أبناء سيناء: الإرهاب أوقف الحياة وشهدائنا مع الشرطة والجيش طهروها بدمائهم    4 أيام متواصلة.. موعد إجازة شم النسيم وعيد العمال للقطاعين العام والخاص والبنوك    بعد ارتفاعها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وغرامات التأخير    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 3 مايو 2024 في البنوك بعد تثبيت سعر الفائدة الأمريكي    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    إسرائيل تؤكد مقتل أحد الرهائن المحتجزين في غزة    فلسطين.. وصول إصابات إلى مستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال منزل بحي تل السلطان    إبراهيم سعيد يهاجم عبد الله السعيد: نسي الكورة ووجوده زي عدمه في الزمالك    أحمد شوبير منفعلا: «اللي بيحصل مع الأهلي شيء عجيب ومريب»    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    فريق علمي يعيد إحياء وجه ورأس امرأة ماتت منذ 75 ألف سنة (صور)    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    جمال علام يكشف حقيقة الخلافات مع علاء نبيل    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    فوز مثير لفيورنتينا على كلوب بروج في نصف نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملتقي القاهرة الأول.. محاولة جادة لإحياء فن القصة القصيرة
نشر في القاهرة يوم 10 - 11 - 2009

اختتم "ملتقي القاهرة الدولي الأول للقصة العربية القصيرة، دورة الراحل يحيي الطاهر عبد الله"، أعماله يوم الأربعاء الماضي الموافق 4 نوفمبر، شارك في هذا الملتقي ما يقرب من مائتي باحث وأستاذ وقاص وروائي، من مصر والبلاد العربية وبعض البلاد الأجنبية، في الفترة من 1/11 وحتي 4/11، وفي الحفل الختامي الذي أقيم بمركز الإبداع بالأوبرا، أعلنت لجنة المؤتمر فوز الأديب السوري زكريا تامر بجائزة الملتقي، وقد سلمه الجائزة وزير الثقافة، وذلك لمشواره الفني الطويل في كتابة فن القصة القصيرة، علي مدي خمسين عاماً تقريباً، فهو من مواليد 1931، بدمشق، ويقيم الآن ببريطانيا، ومن أشهر أعماله من المجموعات القصصية: "صهيل الجواد الأبيض"، "ربيع في الرماد"، "الرعد"، دمشق الحرائق"، "نداء نوح"، "الحصرم"، وغيرها،
كما أسهم زكريا تامر بإبداعاته في أدب الأطفال، حيث نشر مجموعات قصصية للأطفال منها: "لماذا سكت النهر"، اثنتان وخمسون قصة، "قالت الوردة للسنونو"، ثماني عشرة قصة، وغيرها، كما ترجمت قصصه إلي الفرنسية والروسية والتركية والبلغارية والمجرية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية، وقد حصل عام2002، علي جائزة "العويس"، كما صدرت عن قصصه دراسات لنقاد وباحثين سوريين وأردنيين وتونسيين وألمان، وباحث سويسري وباحث تركي، وقد قال فور استلامه الجائزة، أنه يعتز بشكل خاص بفن القصة القصيرة، فهي لاتزال بالنسبة له تمثل الشكل الفني القادر علي التعبير عما يريد قوله، ثم أشار لأزمة القصة القصيرة في الأدب العربي بصفة خاصة، فهي شأنها شأن أي أدب جاد في البلاد العربية، يكون منبوذاً وغير مرحب به، وتمني أن يكون هذا الملتقي مبادرة رائعة كي تسترد القصة القصيرة مكانتها التي كانت عليها منذ خمسينات وحتي ثمانينات القرن الماضي.
فليهنأ تامر بجائزته، وليهنأ كل كاتب قصة قصيرة جاد بتقديرنا، ولنهنأ نحن بفنهم الجميل، لقد كان الملتقي حقاً بمثابة قبلة الحياة التي أحيت فن القصة القصيرة، بعد أن تآمر عليها كثيرون، لا لشيء، إلا لأنها أدب جاد يحاول أن يبرز أدق لحظات الحياة الإنسانية، بفضح الزيف الكامن في النفوس المريضة، بكلمات قليلة معبرة، وهي أشياء لا تقدر عليها الرواية لطولها وعدم وقوفها علي تلك التفاصيل الدقيقة.
فالقصة القصيرة شكل أدبي عبقري، اخترعه في نهايات القرن التاسع عشر، الكاتب الفرنسي جي دي موباسان، بعد أن قرأ قصص "غرفة الأكاذيب"، التي كانت تحكي في القرن الرابع عشر الميلادي في قصر الفاتيكان بإيطاليا، ومخترعها "بوتشيو"، وهي قصص قصيرة تقوم علي اختراع حكايات علي بعض نساء ورجال إيطاليا، بهدف الضحك والتسلية، كما قرأ موباسان قصص "الديكامرون"، التي ظهرت بإيطاليا أيضاً في القرن الرابع عشر الميلادي، وهي أطول قليلاً من قصص "مصنع الأكاذيب"، وصاحبها "جيوفاني بوكاتشيو"، وأسماها "النوفلا"، وكانت تروي بهدف التسرية عن النفس والترفيه عن المنكوبين، بعد أن اجتاح وباء الطاعون فلورنسا في ذلك الوقت، وكانت تتسم بالأحداث المروعة، وأغلبها أيضاً حكايات مخترعة، وتنتهي بنهايات كبيرة كالزواج أو الموت، ولكن موباسان كان يعتقد أن الحياة تختلف عما ترسمه هذه القصص، فليس أهم ما فيها هو الفراق أو الزواج، فالحياة حقاً تخلو من الأحداث الخطيرة أو الوقائع المهمة، ولكن يوجد بين طياتها من الأمور العادية التي تحدث كل يوم، فتعكس زوايا وأضواء ومعاني جديرة بالاعتناء، فليس من الضروري، في رأي موباسان، أن يتخيل الكاتب مواقف أوشخصيات غريبة ليخلق قصة، بل علي العكس، يكفيه أن يصور أفراداً عاديين في مواقف عادية، كي يفسر الحياة تفسيراً سليماً، ويبرز ما فيها من معانٍ خفية، وهذا ما حققه كل من إميل زولا، وجوستاف فلوبير قبل موباسان لكن كان ذلك من خلال الرواية، ترك زولا بعد موته عبارة: "لابد أن نعيد بالحق خلق إنسانية أسمي وأسعد"، وقد امتازت أعماله بواقعية فلوبير، كان زولا يعالج أمراض المجتمع بواقعية شديدة، جعلت الجمهور يشتمه، ويعده من المثقفين غير الوقورين، فكان يردد كلمته المشهورة: "نظفوا بيوتكم وسأنظف قلمي بعد ذلك"، كان زولا مولعاً بالمجانين والمعتوهين، وكان أبوه طبيباً ومشرحاً للأجساد، ودائماً ما كان زولا يحلو له أن يتسلق سور المستشفي ليشاهد أباه وهو يقوم بتشريح الجثث، فنشأ ابن مشرح الأجسام مشرحاً للأرواح البشرية. وعندما ثار النقاد علي فلوبير بسبب روايته: "مدام بوفاري"، وقدم للمحاكمة في فرنسا، وقف القراء بجانبه، وأقنعوا النقاد بأن "مدام بوفاري" صورة صادقة للحياة في أمانتها، وهي ليست أكثر بذاءة من وصف صادق لكتلة من كتل الجليد الهاوية. أما موباسان، فكان يعلم بأن الرواية لا تصلح للتعبير عن تلك الواقعية الجديدة، التي تري أن بالحياة لحظات عابرة، قد تبدو في نظر الرجل العادي لا قيمة لها، ولكنها تحوي من المعاني قدراً كبيراً، وكان كل هم موباسان أن يصور هذه اللحظات، وأن يستشف ما تعنيه، وكلها أشياء قصيرة ومنفصلة، ولكل منها معناها المعين، فكيف يمكن أن تحويها رواية واحدة؟ واهتدي إلي الحل، وهو أن هذه اللحظات العابرة القصيرة المنفصلة لا يمكن أن يعبر عنها إلا القصة القصيرة، فكان ذلك اكتشافاً خطيراً، بل أهم الاكتشافات الأدبية في العصر الحديث، لأن القصة القصيرة أصبحت تلائم روح العصر كله، فهي الوسيلة الطبيعية للتعبير عن الواقعية الجديدة، والتي لا تهتم لشيء أكثر من اهتمامها باستكشاف الحقائق من الأمور الصغيرة العادية المألوفة، وهكذا سارت القصة القصيرة من بعده علي الشكل الذي ارتضاه لها، وهو أن تصور القصة حدثاً معيناً، لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده، وسار علي دربه كل من أتوا بعده من كبار كتاب القصة القصيرة أمثال: أنتون تشيكوف، وكاثرين مانسفيلد، وآرنست همنجواي، ولويجي بيرانديلو، وآخرين. أما في الأدب العربي، فلم يكن للقصة القصيرة قبل العصر الحديث شأن يذكر، بل كان لها مفهوم خاص لم ينهض بها، ولم يجعلها ذات رسالة اجتماعية وإنسانية، ومع ذلك، مرت بمراحل في الأدب العربي، حتي وصلت لمرحلة النضج الفني، فكانت هناك حكايات السمر ومجالس اللهو وقصص الوعظ ذات الدلالات الشعبية، والحكايات التاريخية الممزوجة بالتاريخ والخرافات والأساطير، كما في تاريخ الطبري لملوك الفرس، ثم ظهور ما يشبه الملاحم مثل "الشهنامة" للفردوسي، وقصص ألف ليلة، وكليلة ودمنة، وهذان من الأدب المترجم، ثم ظهرت المقامات العربية، لبديع الزمان الهمذاني والحريري، والمقامات تعني المجالس الأدبية، وحي بن يقظان لابن طفيل، ورسالة الغفران لأبي العلاء، وحديث عيسي بن هشام للمويلحي، ومع حركة الترجمة، عرفت مصر القصص العالمية، فترجم رفاعة الطهطاوي "وقائع تليكاك" لفنلون، وترجم حافظ إبراهيم البؤساء لفيكتور هوجو، ولم تظهر القصة القصيرة إلا مع ظهور الطباعة والصحف، وذلك لارتباطها بالصحف بشكل قوي، فظهرت قصص مترجمة في صحيفة "التنكيت والتبكيت" لعبد الله النديم عام1981، ثم ظهرت صحيفتان هما: "البيان"، إنجليزية التوجه، و"السفور"، فرنسية التوجه، نشرت فيهما القصة القصيرة المترجمة، ومع أنها كانت ترجمات مشوهة، إلا أنها لم تلق استهجاناً من النقاد لأنهم أعدوها بشائر لشكل أدبي وليد، ومع ظهور المدرسة الحديثة في عشرينات القرن الماضي، ظهرت القصة القصيرة المصرية، وكان من أشهر روادها: الأخوان تيمور، محمد ومحمود، وطاهر لاشين وزكي طليمات ومحمود عزمي وحسين فوزي وأحمد علام، وآخرون، وفي عام 1925 أصدروا مجلتهم "الفجر" التي كانت تحمل شعار: "الهدم والبناء"، وكانت مجموعة "ما تراه العيون" لمحمد تيمور، أول مجموعة قصصية مصرية عام1917، ثم ظهرت مجموعات لاشين: "سخرية الناي"، و"يحكي أن"، ولعيسي عبيد ظهرت "الشيخ جمعة"، مع استمرارهم في الترجمة عن القصص الفرنسي والإنجليزي، ثم أتت مرحلة تالية عرفوا فيها الأدب الروسي، فألهب عواطفهم ودفعهم للكتابة بحرارة الشباب، حيث وجدوا أن الأدب الروسي يتوافق مع روحهم المتعطشة للحب، لأنه أدب يتحدث بحرارة وانفعال شديدين، ويجمع بين المتناقضات، فوجدوا فيه التطهير والخطيئة معاً، والإيمان بالقدر والثورة عليه في آن، والصلاة والتراتيل والخمر والبغاء، والجريمة والعقاب، والقديسين والشياطين، وعرفوا تشيكوف وجوركي وديستويفسكي وتولستوي وجوجول وغيرهم. وفي عام 1927 توقفت صحيفة الفجر وانفرط عقد المدرسة الحديثة ثم عادت القصص الرومانسية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، حتي جاء يوسف إدريس، هذا العبقري الذي التقط الخيط من المدرسة الحديثة، ومع أول مجموعة له وهي "أرخص ليالي" عام1954، أثار انتباه النقاد، فكان له الدور الريادي والحاسم في إحياء واستعادة السيادة السابقة للاتجاه الواقعي. تلك جولة سريعة داخل زمن القصة القصيرة بين الشرق والغرب، علي مدي قرن ونصف من الزمان، أردت من خلالها أن أسجل فرحتي بهذا المهرجان الرائع الذي احتضنه المجلس الأعلي للثقافة، عله يكون خطوة علي الطريق الصحيح، وتستعيد مصر دورها الريادي في الأدب العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.