قتلى بلا ظهر يحميهم أو سفارة تؤويهم.. المصريون في الخارج
- من الحذاء للسيارة.. تعددت وسائل الإهانة والجثة "مصريًا"
- حقوقيون:الخارجية تتقاعس.. والوزارة: المصري قوتنا فى الخارج
- مواطنون: السفارات أهدرت قيمتنا
أنهي دراسته الجامعية، حالما بإيجاد فرصة عمل حقيقية في وطنه، كان حلمه الالتحاق بوظيفة تليق بشهادته الجامعية، لم يطمع في المزيد عن ذلك، ظل من هنا إلي هناك بحثًا عن عمل، وبعد معاناة دامت أكثر من خمسة أعوام، فقد الأمل، فعزم علي السفر للخارج، لتحقق أحلامه البسيطة في إيجاد "لقمة العيش"، وحياة مستقرة كريمة يعيشها، وعندما وجد الفرصة لم يتردد لحظة، وبدأ يقترض من هنا وهناك، حتي يوفر مستلزمات الرحيل، غادر متوقعًا حياة أفضل مما عاشها في مصر، ولكن دائمًا "تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن"، تحمل المتاعب والذل، والمعاملة السيئة أحيانًا من صاحب العمل مرة، والمواطنين مرة أخرى.
هذا هو حال المصريين العاملين في الخارج، كان متوقعًا أن يتحول الأمر وتنصلح أحوالهم عقب تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، مقاليد الحكم، و توطيد العلاقات مع كافة الدول العربية والغربية، إلا أن المصري في الخارج مازالت حياته مهددة وكرامته "مهدورة"، وكان آخر وقائع إهدار الكرامة حتى الآن، مقتل عاملٍ مصري في الكويت دهسًا بالسيارة من قبل مواطن الأسبوع الماضي، ولم تكن الواقعة الأولي من نوعها بل شهدت بعض الدول العديد من المهازل التي وقعت في حق المصريين.
من الحذاء إلي السيارة
وفق إحصائيات فقد تخطي عدد المصريين في الخارج، 8 ملايين مصري، وتعددت حالات الاعتداء بين الضرب والسحل والسب واخيرًا "الدهس" بالسيارة، ترصد "المشهد" أبرزها:
الأردن: تعرض خالد المصري، الذي يعمل بمطعم مأكولات بالأردن، للسحل والضرب بالحذاء، من قبل النائب الأردني زيد شوابكة و4 من أعوانه.
كما تعرض شابين مصريين للطعن، علي يد 5 أردنيين نتيجة خلاف.
عمان: في شهر أغسطس من العام الجاري، قتل الشاب عمرو "32 عامًا" والذي يعمل منذ عشر سنوات بأحد المقاهي في عمان، على يد شاب عراقي الجنسية.
السعودية: تعرض المواطن عبدالرحيم سيد عبدالعال 57 عاما، من محافظة أسيوط بمنطقة سحمان شمال المدينةالمنورة إلى إطلاق نار على أيدي مجموعة من الشباب السعودي، وهم جيران للمجني عليه، وتعرض المواطن لإصابات جسيمة في أنحاء متفرقة من جسده.
كذلك حادث اعتقال الشاب أحمد الجيزاوى، في السعودية، والذي علي أثره تفاقمت الاحتجاجات أمام السفارة السعودية بالجيزة لأشهر، للمطالبة بالإفراج عنه بتهمة حيازة مواد مخدرة.
لبنان: تعرض الشاب المصري "محمد مسلم" عام 2010، للقتل بطريق وحشية، والتمثيل بجثته، عن طريق هجوم المئات من سكان قرية "كترمايا" جنوب شرق العاصمة بيروت، على الشاب وقاموا بربط جثته بسيارة، ثم علقوه مصلوبًا علي عمود كهرباء في ساحة البلدة، بحضور رجال الشرطة الذين وقفوا عاجزين.
الكويت: اتهم مصري إلي الاعتداء من قبل الشرطة الكويتية إثر توجهه إلى قسم الشرطة للإبلاغ عن حادث مروري، في نوفمبر 2012.
فيما تعرض المواطن المصري أحمد عاطف فرغلي أول نوفمبر الجاري، بدهس مواطن كويتي بسياراته والمرور عليه عدة مرات توفي على إثرها في الحال كما قام بدهس ثلاثة مصريون آخرون تم نقلهم إلي مستشفى مبارك.
وفي نفس التوقيت، نجم حادث أخر بين المواطن المصري هارون عبدالعزيز محمد 50 عامًا، وشريكه الكويتي في العمل بسبب خلافات مالية فما كان من المواطن الكويتي إلى أن أطلق عليه الرصاص من مسدسه.
ليبيا: قتل عامل مصري بمحل ملابس، عندما رفض رد بضاعة لأحد العملاء الليبيين، حيث نشبت مشادة كلامية بينهما، تطورت إلى إطلاق الأخير النيران على الأول حتى أرداه قتيلا، وفي أعقاب الحادث، حاول بعض المصريين المقيمين في ليبيا التدخل لمطالبة رئيس القبيلة بحق القتيل، وما كان منه سوى الرد ب"المصري مالوش دية".
السودان: أقدمت الشرطة السودانية على الاعتداء على أربعة عمال مصريين في الخرطوم بالأسلاك الكهربائية.
فرنسا: تعرض المواطن المصري حسن الشاذلي، في 14ديسمبر 2011، للاعتداء الشديد على يد الشرطة الفرنسية في باريس.
بولندا: تعرض مواطن مصري لحادث اعتداء على يد اثنين بولنديين، في شهر أكتوبر 2012.
اليونان: في مايو 2012، قام 15 شخصًا من أنصار الحزب النازي "خريسي افجي" في أثنيا، بالاعتداء على مواطن مصري يُدعى طارق محمد سمير 40 عامًا وذلك بميدان "كيبرو".
ألمانيا: في عام 2009، شهدت مدينة دريسدن الألمانية، جريمة بشعة بعدما تلقت المصرية مروة الشربيني 18 طعنة في 3 دقائق على يد ألماني الجنسية، داخل محكمة المدينة، بعدما وصفها بالإرهابية؛ بسبب ارتدائها الحجاب.
بين الأفضل والأسوء
رغم المعاناة التى يشهدها المصريون في الخارج، فالبعض يري أن حياته أفضل بكثير من حياة بلا أمل في بلاده، بينما يري أخرون أن وفق المثل الشعبي المعروف على حد وصفهم، "من خرج من داره.. قل مقداره"، مؤكدين على أن حياتهم كلها ذل وإهانة وإهدار لحقوقهم، لكنهم يتحملوا ذلك من أجل "لقمة العيش".
وقد عرضت صفحة "الجالية المصرية في اليونان"، على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، صورًا لعامل مصري تعرض للتعذيب والضرب على يد رئيسه اليوناني صاحب المحل الذي يعمل به، مشيرة إلى أن عددًا من قيادات الجالية التقت بالعامل في حجزه بقسم شرطة "سلامينا" حيث أكد تعرضه لأبشع أنواع الضرب والتعذيب، مع ربطه في شجرة يومًا كاملًا، ولم تلق السفارة المصرية بالًا للحادثة.
فيما طالب أحد العاملين المصريين بالكويت، بضرورة تغيير السفير المصري هناك وطاقم السفارة وذلك لعدم وقوفهم بجانب المصريين في مشاكلهم وتقاعسهم عن أداء دورهم في حمايتهم.
وقال ل"المشهد"،: "مفيش حد مرخص المصريين إلا السفير والسفارة والله لو دا بنجالي من اللي بيغسلوا "التوليت" هنا في الكويت لكانت دوله الكويت اتقلبت رأسا علي عقب"، في إشارة للمصري الذى قتل في الكويت".
وأشار إلى أن السفارة متعنته مع المصريين في العديد من الأمور منها نقل الإقامة وغيرها وهو ما يجعل المصري بلا قيمة هناك وكل المطلوب هو الحصول على حقوقنا فقط.
يقول المحاسب، سامح الشامي، مصري مقيم في قطر، إن قانون البلد المستضيف وحقوق المغتربين يسري علي المصريين وغيرهم، موضحَا أن ما يفرق هو متابعة السفارة فقط، قائلا: "السفارة دورها محدود لا يوجد فيها مستشار قانوني". وأضاف الشامي، ل"المشهد"، أن قطر والإمارات أفضل دولتين في الخليج من حيث قوانين العمل ومعاملة المغترب من الحكومة والشعب، مشيرًا إلي أنه رغم الإساءات التي تعرضت لها قطر، إلا أنها لم تتخذ أى إجراءات ضد المصريين، قائلا: " بنتعامل زي أى جالية لينا قانون يتم اللجوء له حال حدوث مشاكل". أحد المصريين في هولندا، يؤكد أن المصريون لن يسطيعوا الحصول على حقوقهم بالكامل، موضحًا أن درجات التعامل تختلف من المواطن إلي المقيم، قائلا: "الدولة تعامل مواطنيها بدرجة “A” أما نحن نتعامل درجة ثالثة “C” .
الحقوق "مهدورة"
الدكتور إكرام بدر الدين، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يقول إن حماية المصريين في الخارج، يتطلب توفير كافة أشكال الدعم لهم، سواء كان قانونيا أو إنسانيا، وكذلك حمايتهم من مختلف أشكال التعسف الذي قد يتعرضون له مثل إهدار حقوقهم المالية وإساءة معاملاتهم أو عدم الالتزام بحقوقهم التعاقدية ، ويتحقق ذلك من خلال المؤسسات والأجهزة المصرية المعنية سواء في الداخل، والتي تتمثل في وزارة الخارجية، أو الخارج كالسفارات داخل دولة الإقامة.
بدر الدين، أوضح ل"المشهد"، أن بداية توفير حق المصري مادى ومعنوي، المادي يتمثل في بداية تعاقده من خلال مراجعة عقود العمل والتأكد من كفالة حقوق العمالة، والمعنوي بتوفير البعثات التمثيلية المصرية في الخارج كالسفارات والقنصليات ومكاتب التمثيل العمالي والتي يقع عليها الدور الأكبر في حماية العمالة المصرية في الخارج والدفاع عنها، لافتًا إلي أن عديد من الحالات يحتاج العامل المصري في الخارج إلى دعم قانوني للحصول على حقوقه ومستحقاته وهو ما قد لا يستطيع القيام به بمفرده.
فيما يقول أحد المستشارين الدوليين، والذى رفض ذكر اسمه، إن أبسط الحقوق للمصريين في الخارج "مهدورة" بسبب وزارة الخارجية المصرية، والتي دائمًا تهمش الأمور، فضلا عن عدم تطبيق القانون الدولي.
وأشار إلي أن أبسط الأشياء، هو حضور ممثل السفارة مع المتهم المصري في أى قضية، وفق قانون الأحوال في مصر، إلا أن ذلك لن يحدث في في الخارج مع المصريين، ولا حتي طبقا لأقل حق وعرف دولي تحت بند المعاملة بالمثل.
رد حقوقي
اتهم عدد من الحقوقيين، وزارة الخارجية، بالتقاعس، عن أداء مهامها فى متابعة أوضاع المصريين في الخارج، وكذلك السفارات التابعة لها في مختلف الدول العربية والأوروبية، مشيرين إلي أن الانتهاكات التي تحدث للمصريين لا تهتم بها الخارجية، منتقدين تواصل الاعتداءات على العمالة المصرية بالخارج، مؤكدين أنها نتيجة طبيعية لإهدار حق المواطن المصري ببلده.
أوضاع المصريين المتدنية في الخارج سببها عدم اهتمام وزارة الخارجية بمتابعة شؤون رعاياها في الخارج، هكذا علق الحقوقي علي سليمان، مؤكدّا على أن الخارجية تكتفي بمذكرة احتجاج، ولا تتابع سير التحقيقات مع الجاني، وبالتالي يسقط حق المصري المُعتدى عليه.
وأكد على أن القانون المصري والأعراف الدولية ألزمت الدول المستضيفة بتوفير سبل الحماية للمواطن الأجنبي، كما نرى الحال في حالة تعرض أي مواطن لدولة أوروبية للاعتداء في دولة أخرى، نجد أن دولة المعتدي عليه تتابع التحقيق مع الدولة الأخرى حتى الوصول لحق مواطنها.
من جانبه يؤكد الأديب ياسر عبد الحافظ، أن العامل المصري "مطحون" في الدول العربية وعلى رأسهم الكويت، ومغلوب على أمره بسبب "لقمة العيش"، مشيرًا إلي أن المصريين عندما يواجهون أى مشاكل في الكويت ويتم محاكمتهم دون تدخل السفارة، قائلًا: "السفارة والبعثة الدبلوماسية، مهمتها تقديم التبريكات في المناسبات الوطنية وإقامة نشاطات اجتماعية وثقافية غير مهمة سوى للقلة".
تبرير دبلوماسي
يري دبلوماسيون أن الحل الأمثل للحد من الانتهاكات التي يتعرض لها المصريون فى الخارج، وضع ضوابط لتطبيق عقوبات على كل من يتعدى على المصريين، وشن هجوم إعلامى؛ للتنديد بحقوق المصريين فى الخارج، والتكاتف الشعبي من قبل المصريين مع إخوانهم فى الخارج.
ومع ذلك الانتقادات التي واجهت الدبلوماسية المصرية، قررت نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، التوجه إلي دولة الكويت الأسبوع الجاري، لبحث أخر المستجدات بشأن المصري الذى توفي على يد الكويتي الأسبوع الماضي. أكدت وزيرة الهجرة، أن حقوق المصريين في الخارج يتم النظر إليها قبل علاقة مصر بأي دولة، على اعتبار أن المصريين بالخارج هم قوة مصر خارجيًا، مشيرة: "أقول لأي مصري في الخارج مصر وراك، ولما شوفت فيديو دهس العامل المصري دمي فار".
وبررت مكرم، قولها بأن الحوادث الفردية لا تحدث للمصريين فقط وإنما تحدث لكل الجاليات من الجنسيات المختلفة، وطالبت المصريين في الخارج بضرورة تقنين أوضاعهم، مع ضبط النفس وعدم الاندفاع، مضيفة: "نحن نتعامل مع حكومات وحق المواطن قبل كل شيء". وأضافت مكرم:"عندنا فى مصر مابنعزيش غير لما ناخد حق المواطن" ولا أحد يستطيع انكار دور الدولة المصرية فى متابعة القضية. ووفق قولها فقد فتحت مكرم، قنوات اتصال مع المصريين في الخارج، وأنها بدأتها بزيارة المصريين في أستراليا. كذلك أرسلت القنصلية المصرية أحد كبار المحامين المصريين لحضور التحقيقات مع المحتجزين قيد التحقيق في الكويت على خلفية دهس المواطن المصري، لحين توكيل مكتب محاماة كويتي متخصص لمتابعة سير القضية إن استلزم الأمر.
من جانبه أكد السفير محمد المنيسي، مساعد وزير الخارجية السابق والمشرف العام علي الهيئة العامة لرعاية المصريين بالخارج، أنه لا يمكن للسفارة المصرية أن تمنع الانتهاكات والاعتداءات ضد المصريين، ولكن يمكن وضع ضوابط وعقوبات رادعة، لمنع كل من يفكر فى إهانة المصريين، قائلا: أكبر رد تقوم به الحكومة لرد اعتبار المصريين، الذين يتعرضون للاعتداءات في الخارج، هو محاسبتهم قانونيا كما يحدث الآن، في محاكمة الكويتي الذى دهس المواطن المصري.
ويبقي المصري في الخارج "ضحية" الغربة، التي فرضتها عليه بلده، حتي يغادر حالمًا بمستقبل أفضل، ليعود جثة هامدة، لا ظهر يحميهم ولا سفارة تآويهم.