استفزتنى جدا الصورة التى جمعت الرئيس السيسى ورئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزير الإسكان مصطفى مدبولى بعد الجولة المفاجئة للرئيس بالإسكندرية، حيث بدا وزير الإسكان فيها مطأطئ الرأس مصوبا عينه نحو الأرض وكأنه لايجرؤ النظر فى وجه الرئيس. ربما يعتبر البعض تلك الحالة التى بدا عليها الوزير نوعا من الاحترام والهيبة لمقام الرئيس وحتى لو سلمنا بذلك فبدا الاحترام مبالغا فيه وكأن حال الوزير أقرب لموظف صغير ينتابه الخوف فى حضرة رئيسه، ولم يكن حال رئيس الوزراء أفضل كثيرا وإن بدا أكثر تماسكا وأشجع فى النظر لوجه السيسى بينما تنطق ملامح وجهه كلها بالتركيز ممزوجا بقلق واضح كأنه يحفظ كل مايقوله خشية أن تفته كلمة أو إيماءة أو اقتراح أو توجيه، هذه الصورة التى نشرتها أكثر من صحيفة جعلتنى أتشكك كثيرا فى كفاءة الحكومة وقدرتها فى التعامل مع أى أزمة أو حتى امتلاكها لرؤية وتصور وبرنامج واضح تتبناه وتدافع عنه وتناقشه مع الرئيس، على العكس تماما بدا واضحا أن العلاقة بين الرئيس والحكومة تقوم على أساس "كله تمام يافندم" دون أن يكون لها القدرة على الأخذ والرد والاحتجاج والاعتراض والمناقشة أو حتى طرح وجهة نظر بديلة وحث الرئيس على إعادة النظر فيما يقوله أو يطرحه من أفكار أو حلول أو مقترحات، ليست الصورة بالطبع وحدها مادفعتنى لهذه القناعة لكنها جاءت فقط تأكيدا لمواقف كثيرة تشير جميعها على أن شعار "كله تمام يافندم" هو الحاكم لعلاقة الرئيس وحكومته، وللأسف هو شعار لايصلح لإدارة الأوطان. ربما هو أنسب لإدارة المؤسسة العسكرية، حيث الانضباط الصارم لتنفيذ أوامر الرتبة الأعلى، لكن تطبيقه لإدارة بلد معناه غياب الديمقراطية وتدشين لحكم ديكتاتورى وتمهيد لصناعة فرعون جديد، ماتغفله الحكومة وما يعتبره الرئيس "تعذيبا له" أن نجاح أى بلد لايتم بفرض رأى واحد مهما كانت وجاهته ولابرجل واحد مهما كانت براعته ولابفكر واحد مهما كانت حكمته وعقلانيته، فالمسئوليه تقع على الجميع والمشاركة يجب أن تكون من الجميع، بطرح الأفكار وعرض المشاكل ومناقشتها والأخذ والرد والجدل حتى نصل لأنسب الحلول، لكن للأسف يبدو أن خلفية الرئيس العسكرية تميل ل"كله تمام يافندم" ظهر ذلك واضحا فى تعامله مع تفريعة قناة السويس وإصراره على إنجازها فى عام واحد فقط بدلا من ثلاثة أعوام وهو ماضاعف من تكلفة المشروع، إضافة إلى عجزه فى تحقيق العائد منها، نظرا لتراجع حركة التجارة العالمية وهو ماحذر منه بعض السياسيون والاقتصاديون إلا أن أحدا للأسف لم يلتفت لتخوفاتهم التى أثببت الأيام صحتها، وبدلا من الاستفادة من الخطأ نفاجأ بتكراره بحذافيره فى مشروع المليون فدان، فبينما يتحمس له الرئيس وتروج له الحكومة تتعالى الأصوات المحذرة منه دون دراسة جدوى متكاملة لتققيمه له وكمية المياه الجوفية اللازمة ومدى تأثيرها على نصيب الأجيال القادمة منها وهل تتناسب تكلفته مع الفائدة المتوقعة، وماهى أنسب المحاصيل وكيفية تسويقها وإمكانية تصديرها وغيرها من الأمور التى يجب دراستها قبل الإقدام على هذا المشروع الضخم، لكن يبدو أن ضجيج الترويج له واستسهال الزفة قبل الهنا بسنة ينذر ليكون توشكى النهاية، يجب أن ندرك تماما أن كله تمام يافندم فقد صلاحيته بل أصبح أقرب للسلاح الفاسد، ورغم خطورته تصر الحكومة على التمسك به ويطنطن الإعلاميون للترويج له وهو مايصادف بالطبع هوى فى نفس الرئيس يتناسب مع جبل عليه طوال حياته العسكرية فيضيق سريعا من النقد ويعبتره "تعذيبا له" ويستمرئ الجميع الوضع فتغرق البلاد ويتشرد المواطنون وتصعق الأطفال وينتظر الجميع تحرك الرئيس لمواجهة الكارثة، ويأتى القرار بتخصيص مليار جنيه من صندوق تحيا مصر لمواجهة الأضرار التى تسببتها السيول فى الإسكندرية والبحيرة، نفس السيناريو تكرر فى واقعة القبض على رجل الأعمال صلاح دياب وتسريب صورته ويده مقيدة بالكلابش إمعانا فى إهانته ليأتى الرئيس ويطمئن ويعطى الإشارة لعدم تعرض أى رجل أعمال للإهانة. هكذا تواجه مصر الأزمات والكوارث غير عابئة بحجم الخسائر ولابأعداد الضحايا ولابعذاب المشردين ولابكرامة المتهمين فالمهم ألا يجرؤ أحد عن الخروج عن الشعار الأثير "كله تمام يافندم". المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية