تكتب : مقدورك ان تبقى مسجونا بين اللاب وبين التاب غيداء سيدة تخطت سن الشباب بقليل ، لا تتمتع بثمة جمال ظاهر ، فهى تحمل كتفين عريضتين يبرز من بينهما رأسها النحيف الذى لا يتناسب مع جسدها الضخم ، فتبدو من بعيد كشماعة ملابس تحمل معطفا شتويا ثقيلا ، اما وجهها فهو لمن لا يعرفها وجه غير مألوف ، فكانت تحمل عينين جاحظتين وانفا افطسا ، لذلك فقد عانت المسكينة فى طفولتها من معايرة زملائها حتى انهم كانوا يطلقون عليها لقب (طاسة البيض المقلى) اشارة الى عينيها الشديدتي البروز ولون جسدها الشديد البياض ، ولكنها كانت من اسرة ثرية فحظيت بعريس وسيم بعد ان كاد يفوتها قطار الزواج ، لذا فقد كانت تغار عليه من ماكينة الحلاقة الخاصة به. اما نجلاء فقد كانت جميلة بحق ، الا ان ذلك الجمال قد سبب لها كثيرا من المعاناة خاصة بعد طلاقها ، فقد كانت صديقاتها تخشين على أزواجهن ان يفتنوا بها ، فبعدت عنها حتى اقرب الصديقات إلى قلبها. انطوت كل من غيداء ونجلاء على نفسيهما و اعتزلتا الحياة، وعندما ظهر الفيسبوك دخلت كلتاهما على مضض، بيد ان جمعهما "جروب" واحد معنى بمن يكابد متاعب نفسية ، و اسمه (انا مش قصير اوزعة، انا طويل واهبل) ! لم تدخل غيداء باسمها الحقيقى فأطلقت على نفسها لقب : (مقدورك ان تبقى مسجونا بين التاب وبين اللاب) ، وادعت انها انسة كى تراقب زوجها عن كثب حتى انه لم يتعرف عليها. وكذبت نجلاء وادعت انها متزوجة ، واتخذت اسما مستعارا هى الاخرى : (راحوا الطيبين)، و اخفت كل منهما صورتها الحقيقية بالطبع. كان من الطبيعى ان تصبح غيداء و نجلاء صديقتان حميمتان ، خاصة وقد صار العالم الافتراضى هو كل حياتهما، فكانتا لا يحلو لهما ارتشاف القهوة صباحا الا معا امام شاشات الكمبيوتر ولا تنام كلتاهما الا اذا القت السلام على الاخرى ، ودار جل حديثما عن الاخلاق الحميدة وتغير النفوس والطباع ، رغم ان كل منهما كانت فى الحقيقة تتمتع بلسان اطول من شريط خط السكة الحديدية التى تربط القاهرة بأسوان ، بيد ان كلتيهما لم تشأ ان تصارح الاخرى بآية معلومات صحيحة عن نفسها. و ذات يوم إدعت نجلاء انها ستخرج مع صديقاتها المقربات الى السينما ، مما شجع غيداء على الكذب و زعمت هى الاخرى انها ستذهب الى مكتبة الجامعة حيث تستكمل دراستها العليا. فى المساء شعرت نجلاء ببعض التحسن وبدأ الملل يتسرب اليها ، فدخلت على صفحة غيداء وكتبت : انتى فين يا مقدورك ان تبقى؟ فردت علياء من فوق سرير حجرة نومها : انا فى المكتبة يا راحوا ، ساحدثك عند عودتى. فاستبدلت نجلاء ملابسها وعقصت شعرها الذهبى الجميل و انطلقت الى الخارج. لم تمر لحظات كثيرة عندما دخل زوج غيداء عليها الحجرة واخبرها انه فى سبيله للخروج ، وعندما رأت هندامه المنمق واشتمت رائحة عطره الأخاذ اصرت على الخروج معه. اتجه محمود زوج غيداء بسيارته الى متجر ضخم للإلكترونيات ، واثناء نزوله من السيارة اصطدم بفتاة رائعة الجمال فبدت على وجهه علامات الاعجاب ، و بسرعة الصوت عاجلته زوجته بصوت حاولت ان يكون منخفضا: انت عاجبك فيها ايه ؟ دى شبه انثى الضغدع. ولكن للأسف سمعت الفتاة تلك الجملة فردت بسرعة البرق :طب الحمد لله انى شبه انثى اى حاجة ، حضرتك بقى شبه دكر البط ، ولو عرف انه شبهك حيشترك فورا في اقرب جيم. ردت غيداء بغضب شديد: انتى شكلك عانس ومش لاقية اللى يلمك. ردت الفتاة بكيد بالغ: والله اما ابقى عانس احسن ما افوز بعريس فى مسابقة لبان بم بم. غيداء بإستهتار: بم بم دى تبقى خالتك. الزوج موجها حديثه للفتاة : حرام عليك ، انا عملتلك ابه؟ الفتاة بلا مبالاة : حرام عليا انا!! دا جوازك منها يعتبر من الكبائر. الزوج بغضب : عيب كدة انت مش شايفة راجل ادامك!! الفتاة ساخرة: ما قولنا كدة من الاول ، دا انت فيك انوثة عنها. ردت غيداء وهى ترفع حقيبتها عاليا فى الهواء ثم تهوى بها على نافوخ الفتاة : وحياة أمى لاعرفك مين فينا الدكر، تعاليلى بقى. انفضت المعركة بعد ان فقدت غيداء كمية لا بأس بها من شعر رأسها ، كما انها احتفظت فى ذراعها بمقياس يصلح لعمل طقم اسنان كامل للفتاة. و لكن تلك الخسائر تعتبر هينة بالنسبة لخسائر الفتاة ، هذا ان كان قد تبقى منها شيئ يذكر. فى الصباح استيقظت غيداء مبكرا واتخذت مكانها امام شاشة الكمبيوتر واخذت تنادى: راحوا ، انتى فين يا راحوا ؟ غير انها لم تظهر الا بعد يومين وكان لقاء حارا بين الطرفين. حيث اشتكت نجلاء لصديقتها انها خاضت معركة لم يخضها عنتر بنى عبس مع سيدة عديمة الذوق والاحساس ، تعاطفت غيداء معها للغاية واخبرتها انها اجتازت معركة حامية الوطيس هى الاخرى مع طالبة زميلتها كانت تريد ان تسطو على رسالتها. ردت نجلاء بدهشة: مين دى اللى تستجرى تزعل قمر زيك ، دى اكيد حيوانة!! ردت غيداء بامتنان: اذا كان انت اللى زى النسمة اتمدت ايد واحدة مجرمة عليك، الهى تتشل فى دراعها البعيدة. نجلاء : ياريت كل الناس زيك وفى اخلاقك، بس حاقول ايه؟ الدنيا اتقلب حالها. لم تستطع بالطبع كل من غيداء ونجلاء مصارحة الاخرى عن السبب الحقيقى للعلقة التى اخذتها ، فكلتاهما لا تعرف حقيقة الاخرى. القصة تبدو خيالية ولكن هل فكرت حقا عزيزى القارئ ، كيف سيكون لقاؤك بأقرب صديق لك على الفيسبوك لو اصطدمت كل من سيارتك وسيارته ، او احتل احدكما دور الاخر فى طابونة عيش؟ الأجدى ألا تفكر واستمتع بحياتك الوردية فى العالم الافتراضى بعد أن ضاق بنا الواقع. المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية