يدلي الناخبون الإسبان، اليوم الأحد، بأصواتهم في ما يبدو أنه أكثر انتخابات برلمانية انفتاحا في تاريخ البلاد الحديث يصعب التكهن بنتيجتها، في ظل تفتت غير مسبوق للأحزاب، ورفض تشكيل ائتلافات، فضلا عن مشكلات اقتصادية واجتماعية وقضايا فساد يواجهها الحزب الحاكم وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى صعوبة الفوز بالأغلبية سواء ل"حزب الشعب المحافظ"، الحاكم بزعامة رئيس الوزراء الحالي ماريانو راخوي، أو منافسه التاريخي، حزب "العمال الاشتراكي" الذي يمثل تيار يسار الوسط. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يفوز الحزبان الناشئان، "بوديموس" الذي ينتمي إلى أقصى اليسار، و"سيودادنوس" اليميني مباشرة بالانتخابات، بعد أن استعرضا عضلاتهما السياسية في المنافسة على مدى العامين الماضيين. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "متروسكوبيا" للاستطلاعات، نشر في صحيفة "الباييس" الوطنية في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر، أن أحزاب "الشعب المحافظ"، و"العمال الاشتراكي" و"سيودادنوس" ستتعادل بالحصول على 22% من الأصوات، مقابل 17% لصالح حزب "بوديموس". وفي وقت سابق هذا الأسبوع، توقع استطلاع آخر في صحيفة "الباييس"، فوز "الشعب المحافظ"، ب109 مقعدا، و"العمال الاشتراكي" ب90 مقعدا، و"بوديموس"، وشركائه الإقليميين ب60، و"سيودادنوس" ب60 مقعدا. وفي الوقت الراهن، يبدو هدف أي حزب، وهو الفوز بأغلبية 176 مقعدا في البرلمان من أصل 350 مقعدا، إنجازا مستبعدا على نحو متزايد، علاوة على أن اثنين من الأحزاب قد استبعدا بالفعل معظم تشكيلات التحالف المحتملة. خبير أوروبي: تفتت غير مسبوق لنظام الأحزاب وحول المشهد السياسي الإسباني، يقول أنطونيو باروسو، محلل شؤون منطقة اليورو في شركة أبحاث "تينيو" للاستخبارات، إن "هذا تفتت غير مسبوق تماما لنظام الأحزاب السياسية في إسبانيا". وأضاف في تصريحات لصحيفة "نيوزويك" أن "الحزبين الجديدين، بوديموس، وسيودادنوس نظما حملات انتخابية تعتمد على برنامج انتخابي لمكافحة الفساد، وهما يعرفان أنهما سيعاقبان من قبل الناخبين في الانتخابات المقبلة إذا ما شكلت تحالفا مؤقتا مع أي من حزبي الشعب المحافظ، والعمال الاشتراكي". أحزاب سياسية تستبعد أو ترفض تشكيل ائتلافات من جانبه، استبعد رئيس الوزراء ماريانو راخوي، أول من أمس الجمعة، أي تحالف محتمل بين حزبه و"الحزب الاشتراكي"، ورفض هذا النوع من الشراكة على غرار النموذج الألماني التي جعلت "الحزب الديمقراطي الاجتماعي"، يدعم الحزب "الديمقراطي المسيحي" بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل. وفي وقت سابق، رفض زعيم "سيودادنوس"، ألبرت ريفيرا أيضا أفكار الانضمام إلى التحالف مع أي من حزبي "الشعب المحافظ"، و"العمال الاشتراكي". وبينما حذر راخوي من احتمال تكوين تحالف بين حزب "العمال الاشتراكي" وحزب "بوديموس"، فقد سبق أن واجه الحزبان صعوبة في التوصل إلى اتفاق خلال الانتخابات البلدية في مايو الماضي، وربما لا يجدان الأمر أسهل هذه المرة. آثار الحرب على الفساد أيضا لا يمكن إغفال أن الأحزاب الرئيسية في البلاد، ما زالت تعاني من آثار حرب متجددة على الفساد، حيث بدأ القضاة الإسبان عام 2015 بتراكم قضايا فساد متورط فيها 2000 شخص؛ العديد من المتهمين من أعضاء حزبي "الشعب المحافظ"، و"العمال الاشتراكي"؛ علاوة على مزاعم حول تورط العائلة المالكة مع حزب "الشعب المحافظ"، في فضائح رشوة وتهرب ضريبي وغسيل أموال. تشكيل حكومة قوية سيكون صعبا توقع باروسو، محلل شؤون منطقة اليورو أن "تشكيل حكومة قوية سيكون صعبا،لأن حوافز تشكيل ائتلاف منخفضة للغاية"، وأشار إلى أن حكومات الأقلية تواجدت في إسبانيا في الماضي، ولكن الأوضاع كانت مختلفة آنذاك حيث يظهر حزب قومي واحد عادة كمنتصر واضح، ثم يتطلع لعقد صفقات مع أحزاب إقليمية "قومية"، مثل تلك التي تمثل إقاليم كاتالونيا والباسك. غير أنه في كاتالونيا، حذر زعيم الإقليم القائم بأعمال الرئيس أرتور ماس، المواطنين من التصويت لصالح أي من حزبي "الشعب المحافظ"، أو "سيودادنوس" حيث يعتبر أن ائتلاف بين الطرفين "ضد مصلحة كاتالونيا". الاقتصاد يشغل بال الناخبين وإلى جانب الفساد وكاتالونيا، فإن الاقتصاد أيضا يشغل بال الناخبين، وفقا لباروسو الذي يقول إن "تلك هي القضايا التي كانت تروج لها الأحزاب الأربعة الكبرى في حملاتها الانتخابية"، لافتا إلى أن "أن إسبانيا تجسد نجاح منطقة اليورو لتعافي السوق، ولكن الاستقرار لم يجلب إصلاحات تغير إسبانيا إلى اقتصاد المعرفة المكثفة (يرتكز على الاستثمار في الموارد البشرية) فمعدلات البطالة لا تزال مرتفعة".