فالنسبة الأكبر من هذه الإصدارات ارتبطت بالمؤسسات المختلفة الموجودة في المجتمع كجزء من النشاط الاتصالي للمؤسسات أما الإصدارات الصحفية المتخصصة بمفهومها الحقيقي وتأثيرها الواضح علي السوق الصحفية المصرية كان عددها قليلاً. علي الرغم من ذلك وضعت الباحثة سيناريو تفاؤلي لمستقبل الصحافة المتخصصة وتم استطلاع أراء الخبراء في احتمالية حدوثه خلال خمس سنوات من 2010 وحتي 2015. ضغوط خارجية يفترض هذا السيناريو حدوث نمو وازدهار وتطور كمي ونوعي للصحافة المتخصصة يعتمد علي تغيير الأوضاع السياسة والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والتي تمثل نقطة الإنطلاق أو الافتتاحية لبدء عمل هذا السيناريو، فمن الناحية السياسية ينطلق هذا السيناريو من فرضية سياسية مؤداها استمرار النظام الحاكم كما هو عليه الآن في مصر (بقاء الحزب الوطني في الحكم) وتحقيق الديمقراطية الحقيقية المتمثلة في زيادة هامش الحرية الصحفية وازدهار الصحافة المتخصصة وذلك بتأثير المزيد من الضغوط الخارجية المفروضة علي النظام السياسي للأخذ بمزيد من الديمقراطية حيث يري 74%من الخبراء تزايد دور مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها في مقدمة التغيرات السياسية والمحتمل حدوثها في المستقبل.وتجدر الإشارة الي أن نسبة 30.7% من الخبراء توقعوا تداول السلطة وانتقال الحكم لقوي سياسية أخري في المجتمع مثل فئة رجال الأعمال وأصحاب المصالح الاقتصادية والذين سيؤدي وجودهم الي سيطرة آليات رأس المال الحر وهو ما سيدعم الظاهرة الصحفية في مصر ومن ضمنها الصحافة المتخصصة وبذلك تكون الباحثة ربطت بين ازدهار هامش الحريات الصحفية المتاحة في المجتمع سواء في إطار بقاء النظام الحاكم كما هو عليه أو في حالة وصول قوي سياسية أخري يكون من مصلحتها دعم الحريات في المجتمع وهو ما وافق عليه الخبراء وبصورة كبيرة، كذلك يفترض هذا السيناريو ازدهار الحياة الحزبية وانعكاس ذلك علي قيام الأحزاب بإصدار عدد أكبرمن الصحف ومن بينها الصحف المتخصصة. خصخصة الصحف يفترض السيناريو المطروح إقرار نظام الخصخصة باعتباره النظام الاقتصادي المتبع في مصر وذلك في إطار ثبات الحكم والاتجاه نحو خصخصة مؤسسات المجتمع بما فيها قطاع الصحافة حيث أشار 93.2% من الخبراء إلي أنه سيتم خصخصة مؤسسات الصحافة القومية سواء الموجودة الآن أو التي ستنشأ في المستقبل وهو ما اعتبره العديد من الخبراء فرصة لكي تعيد الصحف القومية هيكلة أوضاعها مما سيؤدي الي تطوير ظاهرة الصحافة المتخصصة. ويعد بروز دور مؤسسات المجتمع المدني من أكثر العوامل الاجتماعية تأثيرا في هذا السيناريو،حيث سيكون لها تأثير كبير علي دعم الظاهرة الصحفية وهو ما توقعه76%من الخبراء وتعد نقابة الصحفيين إحدي مؤسسات المجتمع المدني وستلعب دوراً مهماً في إقرار معايير أداء مهنية للصحفيين بالتحديد في مجال الصحافة المتخصصة. وستبقي التطورات التكنولوجية والإعلامية في إطار هذا السيناريو مؤثرة بشكل كبير علي الظاهرة الصحفية ككل وضمنها الصحافة المتخصصة لما تطرحه من تحديات مفروضة علي الصحافة المتخصصة تحديدا، حيث سيظهر في هذا السيناريو التفاؤلي الجانب الإيجابي للتحديات التكنولوجية، بحيث تنجح الصحافة المتخصصة في سباق المنافسة مع الوسائل الإلكترونية الأخري وتحصل علي نصيب كبير من الجمهور عن طريق تغلبها علي التحديات المتعلقة بتطوير الرسالة الصحفية أو تطوير الوظائف التي تؤديها للجمهور. وأشارالعديد من الخبراء إلي أهمية العامل الثقافي في إطار هذا السيناريو مؤكدين علي أن حدوث تطور ثقافي حقيقي في المجتمع وليس تعليميا فقط هو الذي سيدعم تطور ظاهرة الصحافة المتخصصة وبصورة كبيرة لأن تردي الأوضاع الثقافية وراء تراجع تجربة الصحافة المتخصصة، حيث لاتظهر أهمية وقيمة التخصص. التداعيات التكنولوجية تتعدد القوي الفاعلة في إطار هذا السيناريو ويتزايد دورها وتأثيرها علي الظاهرة الصحفية ككل وبداخلها الصحافة المتخصصة وما تقصده الباحثة هنا بهذه التأثيرات الجانب الإيجابي والذي يدفع بالظاهرة الصحفية للأمام سواء كان ممثلا في النظام السياسي القائم (الحزب الوطني أو غيره) وكذلك تزايد دور وأهمية الأحزاب السياسية، بحيث تصبح قوي مؤثرة فعلا في الحياة السياسية كذلك جماعات رجال الأعمال وأصحاب المصالح الاقتصادية،مما يؤدي إلي تزايد دور رأس المال الأجنبي والعربي حيث توقع 91% من الخبراء دخول فئة رجال الأعمال إلي سوق إصدار الصحف بصفة عامة والمتخصصة تحديدا مما قد يؤدي إلي تزاوج بين رأس المال والسلطة والصحافة، كما أنهم سينظرون إلي إصدار الصحف بإعتباره أحد وسائل الشهرة في المجتمع ووسيلة دعاية للدفاع عن مصالحهم كما أنهم سيتعاملون مع الصحف بصورة عامة والمتخصصة تحديدا باعتبارها مشروعا تجاريا مربحا. وهناك مجموعة من التداعيات والتأثيرات المتوقع حدوثها للصحافة نتيجة التطورات التكنولوجية الحديثة حيث أشار 95% من الخبراء إلياحتمالية اتجاه المزيد من الصحف المتخصصة للأخذ بالمستحدثات التكنولوجية في التحرير والإخراج والتنفيذ كذلك اتجاه العديد من هذه الصحف نحو إنشاء مواقع لها علي الإنترنت أو تحول بعضها من الشكل الورقي إلي الشكل الإلكتروني. ولكن هل سيؤثر ظهور العديد من القنوات التليفزيونية والإذاعية وكذلك الصحف والمواقع الإلكترونية المتخصصة علي الصحافة المتخصصة؟ وافق الخبراء بنسبة بلغت 58.8% علي ظهور مجموعة من التداعيات أهمها اتجاه هذه الصحف إلي مزيد من التخصص ومحاولة البحث عن تخصصات جديدة والبحث عن فئات جديدة من الجمهور. وفي إطار هذا السيناريو التفاؤلي تقول الباحثة إن معظم الخبراء اعتبروا هذه التأثيرات تمثل فرصاً إيجابية لنمو وازدهار الصحافة المتخصصة في المستقبل. حل أزمة المضامين تري الباحثة أن الوضع المستقبلي المحتمل للصحافة المتخصصة يتم علي مجموعة من المستويات أهمها المضامين،حيث أجمع 74% من الخبراء علي تواجد نوعين من المضامين (الجادة/الخفيفة) سواء تم تقديمها في صورة صحف متخصصة أو ملاحق أو أبواب متخصصة في الصحف العامة، وتوقع الخبراء تطوير المضمون من خلال تقديمه علي أقراص مدمجة مع الشكل المطبوع أو بثه عبر شبكات التليفون المحمول، وسوف تستطيع الصحافة المتخصصة حل أزمة المضامين التي تواجهها حاليا بحيث يتواجد النوعين من المضامين (الجادةوالخفيفة) بشكل متوازن وتوفير معلومات متخصصة للقارئ العادي وإيجاد صلة بين القراء وصانعي القرار مما يحقق قدراً من النمو والازدهار لمضامين الصحافة المتخصصة في المستقبل. ويضع هذا السيناريو العديد من المعايير المهنية والإخلاقية الجادة لاختيار الصحفيين في الصحافة المتخصصة فلابد من تدريب وتأهيل العاملين في هذه الصحف فتهتم أقسام وكليات الإعلام بإنشاء دبلومات متخصصة وفي هذه الحالة سيتم اشتراط ضرورة حصول كل صحفي علي عدة دورات تدريبية قبل التحاقه بالعمل في الصحافة المتخصصة فمن الضروري أن يكون الصحفي المتخصص خريج إحدي كليات الإعلام وحاصلا علي دورات في مجال التخصص. وتتوقع الباحثة أن يكون للصحف الخاصة دور كبير في إثراء تجربة الصحافة المتخصصة وذلك بنسبة (59%) تليها الصحف القومية بنسبة (33.3%) وتأتي في النهاية الصحف الحزبية وذلك بنسبة( 9.7%). تحديات وعلي الرغم من السيناريو المتفائل لمستقبل الصحافة المتخصصة والذي توقعه الخبراء تحذر الباحثة من وجود مجموعة من المشكلات والتحديات تواجه ظاهرة الصحافة المتخصصة حاليا ويجب التعامل معها بجدية ومنها عدم وجود قاعدة بيانات حقيقية وكاملة عن جمهورها، وارتفاع تكلفة إصدار الصحف المطبوعة مع قلة عائد التوزيع والدخل الإعلاني وكذلك التحدي التكنولوجي فإذا لم تستطع هذه الصحف مواكبة هذا التطور السريع فإن خبراء الإعلام يشيرون الي احتمالية اختفاء الصحافة المطبوعة في المستقبل في العالم وفي مصر وهو ما يؤدي لتراجع واختفاء الصحافة المتخصصة باعتبارها جزءًا من الصحافة المطبوعة مع ملاحظة أنه حتي مع توقع البعض اختفاء الصحافة المطبوعة لم يتم ربط ذلك باختفاء التخصص من وسائل الإعلام والذي أصبح سمة العصر، فالتخصص يظل موجوداً أيا كان الوسيط الذي ينقله ورقيا أو إلكترونيا. سيناريو مختلف هناك سيناريو آخر يري علي النقيض حدوث انهيار وتراجع للصحافة المتخصصة المطبوعة في المستقبل وحتي ومع تواجدها في صورة أبواب وصفحات داخل الصحف العامة ستكون قليلة وعديمة الفائدة سواء كان ذلك في إطار تراجع الظاهرة الصحفية الورقية ككل أو حدوث ذلك بشكل منفصل للصحافة المتخصصة المطبوعة وذلك لتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما ينعكس بالسلب علي مكونات الظاهرة الصحفية (المضامين، القائم بالاتصال، الجمهور) لكن الخبراء- وفقًا للدراسة- يرون أن هذا سيناريو تشاؤمي وإن احتمالية حدوثه مستبعدة بصورة كبيرة وإن كان متوقع حدوثه في فترات زمنية أبعدمن فترة الدراسة.