رواية «قبعة الوطن» للروائي المصري زكريا عبدالجواد تعد من الأعمال الروائية العربية القليلة التي تناولت وبذكاء الحالة الاستبدادية التي تمر بها بعض بلدان المنطقة العربية، حيث تقدم الرواية الأنظمة العسكرية كنموذج للاستبداد من خلال قطر بعينه أراد المؤلف التعبير عنه وترك لفطنة القارئ مهمة التعرف علي هذا القطر. علي الرغم من الصورة الساخرة التي تقدمها الرواية إلا أنها تقترب من الواقع فنري المؤلف قد قدم في الفصل الأول مدخلا متميزا خلق من خلاله نوعًا من الجو النفسي الذي عمل علي ادخال القارئ إلي عالم الرواية إلي تلك الدولة الاستبدادية، حيث تختفي إرادة المواطنين ويغيب عنهم أي تفكير مستقل، فيصبحون في حالة توحد مع الاستبداد، كذلك نعيش مع صورة الحاكم المستبد «الطاغية» الزعيم المهيب قائد الوطن ووالد الشعب ملجم الأنفاس، وحاصي أعدادها، عارف النوايا حتي من قبل أن تمر في الاذهان - حسب وصف المؤلف - كذلك يقدم لنا المؤلف صورة لوسائل الإعلام الغارقة في مدح الزعيم والتملق له ولزوجته «أم الوطن»، كما اسماها المؤلف، تتعدد في الرواية الأسماء ذات الدلالات الوصفية للحاكم «الزعيم، المهيب، أبوالوطن.. الباتر.. الخ» مع الغياب التام للاسم العلم، مما يعطي للقارئ صورة دقيقة لطبيعة هذا الرجل «الحاكم». قضايا أخري ورغم أن الاستبداد والطغيان هما التيمة الرئيسية للعمل إلا أن الرواية لم تغفل عن القضايا الأخري، فحملت بين سطورها إسقاطات لأزمات ومشكلات يمر بها العالم العربي أجمع كالفرقة والتقسيم داخل الوطن الواحد والتدخل الأجنبي والخيانة والنفاق وغيرها. ما قدمته الرواية من صورة للمجتمعات العربية تعد رؤية شبه مغلقة تري أنه لا فكاك من هذا الاستبداد سوي بمزيد من الانقسامات والتبعية والولاء للقوي الأجنبية التي هي في الأساس عدو الوطن! نلاحظ أيضا ما قدمته الرواية من دراما مأساوية حيث تتوالي الأحداث التراجيدية التي تقود البلاد إلي التفكك والضياع والسقوط في بئر العبودية، والذي يسبب اعتلال أجساد الشعب بالأمراض المختلفة وحتي ذلك الطاغية الذي ينتهي بنهاية لا تقل مأساوية عن شعبه فتحول إلي «جثة مكومة، يعلوها التراب، تتوسد مكتبا ضخما، لم يجدوا صعوبة في التعرف علي صاحبها.. جسد متهالك ووجه ممصوص كان يطلق عليه يوما، والد الشعب.. وحامي الحمي»! وهكذا يثبت لنا المؤلف أن نهاية كل من الخانع والديكتاتور واحدة وهي العقاب الرباني، فذلك الشعب المستسلم الخاضع للعبودية لا يستحق سوي الاعتلال بأمراض تقعده مادام رضي لنفسه القعود من قبل، وذلك الطاغية الذي رأي نفسه وزوجته كظل الله في الأرض ولم يسمح لشعبه حتي بأن يحلم مجرد الحلم بأنهم خرجوا عن طوعه «يسير بين أشجار تتمايل اغصانها لتحيته وعصافير استفاقت للتو علي وقع خطواته فانتفضت من رقدتها لتغرد»!. الرواية الصادرة عن «الدار العربية للعلوم» في بيروت تشتبك بحدة مع الواقع السياسي العربي، حين تقدم رؤية تغيب عنها المركزية في تحديد مسئولية الاستبداد كما يتضح للقارئ أنه يعود إلي الشعب والحاكم دون ترتيب، وعلي أن هذه الثنائية اللامركزية تتجاهل دور العامل الخارجي في الاستبداد. فالحاكم هنا أو «أبوالوطن» بطل الرواية شخصية نرجسية مريضة يتلون كالحرباء منذ أن كان طالبا حتي صار ضابطا نظاميا، ليتمكن من الإعداد لانقلاب بسهولة إلا أنه ورغم قدومه إلي البلاد علي ظهر دبابة إلا أن الناس استبشرت به خيرا، لأنه فور وصوله لكرسي الحكم اتخذ قرارات دفعت الناس للإعجاب به، من بينها قرارا إزالة الصور التي كان يرفعها هؤلاء المتملقين علي أبواب المؤسسات وفي قلب الميادين، كا ألغي لقب فخامة التي يسبق لقب الرئيس، لكن ذلك التكتيك والذي أخضع الشعب له لم يكن سوي غطاء لرغبته الدفينة في الاستيلاء علي البلاد وتوريثها لأبنائه وأحفاده، لكن امرأته عاقرًا ولم تفلح كل الطرق لعلاجها، إلا أنها تنجب بنتا غير مكتملة النمو فيقرر «أبوالوطن» أن يتزوج بأخريات لينجب من يرث عرشه، أسفرت هذه الزيجات عن أولاد ذكور، إضافة إلي البنت التي انجبتها «أم الوطن» بعد أن دخلت حضانة حتي يتم نموها وهي الفكرة التي ألهمت أبوالوطن فكرة أخري وهي إدخال شعبه المستكين إلي حضانة الوطن حتي يتم نموه ويصل إلي مرحلة النضج. بدأ العمل علي قدم وساق لإنشاء هذه الحضانة وتحول الوطن لورشة ضخمة لبناء هذا الجدار الذي يلتف حول الوطن من جميع الجهات! حتي تحولت البلاد ومن عليها إلي رهينة بات علي الجميع أداء الأدوار المرسومة، ارتفعت الحضانة في شكل جدار اسطواني، وتمادي «أبوالوطن» في حلمه في أن تغلق الدولة عليه وشعبه فصنع غطاء للحضانة عبارة عن «قبعة».. القبعة التي عزلت الوطن وجعلته مرتعًا لكل الأمراض وللظلام الحالك وتردي الأحوال الاقتصادية.. وهكذا قاد - ويقود دائما - الاستبداد إلي تفكيك الوطن وضياع المواطنين وانزواء المستبدين!.