مثل اعلان تركيا تفعيل الاتفاقية الاستراتيجية مع قطر، من خلال إنشاء قاعدة استراتيجية لها على الأراضي التركية، صبيحة إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي جاءت مخيبة لطموحات الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية"، ما يكشف عن اهتزاز موقف الرئيس وحزبه مقابل البرلمان المزمع اعلانه، والذي تكتسب في المعارضة عدد من المقاعد يفوق عدد مقاعد حزب اردوغان، وما سيتبعه من معوقات لتحقيق المشروع الاردوغاني. وقعت الاتفاقية ديسمبر الماضي تكليلا للمصالح المشتركة بين البلدين سواء على الصعيد الاقتصادي او العسكري الأمني، ولقد أعلن ساعة توقيع الاتفاقية أنها جاءت ل"تعزز التعاون الثنائي بين البلدين على أعلى مستوى، خاصة في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية والاستثمارية، إضافة لمجالات الطاقة والأمن والعلوم والتكنولوجيا". وبحسب مصادر قطرية قإن التعاون الإستراتيجي بين البلدين سيشمل"قطاعات الصناعة والزراعة والقطاع المصرفي والمالي وقطاعات الإعلام والسياحة"، ورغم أن حكومة العدالة والتنمية قد قامت بتوقيع اتفاقيات مشابهة مع عدد من دول المنطقة مثل العراق، إلا أن التقارب القطري التركي يُنظر إليه بشكل مختلف. ومن جهتها فقطروتركيا تتبنيان موقفًا مشتركًا حيال العديد من قضايا المنطقة، فالجانب القطري كان يتفق مع أنقرة بشأن إزاحة جماعة الأخوان عن الحكم في مصر، صيف 2013، وتتفق رؤى البلدان حول الموقف من حركة حماس التي يعتبرانها "المقاومة الفلسطينية"،وتعتبر المصالح الاقتصادية الداعم الرئيسي لتلك الرؤى، ففي يناير 2013 نشر معهد ستراتفور تقريرا جاء فيه أن إن العامل أو الرابط الأكثر وضوحًا في التقارب القطري التركي هو الطاقة؛ فتركيا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الغاز الروسي، في حين أن إيران كمورد للغاز، لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير، خاصة مع تنامي استهلاك الطاقة الأمر الذي يكبل تركيا بروسيا ويدفعها للفكاك من القبضة الروسية من خلال تنويع امدادات الطاقة لها. وعلى صعيد السياسة الخارجية فإن لكل من قطروتركيا طموحات كبيرة، فتركيا اردوغان كانت تسعى لاستعادة نفوذها أيام الدولة العثمانية البائدة، بينما تسعى قطر لتعزيز وجودها بين العمالقة على حدودها، إيران والسعودية، الأمر الذي يعززه التمدد التركي والقطري في أفريقيا والبلقان، والذي استحوذ على معظم المناقشات بين قطروتركيا قبيل توقيع الاتفاقية الاستراتيجية المشتركة. وحققت تركيا بالفعل موطئ قدم في العديد من الدول الأفريقية، ويعتبرون أن دول البلقان هي الامتداد الطبيعي لبلادهم، بحسب تاريخ الدولة العثمانية، وكذلك قطر نجحت في اختراق افريقيا عبر المساعدات والمشاريع الاستثمارية. وبتفعيل الاتفاق الاستراتيجي بإعلان تركيا صبيحة خسارة "العدالة والتنمية" الحزب الحاكم في تركيا لأغلبيته المطلقة في البرلمان، أنها ستقيم قاعدة عسكرية كبيرة على الأراضي القطرية في اطار تفعيل الاتفاقية وبهدف محاربة الإرهاب، وتسعى تركيا من قاعدتها على الأراضي القطرية من تحجيم الدور الإيراني المتسع من العراق وسوريا الجارتين الحدوديتين مع تركيا وحتى اليمن الواقعة على رأس باب المندب ومدخل البحر الأحمر وسواحله الأفريقية، فتركيا في حاجة لمد نفوذها اقليميا، وتريد قطر أن تستفيد من وجود قوة إقليمية كبيرة مثل تركيا كحليف إستراتيجي طويل الأمد، أما الأتراك فإنهم سيستفيدون من وجود شريك عربي في المنطقة يضخ الودائع بالدولار ولا يجد غضاضة في دعم التمدد التركي، ولديه ذراع إعلامي شديد القوة وله إسهام كبير في تشكيل تصورات العرب عن السياسة وعن العالم. وتأتي خطوة تركيا أردوغان صبيحة اعلان النتيجة التي جاءت على غير هوى الرئيس التركي وحزبه الحاكم ليصنع لنفسه، وبعيدا عن تركيا التي لايزال مصير تشكيل حكومتها مجهولا، مقرا في الخليج العربي لاستمرار مشروعه الذي جاءت عليه الانتخابات الاخيرة، ويبقى على الأيام القليلة القادمة أن تكشف عن شكل وحجم تلك القاعدة وردود الأفعال حولها، في صراع النفوذ والسيطرة الدائر منذ مطلع الألفية الجارية، والذي ازداد اشتعالا منذ 2011 مع الربيع العربي.