تأخر دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم الأدب والثقافة والفن كثيراً في مصر، وكان يجب أن تقوم- تلك المؤسسات- بهذا الدور منذ سنوات طويلة، مساهمة منها في النهوض والمساندة للعقول المتفتحة اليقظة للإبداع في شتي مناحي حياتنا الثقافية والفنية، وقد ظهرت بوادر طيبة من مؤسسة ساويرس بإطلاق جوائزها الأدبية الكبري منذ بضعة أعوام، وقتها قامت الدنيا ولم تقعد وهاجم الجائزة عدد غير قليل من كتاب ومثقفي مصر وشككوا في نوايا مانح الجائزة، ولكن القائمين عليها لم يلتفتوا لهذا الهجوم، بل مضت الجائزة في طريقها تتطور عاماً بعد عام، وأصبح الجميع- للأسف الشديد- يلهث وراءها ويتمني الفوز بإحدي جوائزها، وأري ان هذا الدور واجب وطني يقع علي كاهل تلك المؤسسات يقدمونه لأبناء هذا الوطن ممن يمتلكون مواهب كبري تحتاج لمن يقف بجوارها ويدعمها، وياليت جميع مؤسسات المجتمع المدني في مصر تفعل مثلما فعل ساويرس. دور الوزارة ونحن لا نغفل الدور الكبير الذي تقوم به وزارة الثقافة المصرية لدعم الثقافة والمثقفين والفنانين من خلال مؤسساتها وهيئاتها المختلفة، وإقامة المؤتمرات والمهرجانات والمسابقات، ودعم الكتاب من خلال المنح الأدبية، وتوفير الكتاب من خلال مشروع القراءة للجميع وإتاحته بأسعار زهيدة لكل فئات المجتمع، ودعم النشر المركزي والإقليلمي، وإقامة الأنشطة الثقافية والفنية من خلال بيوت وقصور الثقافة في شتي ربوع مصر من أقصاها إلي أقصاها، وتشييد المكتبات في القري والنجوع المحرومة من الثقافة، إنه دور لا ينكره إلا جاحد، ولكن يجب أن عمل مؤسسات المجتمع المدني جنباً إلي جنب مع المؤسسات الحكومية مثلما يحدث في جميع دول العالم. فقد سبقنا إلي هذا الدور العديد من الدول العربية خاصة دول الخليج العربي، وقامت مؤسساتها المدنية بدعم المثقفين والفنانين والباحثين، وإطلاق الجوائز الأدبية والبحثية الكبري، لتشجيع الأدباء والباحثين الجادين علي مستوي الوطن العربي إيماناً منهم بقيمة الإبداع والمبدعين والدفع بالأمة إلي الأمام. ومثلما يحدث في جميع دول العالم المتقدم حتي لا تقع المسئولية كلها علي عاتق الدولة، وهناك العديد من المؤسسات المدنية الألمانية التي تعمل في حقل الثقافة والإعلام والبحث العلمي في مصر والوطن العربي، وتقدم المنح والمساعدات وتقيم الدورات التدريبية والورش الأدبية والفنية، إيماناً منها بدعم الثقافة والإعلام والبحث العلمي، وقد كنت من المحظوظين بحضور دورة تدريبية عام 1997 في صحافة وثقافة الأطفال استمرت لأكثر من خمسة شهور متصلة، بدعم من مؤسسة هانذزايدل الألمانية وبالاشتراك مع التليفزيون المصري ومجلة سمير، وبحضور عدد كبير من المهتمين والمتخصصين في أدب وثقافة وصحافة الأطفال في مصر، وكانت دورة علي قدر كبير من الجدية، استمعنا خلالها إلي محاضرات في تقنيات الكتابة والرسم للأطفال وأهمية الموسيقي والرياضة والمسرح وأثره علي نفسية الطفل، ومحاضرات في التربية وعلم النفس من أساتدة كبار متخصصين في هذا الشأن، وقد استفدت استفادة كبيرة، وكانت هذه الدورة وما تركته في نفسي من حب لهذه الثقافة النوعية أن أتجه كلية إلي الاهتمام بكتابة وثقافة الأطفال. كن ليبرالياً وقضيت مؤخراً ثلاثة أيام بأحد الفنادق المطلة علي شاطئ بحيرة قارون بالفيوم، في المدة من 26 إلي 28 ديسمبر الماضي، في ورشة كتاب الأطفال «كن ليبراليا» حول تنمية الليبرالية السياسية وحقوق المواطنة عند الأطفال، والتي أقامها نادي أدب سنورس وبدعم من مؤسسة فريدريش نومان الألمانية التي تعمل في مجال الثقافة والإعلام من منظور ليبرالي، بدأت فعاليات الورشة بالجلسة الافتتاحية بعنوان: «لماذا الليبرالية السياسية وحقوق المواطنة للأطفال» شارك فيها الأديب أحمد طوسون، المنسق العام للورشة، وهاني عبدالمالك منسق المؤسسة، وأدارها الأديب أحمد قرني، وبحضور الكتاب المشاركين، وأطفال المدارس الابتدائية والإعدادية، وبعدها عقدت أربع موائد مستديرة، جاءت المائدة الأولي تحت عنوان: «القيم الأساسية وأدب الطفل- الطفولة وتشكيل الشخصية- ترسيخ القيم عند الطفل» والثانية: «تعويد الناشئة علي وضع نهايات مناسبة للنصوص- الحرية- التلقائية- التجربة- تقنيات نقد وإعادة كتابة النصوص»، والثالثة: «ضد التمييز» والرابعة: «حقوق المواطنة للأطفال وفق الميثاق العلمي لحقوق الطفل» أما الجلسة الختامية، خصصت لفتح حوار حر حول الأفكار والرؤي التي تولدت عند الكتاب نتيجة أعمال الورشة، أدار الموائد المستديرة كل من: الأديب أحمد الأبلج، وكاتب هذه السطور، وبحضور أكثر من ثلاثة عشر كاتبا من المهتمين بأدب وثقافة الأطفال من شتي ربوع مصر، وهم: د. محمد سيد عبدالتواب، انتصار عبدالمنعم، ناصر المحلاوي، سمر إبراهيم، عماد عبدالحكيم، هدي توفيق، محمد عاشور هاشم، خالد سعيد، والفنان عهدي صادق، واعتذر عن الحضور الأديب أحمد فضل شبلول لسفره خارج البلاد، شهدت قاعة المؤتمرات التي خصصت للورشة مناقشات ساخنة وجادة، وجدل بناء، خاصة مائدتي ضد التمييز، وحقوق المواطنة للأطفال وفق الميثاق العالمي لحقوق الطفل، وطرحت وجهات نظر ورؤي جديدة مفادها ضرورة خوض كتاب الأطفال المناطق الشائكة، وتقديمها للطفل العربي بفنية وبما يتفق مع قيمنا وعاداتنا، وأيضاً ضرورة تناول كتاب الأطفال عالم الكمبيوتر والإنترنت والميديا الحديثة في أعمالهم الأدبية، وعدم التمييز الديني والعرقي بين الأطفال بعضهم وبعض بما أنهم متساوون في الحقوق والواجبات ويعيشون في وطن واحد. أثبتت هذه الورشة أن الجيل الجديد من كتاب الطفل قادر علي حمل المسئولية لو أتيحت له الفرص الحقيقية، وتقديم إبداع مختلف متجاوز لما هو حالي.