تتعدد وظائف الأدب على عمومه ومنه المسرح كنوع أدبي يهتم دومًا بالمجتمع وقضاياه؛ فتظهر مجموعة من الوظائف : كالتسلية والإمتاع والتعليم . وقد اعتاد أيضًا كتاب المسرح الغربيون والعرب مناقشة قضايا سياسية واجتماعية عامة في مسرحياتهم، وهو ما اعتبره النقاد من الوظائف الأساسية لكتابة المسرح، مثل: قضايا الحرية والعدالة والحرب والسلام والحب والموت وغيرها من القضايا التي تهم المجتمع وينشغل بها المتلقون على الدوام. وفي مسرحية صورة يوسف ،التي صدرت مؤخرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن ثلاثية مسرحية تضم معها مسرحيتي 72 عفو والبحث عن العصفور، اهتم الكاتب المسرحي والشاعر وليد علاء الدين بمناقشة قضايا لا يناقشها المسرح في كثير من الحالات، وهي قضايا التسامح الديني وكشف الفساد؛ حيث تكفلت أشكال أدبية أخرى كالرواية بمناقشتها، إذ تحتاج مثل هذه القضايا إلى كثير من التفصيلات التي تقدم جنباتها المتنوعة، وهو ما قد يتعارض مع صيغ التكثيف الدرامي في لغة المسرحيات. لكن الملاحظ أن الكاتب تمكن من تضمين قضيتي كشف الفساد ولا سيما فيما يخص موضوع التوظيف في الوظائف التي يسعى الشباب للحصوص عليها عبر الأجيال المتنوعة، وكذلك قضية التسامح الديني التي شغلت بعض مبدعي الأدب، ولا سيما الفن الروائي على وجه الخصوص. قدم وليد علاء الدين في مسرحيتة مجموعة من الانتقادات لكثير من الظواهر والقضايا الاجتماعية التي رأها سلبية، وتحتاج إلى نقد، وهو ما تجلى في موقفه داخل هذه المسرحية عبر شخصياتها ومسالك أفعالها. ومن هذه المواقف الاجتماعية التي قدم نقدًا لها، تلك الفتاة/ أمل التي تزوجت من شخص أثار عجب بطله يوسف، بعد أن وافقت أمل على الارتباط به رغم عدم التوافق بينهما في كثير من العناصر والمقومات، وكذلك قضية التعارض بين حب بطله يوسف للموسيقى واعتراض أحد أصحاب اللحى على الموسيقى عامة واللعب بالعود خاصة، وهو ما يكشف عن موقف ضمني للكاتب تجاه قضية العلاقة بين الفن والدين. وقد برزت قضيتا الفساد المتفشي في طريقة التوظيف في التعيينات الخاصة بوظائف الشباب داخل المسرحية؛ حيث كشف عبر بطله يوسف أن تلك اللجنة التي انعقدت لاختيار أحد المذيعين لم تكن سوى لعبة تؤدَّى لصالح ثلاثة أو أربعة من الشباب الذين تم اختيارهم بالفعل، قبل أن تنعقد اللجنة. ثم قدمت المسرحية قضية تنازع البطل يوسف بين تيارين إسلامي ومسيحي، بين منذر وجماعته الإسلامية وبين جورج كامل. فقد ظهر في كلام يوسف / بطل المسرحية أن أمه مسيحية وأبوه مسلم، وظهر في حواره مع أمه كيف أن جده وافق على زواجها من شاب مسلم رغم أنهم أسرة مسيحية، وكيف أن الصليب كان موضوعًا في بيتهم بجوار آية الكرسي. وظل يوسف يعاني من شد الطرفين له كل في جهته، وكيف أن أمه التي مثلت نموذجًا للتسامح الديني حاولت وسعت إلى إنقاذه من هذا الصراع عبر صنع حالة من الاستقرار لابنها يوسف. وتعد نهاية المسرحية شاهدًا جليًا على تلك الفكرة التي أحاطت بها المسرحية نفسها؛ حيث تحاور الأمُّ يوسف قائلة: قال جدك لأمي: أليست هذه أم حسين التي ظللتِ بعد ذلك ترددين (شي لله يا أم حسين) كلما أهلت عليكِ، فترد عليك : (بركات العدرا أم النور) فتضحكان؟ توجهت الأم نحو يوسف (تتبعها بقعة الضوء) راحت تجذب الحبلين وتردد مرة: شي لله يا أم حسين، ومرة: بركاتك يا عدرا يام النور، ويوسف يجذب جسده مقاومًا الحبلين إلى أن أعيته المحاولة فانهار على أرض الغرفة، وسط نداءات أمه الباكية: شي لله يا أم حسين، بركاتك يا عدرا يام النور." المسرحية ص ص 40-41. هكذا، أضحت المسرحية معبرة - عبر كثير من مكوناتها التشكيلية والمضمونية - عن مجموعة من القضايا التي أبرزت موقف الكاتب ،كعضو من أبناء الجماعة الثقافية العربية، من هذه القضايا؛ وذلك من خلال عمله الإبداعي صورة يوسف. --------------- * مدرس المسرح بآداب القاهرة المقال المنشور في المشهد الأسبوعي المقال المنشور في المشهد الأسبوعي المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية