لغسيل وتطهير الخزانات.. وقف ضخ مياه الشرب للوحدات السكنية بطور سيناء مساء لمدة 7 أيام اعتبارا من الغد    الأمم المتحدة: لا نستطيع إدخال المساعدات إلى غزة    بدء امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل    أسعار اللحوم والفراخ في أسواق أسيوط اليوم الأربعاء    اليوم.. الليلة الختامية لمولد القطب الصوفي أبو الحسن الشاذلي    تأجيل محاكمة ترامب في قضية الاحتفاظ بوثائق سرية حتى إشعار آخر    عقب الإقصاء المهين.. سان جيرمان يتطلع لحقبة ما بعد مبابي    تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأربعاء    الحالة المرورية بالطرق والمحاور الرئيسية.. كثافات على كوبري أكتوبر «فيديو»    توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 8 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العقرب» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    يوم مفتوح بثقافة حاجر العديسات بالأقصر    بعد رفض قضاة تعيينهم، كلية حقوق كولومبيا تدعم خريجيها الداعمين لغزة    للمقبلين على الزواج.. تعرف على سعر الذهب اليوم    لسبب غريب.. أم تلقي طفلها في نهر مليء بالتماسيح    شاهد.. انتشار لافتات "ممنوع الموبايل والتدخين" في لجان امتحانات الترم الثاني بالمدارس    مظاهرات في إسرائيل تطالب بالتوصل إلى صفقة أسرى مع حماس    تعرف على المواعيد الجديدة لتخفيف أحمال الكهرباء    ياسمين عبد العزيز: فترة مرضي جعلتني أتقرب إلى الله    "كفارة اليمين الغموس".. بين الكبيرة والتوبة الصادقة    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    6 مقالب .. ملخص تصريحات ياسمين عبدالعزيز في الجزء الثاني من حلقة إسعاد يونس    حسن الرداد: مبعرفش اتخانق مع إيمي.. ردودها كوميدية    المدرج نضف|«ميدو» عن عودة الجماهير: مكسب الأهلي والزمالك سيصل ل4 ملايين جنيه    مقالب بطفاية الحريق.. ياسمين عبدالعزيز تكشف موقف لها مع أحمد السقا في كواليس مسرحة «كده اوكيه» (فيديو)    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة    أخبار السيارات| أرخص موديل زيرو في مصر.. أول عربية من البلاستيك.. وأشياء احذر تركها في السيارة بالصيف    سحب لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد- 19 من جميع أنحاء العالم    مكاسب الأهلي من الفوز على الاتحاد السكندري في الدوري المصري    مفيد شهاب: ما قامت به إسرائيل يخالف اتفاقية السلام وتهديد غير مباشر باستخدام القوة    محمد رمضان: فرق كبير بين الفنان والنجم.. واحد صادق والتاني مادي    عزت إبراهيم: تصفية الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عملية مخطط لها    القاهرة الإخبارية: تعرض رجل أعمال كندي يقيم بالبلاد لحادث إطلاق نار في الإسكندرية    عاجل.. أول رد من صالح جمعة على إيقافه 6 أشهر    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    واشنطن: القوات المسلحة المصرية محترفة ومسئولة ونثق في تعاملها مع الموقف    بالمفتاح المصطنع.. محاكمة تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات    المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف إيلات الإسرائيلية    ياسمين عبد العزيز: محنة المرض التي تعرضت لها جعلتني أتقرب لله    ماذا يحدث لجسمك عند تناول الجمبرى؟.. فوائد مذهلة    5 فئات محظورة من تناول البامية رغم فوائدها.. هل انت منهم؟    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    «العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    قبل مواجهة الزمالك.. نهضة بركان يهزم التطواني بثلاثية في الدوري المغربي    متحدث الزمالك: هناك مفاجآت كارثية في ملف بوطيب.. ولا يمكننا الصمت على الأخطاء التحكيمية المتكررة    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر وميراث الوفد
نشر في المشهد يوم 26 - 02 - 2013

إن المتتبع لما يحدث في مصر خلال الشهور القليلة الماضية سيصاب بكثير من الحسرة والذهول نتيجة لما آلت إليه الأوضاع السياسية في أرض الكنانة، فقد ادلهمت الخطوب وتقلصت مساحة التسامح وسعة الصدر التي كانت تميز المصريين على اختلاف عقائدهم وانتماءاتهم السياسية؛ وشرعت الأطراف المتصارعة في الدفع بمواقفها نحو حدودها القصوى، وانعكس ذلك بشكل بالغ السلبية والسوء على مواقف وسلوكيات المواطنين في الشارع، الأمر الذي بدأ يهدد وحدة النسيج الاجتماعي لهذا البلد الذي طالما عُرف بإعلائه وإجلاله لقيم السلم والمصالحة والإخاء .
وعندما نقارن هذه الأجواء المشحونة بأجواء أخرى مشابهة لها في تاريخ مصر المعاصر، فإننا سنلاحظ من دون ريب أن النخب الحالية، وبالرغم من كفاءتها واقتدارها الذي يشهد به القاصي والداني، إلا أنها أقل حنكة ومهارة من أسلافها في توجيه دفة الحوار والنقاش بعيداً عن استثارة غريزة التشدد والعنف الذي جُبلت عليها العامة . ولعل الكثيرين في مصر وخارجها ما زالوا يتذكرون الجدل والنقاش الحاد الذي صاحب إصدار كتاب “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ علي عبد الرازق، إذ إنه وبالرغم من الحساسية البالغة التي طبعت إشكالية العلاقة بين الدين والدولة في الإسلام عبر كل العصور، خاصة في تلك الفترة المتقدمة من عمر الدولة المصرية الحديثة، وبالرغم أيضاً من الملابسات السياسية التي أطّرت مواقف السلطة آنذاك التي كان يغمرها الطموح إلى إحياء دولة الخلافة بعد أن تهاوى رمزها العثماني على أيدي القوميين الأتراك؛ إلا أن النقاش السياسي تميّز بالكثير من الهدوء والرصانة واستطاع المثقفون المصريون حينئذ، أن يقدموا صفحات ناصعة البياض عن قيم المواطنة وحرية الرأي والقبول بالرأي المخالف .
وأحسبُ أن قسماً كبيراً من الرأي العام العربي سيشاطرنا الرأي عندما نذهب إلى التأكيد على أن “حزب الوفد” التاريخي بزعامة سعد زغلول باشا، لعب دوراً بارزاً في إشاعة هذا الجو الحضاري الكبير الذي ميّز تلك الفترة المشرقة من نضال الشعب المصري الذي كان يتوق إلى تأسيس مجتمع تعددي متطور في إطار دولة ديمقراطية حديثة ذات مرجعية حضارية عربية وإسلامية . ويتجلى هذا الميراث الذي يرمز له الوفد بمثقفيه وعلمائه وزعاماته السياسية، أشد ما يكون التجلي من خلال المواقف التي تم التعبير عنها غداة الضجة التي أثارها كتاب الشيخ علي عبد الرازق . فقد كان هذا الشيخ الأزهري المشاكس ينتمي إلى حزب الأحرار الدستوريين الذي أسهم في حرمان حزب الوفد صاحب الأغلبية، من حقه في تشكيل الحكومة؛ وبالرغم من كل ذلك فقد سخّر “الوفد” كل منابره الثقافية والإعلامية من أجل الدفاع عن حقوق المواطنة وحرية التفكير لصاحب كتاب “الإسلام وأصول الحكم”، وقد دوّن الفكر المصري هذه المواقف المشرفة والشجاعة بأحرف من ذهب .
ومن جملة ما تم تدوينه من آراء وتحليلات بشأن المحنة التي كابدها الشيخ المغضوب عليه، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، ما كتبه أحمد حافظ عوض بك في “كوكب الشرق”، عندما قال ما نصه: “كنا نستطيع أن نستغل ذلك الحادث كسعديين (يقصد أنصار سعد زغلول) مخالفين لهم، هذا عدا ما في ذلك الاستغلال من الضرب على وتر الدين الحساس، وتنفير الأزهر من الأحرار الدستوريين- كنا نستطيع ذلك حزبياً، ولكن ضمائرنا أبت هذا الاستغلال ، ونفوسنا استنكرته، ووطنيتنا تسامت عن مثل هذه الاعتبارات الحزبية” . كما عبّر عباس محمود العقاد في سياق متصل عن رأي في منتهى الحصافة والرشد، أكد فيه على أهمية الحق في الاختلاف بقوله: “ . . وليس يعنينا هنا أخطأ في الاستناد والتخريج أو أصاب وإنما الذي يعنينا أنه صاحب رأي يُباح له أن يعلنه، كما يباح لغيره أن يرد عليه ويفنّده . أما أن يحاكم أو يقسر على ترك رأيه، لأنه خالف به بعض العلماء أو غير العلماء فهذا ليس من روح الحرية التي تحمينا جميعاً، ويجب علينا أن نحميها جميعاً، وليس من روح الدين الذي يغارون عليه، ويشنون هذه الغارة باسمه .( . . .) إننا لا نعرف صاحب (الإسلام وأصول الحكم) إذا رأيناه في الطريق، وليس هو من شيعتنا في السياسة، فنحن لا ندافع عن شخصه، ولا عن مذهبه السياسي، حين نكتب هذه الكلمة، ولكننا نودّ أن يعلم الذين لا يعلمون أن قد مضى الزمان الذي تتصدى فيه جماعة من الناس، بأي صفة من الصفات، لإكراه الأفكار على النزول عند رأيها، واستمداد الحرية من فضلات ما تسخو به لأنصارها . .” .
لقد كانت هذه المواقف قوية واضحة لا لبس فيها، في دفاعها عن حرية التعبير والتفكير والإبداع، رغم أن زعيم الوفد سعد زغلول انفرد بدفاعه عن حق هيئة علماء الأزهر في إصدار ما رأته ملائماً في حق ما أقدم الشيخ علي عبد الرازق على تدوينه من آراء في كتابه المثير للجدل، ولم يكن الرأي الذي تبنّاه الزعيم لينال من هيبة وصدق المواقف التي أفصح عنها مثقفو وإعلاميو أكبر تنظيم سياسي في مصر آنذاك، بل أثبت للجميع أن الحق في الرفض أو الاعتراض معترفٌ به حتى ما بين زعامات ومناضلي الحزب وأنصاره، وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، من منطلق أن التنظيمات السياسية والأحزاب لا تُبنى على الطاعة العمياء، وإنما على المشاركة الفعالة لكل الأعضاء وعلى التوافق والإجماع في تسيير وإدارة الملفات التي تهم المجتمع برمته، ونزعم في هذه الساق، أن مصر التي تكاد تصاب في كبريائها، هي الآن أحوج ما تكون في هذه الفترات العصيبة، إلى هذا الميراث السياسي والحضاري الزاخر الذي تركه لنا أكبر حزب سياسي في تاريخ مصر والأمة العربية .
****************************************
(عن الخليج - الإمارات)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.