جاء ال"عيش" في مقدمة الشعار الأساسي لثورة 25 يناير(عيش – حرية – كرامة) ، بما يعني أنه أولوية قصوى لدى جموع الشعب الثائر.. و"العيش" هو "الخبز" ، ويرمز في الوعي الجمعي للمصريين، ولمجمل مستلزمات الحياة ، فالمصري يقول "أكل عيشى" مشيرًا إلى عمله أو وظيفته أو مهنته ، والتي يرتزق ويتعيش منها. وفى الأمثال الشعبية: "أكل العيش مُر"، وصفًا المعاناة في الحصول على لقمة العيش أو الرزق والعيش إذن في الشعار الثوري المرفوع هو مرادف ل "الحياة"، مع "الحرية" و"الكرامة" أي "العيش الكريم" ، في ظل حياة ديمقراطية حرة، ويتمتع فيها الفرد بالأمان والرفاهية، وهنا يمتلك"الإرادة الحرة"، دون خشية على مصدر رزق، أو التعرض للقهر والظلم والعقاب، أو شراء صوته ببعض السكر والزيت.. فهل تحقق شيء من هذا على مدار 21 شهرًا مرت منذ قيام الثورة، وقرابة العام على الصعود الإخواني السلفى للبرلمان وأربعة أشهر للرئاسة الإخوانية لمصر؟.. بل: وهل ثمة مؤشرات لحدوث تقدم أو نجاح ؟. لا أريد تكرار الحديث الممل عن مشروع الفنكوش أو النهضة سابقًا، ولا ال 100 يوم .. لكن نظرة سريعة على "مجلس الشعب" وخلال عمره القصير تذكرنا بأن أحد إنجازاته هو "قانون العزل" الذي تم أبطاله دستوريا، و كان مُشَرعًا لحرمان الفريق أحمد شفيق من منافسة الإخواني خيرت الشاطرعلى رئاسة الجمهورية قبل استبعاده وحلول مرسي محله. كما نجح مجلس الشعب مع الشورى فى اختطاف "الجمعية التأسيسية" لكتابة الدستور لحساب الإخوان بالتعاون مع السلفيين، ومع انه تم إلغاؤها قضائيًّا، فقد تكرر الاختطاف ثانية بنفس الطريق. وأما باقي إنجازات "المجلس" فهي "مشروعات قوانين" أحدها لضرب المحكمة الدستورية العليا، استباقًا لحكم المحكمة بحل المجلس، وعدة مشروعات أخرى، ومن المؤسف أنها تدور حول النصف الأسفل من المراة، بإلغاء الخلع، وتخفيض سن الزواج إلى 12 سنة وربما ينزل بالدستور الى 9 سنوات ومضاجعة الزوجة المتوفية، وإعادة تقرير الختان للإناث، و منع المواقع الإباحية، وغير ذلك من توافه الأمور. وبدا الأمر وكأن البلاد لاتعاني انفلاتًا أمنيًّا، ومن غلاء الأسعار الذي يفوق طاقة السواد الأعظم من الشعب، ولا ملايين العاطلين الحالمين بفرص للعمل، ناهيك عن الشلل الذي ضرب ولايزال قطاعات السياحة و"الإنتاج" الصناعي وطال الزراعي بفعل أزمة المواد البترولية المزمنة، وبالجملة تدهور الأحوال المعيشية لعموم الناس إلا من رحم ربي. أما مجلس الشورى فقد نجح في أخونة 55 مؤسسة صحفية قومية، بتنصيب أعضاء الجماعة والموالين لها على رأس هذه المؤسسات، وكذلك تشكل المجلس الأعلى للصحافة. ومع مجيء الرئيس مرسي الإخواني إلى المقعد الرئاسي أول يوليو الماضي تزامنًا مع انصراف مجلس الشعب الإخواني السلفي، فإنه سعى منذ اللحظة الأولى إلى إحكام سيطرة الجماعة على مفاصل الدولة وأخونة كل المواقع التنفيذية ومراكز صنع القرار، وتسكين أهل الثقة من أبناء الجماعة ودارويشها، دون اعتماد معيار الكفاءة، بل إن كثرة فقهاء القانون حول الرئيس، لم تمنع من وقوع الرئاسة في خطيئة التعدي على استقلال القضاء، بالمحاولة الفاشلة ل "عزل النائب العام"، والمفارقة المثيرة هي تورط رجاله الأخوين مكي والمستشار حسام الغرياني إخواني الهوى، بشكل مباشر، في محاولة العزل، وكأنهم لايفقهون شيئًا في القانون (!!!) . إن الحديث عن مساوئ الحكم الإخواني ولا أقول الإسلامي، لمصر يصعب حصرها، رغم قصر المدى الزمني.. بيدأنه يكفينا أن نخلص مما سبق أن الجماعة، تُجيد التسلط .. لكنها بالتأكيد غير قادرة على إدارة الدولة، بل ولا تملك كفاءات لهذه المهمة الشاقة، وهي أيضا لاتريد الاستعانة بمن هم خارجها من الأكْفاء، باعتبار الشعب المصري الآن ينقسم إلى إخوان، وسلف في المرتبة الثانية، وما عداهم فهو بلا حقوق، ولن نتطرق لتكريس الطائفية بمشروع الدستور، ولا الانتقاص من حقوق المرأة . على أن الإنصاف يقتضينا الإشارة إلى كثرة صلوات الرئيس على الهواء مباشرة وخطبة الرنانة والبلاغة الخطابية التي يتمتع بها، إلا أن هذا كله لن يوفر "العيش الكريم" الذي خرج من أجله الشعب ثائرًا.. واختصارًا فإن مصر كبيرة على الإخوان.