سعر جرام الذهب يتراجع 110 جنيهات.. كم بلغت خسائر المعدن الأصفر في شهر؟    حماس: إذا أقدم الاحتلال على الحرب في رفح سندافع عن شعبنا    القاهرة الإخبارية: تعرض رجل أعمال كندي يقيم بالبلاد لحادث إطلاق نار في الإسكندرية    عزت إبراهيم: تصفية الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عملية مخطط لها    مفيد شهاب: ما قامت به إسرائيل يخالف اتفاقية السلام وتهديد غير مباشر باستخدام القوة    عودة الروح للملاعب.. شوبير معلقًا على زيادة أعداد الجماهير بالمباريات    عاجل.. أول رد من صالح جمعة على إيقافه 6 أشهر    مكاسب الأهلي من الفوز على الاتحاد السكندري في الدوري المصري    حالة الطقس الأيام المقبلة.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية على القاهرة وسيناء    ياسمين عبدالعزيز ل«صاحبة السعادة»: لا أفرق في الحب بين أبنائي    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 8 مايو.. «هدايا للثور والحب في طريق السرطان»    حسن الرداد: لو حد ضايقني هضايقه ومش هنام مظلوم    تليجراف: سحب لقاح أسترازينيكا لطرح منتجات محدثة تستهدف السلالات الجديدة    البيضاء تعود للارتفاع.. أسعار الدواجن والبيض اليوم 8 مايو 2024 بالبورصة والأسواق    نائب رئيس المصري: مش هنفرط في بالمشاركة الإفريقية    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    بالمفتاح المصطنع.. محاكمة تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات    تسلا تنهار.. انخفاض مبيعات سياراتها بنسبة 30% في إبريل    نشرة التوك شو| تغيير نظام قطع الكهرباء.. وتفاصيل قانون التصالح على مخالفات البناء الجديد    واشنطن: القوات المسلحة المصرية محترفة ومسئولة ونثق في تعاملها مع الموقف    إسعاد يونس تقرر عرض فيلم زهايمر ل الزعيم في السينمات المصرية... اعرف السبب    موعد عيد الأضحى 2024.. وإجازة 9 أيام للموظفين    الأردن وأمريكا تبحثان جهود وقف النار بغزة والهجوم الإسرائيلي على رفح    ياسمين عبد العزيز: محنة المرض التي تعرضت لها جعلتني أتقرب لله    شاهد.. ياسمين عبدالعزيز وإسعاد يونس تأكلان «فسيخ وبصل أخضر وحلة محشي»    ندوة "تحديات سوق العمل" تكشف عن انخفاض معدل البطالة منذ عام 2017    ماذا يحدث لجسمك عند تناول الجمبرى؟.. فوائد مذهلة    5 فئات محظورة من تناول البامية رغم فوائدها.. هل انت منهم؟    متحدث الزمالك: هناك مفاجآت كارثية في ملف بوطيب.. ولا يمكننا الصمت على الأخطاء التحكيمية المتكررة    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    «العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    قبل مواجهة الزمالك.. نهضة بركان يهزم التطواني بثلاثية في الدوري المغربي    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    معجبة بتفاصيله.. سلمى الشماع تشيد بمسلسل "الحشاشين"    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    عزت إبراهيم: الجماعات اليهودية وسعت نفوذها قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    ضمن مشروعات حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح وحدتى طب الاسرة بالقبيبة والكوم الأحمر بفرشوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمد بن عبدالعزيز الحمد العيسي يترجم مقالا لشاعرة أمريكية كبيرة
نشر في القاهرة يوم 30 - 03 - 2010

مارغريت راندال: من السذاجة أن نصدق مقولة «الشعر يغير العالم»
اعتبرتها الولايات المتحدة مناهضة للحكومة في الثمانيات ومنعت من دخول أمريكا وسحبت منها الجنسية
تقول في مقالتها إن القصائد المؤثرة هي من تهرب من السجون وتنتقل من يد إلي يد ومن جيل إلي جيل
سر عظمة الشعر هو قدرته علي اختزال الأفكار والمشاعر إلي الحد الأدني من التعبير
بدأت في كتابة الشعر عام 1961 في بلد لا يزال يخرج ببطء من الحقبة المكارثية المرعبة
[email protected]
تعريف بالشاعرة مارغريت راندال: مواطنة أمريكية من مواليد عام 1936 في نيويورك. عاشت وتنقلت لأسباب عائلية وسياسية لفترات مختلفة في إسبانيا، المكسيك، كوبا، نيكاراغاوا، فيتنام الشمالية، وبيرو. أسست مجلة أدبية طليعية في الستينات بعنوان «إيل كورونو إمبلومادو» (تعليق المترجم: هذا هو اسم المجلة بالإسبانية ويعني بالعربية «القرن المريش»، والمقصود هنا قرن آلة موسيقي الجاز من الولايات المتحدة والريش يعود إلي قبائل المكسيك، والاسم ككل يرمز لاستلهام تلك المجلة لأهمية الحضارتين). انتمت راندال للحركة التعبيرية التجريدية في نيويورك في خمسينات وستينات القرن العشرين. لديها أربعة أطفال وعشرة أحفاد. وهي شاعرة، ومؤرخة، ومناضلة نسوية، وكاتبة، ومصورة فوتوغرافية، وناشطة اجتماعية أمريكية بارزة. قرأت راندال المقال التالي أثناء «مهرجان ستير» السنوي للشعر في مدينة ألبوكركي في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية في سبتمبر 2009. وكان ذلك المهرجان قد نظمته الشاعرة ليزا جيل من ألبوكركي وذلك تكريما واحتفاء لذكري مقاله مهمة كتبها الشاعر الأمريكي دانا جويا عام 1991 تحمل نفس عنوان مقال راندال.
وخلال الحقبة الريغانية المحافظة في الثمانينيات، وبعد عودتها في عام 1984 من رحلة طويلة في نيكاراغوا، منعت من دخول الولايات المتحدة لصدور قرار من «إدارة الهجرة والجنسية» الأمريكية بسحب جنسية راندال وترحيلها ومنعها من دخول وطنها الولايات المتحدة لأن بعض آرائها الواردة في كتبها اعتبرت مناهضة لمصلحة الولايات المتحدة وكان ذلك القرار يستند ويستدعي قانون متشدد للجنسية الأمريكية صدر عام 1952 خلال الحقبة «المكارثية» المرعبة في الولايات المتحدة باسم قانون «ماكاران-والتر» للهجرة والجنسية. وبحسب بحثنا في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا)، تسببت قوانين الهجرة والإقامة التي تبنتها «إدارة الهجرة والجنسية» الأمريكية تحت مظلة الحقبة «المكارثية» السوداء في الولايات المتحدة التي بدأت في أواخر الأربعينات واستمرت حتي نهاية الخمسينات من القرن المنصرم في تكوين «قائمة سوداء» ضخمة بأسماء الممنوعين من دخول أمريكا ونتج عنها منع أكثر من 40,000 شخص معظمهم كتاب من جميع أنحاء العالم من دخول الولايات المتحدة بسبب معارضتهم العلنية لسياسات الولايات المتحدة في كتاباتهم، وضمت تلك القائمة الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا، والروائي الإنجليزي العظيم غراهام غرين، والروائي الكولومبي المذهل غابرييل غارسيا ماركيز الفائز بجائزة نوبل للأدب، وغيرهم كثير. وبعد صدور قرار سحب جنسيتها وترحيلها من وطنها، وجدت راندال مناصرة ممتازة من «مركز الحقوق الدستورية الأمريكي» وخاضا معا معارك قضائية شرسة لمدة خمس سنوات ضد «إدارة الهجرة والجنسية» الأمريكية تخللتها تحقيقات واستجوابات مرعبة من محققة «إدارة الهجرة والجنسية» مبنية علي أكاذيب وشائعات مختلقة لتخويف راندال (مثل: هل صحيح أنك دخلت بار يرتاده الشيوعيون في سان فرانسيسكو؟ وهل صحيح أنك تعرفين نادلة تعمل في بار يرتاده الشواذ في سان فرانسيسكو؟). كما تطرقت الأسئلة إلي أخص خصوصيات راندال وعاداتها الشخصية والحميمة داخل منزلها وسئلت أسئلة مفصلة واستفزازية عن كل شيء في حياتها وكيف تعرفت علي زوجها ومتي عاشرها لأول مرة، وشملت الأسئلة أسماء الجرائد التي تفضل قراءتها خارج أمريكا مثلا!! وغيرها من الأسئلة التي لا علاقة لها بكتاباتها. وأخيرا في عام 1989، صدر حكم قضائي نهائي بإلغاء قرار «إدارة الهجرة والجنسية»، واستعادت راندال جنسيتها، وألغي قرار طردها من الولايات المتحدة. ثم حصلت راندال عام 1990 علي جائزة ومنحة مالية مهمة من مؤسسة «ليليان هلمان وداشيل هامت» الحقوقية الأمريكية للكُتاب المضطهدين سياسيا وفي 2004 حصلت علي جائزة منظمة «بن» PEN الدولية للكتابة.
أنتج عنها مؤخرا فيلم وثائقي مهم مدته ساعة في أمريكا بعنوان «الحياة الشجاعة وغير الإعتذارية لمارغريت راندال». مارست راندال التدريس الأكاديمي في مجال الأدب والكتابة الإبداعية للشعر لعقد من الزمن في عدد من الجامعات الأمريكية حتي تقاعدت نهائيا وتفرغت للكتابة 1994.
وأصدرت حتي الآن أكثر من ثمانين كتابا أهمها: «الصخور تشهد»، «لنغير العالم: حياتي في كوبا» و«وظهورهم إلي البحر». وهذا المقال الذي تقرأونه سينشر في كتاب «الضحكة الأولي» الذي سيصدر قريبا من مطبعة «جامعة نبراسكا»، وهناك ديوان شعري قادم بعنوان «بلدي» سوف يصدر من دار «وينغس برس» في عام 2010. ونشر هذا المقال في مجلة «الأدب العالمي اليوم»World Literature Today في العدد الأخير (مارس/أبريل 2010).
ونلفت نظر القراء أن راندال تحدثت في المقال بتكرار عن أهمية وتأثير ما اسمته ب «التقاليد الشفوية» Oral Traditions علي الشعر وهو المصطلح الذي تفسره «الموسوعة العربية» علي النت بأنه «الفولكلور أو التراث والأدب الشعبي». والكلمات التي بين (قوسين) للمترجم.
هل يستطيع الشعر أن يغيرنا ويغير العالم؟
كل الشعراء وقراء الشعر يطرحون السؤال التالي باستمرار: «هل يستطيع الشعر أن يغيرنا ويغير العالم؟» وقد يطرح نفس السؤال بطرق أخري، ولكن هدف ذلك التساؤل لا يتغير!!
بالطبع، يحق لنا أن نسأل: هل يستطع الشعر أن يكون مهما علي نطاق عالمي شامل، وهل لديه القدرة علي تغيير أو حتي التأثير علي طريقة تفكيرنا أو إحساسنا، أو ما نعتقده، أو كيف نتصرف، أو حتي ما نريده لأنفسنا والآخرين؟ وهل يمكنه أن يكسب قلب الحبيب؟ وأن يحفظ أطفالي بسلام؟ ومؤخرا: هل يمكنه عكس تغير المناخ؟ أو إطعام الجائعين؟ أو يساند بفعالية العدالة أو يرفع الظلم؟، أو ينهي الحروب؟ والأهم للغاية : هل يستطيع الشعر أن يحقق السلام الدائم بين الشعوب؟
السؤال ليس سطحيا ليكون حول ما إذا كانت قصيدة مفردة أو مجموعة من القصائد كانت بالفعل مهمة للناس علي مر التاريخ. بالطبع، لقد كانت القصيدة وكان الشعر مهمين ومؤثرين بقوة.
هناك أمثلة متنوعة وأكثر من قدرتنا علي الإحصاء لهؤلاء الشعراء المهمين المؤثرين: سافو، باشو، نجوين دو، مولانا جلال الدين الرومي، سيزار فاييخو، بابلو نيرودا، ناظم حكمت، ريلكه، «هو شي منه»، والت ويتمان، ألن غينسبرغ، أدريان ريتش، جون جوردان، والشاعرة جوي هارجو!! هؤلاء فقط نماذج من هؤلاء الشعراء المؤثرين الذين لا تزال أعمالهم قادرة علي التأثير وتغيير الحياة لمن يقرأهم بوعي وتدبر.
ولكن السؤال الذي يراودنا نحن محبي الشعر يبقي دائما هو: هل لايزال الشعر مهما ومؤثرا؟ ونقصد تحديدا: العملية، والمنتج، والنوع؟ وإذا كان الجواب نعم، فكيف؟
قد نطرح أسئلة أكثر حميمية عن الشعر، ربما أقل طموحا، ولكنها ذات مغزي واضح ومفيد لمجتمعنا البشري. علي سبيل المثال : هل يمكن للشعر أن يغذي الأمل وينعش الحلم؟ وهل يمكنه أن يجعلنا ندرك ما يدور حولنا؟ وأن نُعلم الغير؟ وأن يريحنا في أوقات الحزن والنقاهة ويساعدنا علي النسيان؟ والأهم أن يعمل كمصدر إلهام؟ ثم ما هي مسئولية الشعر بخصوص اللغة؟ هل يمكنه كشف أسرارها؟ ويحل المشاكل؟ هل يمكنه أن يصدمنا لنصحو من غيبوبتنا ونحس بواقعنا ونبدأ العمل الإيجابي، ويساعدنا علي التفاوض أو الإقناع؟ ثم ماذا عن «التقاليد الشفوية» (الفولكلور أو التراث والأدب الشعبي)، والمحادثة اليومية، واللكنة، النبرة، واللون، والمخاطرة؟ كيف يمكنها إثراء الثقافة؟ والمساعدة في كتابة التاريخ، واسترداد أو المحافظة علي الذاكرة، والأهم تقديم رسالة تصدر منها رؤية ومنظور لنتقدم إلي الأمام؟ وبأية طرق يستطيع الشعر كشف واستبدال الأكاذيب التي توارثناها عمن سبقنا في كتب التاريخ التي يسطرها دائما المنتصرون، وفي كتب السير الذاتية، وفي المقالات، وحتي في الصحافة الجادة؟
الشعر كان مهما لصديقتي العزيزة كاري هيرز لدرجة ربما كانت غير معقولة بشريا. فقبل بضعة أيام من وفاتها بسبب «سرطان المبيض»، تعالت وتسامت كاري علي آلامها، وأرسلت إلينا رسالة إلكترونية «وداعية» نحن أصدقاؤها، وختمت رسالتها بقصيدة للشاعرة ماري أوليفر قائلة إنها «هدية وداعها» قبل الموت المحتم. لقد كانت قصيدة «غابة المياه السوداء» (بلاك ووتر وودز)، وقرأت أنا يومها بعض الأبيات التي لا تزال تهزني حتي اللحظة:
انظروا، الأشجار
تتحول
أجسادهن نفسها
إلي أعمدة
للنور،
كل شيء...
تعلمته في حياتي علي الإطلاق...
يقودني مجددا إلي هذا:
الحرائق...
ونهر الخسارة الأسود...
الذين يقع في جانبهم الاخر:
«الخلاص»...
والذي لن يعرف أحد ...
علي الاطلاق معناه!!
تلك الهدية سمحت لنا نحن أصدقاؤها وصديقاتها بالتنفس العميق عندما استلمناها وقرأناها، ورفعت قدرنا كشعراء عندما قرأها الكاهن ونحن أمام قبر كاري بعد دفنها. تلك القصيدة لا تزال تذكرنا بصديقتنا الحبيبة، وحساسيتها الرقيقة، وحبها للتصوير الفوتوغرافي الجاد، والمقاومة الشرسة للمرض، والوداع الكريم اللائق لها بعد موتها. ولكن تلك القصيدة الوداعية تفعل أكثر من ذلك بكثير، لأن الدروس التي تحتويها تتحرك علي مستويات عديدة. أستطيع أن أتذكر حالات كثيرة مماثلة عندما تقوم قصيدة معينة أو مجموعة من القصائد ب «تخفيف حزني»، و«غمري بالشجاعة»، وإرسال «وميض» بصورة غير متوقعة لشخص، أو ببساطة تطرح فكرة أو تهيج مشاعر كما لا يمكن مطلقا لأي شيء آخر في الكون فعله.
القصائد المؤثرة يتم تهريبها من السجون، ويتشارك الجنود في قراءتها في ساحات القتال تحت قصف النيران، وتنتقل من يد إلي يد، ومن جيل الي جيل، وتخدش علي الجدران، وتكتب في دفاتر اليوميات، وتخربش حتي في دفاتر «وصفات تحضير الطبخات» في مطابخ ربات البيوت، وتوزع علي زوايا الشوارع، وتحمل من شاطئ إلي شاطئ عبر البلدان بواسطة المتشردين كما حدث في أمريكا في قطارات الشحن البخارية خلال الثلاثينات، وتسكن أيضا الأماكن العامة، ويهمس بها في الأذنين، لتتمكن بذلك من وصف أحداث بدقة غير قابلة للوصف بطرق أخري، وجمع أناس متفرقين في الحياة نحو هدف واحد بطريقة مذهلة. نكتها تضحكنا. صدقها ورؤيتها الواضحة للحقيقة تلقط أنفاسنا. تعقيدها الموجز يوصل الكثير، وبقوة أكبر من أي قطعة من النثر. قدرتها علي إثارة المشاعر غالبا ما يجعل منها مصدرا للخبرة بطرق أكثر تفسيرية لا تملكها الكتابة.
ومن الواضح أن الشعر يغير اللغة. وهذا التغير الثقافي يؤثر «بسرعة» علي ما هو مسموح، وما يعتبر زائدا أومقبولا. أما ما يحتاج «دهورا» لكي يجدد أو يحسن الشعر فيستقر ويعشعش بأمان وكسل في «المعجم اللغوي». ومن الواضح أيضا أن كل أداة تواصلية جديدة - البرق والهاتف والحاسوب، والهاتف الخليوي، و«آي بود»، و«بلاك بيري»، و«كيندل» (جهاز قراءة الكتب إلكترونيا)، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية التي يتم تطويرها باستمرار يمكنها تجديد الشعر. وهناك كذلك الشات (الدردشة) عبر النت، و«التويتر» عبر النت كذلك، وهناك أيضا الرسائل النصية عبر الجوال، فجميع تلك التقنيات تدفع اللغة نحو الإيجاز، وتحثنا ان نقول ما نعنيه مباشرة، وفورا. ولكنها أيضا تفعل المزيد في اللغة. تصميم صفحات الجرائد وإيقاعها غير المحسوس ينبثق ببطء من إيقاع الحياة المعاشة. ولهذا صرنا نتعجب من سحر المخطوطات القديمة وفتنة الخط اليدوي الذي انقرض، ولكن هذه التقنيات التواصلية التي تتطور بسرعة تواصل تطوير نفسها باستمرار وتغير طريقة الحديث مع بعضنا بعضا. طريقة قراءة الشاعر جهرا لجمهور، وطريقة تجاوب الجمهور معه يمكنهما أيضا أن يغيرا القصيدة إلي الأبد. والمقصد هو التالي:
ربما كان سر عظمة الشعر هو في قدرته علي اختزال فكرة أو مشاعر إلي الحد الأدني من التعبير مما يعطيه مثل هذا البقاء السرمدي في السلطة الأدبية.
لقد وصلت الي مملكة الشعر في وقت معين، وخلال سلسلة من الأماكن. ومثل العديد من أبناء جيلي، أجبرت في المدرسة علي حفظ قصائد مملة ومضجرة لم أكن أفهمها وهذا لم يعجبني طبعا. تلاوة أحد المدرسين السقيمة لقصائد كلاسيكية رائعة ل «هنري وادسورث لونغفلو» حرمتنا من الاستمتاع بجمالها ومن فهم المعني واستيعاب الفائدة. وقراءة مدرس آخر لقصيدة «إدغار آلان بو» جعلتني أنفر من حصة الشعر. وأصبحت سونيات شكسبير الرائعة مملة وغير مفهومة. وللأسف أقنعتني هذه التشويهات الشعرية السائدة في المدارس الحكومية بأنني أكره الشعر آنذاك.
أول مرة شعرت بأن قصيدة سببت لي تغييرا جذريا كانت بعد بضع سنوات عندما هربت من الجامعة في السنة الأولي في العام 1956. وكان ذلك في حفلة في شرق مدينة ألبوكيركي، حيث قرأ أحدهم بصوت عال قصيدة «عواء» howl من ديوان «عواء وقصائد أخري» كان قد نشر حديثا عبر دار «سيتي لايتس» (أضواء المدينة) وكان ديوانا صغير الحجم للشاعر الأمريكي الطليعي الآن جينسبرج. لقد شعرت بأني تمزقت بعد سماعها، ليس فقط بسبب كلمات تلك القصيدة بل أيضا قوة وروح نبرتها وإيقاعها، والأهم ما كشفته لي عن خيبة أمل جيلي في ظل خلفية وظروف أحداث الخمسينات «المكارثية» في الولايات المتحدة من نفاق وقبح وأكاذيب ووجوب اتباع العرف المجتمعي السائد. وكذلك ما كشفت لي عن تناقضات نفسي وذاتي.
كتبت رسالة إلي الشاعر جينسبيرج، عبر دار «سيتي لايتس». قلت له إنني سأنتظره في زاوية شارع معين في سان فرانسيسكو بتاريخ كذا وكذا. أذكر أنني قدت السيارة طوال اليوم وطوال الليل من مدينة ألبوكركي بدون أدني شك بأنه سيكون هناك في انتظاري. في الوقت المحدد ذهبت الي زاوية ذلك الشارع وانتظرت، ولكن جينسبيرج لم يحضر. وبعد سنوات، عندما أصبحنا أصدقاء في مدينة نيويورك ضحكنا معا بسبب «جهلي الجغرافي الساذج» لأني وقفت وانتظرته في المكان الخطأ بينما كان ينتظرني بالفعل في المكان الصحيح.
ولكن قصيدة «عواء» فجرتني وعرتني أمام نفسي وهذا أعتقد أنه واحد من الأشياء الذي يجب أن تفعله القصيدة الناجحة.
في عام 1961 ذهبت إلي مدينة مكسيكو سيتي عاصمة المكسيك في بداية رحلة استمرت ربع قرن ستشمل كوبا، فيتنام الشمالية، بيرو، ونيكاراغوا. وحدي في المدينة الجديدة، عثرت علي ميدان «زونا روسا» الذي يرتاده الأدباء والرسامون، وعثرت علي شقة الشاعر الأمريكي فيليب لامانيتا وزوجته السيدة لوسيل. وفي بعض الليالي، كانت مجموعة من الشعراء الشباب يجتمعون في شقته من المكسيك وبلدان أخري من أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة. وعلي الرغم من أن القليل منا كان يقرأ أو يتكلم بلغة الاخرين بشيء من الطلاقة، كنا نتشارك بفرحة في قراءة وسماع القصائد الجديدة، ونحس بإيقاعات غير متوقعة وغير مألوفة في مواضيع معاصرة وغير معهودة. هذه الصالونات المرتجلة أكدت لي بوجود حاجة ضرورية لمنتدي لكي ننشر، نترجم، ونتعارف علي أعمال بعضنا.
ولهذا، قررت أنا مع الشاعر المكسيكي سيرجيو موندراغون إنشاء مثل هذا المنتدي. لقد كانت تلك فترة الستينيات المجيدة والنشيطة وكنا في أحد أهم المراكز الثقافية النابضة في تلك القارة. أسسنا وحررنا مجلة «إيل كورونو إمبلومادو» كمجلة أدبية ثنائية اللغة الأدبية. وفي تلك المجلة التي أصدرتها من المكسيك باللغتين الإنجليزية والإسبانية من 1962 إلي 1969، سرعان ما نشرنا فيها مزيجا منوعا من أعمال شعراء مستقلين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك آلن جينسبيرج مترجما للمرة الأولي باللغة الاسبانية، وإرنستو كاردينال مترجما للمرة الأولي باللغة الإنجليزية. وواصلت المجلة الصدور - رغم استمرار تبعات الحقبة الماكارثية - بأعجوبة لمدة ثماني سنوات ونصف السنة حتي توقفت عام 1969، وأنتجنا أعداد فصلية من 200-300 صفحة في المتوسط. لقد كانت مجلة «إيل كورونو إمبلومادو» نقطة محورية في نهضة جيل كامل لأنها نقلت الأدب من الأكاديمية، إلي الشارع والمقهي حيث مراكز الإبداع والتغيير.
القراءة والاستماع إلي قدر كبير من الشعر باللغة الإسبانية أيضا أعطاني شيئا مهما. أعتقد أن معرفة أكثر من لغة واحدة يثري إلي حد كبير القدرة علي استكشاف كل منهما. لو كنت قد تعلمت أكثر من لغتين، لاستفادت علاقتي مع اللغة نفسها أكثر من ذلك. قضاء تلك السنوات الثمان في تحرير مجلة ثنائية اللغة لم يضعني فقط علي اتصال مع شعراء يكتبون باللغتين الانجليزية والاسبانية فقط ولكن أيضا مع ترجمات من لغات أخري، ومنحتني «علاقة حميمة» مع الكلمة المكتوبة والمنطوقة من المستحيل وصف أهميتها وتأثيرها بالكلمات.
وفي ذلك العصر الذي لم يكن فيه إنترنت، كان كل من الكتابة والنشر يعتمدان علي أنظمة بريدية حكومية متخلفة ورديئة، ويعتمدان علي مكينة صف وصب الحروف (لاينو تايب) Linotype البدائية وقدرات مطبعة صغيرة يديرها شخص واحد غالبا. وفي بعض الأحيان، كنا نعتمد كثيرا علي مكالمات هاتفية دولية عبر البحار. كنا نزهو ونفخر باستقلالنا. وكنا ايضا نزور كل يوم مكتب البريد في الحي حيث نجد العشرات من الرسائل والمخطوطات تنتظرنا بسعادة وفرح من كل أنحاء العالم. كانت وسيلة الدعاية الوحيدة لنا هي السير في الشوارع ومحادثة المارة عن مجلتنا!! كنا نوزع بحماس مجموعة من النسخ علي المكتبات، ونجلس علي أرضية غرفة الجلوس لتعبئة أوامر شراء نسخ لنرسلها بالبريد إلي مكتبات في كل مكان في العالم.
في عام 1961، عندما بدأت في كتابة الشعر في بلد لا يزال يخرج ببطء من حقبة «مكارثية» مرعبة، فإن التواصل مع الشباب الأميركيين اللاتينيين علمني أن «الشعراء الجيدون يمكنهم بالفعل الكتابة عن أي شيء». كنت للتو قد استوعبت مجبرة الفكرة المكارثية القمعية في الخمسينات بأن «السياسة لا يمكن أن تكون جزءا من الشعر» لأن : «الشعر الجيد، كما حذرنا الأكاديميون، يجب أن يكون «ما بعد سياسي»!!! وذلك بعكس ما فهمه الشعراء في أمريكا اللاتينية وأجزاء أخري من العالم بأن الخطر الحقيقي الذي يهدد «جودة الشعر» ليس الخوض في السياسة كما حاول الأكاديميون الأمريكيون المكارثيون إيهامنا بل هو: التقليد، والمبالغة في المشاعر/العاطفة، والابتذال، والكذب/الخداع، وعدم احترام قيمة «الكلمة» كأداة للتعبير ثم التغيير!!!
كتبنا في المجلة عن جميع ما كنا نعرفه، وعن أهم مطلب وحاجة نسعي لها في خبرتنا الشخصية التي يشاركنا فيها العديد من الشعراء الشباب في الستينات والسبعينات والثمانينات وهي «الحاجة الماسة للتغيير الاجتماعي».
واكتشفت أيضا في أمريكا اللاتينية أهمية «التقاليد الشفوية» (الفولكلور أو التراث والأدب الشعبي) الموجودة في جميع أنحاء العالم بالطبع بما في ذلك وبغزارة في بلدي: الولايات المتحدة. ولكن ربما لأن «التقاليد الشفوية» في الخارج كانت أكثر قيمة من الناحية الثقافية، فإن الشعراء الأجانب الذين التقيت بهم في الستينات كانت أقرب لهم مما كانت لدي. لقد استكشفوا إيقاعات الكلام لشعوبهم وضمنوها في أعمالهم. وعندما بدأت العمل في التاريخ الشفوي وخاصة مع النساء، بدأت أيضا فهم أهمية الرطانة والجعجعة المحلية واللهجة والايقاع، والنبرة ومقام الصوت في عملية انتقال الأفكار الحية، وبدأتُ في دمج أنماط حديث الناس العاديين في شعري.
عندما وصلت لأول مرة إلي مدينة نيويورك كشاعرة مبتدئة في أواخر الخمسينات، حثني وشجعني الروائي والمسرحي بادي تشايفسكي علي قضاء ساعة أو نحو ذلك كل اليوم ك «مستمعة» في زاوية شارع مزدحم وسط نيويورك، ثم تأمل كمية ما تختزنه ذاكرتي بدقة من أحاديث الناس العابرة بعد العودة الي البيت. ولذلك، بحلول الوقت الذي وصلت فيه إلي أمريكا اللاتينية، كنت قد طورت أذنين متمرستين علي تسجيل الحديث الشعبي العابر.
ونعم بكل تأكيد، لقد كنا نعتقد بسذاجة وصدق أن الشعر «لوحده» يمكن أن يغير العالم، وكتبنا ذلك في الكثير من افتتاحيات المجلة، وانعكس ذلك أيضا في القصائد التي نشرناها لشعراء من مختلف الفئات (قساوسة كاثوليك، وأعضاء عصابات حرب يسارية، ومشعوذين من السكان الأصليين، وطلاب، وباحثين أدبيين، وعمال وعاملات عاديين) جميعهم رددوا وكرروا صدي هذه الفكرة بشكل أو آخر.
ويمكنني الاعتراف الآن: لقد كنا بالفعل صغارا وسذجا موهوبين ب «بالطاقة والإثارة» أكثر من فهم وتصور واقعي/عملي للأهمية النسبية لأعمالنا في المخطط الأكبر للأشياء والأحداث في الكون. عرفنا بالفطرة السبل التي «تتجسد» و«تتحرك» فيها الكلمة - وهو شيء عرفته ومارسته العديد من ثقافات العصور السابقة.
أفضل القصائد تسكن «كرة سحرية» حيث تتحول الكلمة وتتبدل إلي طاقة والطاقة تعيد التجمع بطرق لا نفهمها تماما. هذا الغموض في حد ذاته هو جزء من سحر القصيدة، أو ما يمنحها قوتها وسلطتها الأدبية وجبروتها الفكري. اللغة، والصوت، و«الصمت» هي أمور - بالإضافة إلي المعني - تتكون من ذرات وجزيئات متناهية الصغر، مشبك عصبي في جسم القصيدة، ذاكرة، موسيقي، نبض، لون، وضوء. تجميع ومزج هذه العناصر في وسائل جديدة ومختلفة، تتبع بدورها مسارات جديدة ومختلفة من وإلي القصيدة.
وبعد أن نضجت الآن، أعترف أنني لم أعد أعتقد أن الشعر «وحده» يمكن أن يغير العالم. ولكن رغم هذا، الشعر لا يزال مهما ومؤثرا، ربما أكثر مما نظن أننا نعرف أو ندرك. في الحقيقة، نحن نتجاهل أو نشطب صفاته غير القابلة للقياس، وحدسه، وسحره مما يعرضنا للخطر خاصة في الأزمات.
في الواقع ولكي أختم، أنا متأكدة تماما أن الشعر كان ولا يزال وسيواصل القيام بدور مهم في المجتمعات الحية، النابضة، والمتغيرة باستمرار خاصة من قبل أولئك الذين يأملون أن لا نهلك جميعا بسبب «جهلنا» و«جشعنا» و«لامبالاتنا»!!
ألبوكركي، ولاية نيو مكسيكو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.