إيقاع مختلف فضيلة أم رمادية؟!! وَتَبقَى قَامَةُ الأَشجَارِ دَومَا وَلا تَعنُو لِفعلِ الرِّيحِ يَومَا تُحَلِّقُ فِى فَضَاءِ اللهِ حُرَّةْ وَتَسكُبُ فِى عُقُولِ النَّاسِ فِكْرَةْ وَتمحُو مِن قُلُوبِ النَّاسِ وَهْمَا وَتَبقَى قَامَةُ الأَشجَارِ َتَبقَى تُحَلِّقُ حُرَّةً فِى الجَوِّ تَرقَى تُعَلِّمُنَا صُمُودَ الشَّامِخِينْ وَتُلْهِمُنَا شُمُوخَ الصَّامِدِينْ وَتُعْلِى حِينمَا تَختَالُ حَقَّا وَتَبقَى قَامَةُ الأَشجَارِ عُليَا وَتُبْدِعُ مِنْ ثَبَاتِ الرُّوحِ دُنيَا لَهَا فِى الأَرضِ جِذرٌ مستَطيلٌ وفى الآفَاقُِ حُلمٌ مُستَحيلٌ لَهَا يَأتِى إِذَا نَادْتهُ : "هَيَّا" كلما امتد جذرك فى الأرض ازداد فرعك شموخاً صوب السماء، حقيقة تعلمنا إياها الطبيعة كل يوم، إلى حد أن بعض الأشجار تعتبر الآرض مرآة لها فطولها الذى فوق الأرض مساوٍ تماما لطول جذرها الضارب فى أعماق التربة، وكلما ازداد هذا هبوطاً ورسوخاً وتعمقاً، ازداد ذاك علواً وسموقاً وارتفاعاً. هذا ما تعلمنا إياه الطبيعة، أما التجربة الإنسانية، الضاربة فى أعماق التاريخ، والمتجددة تجدد الحياة الإنسانية، فإنها تطرح على عقلى سؤالاً أتمنى لو أجبنا عنه معاً: متى يكون الموقف الوسطى فضيلة إيجابية؟ ومتى يصبح انسحاباً سلبياً. إذا كان اليونانيون صاغوا ذلك المعنى العميق "الفضيلة وسط بين رذيلتين"، وجاء العرب بعدهم فزادوا المعنى عمقاً وتأكيداً، فالشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والكرم وسط بين البخل والسفه، و.... ، و.... إلخ ، أقول إذا كانت الفلسفات أكدت على فضيلة الوسط الذى لا يتطرف يميناً ولا يساراً، ولا يرى بعين واحدة ما يحبه وينحاز إليه، ويغلق العين الأخرى عن رؤية ما ينحاز ضده ولا يحب أن يراه، فهل كل وسط هو هذا ؟ وهل كل وسطية هى تلك؟ أم أن هناك الوسط الرمادى الذى يختبىء وراءه صاحبه عجزاً عن اتخاذ موقف، وهروباً من الانحياز إلى الحق، أو الجهر بالحقيقية، وانسحاباً من تحمل تبعات الموقف الذى يتبناه؟ متى تكون الوسطية فضيلة إيجابية بالغة الشجاعة؟ ومتى يكون الموقف الوسطى رذيلة سلبية بادية الجبن؟ متى تكون الوسطية رؤية ثاقبة بالعينين معاً، وتقديراً دقيقاً بالعقل والقلب معاً؟ ومتى يكون الوسط إغلاقاً للعينين عن أن تريا، وحجباً للعقل والقلب معاً عن أن يقدرا الأمر حق قدره؟ متى يكون الوسطى بالغ العدالة ساطع الإيجابية؟ ومتى يكون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؟ أسئلة تطرحها علينا الخبرة الإنسانية الطويلة، والمواقف الإنسانية المتجددة، ولا أظن أنه يكفى أن نجيب عنها بالكلمات، وأننا بحاجة دائمة لأن نمتحن ذواتنا بالمواقف لا بالأقوال. المشهد لاسقف للحرية المشهد لاسقف للحرية