تكتب : سنة حلوة يا مطلعة عنينا عندما اجتمعنا كى نحتفل بعيد الام مع ست الحبايب ، كانت كل علامات الإجهاد تبدو جلية على وجهها الصبوح. جلس اخى الكبير الى جوارها ، بينما اعتلى اخى الصغير مسند الكرسى الذى تستند عليه وقد مال عليها بدلال ، و اختار أخى الاوسط مكانا بعيدا عنا إلى حد ما ، اما انا فقد اخترت أن أجلس أمامها على الأرض بينما اتكيء بيدى على وسادة عالية وقد وضعتها على خدى وانا اتأملها بإعجاب وحب. نظرت الينا بريبة ، ثم هزت رأسها بلا اكتراث ، وهى تقول : خير إن شاء الله، أكيد فلوسكم خلصت. رد اخى الصغير بعتاب: جئنا للاحتفال بعيدك يا جميلة. نظرت اليه بضجر بالغ وهى تقول: وماذا تفعلون طوال العام إلا الاحتفال !! هل انتهيتم من دروسكم ، هل اشتغل المتخرجون منكم؟ انظروا الى الأولاد حولكم لتعرفوا كيف صاروا ، بينما أنتم ما زلتم عبئا على حتى الآن. حاولت ان اشغل نفسى بالنظر الى السقف والثريات النفيسة التى تدلت منه و قد اعتلاها الغبار والأتربة ، فأنا أعلم جيدا أننى قد أتهور بكلمة عن غير قصد ولكن لم يطل صمتى كثيرا، فقد تناهى الى سمعى صوت أخى الكبير وهو يلقى اللوم على أنى لا أهتم بنظافة البيت ، وهو يشير إلى الأرضية التى يكسوها رخام نادر وثمين وقد امتلأت بالمناديل المستعملة وأكياس الشيكولاته وقشر اللب والفول السودانى ، عندها لم أتحمل ، اسم الله عليك يا خويا ، مقطع النظافة أوى ، مين اللى رمى المناديل دى ، مش المحروس ابنك؟ ، كان صوتى عاليا وغليظا حتى خلت للحظة انه للأستاذ عباس فارس وصادر من التلفاز الذى كان مدارا فى تلك اللحظة، إلا انه كان بعيدا عنا حتى اننا نسمعه بالكاد. حاول أخى الصغير ان يتدخل للإصلاح بيننا ، فرمقته هو الآخر بغل بالغ و كلت له الاتهامات ، فتجلى بدوره فى فاصل غير قصير من الردح المتواصل ، حتى وصل به الأمر أن عايرنى بأن فمى متسع كبهو البيت، وليس لزورى قرار كنفق الازهر ، وأرنبة انفى أكبر من حمارة ترغب فى عمل (دايت) ، و لم أرث عن ابى رحمه الله إلا شاربا يشبه شارب عبد الفتاح القصرى، وأتمتع بأذنين تشبهان مآذن المساجد الطولونية. وهنا لم أتحمل السكوت خاصة ان الكلام قد طال أنوثتى وراق أخى الكبير وظل يضحك كنقار الخشب ، وحين هممت بالرد وجدت أخى الصغير قد بادره بوابل من الاتهامات هو الآخر، حتى أننى نسيت إهانته لى وأخذت أضحك حتى افترشت الارض التى كنت أجلس عليها ، وإذا بى أتلقى لكمة من أخى الكبير على وجهى طارت على إثرها نظارتى الطبية ، وقبل أن أستوعب ما حدث ، وجدت شقيقى الصغير يصيح فيه بحدة فقلت فى نفسى أحسنت ، فقد ظننت أنه يريد أن يقتص لى ، فإذا به ينبهه أنه أصيب هو أيضا على إثر تلك اللكمة وحين واصل تطاوله، ركله فى ساقه بعنف ، وبدأت الوسائد تتطاير فى الهواء ، وفجأة تكلم أخى اأوسط وهو شارد، قائلا بلا اكتراث ودون أن ينظر إلينا : ياجماعة على سبيل إنكم اخواتى يعنى ، ماتوحدوا الله فى نفسكو كده وتعرفونا حناكل امتى؟ وكأنه قد تكلم فى الوقت المناسب ليصب كل منا جام غضبه عليه ، حتى قال له أحد إخوتى : ما تقعدلنا على جنب وتسمعنا سكاتك ، فتمتم فى سره وهو ينظر فى اتجاه آخر : ياعم مانا قاعد أهو ، ولا إنت شايفنى برغوت لابد فى كم قميصك؟ فما كان منا إلا أن تجاهلناه ثم أكملنا العراك بمنتهى الحماس، بينما كانت أمى ترمقنا من حين لآخر بحسرة وألم. وفجأة انتفضت من مجلسها وأخذت تعايرنا بأولاد الجيران مرة ثانية ، فاتفقنا جميعا ولأول مرة منذ أن بدأت الجلسة ، لنقول فى نفس واحد : وانتى بتصرفى علينا زى ما هى بتصرف على عيالها !! ما تشوفى اتعلمنا فين؟ لأ وحاسبى بقى عالمستشفيات اللى بتشحنينا فيها أما حد فينا بيفيص ، و لا الفسح ، كبيرك تاخدينا مراجيح مولد ابو حصيرة وأهو طلع يهودى عشان تستريحى. ضحك أخى الاوسط بصوت مبحوح وهو يسعل بشدة : أيوة فاكره ،سيدنا أبو كليم ، مرة حاول يقنعنى أدبح له ارنبة عشر فى المولد، بس أنا قلتله : إوعاك تفتكر إننا عشان ما قعدنا مع بعض وعملنا حق عرب حنبقى أصحاب، لا يا عم كوهين. تجاهلت أخى وأكملت حديثى : وتمرجحينا ليه أساسا واحنا بنتمرجح كدة كدة على دكة الفصل المتهالكة ؟ فعقب أخى الصغير قائلا : لا .. إزاى !! نسيتو جنينة الحيوانات؟ دا القرد أما شافنى اخر مرة قاللى كبرت يا حمادة وبقيت راجل ما شاء الله، روحنى بلدى أبوس رجلك ، زهقت من أشكالكم .... .. حسرة علينا ، فإذا بأخى الاوسط يضحك ككفار قريش فى الافلام القديمة وقبل أن ننظر اليه بادرنا قائلا : فعلا جنينة الحيوانات دى كنت باحبها أوى ، مرة النور اتقطع وأنا متعلق فى الكابينة فوق لوحدى زى العرسة اللى فاتها الجواز ، فقاطعه أخى قائلا له : دوكها الملاهى يا أهبل ، وبعدين مش أنا قلتلك تقعدلنا فى حته ، فتمم فى نفسه ثانية وهو عابس : هو أنا قدرة فول ، كل شوية كبسة كبسة!! قاطعتنا امى بحدة بالغة وهى تقول : لقد انفقت عليكم كما انفقت على اخوتكم الغائبين ، ومع ذلك انظروا أين أنتم منهم الآن!! نظرنا اليها بغيظ بالغ لنقول معا : نعم أجيبى أنت ، أين هم الآن؟ طفشوا من البلد بسبب عمايلك اللى ما يعلم بيها إلا ربنا .......طب واخوكم اللى ما شاء الله بقى عنده عزبة وبدل العربية عشرة، أنا طفشته هو كمان؟ رد أخى الكبير بغيظ : وفخورة أوى بيه!! مانتى عارفة إنه حرامى وسرق ورث المرحوم بابا ، ياترى عاقبتيه؟ أبدا دا انتى كمان بتعايريتا بيه. قالت وهى تصرخ : مازلت أصرف عليكم وعلى أولادكم رغم كثرتكم. قاطعناها بملل : يادى العدد !! ستات كتير حوالينا عيالها ادك مرتين وزى الفل ، بس إنت طول عمرك خيرك لغيرك ، طب سميتى نفسك أم الحته ليه أما إنت مش مكفيانا؟ اوووووووف بقى يا امى. بدأت أمى تئن من الحزن وتتهمنا بالجحود ، وأننا سنشوى فى نار جهنم لأننا قلنا لها أف، وهنا بدأنا نذرف دموعا حقيقية ونبدى أسفا بالغا ، ثم تجمعنا حولها نقبل رأسها ويديها لترضى عنا. ابتسمت رغما عنها وبدا على وجهها الحب والامتنان ، فانتهزنا الفرصة و بدأنا الاحتفال ، أدرنا الاغانى المبهجة ، ورحنا نضرب بالدفوف ونرقص حولها بفرح ونحن تغنى بحماس : (يامامى ياست البنات يامامى، فداك انا والولاد يا مامى) ....(فكرت تغنيلها ، طب ما شربتش من إيدها؟) ..... .الخ تأملتنا برضا وتمنت لنا سنة سعيدة هى اأخرى ، بينما كل منا ينظر الى التورتة الموجودة على الطاولة ويخطط ليفوز بها وحده دونا عن الباقين ، أما أمى فقد كان كل ما يشغل تفكيرها فى هذه اللحظة هو كيف ستقنعنا بدفع فواتير المياه و الكهرباء ، أما أخى الاوسط فقد تبخر لحظتها ليلحق برفاقه المنتظرين على القهوة. المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية