معجزة الصين.. إنجاز للشعب أم للقادة؟    محافظ بني سويف يشهد احتفالية تجهيز 26 عروسًا من الفئات الأولى بالرعاية (صور)    محافظ الغربية يتابع إقبال المواطنين على تقديم طلبات التصالح في مخالفات البناء    هل رأى بايدن.. «المحرقة» فى رفح؟!    الزمالك يتقدم على الاتحاد السكندري بهدف في الشوط الأول    إمام عاشور وكهربا في ضيافة إبراهيم فايق اليوم    نيكي ميناج ليست الأولى.. شبح المخدرات يطارد مشاهير العرب والعالم‬    ضبط سيدة تدير كيانا تعليميا بدون ترخيص للنصب على المواطنين بالإسكندرية    موعد صلاة عيد الأضحى بالساعة والتاريخ .. في القاهرة والمحافظات    مسئول أممي: الغارة الإسرائيلية على مخيم تل السلطان برفح الفلسطينية «مرعبة»    صلاح عبد الله: «لطفي لبيب جوكر لم يستطع نجوم الفن الاستغناء عنه»    وزير الداخلية يبحث مع نظيره الفلسطيني تعزيز التعاون الأمني    وزير الصناعة الإماراتي: نجحنا في بناء اقتصاد مرن وقادر على التكيف مع التغيرات    فوز مدارس الجيزة بالمركز الأول على مستوى الجمهورية فى المسابقات الموسيقية وأكتوبر «تتصدر» (تفاصيل)    حزب المصريين: موقف مصر تاريخي وثابت في دعم القضية الفلسطينية    فوز الطالب أحمد حنفي بمدرسة STEM بالمركز الأول في "تحدي القراءة العربي"    أول عمل درامى ل فاتن حمامة.. إنعام محمد علي تكشف كواليس "ضمير أبلة حكمت"    وفاء عامر تعلن تعرضها لكسر في القدم والكتف    هل يجوز تعجيل الولادة من أجل السفر لأداء الحج؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء تجيب    الإفتاء: الفقهاء وافقوا على تأخير الدورة الشهرية للصيام والحج    جامعة قناة السويس تُطلق قافلة طبية توعوية شاملة لأهالي قرية "الشهيد الخيري"    أحكام العمرة وفضلها وشروطها.. 5 معلومات مهمة يوضحها علي جمعة    أجواء رائعة بمطروح وتواجد أعداد كبيرة من المواطنين على الشواطئ.. فيديو    بعد حبسه.. القصة الكاملة في محاكمة أحمد الطنطاوي في قضية تزوير توكيلات    فاران يلمح إلى وجهته المقبلة بعد رحيله عن مانشستر يونايتد    يوفنتوس يقترب من حسم صفقتين في الصيف    محافظ أسوان يفتتح مشروع تطوير قاعة الفريق كمال عامر بمركز عروس النيل    منظمة الأغذية والزراعة: مصر العاشر عالميا في إنتاج زيت الزيتون    هيئة الرقابة المالية: اعتماد صندوق تأمين العاملين بشركة مصر للأسواق الحرة    المجلس القومى للمرأة يهنئ الدكتورة جيهان زكي لتعيينها رئيسا تنفيذيا للمتحف الكبير    حبس مدير أعمال الراحل حلمي بكر 3 سنوات وكفالة 50 ألف جنيه.. فيديو    في عامه ال 19.. المدير التنفيذي لبنك الطعام: صك الأضحية باب فرحة الملايين    المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية: الغارة الجوية الأخيرة على رفح خطيرة للغاية    قص الأظافر ووضع المعطرات.. دار الإفتاء تحذر الحجاج من ارتكاب هذه الأفعال    رئيس "أميدا": نعتزم تدشين مركز استراتيجي في مصر لحفظ بيانات الدول الأعضاء    حياة كريمة.. قافلة طبية شاملة لأهالى قرية "الشهيد الخيري" بالقنطرة غرب    لأصحاب الرجيم.. طريقة تحضير بيتزا توست بالفلفل الرومي    بدء الفعاليات التمهيدية للترويج لافتتاح النسخة الرابعة لحملة «مانحي أمل» في مصر    إسكان البرلمان توصي بتشكيل لجنة لمعاينة مشروع الصرف الصحي في الجيزة    «القاهرة الإخبارية»: محرقة مدينة الخيام في رفح الفلسطينية جريمة بشعة لإسرائيل    قرارات جديدة بكلية الحقوق جامعة عين شمس 2024    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    سموحة يغلق ملف الدوري «مؤقتاً» ويستعد لمواجهة لافيينا فى كأس مصر غدًا    وزير الإعلام البحرينى: العلاقات بين مصر والبحرين تتميز بخصوصية فريدة    إعصار مدمر يضرب الهند وبنجلاديش.. مشاهد صادمة (فيديو)    «الداخلية»: تنظيم حملة للتبرع بالدم بقطاع الأمن المركزي    وزير الإسكان يتابع مشروعات تجديد أحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية بالقاهرة    أكثر من ألفي شخص دفنوا أحياء جراء الانهيار الأرضي في بابوا غينيا الجديدة    بينهم مصر.. زعماء 4 دول عربية يزورون الصين هذا الأسبوع    ضبط لصوص سرقوا دولارات من تجار بالسوق السوداء    وزير الصحة يدعو دول إقليم شرق المتوسط إلى دراسة أكثر تعمقا بشأن مفاوضات معاهدة الأوبئة    تحرير 1365 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    لليوم الثاني.. تجهيز 200 شاحنة تمهيدا لإدخالها إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم    مباريات قوية تنتظر الأهلي بعد التتويج بالبطولة الإفريقية    محمد عبد الجليل: خط الوسط كلمة السر في قوة الأهلي أمام الترجي    جامعة القاهرة تحصد 22 جائزة فى المجالات الأدبية والعلمية بمهرجان إبداع    كولر: لم أستطع الفوز على صنداونز.. لا أحب لقب "جدي".. والجماهير تطالبني بال13    متى عيد الأضحى 2024 العد التنازلي| أفضل الأعمال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في السينما.. الجزائر وفرنسا يلعبان القط والفار
نشر في القاهرة يوم 03 - 07 - 2012

لا أدعي أنني فقيه في شئون السينما والأفلام الجزائرية حتي أكتب هذا المقال، ولكن كل ما يمكن أن أقوله إن هناك حالة من الجيشان العاطفي التاريخي تربطني بالجزائر كدولة، وبثقافتها رغم أن الجزائر هي واحدة من البلدان العربية القليلة جداً التي لم أقم بزيارتها فقط حتي الآن. تولدت هذه الحالة منذ سنوات عمري الأولي، حين شاهدت فيلم «جميلة بوحريد» ليوسف شاهين وأذكر أن هواة مشاهدة الأفلام من سكان حارة الفهد بكرموز، قد شجعوا بعضهم مراراً، لنري الفيلم أربع مرات في أسبوع واحد بسينما «النيل»، وكنا نخرج حزاني لما حدث للمناضلة الجزائرية الذين قصوا لها شعرها وعذبوها، فلما جاءت جميلة نفسها لزيارة مصر عقب إطلاق سراحها، صرنا نتابع أخبارها وقد غمرتنا فرحة عارمة. كما أن أغنية «عبدالحليم حافظ» شعب الجزائر، كانت تتردد في أفئدتنا بالقوة نفسها التي كنا نسمع بها أغنيات ثورة يوليو.. وكنا نحب أحمد بن بيللا كأنه نجم سينمائي، فلما قام الانقلاب من طرف بو مدين كرهنا صورته الدميمة قياسا إلي وسامة بن بيللا، لكن ما لبثنا أن أحببناه بشدة وهو يسدد بعضاً أو كل لا أذكر الديون العسكرية المصرية في عام 1973. الآن، بعد نصف قرن من تحرير الجزائر وبمناسبة هذه الاحتفالية فإن أقل ما يمكن عمله هو أن نكتب عن هذه السينما، ومسيرتها وصعود مخرجيها، والنجاحات التي حصلوا عليها، خاصة أنه علي مدي عشرين عاما جمعت الأدلة السنوية للإنتاج السينمائي في البلاد العربية، وكل ما يمكن أن يقع بين اليدين، وأيضا المراجع والكتب، وقد قربت المواقع الاليكترونية بيننا وبين أفلام الجزائر، فصارت أقرب إلي الوجدان. سلام جديد ولو تابعت هذه المراجع وقرأت تاريخ السينما الجزائرية، خاصة فيما يتعلق بالأفلام الروائية فسوف تجد أن هذه السينما صارت «موجودة» بعد عامين فقط من استقلال الجزائر، حيث إن القوائم تشير إلي أن الفيلم الأول هو «سلام حديث العهد» لجاك شاربين. وبالنظر إلي تاريخ هذه السينما وموضوعاتها طوال نصف قرن أو ما يقرب فسوف تلاحظ أن الجزائريين بشكل خاص في السينما قد ارتبطوا مصيريا بفرنسا من خلال مرحلتين رئيسيتين الأولي هي أفلام يحارب فيها الجزائريون مستعمرهم السابق، والحصول علي الاستقلال وقد استمرت هذه المرحلة عمريا ما يقارب السنوات العشر أو يزيد قليلا. وبعد أن استنفد الجزائريون سبل التغلب علي الاستعمار في الأفلام من خلال قصص كفاح ونضال، فإن الأفلام التالية في أغلبها، قد ارتبط فيها الجزائريون بالدولة الفرنسية، يسعون إلي الهجرة هناك وأصبح موضوع الهجرة والأجيال المتعاقبة التي أفرزتها البلاد بعد الاستقلال هو الشاغل الرئيسي للسينمائي الجزائري، وسعي الكثيرون من صناع الأفلام إلي فرنسا، بحثا عن متفرج أكثر اتساعاً وعددا وقد هاجر أغلب السينمائيين الكبار في الجزائر إلي فرنسا وصاروا فرنسيين، لكنهم ظلوا مرتبطين بالجزائر، وحملت أفلامهم جنسية مزدوجة في هذا الشأن، والرائع أن الموضوعات نفسها ظلت أماكنها تقع بين فرنسا والدولة التي احتلتها مائة وثلاثين عاما. وفي السنوات الأولي من عمر هذه السينما، سوف نجد أفلاما مشتركة الإنتاج تقريبا تعبر عن ثقافة تخلط بين البلدين ومن المهم هنا أن نشير إلي روايتين فرنسيتين، تم إنتاجهما لتحسبا الفيلمين جزائري- فرنسي، الأولي هي رواية «الغريب» لأليبر كامي، التي اخرجها لوكينو فيسكونتي عام 1968، ورغم أن الفيلم فرنسي - إيطالي، إلا أن أحداثه كلها تدور في الجزائر باعتبار أن بطل الرواية ميرسو من ذوي الأقدام السوداء، أي هو الفرنسي الذي لم يعرف لنفسه وطنا إلا الجزائر، وقد خلا الفيلم تقريبا من وجود فنانين جزائريين، حيث اسندت البطولة إلي مارشيللو ماستروياني وممثلات من فرنسا. أما الفيلم الثاني فهو «إليز أوالحياة الحقيقية» عن رواية للكاتبة الفرنسية كليرا تشيرللي التي تحدثت حول تجربة شخصية عن امرأة تحب شابا جزائريا مناضلا اسمه ارزقي، وقد اخرج الفيلم ميشيل درامس، وقامت بالبطولة ماري جوزيه نات، وقام بدور ارزقي الممثل محمد شويخ الذي صار مخرجا فيما بعد، الفيلم تدور أحداثه في باريس، أي بعيداً عن أرض الجزائر. لم يكن عدد هذا النوع من الأفلام غالباً.. لكن الملاحظ فيه أنه كان من الصعب أن نعرف الحدود الفاصلة بين ما هو جزائري أو فرنسي. التعذيب من ناحية أخري فإن الجزائريين راحوا ينتقمون من المستعمرين السابقين لعمل أفلام حربية من طراز «فجر المعذبين» لأحمد راشدي، وأيضا «رياح الأوراس» لمحمد لاخضر حامينا الذي كشف عن موهبة متدفقة لصانع الفيلم، حول عائلة جزائرية دمرتها الحرب تتكون من ثلاثة أشخاص، الأب والأم والابن، فالعائلة تخشي الحياة بشكل طبيعي، يجد الابن نفسه في دوامة عقب مقتل أبيه أثناء هجوم قوات الاحتلال، ينضم الابن إلي جيش التحرير الوطني ويتولي مسئولية الأسرة، في النهار يمارس عمله الوظيفي، وفي المساء يعبر الجبل محملا بالمؤونة للجنود، ويحدث أن تعتقل قوات الاحتلال الشاب وتبحث عنه الأم من معسكر إلي آخر دون كلل أو يأس، تجتاز الأماكن، وتزحف التجاعيد إلي وجهها، ثم يعود الابن الغائب ذات يوم. بدا السينمائيون في الجزائر كأنهم يقومون بمد الفترة الزمنية لحرب الاستقلال وعن هذه الحرب انتجت الجزائر الفيلم الشهير «معركة الجزائر» من إخراج الإيطالي جيلو بونتكورفو، وهو فيلم إيطالي أقرب منه جزائريا من خلال العاملين فيه، لكن الجزائر ساهمت في تحويل الفيلم الذي تدور أحداثه في أكتوبر من عام 1957 في الجزائر، حيث يبدو السكان جميعهم في القصبة يراقبون من الشوارع والمنازل والشرفات تضحيات الجزائري «علي»، وتأكيدات الكولونيل الفرنسي ماتيو من أنه واثق بأنه قام يدحر حركة المقاومة الجزائرية. وفي ديسمبر من عام 1960، أي بعد ثلاث سنوات لا تبدو أي بادرة علي أنه سيتم إعادة تنظيم منظمات التحرير أو وجود أي نشاط للفدائيين في المدينة، وكأن ما قاله الكولونيل قد تحقق فعلاً. إلا أنه فجأة ينفجر البركان، ويخرج الشعب الجزائري في الشوارع والميادين في مجموعات كبيرة حاملين علم الجزائر الجديد، والجميع يهتف بأعلي صوته من أجل استقلال البلاد وحريتها، وبعد عامين من هذا التاريخ، وفي الخامس من يوليو 1962، تولد الجزائر الحرة. وظلت السينما الجزائرية تعزف علي الموضوع نفسه، من أفلام ينتجها المركز الوطني للسينما مثل الإسلام حديث العهد، الذي تدور أحداثه حول الجيل الجديد الذي وجد نفسه جزائريا عقب الاستقلال، وأيضا فيلم «الليل يخاف من الشمس»، لمصطفي بديع عام 1965، وفيلم «الخارجون عن القانون» لتوفيق فارس، حول موضوع مشابه، إلا أن مجلة «السينما الأفريقية» كتبت: «إن هذا الفيلم أبعد ما يكون عن روح حرب التحرير، فقد عولج بطريقة أفلام رعاة البقر.. وهو يثير وجود قطّاع طرق محبوبين، في جبال الأوراس غداة الحرب العالمية الثانية، قطّاع طرق.. عواطفهم لها بعض المظاهر السياسية..ولكن توفيق فارس عرف كيف ينسج خيوط القصة باقتدار». خليط جزائري فرنسي رغم أن طاقم العاملين كان أغلبه من الجزائريين فإن هذه الأفلام كانت تضم عناصر فنية فرنسية مثل الموسيقار جورج موستاكي الذي وضع الموسيقي التصويرية. وقد شاع في هذه السنوات عمل أفلام تتضمن أكثر من قصة علي غرار ما كان يحدث في إيطاليا ومصر في بداية الستينات من القرن العشرين، والموضوع متقارب حول المواجهة العسكرية بين جبهة التحرير الجزائرية، والقوات النظامية للاحتلال الفرنسي، وتأتي التعليقات الإعلانية لهذا الفيلم علي سبيل المثال علي الشكل التالي: «إن انطلاق الكفاح المسلح كان لابد أن يندلع من وسط الجماهير الريفية التي تعرضت أكثر من غيرها لظلم واغتصاب النظام الاستعماري». حدث هذا بالنسبة لفيلم «قصص من الثورة التحريرية» اخراج رابح العراجي وكما نري من عنوانه المباشر، أن الهدف منه هو اثبات النصر الجزائري سينمائيا علي المستعمر الفرنسي. ورغم أن هذه المرحلة ستطول بعض الوقت حتي أنها سادت في فيلم «وقائع سنوات الجمر» عام 1974 لمحمد لاخضر حامينا، فإن هناك أفلاما تم إنتاجها في بداية السبعينات، لم تتدخل عن الحس الوطني، لكن بعيدا عن أجواء الحرب. ففي فيلم «تحيا يا ديدو» لمحمد زينات عام 1971 فإننا نري سائحين من فرنسا، رجل وامرأته يزوران العاصمة يبدو سيمون، الزوج محتارا.. أما امرأته وهي باريسية فتندهش للغرابة التي حولها. وتشعر بالسعادة لما صارت عليه الجزائر عقب الاستقلال، والفيلم بمثابة رحلة في العاصمة، ويكشف المخرج وهو أيضاً بطل الفيلم ومؤلفه أن العاصمة هي موطن التناقضات والتحولات التدريجية، وكل شخص يحمل في نفسه صورة خاصة عن الشعب الذي يواصل كفاحه، من أجل جزائر جديدة تماماً. نحن في فيلم كوميدي صنعه المخرج علي طريقة «عسل أسود» فهناك انتقاد لهذا التناقض الذي يعيشه الجزائريون سكان العاصمة، ويحدث أن يلتقي سيمون في أحد المقاهي بأحد الجزائريين الذين سبق أن عذبهم، وبينما هذا الرجل ينظر إلي سيمون نظرة قاسية فإن عقل المحتل يضطرب وتتملكه مشاعر الخوف ويكشف الفيلم عن طرق التعذيب التي كان الفرنسيون يمارسونها ضد الجزائريين. الفحام ورغم أننا لسنا أمام فيلم حربي فان ذكريات الأمس عن الحرب تظل ماثلة، فسيمون هذا كان يمارس مهنة الجلاد علي الجزائريين وهذا الرجل الذي عذب هو الآن ضرير، ويخلص الفيلم حسبما جاء في كتالوج السينما الجزائرية إلي أن المناضلين دفعوا ثمنا غاليا في سبيل استقلال بلادهم، لكن لهم أمل كبير وثقة لا تنفصم في المستقبل الذي يمثله الشباب. لعل أول فيلم عن الهجرة الداخلية كان هو «الفحام» الذي أخرجه محمد بوعماري عام 1972 لأن قسوة الحياة في الجبال الجزائرية والضواحي البعيدة تدفع برجل فقير يدعي بلقاسم الفحام ان يترك مسقط رأسه ويذهب إلي العاصمة باحثا عن عمل آخر.. وقد بدا لأول مرة ان المخرج الجزائري ترك مسألة صراعه مع المستعمر السابق، إلي صراعه مع البيئة القاسية التي يعيش فيها المواطن الجزائري، ولعل الناقد أ. جمعي قد كتب في جريدة «الجمهورية» الجزائرية ما يتفق وهذا المعني: إن فيلم الفحام يمتاز باندراجه في الواقع الراهن لجزائر 1972، بتحولاته وواقعيته بمشاكله الراهنة وهذه الأرض التي لاتزال تحوي كل معاني الحب والاضطهاد في الإنسان. وهكذا ظلت السينما الجزائرية حتي منتصف السبعينات أقرب إلي التربوية، أو الموجهة لتلعب دورا اجتماعيا وبدا ذلك في فيلم «الأسر الطيبة» الذي انتجته ما يسمي بالمجموعة السينمائية التابعة لجبهة التحرير الوطني، والفيلم الذي أخرجه جعفر دامرجي يحاول طرح مسألة الروابط العائلية الموجودة بين الريف والمدينة، لقد صارت فكرة الهجرة إلي العاصمة هي الهاجس الأول للهجرة الأطول فيما بعد، فقصة هذا الفيلم تبدأ مع الاستقلال، حيث يشغل عمال الجزائر الأرض الشاغرة ولا تلبث الدولة الجديدة أن تمسك بزمام الأمور ويساهم العمال في عمليات التأميم. وأنت حين تري هذا الفيلم تحس كأن هيئة استعلامات هي التي صنعت الفيلم، وكأنما الدولة ليست قادرة ان تطلق العنان لمبدعيها لاختيار موضوعات مختلفة. حتي جاء العام 1974 فكرست الدولة كل ميزانية السينما في عام واحد لإنتاج فيلم «وقائع سنوات الجمر» من إخراج لاخضر حامينا الذي حصل علي جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان، وهو فيلم جديد حول كفاح الشعب الجزائري في الفترة بين عامي 1939 و1954 أي قبل اندلاع ثورة التحرير والفيلم هو أيضاً عن علاقة الريف بالحضر، فالمكان الرئيسي هنا هو قرية تعاني قلة المياه، ويمكن لأبناء الأسرة الواحدة ان يتقاتلوا من أجل قطرة ماء. انه الموضوع الذي أرق السينمائي الجزائري في النصف الأول من السبعينات وبالفعل فان الأسرة تترك القرية وترحل إلي حيث رحل السابقون من أهل القرية، وفي المدينة فان أحمد رب الأسرة يتعرض للاستقلال وقسوة المستعمر والإهانة، فيثور ويتعرض للتشكيل علي أيدي الشرطة الفرنسية. ديسمبر 1971 وهذا الشخص لكثرة ما تعرض لوسائل الضغط، فانه يحاول الخروج من الخناق الذي يحوطه ويسعي لتجميع القوي الثورية التي عليها ان تحارب المستعمر ونحن لن نحكي الفيلم هنا لكن لا شك أنه شهادة الميلاد الحقيقية للسينما الجزائرية وفيما بعد سوف تبدأ الجزائر في تقديم أسماء مخرجيها الجدد، وكلهم موهبة وعطاء، وقد عزّ علي لاخضر حامينا أن يبتعد عن الموضوعات الوطنية، ففي فيلمه «ديسمبر
1971» كان قد تحدث عن حرب التحرير الوطني. لعل مرزاق علواش في فيلمه «عمر قتلاتو» هو من أوائل من تحدثوا عن معاناة الجزائري الفرد في أفلامه وقد بدا ذلك واضحا في سلسلة أفلامه ومنها هذا الفيلم الذي يروي قصة شاب أقرب إلي «ميرسو» بطل «الغريب» انه عمر الذي يعيش مع أسرته في منزل ضيق مزدحم بإخوته وأيضا الشارع فهو يعمل في وظيفة تثير الملل، ولا جديد في حياته من يوم لآخر، انه يفتقد إلي شريك ويعاني الوحدة، يحاول ان يقيم علاقة مع فتاة سمع صوتها ذات مرة مليئا بالشجن لكن لا يدري كيف يتواصل معها، كأنه أشنباغ في «الموت في فينيسيا» يعمل موظفا في مكتب صغير، تعترضه عصابة وتسرق نقوده وتترك جرحا في وجهه ورغم انه يتواصل مع فتاة أحلامه، إلا أنهما لا يلبثان ان ينفصلا فيعود إلي سيرته الأولي. بدت السينما مع أفلام محمود زموري وكأنها تطلق موضوع حرب التحرير ليس هناك آخر في أفلامه وهذه هي المشكلة وقد استكمل الزموري مسيرته في أفلام مثل «سنوات التويست المجنونة» 1986 و«شرف القبيلة» المأخوذ عن رواية كتبها رشيد ميموني، أما الفيلم الذي يمكن اعتباره نقطة تحول فهو «خذ عشرة آلاف فرنك وارحل» عام 1981، وهو حول الهجرة المعاكسة حيث ان رئيس الجمهورية ميتران اقترح بمنح كل عائلة ترغب في العودة إلي الجزائر أن تحصل علي هذا المبلغ ولكن العائلة التي تعود لا تلبث ان تصطدم بالواقع الجزائري وتعرض الفرق بين الحياة الباريسية وحياة أخري في مدن الجزائر وقراها. صارت الهجرة وقوة الرغبة في الذهاب إلي بلاد المستعمر السابق هي الهاجس الأساسي لدي الجزائريين وقد عكست أفلام الثمانينات كل الأمور المتعلقة بالهجرة إلي باريس، سواء الهجرة الشرعية أم مسألة مكانة المرأة في موضوع الهجرة، فالرجل هو وحده المعني بالهجرة وعلي المرأة ان تبقي في البيت الجزائري الضيق، تنتظر أن يعود أو ليس الشرقي من هجرته الواسعة. مغامرات ولكن وبدأت أسماء جديدة تفد إلي صفحة العطاء السينمائي لعل مرزاق علواش هو الأبرز بعد فيلم «عمر قتلاتو» ثم في «مغامرات بطل» 1977 و«رجل ونوافذ» 1982 وذلك قبل أن يتناول موضوع الإرهاب المرتبط بالأحداث السياسية الدامية التي شهدتها الجزائر في العقد الأخير من القرن الماضي. جاءت أهمية علواش أنه صنع أفلاما جزائرية بتمويل فرنسي ونجح في عمل إنتاج مشترك بين الدولتين وكانت الأرض الجزائرية موجودة دوما في أفلام مثل «باب وادي الحومة» «الجزائر - بيروت، للذكري» و«أهلا بك يا ابن العم» الذي يتعرض لوضع الجزائريين في الجزائر وفرنسا ومن هؤلاء عليلو الذي يصل من الجزائر العاصمة إلي باريس ليعمل بتجارة مشبوهة وهناك يستقبله ابن عمه الذي ولد وعاش في باريس طوال عمره وخلال إقامة قصرية للشاب الجزائري في فرنسا يصدر لنا الفيلم الضغوط في المجتمع الفرسي من خلال الانبهار الدائم الذي يعيشه عليلو وقسوة الحياة الباريسية من خلال الأعمال المتعددة التي يضطر ابن العم للقيام بها، ويبقي الجزائري في باريس من أجل حبيبته، دون أن يعلم ان ابن عمه الفرنسي قد تم ترحيله إلي الجزائر لضلوعه في قضية مشبوهة. هذه الهجرة والعودة صارت هاجسا لدي جيل بأكمله في الواقع وفي السينما وقد أقام مخرجو أغلب هذه الأفلام في باريس لكنهم صنعوا طريقا ما يربط بين فرنسا والجزائر ولعل رشيد بوشارب هو أحد من اهتموا بهذا الموضوع في أفلام عديدة ومنها «شاب» 1991 الذي يتحدث عن الشاب مروان الذي يبلغ سن التاسعة عشرة يحمل الجنسية الجزائرية ويعيش في باريس ولم يعش قط في وطنه الأصلي.. وفجأة يجد نفسه مطرودا إلي الجزائر إلي بلد لا يعرف لغته أو عاداته، في أحد الأيام تأخذ السلطات الجزائرية منه جواز سفره وترسله إلي جنوب الجزائر لأداء الخدمة العسكرية وهناك يواجه عالما صعبا وسط الصحراء ويشعر زملاؤه في الوحدة العسكرية كم هو مختلف عنهم، يصدم مروان من المصير الذي يواجهه لقد تم ترحيله من بلد يحبه ويعرفه جيدا إلي بلد آخر يرفضه ويحدث ان يلتقي مروان بفتاة تدعي مليكة، إنها ذات نزعة تحررية، تحول مساعدته في العودة مرة أخري إلي فرنسا. في عام 1986 عاد لاخضر حامينا للسينما لمرة واحدة وخاطفه وصنع فيلما ينتمي إلي السيرة الذاتية شاركت فيه مؤسسة السينما الوطنية بالجزائر تحت عنوان «الصورة الأخيرة» ليتكلم عن مدرسة فرنسية تأتي للعمل في إحدي القري الجزائرية مع بداية الحرب العالمية الثانية وهناك تواجه بتقاليد مجتمع حيث تناقض مشاعر الناس تجاه المدرسة، فهناك من يحبها مثل تلميذها الشاب الصغير «مولود» الذي تنتابه مشاعر عاطفية نحوها إلا أن القرية كلها تقف ضدها لأنها تحب شابا يهوديا، وفي النهاية تجبر أن ترحل بعيدا عن هذه القرية. نصف قرن ثورة الآن وطوال التاريخ الذي يبلغ نصف قرن من الثورة والسينما تمتلئان أجندة السينما الجزائرية بالمخرجين وكتاب السيناريو مثل الأمين مرباح، والغوتي بن ودوش ومحمد شويخ، لكن من المهم التوقف عن أبناء الجيلين الثاني والثالث للمهاجرين، انهم الصغار الذين ولدوا في باريس عاشوا داخل هويتين فرنسية في الحياة وغربية داخل البيوت لا يتكلمون العربية وقد استخدم بعضهم الأدب لمخاطبة الجمهور الفرنسي مثل مهدي شارف، الذي نشر روايته الأولي «الشاي في مخدع آرستي أحمد» وبمجرد نجاحها حتي حولها كوستا جافراس وزوجته إلي فيلم حصل علي جائزة سيزار واستمر شارف يخرج أفلاما فرنسية الهوية والموضوعات لكنه مع بداية القرن الحالي عاد مرة أخري إلي الجزائر ليقدم أفلام انتاج مشترك مثل فيلم «خراطيش فرنسية» حول طفل جزائري في العاشرة يعيش في مدينة تقع في الغرب الجزائري عام 1962 وتنتقل الكاميرا بعين الصغير علي صورة الحياة في الجزائر التي تستعد للحرية بينما ينسحب الجيش الفرنسي إلي الأبد. أما فيلمه «بنت كلثوم» عام 2002 فهو عن فتاة في التاسعة عشرة من عمرها تدعي غالية تقرر مغادرة فرنسا والعودة إلي بلدها الأصلي الجزائر، بحثا عن أسرتها، أمها وأبيها. أما المخرج الذي لا يمكن تجاهله فهو أحمد راشدي الذي نشعر كأنه أقرب إلينا نحن المصريين فهو الذي أخرج الفيلم الروائي التسجيلي «أنشودة الوداع» حول حفلات غنائية سجلها عبدالحليم حافظ في أوروبا، كما أنه من أوائل المخرجين الجزائريين الذين استعانوا بالأدب الجزائري الحديث لتحويله إلي أفلام مثلما فعل عام 1969 في «الأفيون والعصا» عن رواية لمولود معمري، كما أنه استعان بالممثل عزت العلايلي ليقوم ببطولة فيلم «الطاحونة» عام 1986، ومن أفلامه التي ناقشت قضية الهجرة «علي في بلاد السراب» من خلال علي الذي هاجر إلي باريس وهو يمتلك طريقة في العيش تمكنه من الحفاظ علي الهدوء والطمأنينة وراحة النفس رغم كل العقبات التي يعانيها في المجتمع الغربي، انه يعمل في وظيفة وضيعة يقوم بشراء منظار مكبر ويستخدمه في مراقبة وقائع الحياة في المدينة ويكتشف الوجه الحقيقي لهذه الحياة، وهو يحقق مكاسب من خلال يناصيب، لكنه لا يلبث أن يعود إلي سيرته الأولي كفقير. ذات صباح يكتشف من خلال منظاره عجوزا يحتضر يهرع لمساعدته لكنه يصل متأخرا فالعجوز قد فارق الحياة ويتهم أنه قتله. ويري أحمد راشد ان السعادة شيء نسبي قد لا يتحقق حتي وإن كنت من المهاجرين، لا شك ان مسيرة سينما طوال نصف قرن لا يمكن إيجازها في مقال خاصة أنها سينما تنامت بقوة في سنوات بعينها، وهناك مراجع عديدة باللغة الفرنسية حول هذه السينما لكن المراجع العربية قليلة للغاية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.