تشكلت أخيراً في التاسع من نوفمبر الجاري، و بعد عرقلة كانت قد دخلت في شهرها الخامس، حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية برئاسة زعيم كتلة المستقبل النائب سعد الحريري. وبدأت بالفعل أول اجتماعات الحكومة اللبنانية التي كانت معطلة منذ السابع والعشرين من يونيو الماضي. معادلة 15-10-5 وقد اعتمدت التشكيلة الحكومية معادلة 15-10-5 التي اتفق عليها بين قوي الغالبية والمعارضة، بحيث ينال الطرف الأول 15 وزيراً، مقابل 10 للمعارضة وخمسة للرئيس ميشال سليمان من بينها حقيبتي الدفاع والداخلية، بينما كانت وزارة الخارجية من حصة المعارضة التي يتزعمها حزب الله الشيعي. وكانت الخارجية من نصيب علي الشامي، في حين نال القيادي في حزب الله، محمد فنيش، منصب وزير دولة، كما نال عضو الحزب، حسين الحاج حسن، وزارة الزراعة. وضمت حكومة الحريري المكونة من ثلاثين وزيراً مختلف التيارات السياسية الرئيسية في لبنان، وعاد إلي الحكومة الجديدة 11 وزيراً من الحكومة السابقة أبرزهم وزير الدفاع إلياس المر ووزير الداخلية زياد بارود ووزير الصحة محمد خليفة ووزير الاقتصاد محمد الصفدي ووزير العدل إيراهيم نجار ووزير الطاقة جبران باسيل الذي كان يشغل حقيبة الاتصالات. وتم تعيين سيدتين هما وزيرة المالية ريا حفار، وهي المرة الأولي التي تتبوء فيها سيدة وزارة المالية في لبنان، ومني عفيش وزيرة دولة. وكانت قوي الأقلية النيابية قد أعلنت قبل يومين من تشكيل الحكومة عن موافقتها علي التشكيلة الحكومية الجديدة التي تم التفاوض بشأنها مع رئيس الوزراء اللبناني المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري. وذكر بيان صادر عن العلاقات الإعلامية في حزب الله أن لقاء ضم كلا من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل الاصلاح والتغيير النيابي النائب العماد ميشال عون ورئيس تيارالمردة النائب سليمان فرنجية والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله اضافة لعدد من المسئولين في المعارضة تم من خلاله الاتفاق علي السير في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وفقاً لمعادلة 15-10-5. إعادة الثقة في الحكومة ووصف رئيس الوزراء سعد الحريري الحكومة الجديدة التي تشكلت بعد 137 يوماً من تكليفه بتشكيلها بأنها تمثل الحلم اللبناني في الوفاق الوطني واعادة الثقة بالحكومة ومؤسساتها. وترأس سعد الحريري في قصر بعبدا اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة بصياغة البيان الوزاري في حضورجميع الوزراء فيما عدا ممثل حزب الكتائب الوزير سليم الصايغ الذي اعترض علي حقيبة الشئون الاجتماعية. وأكد سعد الحريري أن مهمته الأولي ستكون الخروج ببيان وزاري متضمناً خطة عمل الحكومة في مختلف المجالات بهدف العمل من أجل بناء الدولة والمؤسسات وتحسين ظروف حياة اللبنانيين. وأعرب الحريري عن أمله في أن يكتمل البيان في أقرب وقت ممكن حتي تنال الحكومة الثقة قبل عيد الاستقلال. وعلي الرغم من الإيجابية المحيطة بتشكيل الحكومة اللبنانية، فإن بعض المصادر أشارت إلي حدوث اختلاف داخل لجنة البيان الوزاري حول النظرة الاقتصادية بين وزير الاتصالات شربل نحاس وعدد من الوزراء. كما اشترطت قوي 14 آذار في صياغة البيان الوزاري التمسك بشرعية القرارات الدولية والتمسك بحرية وسيادة لبنان. وقال النائب عمار حوري عضو كتلة المستقبل النيابية أن التحدي الحقيقي أمام لجنة صياغة البيان الوزاري هو التعبير عن طموح اللبنانيين التي يعتبر أنها تبدلت، وأشار إلي أن التشكيلة الوزارية الجديدة إيجابية وأنها "فتحت صفحة جديدة باتجاه حل الكثير من العقد وحل الكثير من الملفات العالقة". وقال عضو اللقاء الديمقراطي النائب أنطون سعد أن التحدي الأول أمام الحكومة يتمثل في صياغة البيان الوزاري "الذي لا بد أن يترجم من خلال ما تم الاتفاق عليه سابقاً علي أساس الثقة والتفاهم بين الأطراف السياسية جميعها. كما لا بد أن يراعي هواجس "حزب الله" كي لا يشكل عقدة أمام الحكومة". أما عن التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، فأشار عمار حوري إلي أنها تشمل حماية السلم الأهلي، والإصلاحات الاقتصادية والإدارية، وتنفيذ بنود باريس 2 وباريس 3 وموضوع سلاح حزب الله، و قضية المفقودين في السجون السورية، وترسيم الحدود، وملف مزارع شبعا. تظلم حزب الكتائب وتوالت ردود الفعل الداخلية المؤيدة لتشكيل الحكومة والتي عبرت عن ارتياح عام لسير الأمور نحو توافق حول المواضيع الخلافية، غير أن حزب الكتائب أعرب عن أسفه لمحاولة قوي 14 آذار تهميشه من الحلفاء وذلك بعد أن غابت عنه حقيبة التربية التي طالب بها ورست في النهاية علي الوزير حسن منيمنة من تيار المستقبل، وحصل علي حقيبة الشئون الاجتماعية. وقال عضو حزب الكتائب اللبنانية النائب ايلي ماروني أن الحزب سيبقي في صفوف الأكثرية علي الرغم من تمايزه ككتلة مستقلة، أشار إلي أن حزب الكتائب بانتظار أن تتم الإصلاحات داخل 14 آذار وانتقد دور قوي 14 آذار في تهميش حزب الكتائب وأضاف "لو أتت هذه المحاولات من الأخصام لكنا تفهمناها، وهناك أخطاء مورست بحقنا خصوصاً في فترة الانتخابات ورأينا كيف حاولوا نقلنا مثل الشطرنج من منطقة إلي أخري وحرصاً منا علي إنجاح 14 آذار خضنا الانتخابات كما رُسمت". وكان حزب الكتائب قد رفع مؤخراً شعار "المطالبة بإعادة تنظيم قوي 14 آذار لكي تستعيد عافيتها كما في السابق"، وفاجأ "الحزب الأكثرية بإعلانه الانسحاب من الأمانة العامة ل14آذار، ثم عاد وتراجع عن هذا القرار بعد فترة وجيزة علي الرغم من اعلانه بعدها عن نيته المشاركة في الحكومة. ورأي عضو الأمانة العامة لقوي 14 آذار النائب السابق سمير فرنجية أن أزمة حزب الكتائب ظهرت علي المقعد الوزاري الذي أسند إلي الحزب، وأضاف "كان من المنتظر أن يستقيلوا من الوزارة ويبقوا في 14 آذار، لكن حصل العكس". وأكد سمير فرنجية أن قوي 14 آذار لم تتلق أي اقتراح من حزب الكتائب لاحداث تعديلات وأن مندوبيهم في الأمانة العامة يشاركون في اجتماعات القيادات بشكل دوري. حكومة الخندقين من جهة أخري وصفت الصحف اللبنانية الحكومة الجديدة بعد تحليلها للبيان الصادر عن مجلس الوزراء بأنها "حكومة الخندقين" وحكومة "التناقضات التي تحمل بذور تفجيرها" وذلك في إشارة إلي الكلمة التي ألقاها وزير الاعلام طارق متري والتي عبرت عن رغبة الرئيس ميشال سليمان في اعداد البيان الوزاري في أقرب فرصة ممكنة وفي عدم إضاعة الوقت في الجدل حول الموضوع الخلافي الأساسي بين طرفي الأكثرية والأقلية وهو سلاح "حزب الله". وذكر الرئيس سليمان بأن حل هذه المسألة يتم علي طاولة الحوار الوطني التي يرعاها رئيس الجمهورية منذ العام 2006 في محاولة للتوصل الي استراتيجية دفاعية يتفق عليها كل الأطراف. ووصف رئيس تحرير جريدة الأخبار المقربة من حزب الله في افتتاحيته الحكومة بأنها "حكومة الطلاق داخل 14 آذار" بينما قال مدير المركز اللبناني للدراسات السياسية أسامة صفا أن "تشكيل هذه الحكومة المسماة حكومة وحدة وطنية ليست إلا حكومة شكلية". وأطلقت جريدة الأخبار لقب "حكومة الخندقين" علي الحكومة في إشارة إلي الدور الإقليمي لكل من دمشق والرياض وإلي أعمال قمة دمشق التي عقدت في أكتوبر الماضي بين الرئيس السوري بشار الأسد والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والتي تزامنت مع عقد الحريري لسلسلة من المباحثات مع رموز المعارضة. ويري المحللون المتشككون في دور سوريا والسعودية أو معادلة السين- سين في تحقيق وفاق شكلي أن التحدي ليس فقط في الاتفاق علي التشكيلة الحكومية ولكن في متابعة العملية الحكومية بدون وتيرة التعطيلات السابقة المنصبة حول الخلافات التقليدية بين الأقلية والمعارضة. الخوف من تفكك 14 آذار وذهب بعض المراقبون إلي التحذير من تفكك قوي 14 آذار في الوقت الذي حققت فيه الأقلية المكاسب في الحكومة الجديدة خاصة بعد تصريحات حزب الكتائب والتصريحات التي كان قد أدلي بها وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني في الثاني من أغسطس الماضي خلال افتتاحه الجمعية العمومية لمؤتمر الحزب التقدمي الاشتراكي في بيروت، وأشار إلي أن التحالف مع الأكثرية كان بحكم الضرورة وإلي أنه يجب فض هذا التحالف لأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانت معركة تخلو من المضمون السياسي لحساب الاعتبارات الطائفية. كما أكد جنبلاط في كلمته علي ضرورة العودة إلي مباديء اليسار والاشتراكية وهي الثوابت التقليدية للحزب وضرورة الالتزام بقضايا العمال والفلاحين والتمسك بالهوية العربية والعمل علي الخروج من موقع الانجرار مع اليمين وضرورة إقامة علاقات متميزة مع دمشق. حكومة سعد الحريري الجديدة هي بلا شك حكومة لا غالب ولا مغلوب حتي الآن وسيحدد الاتفاق علي البيان الوزاري حجم القدرة علي تخطي المسائل الخلافية الذي ستتعامل به الحكومة الجديدة مع قائمة التحديات التي تنتظرها. غير أنه بمراقبة وتيرة الحياة السياسية علي مدار السنوات الأخيرة، سيكون علي حكومة الحريري التعامل بحذر شديد مع بعض الملفات الشائكة وعلي رأسها قضية سلاح حزب الله التي يتنبأ لها الكثيرون بأن تعصف بالوفاق الوطني حديث الولادة.