تلقي حادثة إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية بوطأتها الشديدة على العلاقات بين روسياوتركيا، خاصة مع إعلان موسكو تعليق التعاون العسكري بين الجانبين، وإلغاء زيارة كانت مقررة، الأربعاء، لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لأنقرة إضافة لاتهام روسي لتركيا بدعم الإرهاب في الشرق الأوسط. وأفادت وكالة روسية في نبأ عاجل لها منذ قليل، بأن الطيار الروسي الناجي من الحادث، يقول إنه لم يكن هناك أي إنذار من تركيا قبل إسقاط الطائرة. فقد هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بأن هذه الحادثة ستترك عواقب وخيمة على العلاقات الروسية التركية واصفا إياها بالطعنة في الظهر. إلا أنه لم يفصح عن طبيعة تلك العواقب والتداعيات. وتأتي كل هذه التطورات في الوقت، الذي قررت وزارة الدفاع الروسية إرسال سفينة حربية قبال محافظة اللاذقية غرب سوريا، كما أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن بلاده ستنشر أنظمة الدفاع الصاروخي "أس أ400" في مطار حميميم العسكري في مدينة اللاذقية بسوريا. وربما يشي ذلك التصعيد باحتدام الصراع بين روسياوتركيا في الشمال السوري خاصة في المنطقة، التي تحاول تركيا اجتزاءها كمنطقة عازلة، وتعمل على تحقيق ذلك بذرائع وقوى محلية هناك. وقد يسهل ذلك على روسيا استهداف بؤر استراتيجية لتركيا في تلك المنطقة بما فيها الفصائل المسلحة، التي تدعمها تركيا، أو حتى يمكن أن يطال المقاتلات التركية التي تقوم بطلعات جوية في بلدة مارع شمال حلب. ومما لا شك فيه أن التدخل الروسي في الأزمة صد الطموحات التركية في سوريا خاصة في المنطقة الحدودية بين أعزاز وجرابلس، والتي تعد تركيا المستفيد الأكبر منها بتهريب النفط والغاز عند الشريط الحدودي التركي السوري. وعلى الجانب الاقتصادي، قال رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، إن إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية قد يؤدي إلى إلغاء مشروعات مشتركة بين موسكووأنقرة. واعتبر مديفيديف ان الشركات التركية قد تخسر حصتها في السوق الروسية على خلفية الحادثة الأخيرة. انتهاكات متكررة ولم تكن تلك المرة الأولى التي اتهمت تركياروسيا بانتهاك طيرانها المجال الجوي التركي. فقد أكدت أنقرة أن مقاتلات روسية دخلت الأجواء التركية في حادثتين منفصلتين خلال الشهر الماضي ، الأمر الذي تعاملت معه تركيا بدبلوماسية من خلال استدعاء سفير روسيا احتجاجا على دخول الطائرات الروسية مجالها الجوي في تلك الحادثتين. وفي أكتوبر أيضا أسقطت الدفاعات التركية أيضا في أكتوبر طائرة درون قيل إنها روسية انتهكت المجال الجوي لتركيا. إلا أن موسكو نفت أن تكون الطائرة تعود للجيش الروسي. ومع ذلك، وعلى الرغم من الخلافات بين الجانبين ، إلا أن موسكووأنقرة أبقتا - قدر الإمكان- على الحفاظ على دبلوماسية شبه هادئة وتجنب الحرب الكلامية من خلال فتح قنوات دبلوماسية على جميع المستويات من أجل تجنب تأزم العلاقات بين البلدين. فكل من أنقرةوموسكو تشاركان إلى جانب عدة دول من بينها الولاياتالمتحدة والسعودية والأردن في مباحثات فيينا لبحث سبل تضييق هوة الخلافات بشأن الأزمة في سوريا. إلا أن موسكو تعارض وبقوة منذ بدء الأزمة أي تدخل عسكري من قبل حلف الناتو في سوريا، حتى أنها أبقت على علاقاتها مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد خلال الأزمة من خلال بالوفاء بالاتفاقات العسكرية المبرمة بين البلدين، الأمر الذي أثار من حفيظة تركيا التي اتهمت موسكو بأنها السبب في إطالة أمد الصراع في سوريا. فالخلافات بين النهجين التركي والروسي على خط الأزمة السورية، تعكس بعد الصراع المزمن بين موسكو من جهة وحلف الناتو والغرب من جهة أخرى ممثلا بأنقرة، في ظل حالة عدم الاستقرارو الارتباك الهائل الذي تعيشه دول المنطقة برمتها. ورغم أن لدى أنقرةوموسكو خلافات متجذرة بحكم أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحليف للولايات المتحدة الأميركية، غير أن هناك مصالح جيوسياسية واقتصادية مشتركة بين الجانبين حيال قضايا عدة في المنطقة. فالجانبان تربطهما علاقات اقتصادية متينة فيما يتعلق بالتجارة الثنائية، إذ أن هناك اتفاقات بتوسيع حجم التجارة إلى 100 مليار دولار بعدما بلغ الزخم التجاري أكثر من 31 مليار دولار العام الماضي.