بحبر الروح مرحباً أيتها الدموع ...!! ليست دعوة للبكاء أو استجلاباً للأحزن، وإنما استهلال اِفترشته ترحيباً بتلك الراحة الربانية التى اَودعها الله فى غيث الأَعيُن ، عندما تغتسل معها الأوجاع ، فتتطهر النفس وتعود أجواؤها صحوة نقية كأوراق الشجر اللامعة الزاهية بعد سقوط الأمطار عليها . لا يعلم قيمة هذه الحالة سوى مَن حُرِم منها بعد أن كان يجد فيها ترياقاً للحظاته الأكثر وعورة بالحياه ... حتماً تجتاحنا لحظات بإمكانها سحب كل أرصدة دموعنا حيث تتضاءل بعدها الأشياء، فلم يَعُد يجد الدمع سبيلاً له عبر المآقى ... وكأن شيئاً ما يموت ، فمهما توالت أسواط الوجع تبقى بداخلنا منطقة صماء لا تتأوه .. حينها تعتذر أعيننا عن ذرفها الدموع ، قائلة على استحياء ( لم يعد هناك ما يستحق ... لا تعبثوا بمملكتى وتستحضروا وصيفاتى .. فتلك الصغائر لا تليق بأمطارى ) . وبعد فترة من جليد العيون يُثقَل القلب بما يَحمِل.. والروح بما تتكَبد ...والنفس بما تَشقى .. وإذا به يتحد ذلك الثالوث فى مناورة نفسية خاصة راجياً متوسلاً إنهمار ذلك الدمع الأنيق الذى يُسَكِن حدة الأوجاع ويُهدِىء صخب الهموم التى تتبارز فى تعنت بساحة الذات المجهدة . قد يعتبر البعض الدموع بمثابة توثيق للحظات الضعف، بل وهناك من يقاومها أو يستعصِي عليها كى لا يترك نفسه هزيلة، مستسلمة ووحيدة خلال ذلك المشهد الباكى الذى يبدو فيه الانسان بأكثر لحظات ضعفه ولكنه على العكس تماماً.. مَن لا يبكى لا يتحرر من عبودية الآلام، فتظل أحماله عالقة بين لحظاته كذرات بخار الماء الثقيلة المتطفلة على الهواء، فيبدو لَزِجاً، يصيبك بضيق التنفس !! عذراً ... لا أحتفى بالدمع ، بل أقدره كمظهر طبيعى من مظاهر الصحة النفسية . وقتما فقدنا تلك المنحة الطبيعية، علينا أن نحذر تلك التراكمات الحبيسة خلف الملامح الصامتة.. حقيقى أن هناك العديد من مظاهر التنفيس عن الأوجاع والأحزان، لكن تبقى الدموع هى الأسرع سبيلاً والأكثر تسكيناً، حيث نشعر بعدها كما لو كنا قد مزقنا الصفحة كاملة دون أعباء السير بها فوق الكهول المُثقَلة . لا تتعالِى أو تتكبر على مُداواه ذاتك لذاتك، ولا تُنظر لها بسطحية قد تندم عليها كثيراُ عندما تلفظك تلك المنحة التلقائية ... ليس مطلوباً منك عقد جلسة بكائية لإفراغ ما بنفسك ، بل لا تتنكر لحالة لا تَعقِد معك موعداً مسبقاً ، بل تَحِل بك كالصديق الذى أتى فقط لمساعدتك والتخفيف عنك.. رجاء لا توصد الأبواب فى وجه ضيف حساس ، رقيق .. ربما لم يعد يدق أبوابك مجدداً إذا ما استعليت عليه . لذا أقول.. مرحباً أيتها الدموع ! انتظرتكِ كثيراً ولم تأتِ، ولكن عندما تصالحنا مجدداً أقسمت آلا تهجرينى مجدداً، فالانسان بلا دموع ، تمثال لا يتألم ولا يتداوى، فكونى يا دموعى دوماً الصديق الأقرب الذى يعرف متى يأتى ومتى يرحل.. كونى وسادتى المخلصة وأرجوحتى التى استرخى عليها وقتما أختل عرشى فلا هى تُفلتنى أرضاً ولا هى تُعلقنى سماءً ... سأنتظركِ دوماً وقتما أشتدت حاجتى إليكِ يا أوفى الأصدقاء . المشهد لاسقف للحرية المشهد لاسقف للحرية