قبل أيام من الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية العامة في السودان والمقرر عقدها يوم الأحد المقبل والتي تعد الانتخابات التعددية الأولي في البلاد منذ عام 1986، تزايدت حدة الأزمات السياسية والخلافات بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وبين شريكه في الحكم الحركة الشعبية لتحرير السودان وأحزاب المعارضة. يذكر أن الانتخابات الراهنة تنافس فيها منذ بدء الحملة الانتخابية أكثر من أربعة آلاف مرشح يمثلون 66 حزباً بالإضافة إلي 12 مرشحاً رئاسياً منهم الرئيس الحالي عمر البشير وزعيم حزب الأمة القومي رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي والقيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان ياسر عرمان وعبد الله دينق نيال عن حزب المؤتمر الشعبي ومبارك الفاضل عن حزب الأمة جناح الإصلاح والتجديد وعبد العزيز خالد عن التحالف الوطني ومحمد إبراهيم نقد عن الحزب الشيوعي وحاتم السر عن الحزب الاتحادي الديمقراطي والدكتور كامل إدريس الرئيس السابق للهيئة الدولية للملكية الفكرية كمرشح مستقل ومحمود أحمد جحا كمستقل. ورفضت اللجنة طلبات ثلاثة مرشحين آخرين هم فاطمة عبد المحمود عن تحالف قوي الشعب العاملة وهي أول إمرأة تتقدم للترشيح الرئاسي في تاريخ السودان ومنير شيخ الدين كمرشح مستقل وعبد الله علي إبراهيم كمرشح مستقل أيضاً. مطالبات بالتأجيل وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان وأحزاب المعارضة قد طالبت بتأجيل إجراء الانتخابات حتي نوفمبر القادم حتي تتمكن البلاد من التصدي للأزمات التي تواجهها من ناحية، وللتمكن من التعامل مع الانتخابات بحيادية ونزاهة من ناحية أخري خاصة بعد تصعيد المعارضة لاتهاماتها للمفوضية القومية للانتخابات بالتزوير وعدم الشفافية لمصلحة مرشح الحزب الحاكم الرئيس السوداني حسن عمر البشير. وكانت هيئات دولية قد طالبت أيضاً بتأجيل الانتخابات لعدم توفر المناخ الملائم من النزاهة والشفافية ومنها مؤسسة كارتر لمراقبة الانتخابات ومنظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية. كما تقدم أكثر من 21 حزباً معارضاً بمذكرة تضمنت مآخذ علي خطة عمل المفوضية القومية للانتخابات فيما يتعلق بالتسجيل لا سيما في الجنوب، وبترسيم الدوائر، وتسجيل الجيش، والعديد من التجاوزات الأخري. وطالبت هذه الأحزاب المفوضية بتقديم الردود علي هذه الاتهامات وهددتها بالانسحاب من الانتخابات إن لم تتلق الردود المقنعة. وفي نفس السياق، أمهل 11 مرشحاً رئاسياً يشكلون تحالفاً عرف باسم تضامن مرشحي الرئاسة مفوضية الانتخابات مهلة 72 ساعة للرد علي مذكرة رفعوها يطالبون فيها بالتحقيق في إجراءت المفوضية وفي ذمتها الإدارية والمالية. ومن جهته، انتقد الرئيس البشير مطالبة الحركة الشعبية لتحرير السودان بتأجيل الانتخابات وتهديدها بمقاطعتها، وحذر من أن عدم المشاركة سيقابل بعدم إجراء الاستفتاء المقرر عقده في يناير من العام المقبل. ووصف البشير الحركة بعدم الالتزام ببنود اتفاق السلام بين الجنوب والشمال الذي وقعته الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية في عام 2005. مفاجأة عرمان وتلت هذه الاتهامات مفاجأة كبري وهي إعلان الحركة الشعبية لتحرير السودان سحب مرشحها الرئاسي ياسر عرمان من السباق الانتخابي الرئاسي وكذلك سحب جميع مرشحيها في ولايات دارفور. وقال ممثل الحركة الشعبية السودانية في لبنان دينق ملوال "إن الشعب السوداني ومنذ توقيع اتفاقية نيفاشا كان علي موعد مع اجراء انتخابات وحصول تغيير سلمي في البلاد، لكنه فوجئ باجراءات المؤتمر الوطني ومحاولاته للبقاء في السلطة". وحذر ملوال الرئيس البشير بفقدان المصداقية داخلياً وخارجياً إذا استمرت الحكومة في اجراء انتخابات بصورة منفردة. وبعد يوم واحد من هذا الانسحاب، أعلنت أربعة أحزاب رئيسية في المعارضة السودانية هي حزب الأمة (مرشحه الصادق المهدي) والحزب الشيوعي (مرشحه إبراهيم نقد) حزب الامة للاصلاح (مرشحه مبارك الفاضل) وحزب الاتحادي الديمقراطي (مرشحه حاتم السر) مقاطعتها الانتخابات الرئاسية والتشريعية متهمة الحكومة السودانية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم بارتكاب خروقات وبالتزوير في الإعداد لهذه الانتخابات. وأدت هذه المفاجأة إلي تغيير المناخ التنافسي في الانتخابات الرئاسية بحيث انسحب بذلك أقوي منافسي الرئيس البشير ليتبقي في السباق حزب المؤتمر الشعبي المعارض الذي يتزعمه الشيخ حسن الترابي وحزب التحالف الوطني الديمقراطي برئاسة المرشح العميد المتقاعد عبد العزيز خالد وذلك بالإضافة إلي خمسة مستقلين فقط ومرشحي بعض الأحزاب الصغيرة. وأدت مفاجأة انسحاب مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان والمنافس الأقوي للرئيس عمر البشير إلي تعدد الآراء حول مغزي هذا الانسحاب وأسبابه. وبينما رأي البعض أن الانسحاب جاء كنتيجة لتعرض الحركة لضغوط خارجية قوية تهدف إلي تقسيم السودان، وصفه البعض الآخر بأنه تخلي الحركة عن حلفائها وقيامها بتفويت فرصة لحدوث انفراجة سياسية حقيقية في البلاد. وذهب الرأي الأول إلي الاعتقاد بأن هناك علاقة مباشرة بين زيارة المبعوث الأمريكي إلي السودان سكوت جريشن وبين تخلي الحركة عن حلفائها لاعطاء حزب المؤتمر الوطني الفرصة للانفراد بالشمال في حين تتمكن الحركة من الانفراد بالجنوب. وكان المبعوث الأمريكي قد صرح أن الولاياتالمتحدة تأمل أن تؤدي الانتخابات المقبلة إلي "طلاق مدني وليست حرب أهلية" مؤكداً علي استعداد بلاده مساندة جنوب السودان إذا حصل علي الاستقلال لضمان الانتقال السلمي ومن ذلك النظر إلي قضايا عديدة منها المواطنة وترسيم الحدود وتوزيع الثروة النفطية التي يتركز معظمها في الجنوب وتحمل الديون الخارجية التي تصل إلي 25 مليار دولار، وأضاف جريشن "إنه وضع يفوز فيه الجميع ذلك الذي نحاول الوصول إليه". انتقادات للحركة الشعبية من ناحية أخري، انتقد المؤتمر الشعبي السوداني قرار الحركة الشعبية بمقاطعة الانتخابات بسبب ما اعتبرته الوضع الأمني المتردي في دارفور. واعتبر حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي أن قرار الحركة الشعبية يمثل خروجاً علي تفاهمات المعارضة في تجمع أحزاب جوبا.وقال الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي في جنوب دارفور عبد الرحمن عبد الله "هذا القرار لم يكن في توقيته الزمني المناسب، ويخالف العهود والمواثيق والالتزامات المترتبة علي أطراف العملية السياسية". وانتقد البعض قيام زعيم الحركة الشعبية سيلفا كير بترشيح نفسه لمنصب رئيس حكومة جنوب السودان وترك عرمان لترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة لمنافسة البشير علي اعتبار أن ذلك يؤكد النزعة الانفصالية للحركة واستباق استراتيجي للسيطرة علي السودان بشماله وجنوبه في حال انفصاله بعد استفتاء 2011 . وانتقد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة المعارض، ترشيح عرمان للرئاسة قائلاً "إنه لا يمكن للحركة الشعبية أن تحكم الجنوب والشمال معاً وأن يكون حاكم السودان مرؤوسا لرئيس الجنوب"، واعتبر المهدي أن رئاسة ياسر عرمان ستكون نذيرا لعصيان مدني في شمال البلاد. وتعليقاً علي قرار أحزاب المعارضة الأربعة بمقاطعة الانتخابات، دعت كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا والنرويج، إلي إجراء الانتخابات السودانية المقررة في أبريل الجاري في موعدها، مطالبة بتوفير المناخ الملائم لذلك. ووصف وزراء الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون والبريطاني ديفيد ميليباند والنرويجي يوناس ستور الانتخابات التي ستجري في السودان بأنها ترسيخ لاتفاق السلام الشامل الذي أنهي 22 عاماً من الحرب الأهلية في السودان، كما أنها فرصة حقيقية لشعب السودان من أجل المشاركة في العملية السياسية علي الرغم من أي عيوب قد تشوب العملية الانتخابية. تفتيت المعارضة ويعد قرار الحركة الشعبية لتحرير السودان بسحب مرشحها من الانتخابات الرئاسية بمثابة ضربة لأحزاب تحالف جوبا وأحدث انشقاق في آرائها تجاه الانتخابات بحيث قام القرار بتفتيت فرص تحالف المعارضة وترك السباق الرئاسي لصالح الرئيس السوداني. وعلي صعيد آخر، أكدت حركة العدل والمساواة المناهضة للحكومة السودانية رفضها إجراء الانتخابات السودانية في موعدها، كما رفضت وضع جدول زمني للمفاوضات التي يجريها وفدها في الدوحة مع وفد الحكومة السودانية. وقال الناطق باسم الحركة، أحمد حسين آدم، إن الحركة تشترط ضرورة تحقيق الأمن والسلام في إقليم دارفور قبل الانتخابات. كما دعا رئيس ال خليل إبراهيم اليوم الحكومة السودانية إلي تأجيل الانتخابات التي وصفها بأنها "مجرد مسرحية لترسيخ حكومة الرئيس البشير الفاشلة". الوضع الراهن في العملية الانتخابية في السودان يشير إلي تأزم جديد ليس فقط بسبب التشكيك في نزاهة الانتخابات ولكن بسبب ضعف المعارضة السياسية وتباين مواقفها بالإضافة إلي تغير موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي بدت وكأنها تعمل منذ الآن لترسيخ الانفصال أكثر من كونها تعمل لاعادة بناء سودان موحد وديمقراطي.