت أم أحمد ان الرجلين مسئولان عن الجالسات أمام بوابة المسجد الرئيسية وكذلك الساحة الواسعة أمام مسجد السيدات.. وقالت، بشيء من التوجيه: "كل اللي يجي يسترزق هنا يبقى فى حماهم "!. ولما تطرق الحديث عن المبيت، كانت السيدة قاطعة: "لا مبيت لفتيات"، والسبب: شباب لا سيطرة عليهم يترصدون لكل بنت جديدة تظهر في محيط المسجد". وباستفاضة سردت أم أحمد حكايات شباب يأتون اّخر الليل "بعضهم سكران يأخذون كل ما تطوله أيديهم حتى ولو كانوا بنات، ثم أضافت: "احنا مش هنقدر نحميكي لو حد منهم جه يخدك". الجزء الثانى" المشهد " تخترق عالم " بائعات المناديل " لمشهد " تخترق عالم " بائعات المناديل "