جامعة الأقصر تفتتح مركزًا للطلاب ذوي الإعاقة    وزير الأوقاف: نسعى لاستعادة خطابنا الديني ممن يحاول اختطافه    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    تفاصيل التاكسى الكهربائى بالعاصمة الإدارية المقرر تشغيله غدا    إنفوجراف| 5 معلومات عن السيارات الكهربائية في مصر    .. ومازالت أمريكا- لا ترى-!!    الجنائية الدولية تصدر قرارا من الجنائية الدولية بشأن ليبيا    قائمة بيراميدز – تواجد أحمد الشناوي لمواجهة سيراميكا كليوباترا    كان راجع من الدرس.. مصرع طالب ثانوي في حادث تصادم بالفيوم    ضبط شخص بالمنوفية لقيامه بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب    ميريل ستريب وجوليت بينوش على السجادة الحمراء لمهرجان كان ال77 (صور)    تعرف على القطع الأثرية المميزة لشهر مايو بالمتاحف.. صور    رئيس «تليفزيون فلسطين» بالقاهرة: الإعلام المصري لعب دوراً كبيراً في نقل قضيتنا للعالم (حوار)    الزعيم يضىء شاشات العرب| احتفالية سينمائية بأعمال عادل إمام    أمين الفتوى يوضح متى يجب على المسلم أداء فريضة الحج؟    وزير الصحة يزور مستشفى «كليفلاند كلينك أبوظبي»    وزير الصحة يشيد بالدمج بين الخدمات الطبية والتكنولوجيا المتطورة بمستشفى «كليفلاند كلينك أبوظبي»    أسهل طريقة لعمل الكرواسون بالجبنة في المنزل.. وجبة خفيفة للفطار والعشاء    قبل البيرة ولا بعدها؟..تعليق علاء مبارك على انسحاب يوسف زيدان من تكوين    بعد تصدره مؤشر جوجل.. أعمال كريم قاسم الفنية    الأربعاء.. انطلاق فعاليات الدورة الثانية لمعرض زايد لكتب الأطفال    بعد تصدرها التريند.. ما هي آخر أعمال نسرين طافش؟    مفاجأة كبرى.. ديبالا في مدريد هذا الصيف    الاتحاد الأوروبي يوسع عقوباته على إيران بسبب روسيا    جيش الاحتلال ينشر خريطة يطالب فيها سكان أحياء بشمال غرب غزة بالإخلاء    تنظيم 10 ندوات لمناقشة المشكلات المجتمعية المرتبطة بالقضية السكانية في شمال سيناء    بعد تصدرها التريند.. تعرف على آخر أعمال فريدة سيف النصر    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    محافظ أسوان يكلف نائبته بالمتابعة الميدانية لمعدلات تنفيذ الصروح التعليمية    محافظ القاهرة يبحث مع وزير الرياضة عددا من ملفات العمل المشترك    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    حيوان يثير الرعب.. الحكم على 3 مُدانين بقتل شاب في بورسعيد    أشرف عطية يتفقد الأعمال الجارية بمشروع محور بديل خزان أسوان الحر    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    «الزراعة»: مشروع مستقبل مصر تفكير خارج الصندوق لتحقيق التنمية    الشيبي يظهر في بلو كاست للرد على أزمة الشحات    برلماني: مصر قادرة على الوصول ل50 مليون سائح سنويا بتوجيهات الرئيس    انعقاد مؤتمر الأوقاف الدولي الخامس والثلاثين.. أغسطس القادم    العراق يؤكد استمرار دعم "الأونروا" لتخفيف معاناة الفلسطينيين    «صحة النواب» توصي بزيادت مخصصات «العلاج على نفقة الدولة» 2 مليار جنيه    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    «أبوالغيط»: مشاعر الانتقام الأسود تمكنت من قادة الاحتلال    رسميا مانشستر يونايتد يعلن رحيل نجم الفريق نهاية الموسم الحالي    وزير الدفاع البريطاني: لن نحاول إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سلام مع روسيا    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    موقف الخطيب من رئاسة بعثة الأهلي في نهائي دوري أبطال افريقيا    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    المندوه يتحدث عن التحكيم قبل نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطور السياسي في مصر .. من دولة محمد علي إلي انفجار يناير
نشر في القاهرة يوم 15 - 05 - 2012

ستيفين كوك Steven cook هو من ابرز المحللين الأمريكيين المتابعين لمنطقة الشرق الأوسط وبشكل خاص تركيا ومصر ويركز في كتاباته علي التطور العسكري والسياسي، في بلدان مثل مصر والجزائر وتركيا . ويجيء كتابه الأخير " النضال من اجل مصر .. من عبد الناصر إلي ميدان التحرير "، لكي يناقش سؤالا جوهريا وهو ما التطورات التاريخية التي قادت إلي الثورة المصرية في يناير 2011 وهو التساؤل الذي جعله يتتبع الفترات التاريخية الحاسمة في التطور السياسي لمصر، من الاحتلال الفرنسي القصير لمصر وعهد محمد علي وخلفائه، والاحتلال البريطاني لمصر والنضال المصري من اجل الاستقلال بما في ذلك بروز حزب الوفد وقيادات سعد زغلول ومصطفي النحاس وثورة 1919، وفترة ما بين الحربين وبروز القضية الفلسطينية، وصولا إلي ثورة 23 يوليو 1952 وبروز قيادة جمال عبدالناصر. ويعتبر توماس كوك أن تتبع هذه التطورات التاريخية ضرورة لفهم الانفجار الذي حدث في 25 يناير 2011 , كما يعتقد أن الصراع الذي دار من اجل مصر منذ محمد علي له تداعياته ونتائجه ابعد من مصر ومن سياساتها الداخلية، وعلي هذا فإن من يعرف مصر ويعرف أيضا علاقاتها بجيرانها في الشرق الأوسط والولايات المتحدة، كما يعتقد انه علي الرغم من أن انفجار 2011 هو نتاج مشكلات خارجية، فالبريطانيون، والسوفييت ثم الولايات المتحدة في الحقب الأخيرة كان لهم جميعا تأثير علي الساحة الداخلية المصرية، ويركز كوك علي تأثير الولايات المتحدة والتي دعمت لعدة عقود ماليا ودبلوماسيا وسياسيا زعماء نظام سياسي غير ديمقراطي والذين كانوا غير مبالين بشعبهم، ويستخلص أن المعركة ضد مبارك قد انتهت ولكن النضال لتعريف مصر إنما يدخل مرحلة جديدة ليس أكيدا كيف سيتحول. قوة الصحافة ويبدأ سيتفين كوك في تتبعه لتاريخ مصر السياسي بإنجازات" قوة الصحافة " منذ الحملة الفرنسية وكيف استخدمت الصحافة لنشر القرارات الرسمية فأصدرت le courrier de Egypt وإصدار باللغة العربية "التنبيه"، وعلي الرغم من أن الصحيفتين كان يحررهما مصريون إلا أنها كانت تعكس نظرة المشروع الفرنسي في مصر . وفي عام 1828 أسس محمد علي " الوقائع الرسمية " والتي كان يشار لها دائما بأنها " المجلة المصرية الرسمية " كوسيلة لإيصال سياسة الحكومة جنبا إلي جنب مع بعض الدوريات من الوزارات المصرية . وقد ظلت الصحافة في يد الرسميين المصريين حتي عام 1863، ولكن في ظل حكم إسماعيل بدأت صحافة أهلية تزدهر بمساعدة مهمة من جانب القصر، ولاشك أن حاكم مصر الجديد، والذي كان عمره 33 عندما اعتلي العرش، كان ينوي تقديم أجندته السياسية الخاصة خلال رعايته للصحافة، بل كان يري نفسه أيضا كمصلح كبير يدرك أهمية الصحافة، والمجلات والدوريات في المجتمع الحديث. وبالإضافة إلي الصوت الرسمي المعبر عن إسماعيل "وادي النيل"، ظهرت عدد من الإصدارات معبرة عن تأييد قضايا متنوعة وميول ايديولوجيه تتراوح بين إصلاحات إسماعيل والقومية المصرية إلي تأييد المشروع الأوروبي في مصر، ومع 1870 كانت مصر تفتخر ب 16 جريدة كانت عشرة منها تصدر باللغة العربية. وفي عام 1867 عندما اجبر إسماعيل علي قبول اللجنة البريطانية الفرنسية حول الدين المصري، انتقدت جريدة " الأهرام "، التي أسسها اثنان من المسيحيين اللبنانيين عام 1876، الملكية بخضوعها المتزايد للغرب، كذلك كتبت افتتاحية " جريدة مصر " ضد التحكم الأوروبي وخلال ثورة عرابي عمل الخديو والحكام الإنجليز علي التحكم في الصحافة وأرسل المحررين والصحفيين إلي المنفي، ورغم هذا فإنه حتي قانون الصحافة لعام 1881 الذي فرض غلق عدة صحف، إلا انه لم يفعل إلا القليل لتقويض المشاعر المصرية . وفي الحقبتين اللتين تليا انتفاضة عرابي أنعشت الصحف المصرية نقاشا مصريا وضعت الموالين للملكية والبريطانيين في مواجهة مع الوطنيين الذين أرادوا " مصر للمصريين". الإصلاح الإسلامي ويناقش كوك، في تتبعه للتاريخ السياسي المصري ما يسميه ب " الإصلاح الإسلامي"Islamic Reform وهو يعتبر انه علي الرغم من أن الصحافة المصرية لعبت دورا مهما في تحريك القومية المصرية، فقد كانت هناك عوامل أخري حاسمة خلال دراما الحقب السبعة الطويلة. من بين هذه العوامل المثقفين والنشطاء الإسلاميين حيث بدت قضية الإسلام والسياسة موضع جدل وخلاف عميق خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001حيث أصبحت مفاهيم مثل الجهاد، والسلفيين مألوفة وان لم تكن مفهومة بشكل كامل بالنسبة للكثيرين، ورغم هذا، فإنه من المهم توضيح أن الإسلام عامل حساس ومعيار ساعد في تشكيل مصر والشرق الأوسط الحديث. وبالنسبة للاصلاحين المسلمين فإن أوضاع المسلمين كانت نتيجة جهلهم الجماعي، والعجز في الاخلاقيات العامة والافتقار إلي الوحدة، وهم لم يكونوا يكرهون أوروبا في ذاتها، فكل من محمد عبده والأفغاني أمضيا وقتا في أوروبا وأعجبوا بإنجازاتها، وكان محمد عبده خصوصا يدرك أهمية التعليم، والسياسة والإصلاحات المدنية والتي أجراها الخديو إسماعيل بالهام من أوروبا ولكن هذه الإصلاحات أنتجت نطاقا من المشكلات والتي لم تكن الشريعة مهيئه للتعامل معها . وبالنسبة لمحمد عبده وغيره من المصلحين فإن المصريين والمجتمعات الإسلامية بوجه عام لا يستطيعون الاستسلام للمفاهيم الأوروبية حول ما يجب أن يكون عليه المجتمع، فالإسلام يجب أن يعمل " كعامل حاكم " في المجتمع، وفي النهاية، اعتقد محمد عبده انه من اجل وقف تحلل مصر فإنها تحتاج حاكما عادلا يحكم وفقا للقانون وبالتشاور مع الشعب. وقد أنجب محمد عبده تلامذة أقوياء الذين عملوا علي توسيع وتفسير أفكاره بشكل أكثر، وكان من أهمهم : احمد لطفي السيد، رشيد رضا، وسعد زغلول والذي سوف يلعب دورا مركزيا في نضال الوطني حتي موته عام 1927 . ورغم هذا فقد كان ثمة اختلاف في الطريقة التي فسر بها هؤلاء الثلاثة فكر محمد عبده وكيف فكروا في تطبيقه علي مشكلات مصر، فمثلا لم يكن لطفي السيد ملتزما بالضرورة بمركزية الإسلام كما تصور محمد عبده وبالشكل الذي تصوره الافغاني ومعاصره رضا . وهو كان يعترف بأن المجتمع الديني هو أكثر تفوقا من المجتمع غير الديني، ولكنه لم يكن يعتقد أن " المجتمع الديني اكثر نفوقا اخلاقيا من المجتمع غير الإسلامي، وكان لطفي السيد أكثر اهتماما بالتعامل مع العلاقة بين الإسلام والقومية وحيث قرر في النهاية انهما لا يتفقان، ورغم هذا فقد شارك محمد عبده في الاهتمام الملتزم في تنمية العلاقة الأخلاقية بين المواطنين والحكام، وهكذا فقد عارض الوجود البريطاني والخديو علي أساس أنهم يحكمون بشكل مطلق، اما بالنسبة لرشيد رضا فان الإجابة علي السؤال المركزي " لماذا تخلفت البلدان الإسلامية" فهو انحراف المجتمع عن الإسلام، وكان رضا يقدر القوة التكنولوجية للغرب، ولكنه اعتقد أن ثمة علاقة مباشرة بين المبادئ الأخلاقية للإسلام وبين التطور الصحي للمجتمع، فإذا فهم الإسلام ومورس بشكل صحيح، فان ذلك سوف يتبعه بالتأكيد الرخاء، والتنمية والقوة. اما سعد زغلول، الذي سيقود الكفاح الوطني من خلال حزب الوفد ضد الإنجليز، فإنه علي الرغم من ارتباطه بالأزهر ومحمد عبده، فإنه كان يشارك العديد من أتباع محمد عبده أفكارهم في أن التعليم والإصلاحات القانونية هي مكونات ضرورية لاندفاع مصر نحو الاستقلال . الضباط الأحرار ويأتي توماس كوك إلي ظهور الضباط الأحرار، واعتمادهم منذ البداية علي واشنطن لتحقيق جلاء الإنجليز، وعلي الرغم من العلاقة الخاصة بين واشنطن ولندن، فان إدارة ايزنهاور قد دفعت حلفاءها البريطانيين، وان كان برفق، لكي تتقبل الانسحاب من مصر وان كان الإتفاق مع البريطانيين كان عليه أن ينتظر حتي توطيد الضباط الأحرار لسلطتهم. وداخليا كان ما يشغل الضباط الأحرار هو العدالة الاجتماعية، ورغم أنهم قد واصلوا السياسات الاقتصادية الليبرالية التي وجهت الاقتصاد المصري لسبع حقب إلا أنهم كانوا يطورون خططا للتعامل مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بطريقة مختلفة تماما، وكانت الأداة الأولي لتحقيق هذا الهدف هو الإصلاح الزراعي، وبمساعدة المثقفين اليسارين طور الضباط الأحرار الإصلاح الزراعي الذي عملوا علي وضعه موضع التنفيذ خلال 6 أسابيع من امتلاكهم للسلطة، وفي نفس اليوم الذي أعلن فيه الإصلاح الزراعي وافقت الحكومة علي قوانين تنظم قيام الزعامة والاتجاهات الايديولوجية المقبولة للأحزاب السياسية، وكانت هذه المبادرة مركزية للتحكم في نظام البرلمان والذي كان في حالة توقف منذ الانقلاب، ولإدراك الضباط أن الإجراءات التي اتخذوها حتي الآن لم تخفف من نطاق المشكلات التي كانت تهدد بتفكك تدخل الضباط في يوليو 1953، فقد ظل طلاب الجامعة، الذين كان لهم نشاطهم السياسي، مترددين في تأييد الثوار ومنقسمين بين الوفد والإخوان. كذلك كانت الطبقة العمالية، والتي كانت دائما مصدرا معارضا للنظام، مازالت مفتوحة للمنظمات اليسارية، وقد اتخذ الضباط بعض الاجراءات لتحسين الاجور في هذا القطاع إلا أنهم لم يحققوا تقدما ملموسا في الحصول علي تأييد واسع، ومن اجل وقف هذا الانحدار، اتخذ الضباط الأحرار خطوة جريئة نحو الغاء الملكية، غير أن اعلان الجمهورية لم يؤثر كثيرا في اليسار وخاصة الشيوعيين الذين لم يكونوا فقط يتشككون في استعداد الضباط لإعادة مصر إلي الحكم التمثيلي ولكنهم كانوا ايضا معارضين بشدة لعلاقة النظام الجديد مع الولايات المتحدة، فلم يكن هناك شك في أن علاقة حميمة قد تطورت بين الضباط وواشنطون، وكان اللقاء الاول بين الضباط والسفير الامريكي جيمس جافري بعد يومين من الانقلاب ووفقا لكل التقارير كان السفير متأثرا بالضباط الشبان . وفي رصده للتطور السياسي الداخلي، يتابع كوك تطور العلاقة بين الضباط وجماعة الإخوان المسلمين، وحيث كان التطور الحاسم فيها الاعتداء الذي تعرض له جمال عبد الناصر في الاسكندرية ونسب إلي الإخوان المسلمين، وهو الحادث الذي زاد من شعبية عبدالناصر ومنح النظام فرصة للانقضاض علي جماعة الإخوان المسلمين ومؤسساتها وفروعها في كل انحاء مصر، ولبقية حكم ناصر كان الإخوان المسلمين اما في السجون أو يعملون تحت الارض، وفي المدي القصير فان هذا جعل الإخوان المسلمين عاملا غير مؤثر في السياسة المصرية، إلا أن المواجهة بين الضباط والإخوان المسلمين عام 1954 وما تلي ذلك من دعم النظام سيكون له تأثير عميق علي السياسة المصرية لعقود قادمة. عوامل لبناء مستقبل النظام ويسجل كوك ثلاث عوامل كانت حاسمة في بناء مستقبل النظام : كان العامل الاول هو الاعتداء الذي تعرض له ناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، وهو الحادث الذي حوله من شخصيته تقريبا في الظل إلي شخصية شجاعة والابن المحبوب لمصر، والعامل الثاني كان الإحساس، بعد اكتشاف شخصية ناصر وشعبيته، بأن الضباط يحققون وعودهم في التعامل مع قضايا غياب العدالة الاجتماعية، وتنمية الاقتصاد وبناء مصر كقوة اقليمية، وإن كان معظم ذلك كان ظاهريا اكثر منه حقيقيا إلا انه ولفترة ما بدا الاختلاف بين حديث الضباط الثوري وبين الواقع صغيرا حقا، وقد كانت هذه الفترة قصيرة نسبيا ودامت قرابة العقد . اما العامل الثالث فكان اعلان ناصر، من الميدان الذي تعرض فيه للاعتداء، عن تأميم قناة السويس 26 يوليو 1956، وقد ادت تداعيات الاحداث التي ادت بناصر لكي يتخذ هذه الخطوة الجريئة لكي تثبت انها كانت من اهم احداث بدايات الحرب الباردة، فقد استخلصت واشنطن ولندن، وباريس أن ناصر قد اصبح في قبضة معسكر موسكو . وقد ادي الانتصار السياسي الذي تحقق لناصر عقب الاعتداء الثلاثي التي تعرضت له مصر في اكتوبر 1956 بالاضافة إلي ما حققه الاقتصاد المصري خلال الفترة من منتصف الخمسينات وبداية الستينات من نمو، ودعوه القومية العربية، كل هذا جعل ناصر مع منتصف عام 1958 السيد الذي لا منازع له في السياسة المصرية وقد سعي لكي يحقق نفس الشيء للقاهرة في السياسة الاقليمية، وقد شهدت مصر النفوذ غير المسبوق فيما وراء العالم العربي عندما التحق ناصر بقادة عدم الانحياز بما فيها نهرو، و تيتو وسوكارنو، وهي الفترة المزدهرة لمصر التي انتهت بالنكسة وحين ظهر عبد الناصر في ليلة 9 يونية 1967 علي التلفزيون المصري لمخاطبة الامة ولكي يعلن أن القوات المصرية المسلحة قد تحطمت، واهينت وبدت البلد تحت رحمة إسرائيل والنوايا الطيبة
للقوي الاعظم، وحيث انهي خطابه انه مستعد لقبول المسئولية وانه اتخذ قرارا بالتنحي كلية عن منصبه الرسمي ودوره السياسي . النكسة ويستعيد توماس كوك الدوافع التي كانت وراء التصعيد الذي بدأه ناصر منذ 15 مايو 1967 بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، وغلق مضيق العقبة، ويعتبر أن وراء هذه القرارات كانت تقارير المخابرات السوفيتية عن حشود إسرائيلية علي الحدود مع سوريا، وهي التقارير التي كان لها تأثير عاجل علي مصر، والتي شجعت مصر إلي ملاحظة ذلك والرد علي التصعيد الإسرائيلي، وقد ثبت أنه لم يكن هناك حشود إسرائيلية وأن التقارير السوفييتية كانت زائفة، إلا أن المؤرخين عليهم أن يقرروا لماذا اصدرت موسكو هذا التحذير، اما العامل الثاني وراء قرارات ناصر، فكان الانقسام العربي. وحيث كانت عواصم عربية منافسة لمصر، وخاصة السعودية، والاردن، تتهم مصر بأنها تتستر وراء قوات الطوارئ الدولية . في هذا، فيما يقدر كوك، كان عبدالناصر امام خيارين: إما ألا يفعل شيئا، وبذلك يبدو ضعيفا، أو الدخول في حرب كان واضحا انه ليس مستعدا لها خاصة أن جزءا كبيرا من الجيش المصري كان متورطا في اليمن ويخصص كوك لعهد انور السادات فصلا بعنوان "بطل العبور" ، يبدأه من حرب 1967 والتي اعتبر انها لم تنته، ففي لبنان والاردن استمرت المجموعات الاوروبية في شن هجمات في إسرائيل وأرضها المحتلة الجديدة، وفي سيناء كان هناك تبادل مستمر لاطلاق النار بين المصريين والإسرائيليين واستمرت هذه الهجمات إلي نهاية 1967، 1968 ولكنها تصاعدت في بداية 1969 وادت إلي أن يعلن الرئيس عبدالناصر رسميا " حرب استنزاف" ضد إسرائيل في مارس وكان هدف مصر الاستراتيجي في هذا الصراع، وبعد أن عوض الاتحاد السوفيتي كل السلاح والمعدات التي خسرتها مصر عام 1967، أن تثبت لإسرائيل أن احتلال سيناء لن يكون بلا ثمن . ونحو هذا الهدف صمم كادر الضباط المصريين الكبار الذين بقوا بعد 1967 استراتيجية فعالة للتعامل مع التحدي الإسرائيلي . وقد عمل المصريون علي أن يبقوا القوات الإسرائيلية تحت ضغط دائم بمدفعية دائمة لا تتوقف. وكان امل ضباط عبد الناصر أن بهذه الاستراتيجية سوف يبقون الإسرائيليين علي مستوي عال من التعبئة ما يضع عبئا علي الاقتصاد الإسرائيلي. وباعتبار عدد سكان إسرائيل الصغير وحساسية المجتمع الإسرائيلي للوفيات خلال الحرب، عمل المصريين علي إنزال أكبر قدر من الخسائر الممكنة علي الإسرائيليين من أجل اقناع إسرائيل بالثمن العالي الذي تدفعه كذلك استطاع ناصر، خاصة بعد أن استطاع أن يقنع موسكو علي أن تضع احدث نظمها الدفاعية وافرادها بما في ذلك طيارين محاربين للدفاع عن مصر أن يضع إسرائيل في موقع الدفاع، ومع ذلك لم تكن مزايا ناصر غير كافية لزحزحة الإسرائيليين من سيناء أو حتي من المناطق المباشرة علي القناة . وفي الواقع فان العكس قد حدث بإقامة ماسمي بخط بارليف والذي اثبت انه دفاع فعال ضد النيران المصرية . في هذه الاثناء جاءت وفاة عبدالناصر، وفي توقع من سيخلفه كانت معظم الروايات الصحفية الغربية لا تتوقع انتقالا سلسا للسلطة و توقع المحللون الدبلوماسيون والمخابرات الامريكية فترة من عدم الاستقرار والتي سوف تسبب بين عدد من التداعيات السلبية، انتكاسة لجهود السلام . وفي تقدير الدبلوماسيين الامريكيين فان انور السادات، الذي كان قد اصبح نائبا للرئيس عام 1969، كان ضعيفا لتحويل القيادة المؤقتة إلي سلطة دائمة . السادات ومع الوقت الذي اصبح فيه السادات رئيسا بدأ في الظهور 4 مستوطنات في سيناء خاصة في منطقة رفح جنوب قطاع غزة، وخلال العام الاول من رئاسته انشئت مستوطنتين آخرتين في خليج العقبة والتي كان يقصد بها أن تكون منتجعا سياحيا، وكانت جهود إسرائيل في إقامة وجود دائم في سيناء وعجز مصر في وجه القوة الإسرائيلية، وكان مثل هذا الوضع غير السعيد للمصريين يثبت انه مصدر نزاع داخلي وقد يؤدي إلي سقوط السادات إلا أنه علي العكس وخلال ما اسماه "بثورة التصحيح" والتي أطاحت بخصوم السادات الذين كانوا يسيطرون علي مفاصل الحكم في الجيش، والإعلام، والداخلية والمخابرات وحتي بعد إعادة بناء المؤسسات الدستورية شعر السادات بالحاجة لتوسيع دائرته بشكل يدعم قوته بشكل أكثر، ونحو هذه الغاية سمح للإخوان المسلمين أن يستأنفوا نشاطهم، وكان هذا في الواقع ارتداد للنظام الذي مارس أقسي معاملة مع الإخوان المسلمين، ومع مجيئه فإن السادات قد تصور بدهاء المزايا الكامنة للتواصل مع الجماعة وكان هذا بالتأكيد له علاقة بتدينه، والتي سوف تنمو بشكل كبير بعد ذلك، أو لعلاقته مع حسن البنا في الاربعينات، ولكن الاعتبارات السياسية كان لها الغلبة . ومن ناحيتهم اجتهد الإخوان المسلمين في أن يعملوا علي السيطرة علي المجال الديني وأسسوا مساجد خاصة وسعوا أن يغيروا الخطاب الرسمي الذي سيطر علي الرأي العام.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.