هل كان سيد قطب الراعي الرسمي للمكفراتية أم كان رجلاً فاسقاً يطعن في الصحابة أم كان من دعاة الدولة المدنية؟ فكره التكفيري أدي إلي زيادة حجم الممنوع من الكلام فيه اليوم.. كما أرسي مبدءا مهما للإخوان المسلمين وهو التعالي علي أبناء مجتمعهم بإيمانهم المجتمع المصري اليوم يدفع ثمن صدق سيد قطب مع نفسه نعم اكتشف نجيب محفوظ ولكن جاء أحد اتباعه ليطعنه في رقبته عمرو علي بركات يعاد حالياً طرح إعادة محاكمة"سيد قطب"(1906 1966م)، من منطلق رؤية جديدة مؤداها إعادة الاعتبار له، فهو كان يؤمن بالدولة المدنية، وأن تطرفه الفكري لم يكن يتجاوز تطرف الشعراء والأطفال! ولا يعتبر سبب انتشار الفكر المكفراتي بين جماعات العنف الإسلامية، ورأي د."الطاهر مكي" انه لم يكن متطرفاً ولا رجعياً، ولا متخلفاً، ولا جامداً، وكان صادقاً مع نفسه ومع ما يؤمن به، ورأي"أحمد درويش" انه كان ناقداً أدبياً من أكبر النقاد في عصره، أما"صافي ناز كاظم" فرأته موسوعي المعرفة، وان من يصف كتاباته بأنها دعوة إلي العنف والانعزال لم يفهموه، بينما قرأت د."آمنة نصير" كتابه في ظلال القرآن" من منطلق انه موسوعة دينية صالحة لكل زمان ومكان، وقرأ د."مبروك عطية" نفس الكتاب من منطلق انه صاحب رؤية أدبية في تفسير القرآن، وعلي الجانب الآخر تم تكفير"سيد قطب" نفسه ممن يدعون"أهل السنة والجماعة" لأنه في كتابه" العدالة الاجتماعية" طعن في الصحابي الجليل"عثمان بن عفان"، بل اعتبروه مات كافراً حسب رواية إعدامه والتي ورد فيها انه قيد نفسه بحبل المشنقة، فاعتبروه مات منتحراً. فقه الاختلاف حول الرجل هناك إذن ثلاثة اتجاهات لتناول فكر"سيد قطب"، فهو الراعي الفكري للمكفراتية، ورجل فاسق طعن في الصحابة، والجديد انه كان رجلاً من دعاة الدولة المدنية، ويستند أصحاب هذا الرأي لما قاله قبل إعدامه في كتابه"لماذا أعدموني؟":"إن الاعتقال مجرد اعتقال ينتهي بمحاكمة عادلة وعقوبات قانونية حتي علي أساس القوانين الوضعية المعمول بها، لما فكر أحد في رد الاعتداء بالقوة"، فاعتبر"وائل السمري" معد الملف الخاص في جريدة "اليوم السابع" بتاريخ 13 ابريل 2010م، أن هذا القول دليل علي اعترافه بالدولة المدنية، وجعل منظر جماعة الإخوان المسلمين، والرجل المسؤل عن جماعات العنف الاسلامي يدعو، ويعترف بقبول القوانين الوضعيه، وهذا الطرح يؤكد علي أن ثقافتنا العربية التي تعيش علي قداسة النصوص وتأويلها، نقلت القداسة إلي الأشخاص، وأصبح فقه تقييمهم من منطلق تأويلي هو الآخر، ولما كان التأويل عملية تتوقف علي المتلقي، وخصوصيته الثقافية، فقد بات فقه الاختلاف حول الرجال أصحاب الفكر هو عينه فقه الاختلاف في تأويل النصوص، تغيب عنه الموضوعية، والمعايير المرجعية، فهل يتصور أن"فرج فودة" كان أصولياً ولكنه قتل لأنهم أساءوا تأويله كعلماني، وان "كارل ماركس" كان رأسمالياً، ولكن شعبه فهمه علي انه شيوعي، وان "سيد قطب" كان ليبرالياً ولكننا فهمنا علي سبيل الخطأ انه مكفراتي، لأنه وافق قبل إعدامه علي القوانين الوضعية؟ فأين هو من مفكر مثل "سقراط" الذي رفض أن ينفذ خطة الهرب التي أعدها تلامذته، ورضي ليحتكم إلي قوانين أثينا، عن الهروب، لأنه بهروبه يكون قد تخلي عن مبادئه، ولم يجد ما يقوله لمن سيهرب إليهم عن فشله مع أبناء بلده، إن الذي قاله"قطب" هو نوع من خذلانه لنفسه، أكثر مما يعد كشفاً لحقيقة فكره، هذا الموقف ينم عن أن مبادئه التي كان يدفع ثمنها أتباعه من أبناء الوطن في السجون، وقتلي، لم يكن مقتنعاً بها هو شخصياً، بل كان مضللاً لشباب بلده، ولنفسه، فقبوله للقوانين الوضعية ليحاكم بها معادل لقبول "سقراط" للهروب، وقبول سيدنا"محمد" صلي الله عليه وسلم للملك لترك دعوته. المسكوت عنه ليعلم الجميع أن كل ما يقوله مثقفو مصر التنويريين اليوم هو مجرد أقوال في الهامش، بعيدة عن المتن، فقد أدي فكر "قطب" التكفيري إلي زيادة حجم الممنوع من الكلام فيه اليوم، في حين أن السلطة الحاكمة فتحت الأبواب علي مصراعيها، إلا أن المتن الذي يؤدي إلي النهضة والحرية مازال خاوياً علي سطوره، وان هوامشنا باتت مثقلة بما لا يثمن ولا ينفع الناس، والسبب في ذلك ليس لرقابة الدولة، وإنما لرقابة المكفراتية، وفلولهم الباقية، ومناهجهم التفكيرية، التكفيرية، ف"قطب" هو الذي أرسي مبدءاً مهماً للإخوان المسلمين في جاهلية المجتمع، وتكفير من لا ينتمون إليهم، بسبب أنهم مؤمنون، فعلمهم"قطب" أن يستعلوا علي أبناء مجتمعهم بإيمانهم، وفي نفس الوقت لا يملكون البديل الذي يقدموه لهذا المجتمع الذي رفضوه، ف"قطب" يعلن في كتابه"معالم علي الطريق" المعالم التي لا يرضاها، ولكنه لم يعلن عن الطريق الذي يبحث عنه! فجاءت عبارته تهويمية، كضباب فوق سحاب"إن النظام الاسلامي ليس هو الرق، وليس هو الإقطاع، وليس هو الشيوعية، إن النظام الاسلامي هو فقط النظام الاسلامي"، هنا يكشف لمن يحاولون تبرئته عن أنيابه، فهو يرفض كل الأشكال المطروحة في المجتمع، ويدعي انه يملك بديلاً دون أن يحدد شكله، فكيف يكون قبوله للحكم عليه بالقوانين الوضعية يعني انه من أنصار الدولة المدنية؟ محنة الرجل إذا كان يعاد النظر ل"سيد قطب" من منطلق فكره الناتج عن رؤية الحياة بمنظار أسود، من خلال فترة اعتقاله سنة1965م، والتي تمثل ثالث محنه، فقد التقي خلال هذه الفترة داخل سجن طرة بتلميذه البار"شكري مصطفي"، ليعلن بعدها"شكري" جماعة المسلمين، والتي اعتمد في أهدافها علي رؤية"سيد قطب" في أن المجتمع كله جاهل، وكافر، ويصدر"شكري" وثيقته"التوسمات" التي اعتبر فيها كل منجزات المدنية الحديثة متاعاً كافراً لا يجوز استخدامه، وإقامة دولة إسلامية يقوم علي تدمير الكافرين، وتوريث المؤمنين الأرض من بعدهم، هل لو كان قابل"شكري مصطفي" في السجن رجلاً تنويرياً يؤمن بالدولة المدنية، كانت أفكاره جاءت علي هذا النحو؟ وأطلق علي نفسه "أمير آخر الزمان"؟ وحتي بعد موت"قطب" تعيد الجماعات استثمار فكره علي نفس المنهج التكفيري للمجتمع، فيصدر"محمد عبد السلام فرج" في العام 1979م كتابه" الفريضة الغائبة"، وكأنه الجزء الثاني لكتاب"معالم علي الطريق"، فيعلن الحرب علي الطواغيت بقوة السيف، ويأتي "ميثاق العمل الاسلامي" الصادر عن جماعة الجهاد، ليعلن"عمر عبد الرحمن" أمير الجماعة فيه عن عودته لمنهج"سيد قطب" الذي يرفض فيه المداهنة، ويتم تكفير الحاكم، والجماهير، وهو منهج"قطب" الذي سئم فيه من السياسة التي تتبعها جماعة الإخوان المسلمين، من اجل التقية، لحين تجميع مصادر القوة، والاستيلاء علي السلطة السياسية، فتندفع جماعة الجهاد نحو أحداث المنصة، والتي يعاني الشعب من نتائجها إلي يومنا هذا. صادق مع نفسه! أما ما يراه د."الطاهر مكي" من أن"سيد قطب" كان صادقاً مع نفسه، ومع ما يؤمن به، وطريقته إلي هذه الدعوة بالكلمة ومصارعة الفكرة بالفكرة، فإن المجتمع المصري اليوم يدفع ثمن صدق هذا الرجل مع نفسه، وان كان موضوع صدقه مع نفسه هذا قد راجعناه في نقطة موافقته علي القانون الوضعي ليطبق عليه، ولكن ليس كل من صدق مع نفسه كان يعني ذلك انه صائباً، فكل المجرمين، من قتلة، ولصوص يتمتعون بأقصي درجات صدقهم مع أنفسهم، أثناء ارتكابهم لجرائمهم، ويؤمنون بأن سلوكهم الإجرامي من أرقي المسلكيات الواجبة الاتباع، وان كان"قطب" هو الذي اكتشف "نجيب محفوظ" وقيمة أدبه، فهو اكتشفه لكي يحصل علي جائزة نوبل في الأدب، ويأتي احد أتباع المُكتشف ليطعنه في رقبته بعد ذلك، كما انه كان يصارع الفكر بالفكر فهذا غير ثابت في حق"قطب" الذي رفض الآخر بكليته فكيف يحاوره؟، فهو كان يسحق الفكر الآخر بفكره الاستعلائي، أما كونه علي حد قول"أحمد درويش" كان أكبر ناقد أدبي في عصره، فإن هذا الرأي يكشف لنا عن موهبته الخاصة في تمرير الأفكار عبر محمول أدبي، يسهل توصيله، فهو مدرك لقيمة اللغة ووسائلها في التواصل الدلالي للأفكار، فتعد الفترة التي كان فيها ناقداً أدبياً هي فترة الاستعداد البياني لتمرير أفكاره التكفيرية بصياغة تأويلية تحقق أهدافها دون أن تكون مرتبطة بشخصه، فهو كان يعي تجربة"حسن البنا" ولم يكن يريد أن يكررها، وخاصة أن رؤساء دول توسطت لدي "جمال عبد الناصر" للإفراج عنه، وقد استجاب إلي هذه الوساطة، ولذا كان"قطب" يخشي من مؤامرة لاغتياله، فتعلق بأهداب الأدب، والتأليف ليستر فكره، أما ما تراه"صافي ناز كاظم" من أن من يصف كتاباته بأنها تدعوا إلي العنف، والانعزال لم يفهموه، فهي توجه خطابها إلي المعتدلين، ولكن ما بالها بالذين قرأوا كتابات"قطب" واتخذوا منها دعوة إلي العنف؟ إن المؤلف متي إنتهي من تأليف كتابه أصبح ملكاً للقراء، يفهموه كيفما شاءوا، دون أدني لوم عليهم، فالقراءة المتطرفة تتم بمشاركة القارئ، للمؤلف في عملية التواصل، ف"صافي ناز كاظم" تفترض قارئاً مثالياً يفتقده كل المؤلفين، ولكن لم توضح د."آمنة نصير" أين عثرت علي الموسوعة الدينية الصالحة لكل زمان ومكان في كتابه"في ظلال القرآن"؟ فهل سحبت ما للنص من قداسة علي تفسير"قطب" وجعلته موسوعة دينية ومنحته ما يمنح من قول الصلاحية لكل زمان ومكان الخاص بالنص القرآني ذاته؟ هنا نكون كما سبق القول مستمرين في عملية سحب القداسة علي الهوامش، وعلي الأشخاص علي نحو يحول دون فتح باب الحوار، ويزيد من مساحة المسكوت عنه، فقد ألجمتنا د."آمنة" عن نقد"الظلال"، وتظهر المفارقة في نفس النقطة، حيث يصف د."مبرك عطية" رؤية"قطب" في "الظلال" من منطلق أنها رؤية أدبية، وهنا بيان عملي علي دور التأويل، ف"آمنة" رأته رجل دين، بينما رآه"مبروك أديباً، ولكنه فتح علي نفسه بهذا مواجهة من يرفضون تفسير الأدباء للقرآن الكريم، فكيف سيرد عليهم؟ إن "سيد قطب" من أعظم الأيديولوجيين المنظرين لجماعة الإخوان المسلمين، قسم المجتمع إلي فئتين: فئة نظام الإسلام، وفئة النظام الجاهلي، واعتبر الحكومة من فئة الجاهلية، واعتمدت عليه في فكرها كل جماعات العنف، والإرهاب، وان إعادة محاكمته سوف لا تسفر عن تبرئته، وإنما عن إضافة حيثيات اتهام جديدة له، كما أنها تفتح الباب لإعادة قراءة قائمة من المفكرين مثل المشايخ: "محمد الغزالي"(1917 1996م)، و"محمد عبده"(1849 1905م)، و"رشيد رضا"(1865 1935م).