42 حزبا سياسيا: مناقشة الحوار الوطنى العدوان الإسرائيلي على رفح يؤكد اصطفاف الجميع خلف القيادة السياسية    جامعة كفر الشيخ تفوز بالمركز الأول ب النسخة 12 لمهرجان إبداع ب الدوري الثقافي المعلوماتي    في عامه ال 19.. المدير التنفيذي لبنك الطعام: صك الأضحية باب فرحة الملايين    تفاصيل اجتماع وزير الداخلية ونظيره الفلسطيني    تأييد حبس أحمد طنطاوي سنة في قضية التوكيلات المزورة    الحكومة تدرس التحول إلى الدعم النقدي بدءًا من 2025-2026    فيتو تكشف في عددها الجديد، صحة المصريين.. خط أحمر    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم بعاصمة المحافظة    مجلس جامعة أسوان يناقش سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني لعام 2024/2023    رئيس "أميدا": نعتزم تدشين مركز استراتيجي في مصر لحفظ بيانات الدول الأعضاء    المراكز التكنولوجية بالشرقية تستقبل 11 ألف طلب تصالح في مخالفات البناء    منظمة الأغذية والزراعة: مصر العاشر عالميا في إنتاج زيت الزيتون    هيئة الرقابة المالية: اعتماد صندوق تأمين العاملين بشركة مصر للأسواق الحرة    القوات المسلحة: نجري تحقيقات في حادث إطلاق النيران بمنطقة الشريط الحدودي في رفح    المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية: الغارة الجوية الأخيرة على رفح خطيرة للغاية    تاكيدا ل «المصري اليوم».. الزمالك يكشف هوية خليفة حلمي    فينيسيوس: مباراة بوروسيا دورتموند فريدة وعلينا البدأ بقوة منذ البداية    تجديد حبس المتهمين بالاعتداء على سائق وسرقته فى الجيزة 15 يوما    بتهمة الشروع في القتل.. المشدد 15 عامًا لتاجر في شبرا الخيمة    توقعات بمواعيد مختلفة لعيد الأضحى 2024 في العالم الإسلامي    حبس مدير أعمال الراحل حلمي بكر 3 سنوات وكفالة 50 ألف جنيه.. فيديو    كسر بالكتف والقدم.. وفاء عامر تكشف تفاصيل تعرضها لحادث خطير    "شو هالاجرام الإنسانية ماتت".. إليسا تعلق على مذبحة رفح    جامعة المنوفية تحصد مراكز متقدمة بمسابقة «إبداع 12»    يسرا: الفنانة الراحلة فاتن حمامة امرأة استثنائية بمعنى الكلمة    قص الأظافر ووضع المعطرات.. دار الإفتاء تحذر الحجاج من ارتكاب هذه الأفعال    حياة كريمة.. تقديم خدمات طبية مجانية لأهالى بيلا فى كفر الشيخ    حياة كريمة.. قافلة طبية شاملة لأهالى قرية "الشهيد الخيري" بالقنطرة غرب    لأصحاب الرجيم.. طريقة تحضير بيتزا توست بالفلفل الرومي    بدء الفعاليات التمهيدية للترويج لافتتاح النسخة الرابعة لحملة «مانحي أمل» في مصر    "متنورش العالي".. صبري فواز يكشف عن نصيحة لطفي لبيب له    إسكان البرلمان توصي بتشكيل لجنة لمعاينة مشروع الصرف الصحي في الجيزة    إعصار مدمر يضرب الهند وبنجلاديش.. مشاهد صادمة (فيديو)    قرارات جديدة بكلية الحقوق جامعة عين شمس 2024    وزير الإعلام البحرينى: العلاقات بين مصر والبحرين تتميز بخصوصية فريدة    بالصور: ياسر سليمان يطرب جمهوره بأغاني محمد رشدي على مسرح الجمهورية    سموحة يغلق ملف الدوري «مؤقتاً» ويستعد لمواجهة لافيينا فى كأس مصر غدًا    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    يغسل الذنوب.. تعرف على فوائد أداء مناسك الحج    رفع الرايات الحمراء على شواطئ غرب الإسكندرية بسبب ارتفاع الأمواج    موعد رحيل جوارديولا عن مانشستر سيتي    وزير الرياضة يُشيد بنتائج التايكوندو في الألعاب الأوروبية ورفع الأثقال ببطولة العالم    «الداخلية»: تنظيم حملة للتبرع بالدم بقطاع الأمن المركزي    وزير الإسكان يتابع مشروعات تجديد أحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية بالقاهرة    شريف العريان: لن أخوض انتخابات رئاسة اتحاد الخماسي الدورة المقبلة    رئيس لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس الأمريكي: ملتزمون بدعم تايوان على جميع المستويات    أكثر من ألفي شخص دفنوا أحياء جراء الانهيار الأرضي في بابوا غينيا الجديدة    بينهم مصر.. زعماء 4 دول عربية يزورون الصين هذا الأسبوع    ضبط لصوص سرقوا دولارات من تجار بالسوق السوداء    وزير الصحة يدعو دول إقليم شرق المتوسط إلى دراسة أكثر تعمقا بشأن مفاوضات معاهدة الأوبئة    موعد وقفة عرفات 2024 وأهمية صيام يوم عرفة    لليوم الثاني.. تجهيز 200 شاحنة تمهيدا لإدخالها إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم    تحرير 1365 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    جامعة القاهرة تحصد 22 جائزة فى المجالات الأدبية والعلمية بمهرجان إبداع    سيد معوض ينصح الأهلي برفع جودة المحترفين قبل كأس العالم 2025    هل حج الزوج من مال زوجته جائز؟.. دار الإفتاء تجيب (فيديو)    كولر: لم أستطع الفوز على صنداونز.. لا أحب لقب "جدي".. والجماهير تطالبني بال13    متى عيد الأضحى 2024 العد التنازلي| أفضل الأعمال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليتامى فى السينما المصرية من «دهب» إلى «حين ميسرة»
نشر في القاهرة يوم 10 - 04 - 2012

والسينما المصرية تحب قصص الفواجع وكم رأينا أطفالا يتركون على أبواب المساجد أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية وقد حاولت الأفلام أن تستدر عطف المشاهدين دون أن تجد الحل وإن كانت قد حاولت أحيانا فإذا كان المجتمع نفسه غير قادر على حل مشاكل هؤلاء الصغار، فإن السينما كما أشرنا هى فى المقام الأول مرآة وعليه فإن السينما لم تقصر فى الحديث عن الأطفال اليتامى وقد تواجد اليتامى، وأولاد الشوارع دوما فى قصص الأفلام أياً كان النظام السياسى والاجتماعى، فهى ظواهر موجودة فى كل الأزمنة والأماكن ونال أدباء بأعينهم مكانتهم من خلال ما صوروه عن عالم اليتامى مثلما فعل البريطانى «تشارلز ديكنز» والروسى «دوستويفسكى» والأمريكية «بيرل بل»، والمصرى «محمد عبدالحليم عبدالله»، وفى السينما اكتسب «تشارلى تشابلن» أهمية من خلال أفلام عديدة عن أطفال يتامى كما اهتم بهؤلاء الأطفال الهندى «سيتاجيت راى» وأيضا «كمال سليم» و«عاطف سالم» و«حسن الإمام» دون أن ننسى روايات أبطالها من اليتامى منها «أوليفر تويست»، و «المساكين» و«اليتيمتان» و«الجوع» و«الجنة العذراء» و«بلا عائلة». إصلاح المجتمع وفى السينما المصرية يمكن أن نلاحظ مجموعة من السمات فى الأفلام التى تناولت موضوع اليتامى، وأيضا أطفال الشوارع واللقطاء. شهدت السينما المصرية فى النصف الأول من عمرها ما يسمى بالمخرجين الإصلاحيين الذين يستخدمون الفن لتأدية رسالة اجتماعية وللتحذير ومحاولة حل المشاكل الاجتماعية المطروحة ويعنى مصطلح الإصلاحيين ، هنا أنهم كانوا يؤمنون بدور السينما لإصلاح المجتمع، وحل مشاكله مثل الإيمان بقيمة العمل وحقوق العاملين واليتامى وأولاد الشوارع والبطالة وكان حسين صدقى ويوسف وهبى على رأس هؤلاء خاصة فى موضوع الطفل اليتيم، كما أن هناك أسماء أخرى مثل أحمد كامل مرسى وحسن الإمام فى بعض أفلامه. ويعتبر حسين صدقى هو الأسبق والأكثر تكريسا لجهده فى هذا المجال بصرف النظر عن القيمة الفنية لهذه الأفلام واستخدام المباشرة وقد اهتم باليتامى فى فيلم «الأبرياء» 1944 من إنتاجه وتأليف يوسف وهبى وإخراج بدرخان، أما يوسف وهبى فقدم «أولاد الشوارع» عام 1951، حيث شارك فى الإنتاج وأخرجه وقام ببطولته، وقدم حسن الإمام فيلمه «اليتيمتين»، أما أنور وجدى فقدم الفتاة اليتيمة فى«ياسمين» 1950 وفى الفيلم تركها أهلها على باب مسجد فى «دهب» عام 1953 . وفيما بعد قدم عاطف سالم أفلاما عن يتامى وأطفال شوارع مثل «الحرمان» و«جعلونى مجرما» وكان الأطفال هنا فاقدى الآباء، رغم وجود من يرعاهم بعيدا عن الأسرة الأصلية. لاشك أن اكتشاف الموهبة الخارقة فى التمثيل ساعدت فى إنجاح بعض هذه الأفلام عن اليتامى، ابتداء من فيلم «اليتيمتين» عام 1948، حيث كانت فاتن حمامة فى سن الثامنة عشرة ، وفيه تؤدى دور فتاة ضريرة ليس لها سوى اختها التى تفصلها الظروف القهرية عنها وفى الفيلم رأينا كم تعانى اليتيمة قسوة المجتمع وقد أجاد كل من فيروز وسليمان الجندى، وسهير فخرى أداء دور اليتامى فى العديد من الأفلام وليس فى فيلم واحد فقط، فالأولى صارت يتيمة فى «ياسمين» و«الحرمان» أما سليمان الجندى فقد برع فى هذا الدور في «جعلونى مجرما» بينما رأينا سهير فخرى فى «أنا بنت مين» حسن الإمام عام 1952، و«نافذة على الجنة» لأحمد ضياء الدين 1953 . مع الستينات من القرن الماضى خفت أفلام التواجع والمكلومين إذ حاولت السينما أن تتجاهل مشكلة تتفاقم دون أن تتوقف عندها، ربما لأن مرحلة المد الثورى كانت تؤكد على أهمية العمل والرعاية الاجتماعية لذا فإن يتامى هذه الحقبة ليسوا من المعذبين فى الأرض بقدر ما هم يعملون وينجزون مثلما حدث فى فيلم «سيد درويش» لبدرخان عام 1966 وفى هذه الحقبة رأينا الكثير من الأطفال سعداء فى أسر كثيرة العدد مثل «أم العروسة» و«السبع بنات» من إخراج عاطف سالم ، لذا فإن من رأيناهم من أطفال فى أغلب هذه الأفلام كانوا يعيشون فى بيوت يدفئها الحب ورغم العدد الزائد للأطفال فى الأفلام، فإنهم عنصر بناء وضرورى من أجل لم شمل الأسر. الآباء أولا اليتامى كما قدمتهم السينما هم من فقدوا الأباء فى المقام الأول مثلما حدث فى فيلم «البؤساء» لكمال سليم عام 1943، كما أنهم أولاد الشوارع، واللقطاء الذين لفظهم الآباء وقام آخرون بتربيتهم مثل الأب الذى لا يحب إنجاب الإناث، فألقى بالوليدة على رصيف مسجد. ويعيش هؤلاء فى ظروف قاسية يضطرون للعمل فيما هو خارج على القانون، هم بلا أهل أو أسرة، ولذا يمكن تقسيم هؤلاء اليتامى إلى درجات ، فالفتاة دهب، وأيضا ياسمين ، وجدت الأب البديل، لذا فهى فقيرة لكنها ليست تعيسة، وكثيرا ما تكون السينما رحيمة بالأطفال اليتامى، فيظهر الأب الحقيقى فى فترة لاحقة مثلما حدث فى «اللقاء الأخير» و«صورة الزفاف» و«أنا بنت مين» و«الشيطانة الصغيرة» و«بائعة الخبز». يوسف وهبى كمخرج ومنتج وممثل هو الأكثر اهتماما بالأطفال اليتامى منذ أن قدم فيلمه «أولاد الفقراء» عام 1942، حيث توقف عند الأسباب التى أدت بأطفال إلى التشرد وأرجح ذلك إلى فقدان العائل الأساسى للأسرة ويمكن أن يدخل الأطفال الذين سجن عائلهم لسنوات طويلة ضمن هذا الإطار، فكم خرج الآباء من السجون ليجدوا أبناءهم وقد عانوا ما يعانيه اليتامى. فى فيلم «أولاد الشوارع» هناك الضابط فايز يعثر على رضيع يتيم فى إحدى الحارات عند عودته من عمله ذات مساء فيقرر أن يكون بالنسبة له الأب البديل فيربيه فى داره بين أولاده فى الوقت الذى كانت الأم الحقيقية للطفل تراقب ابنها ينمو بعد أن رأت الضابط يقوم بأخذ يتيمها من الشارع، إذن فاليتيم هنا يجد الأب البديل، وفى اليوم التالى تذهب الأم لمقابلة فايز وتحدثه عن الحقيقة بأنها أم الطفل وتشكو له من معاملة زوجها «عربى» وما تحيا فيه من حياة صعبة، أى أن الطفل هنا ليس يتيما بشكل فعلى، لكن الأم توصى فايز أن يحسن تربية ابنها «تاج» والضابط هنا يعرف الأب «عربى»، حيث سبق أن قبض عليه أكثر من مرة فهو مجرم عتيد ويدخل الأب السجن بعد أن حاول قتل امرأته، وبعد انتهاء مدة عقوبته يعلم أن ابنه يقيم فى منزل فايز الذى يرعاه وسط الأسرة، وينجح فى استرداد ابنه، ومن هنا تتغير حياة ابن عربى تاج ويتصرف كاليتامى، فيمارس النشل بعد أن تعلم المهنة عن أبيه، وينضم إلى إحدى العصابات وينتهى به الحال إلى الإجرام، وتكون نهايته السجن. اليتيم هنا معنوى فالأب موجود لكنه بلا حنان أي أن اليتيم هو من حرم من حنان الأب، وإن كان على قيد الحياة وهناك تشابه بين هذا الواقع وماعاشته الفتاة فى فيلم «عائشة» لجمال مدكور عام 1953، فهى محرومة من حنان الأب الذى يدفعها إلى بيع أوراق اليانصيب، ويعمل أخواها فى النشل ويستولى الأب على حصيلة كل منهم كى يرتاد البار ويقوم الأب ببيع ابنته عائشة إلى أحد الأثرياء ليتولى تربيتها، توجد هنا أيضا مسألة الأب البديل فبعد خروج الأب من السجن يسعى لاستعادة عائشة من منزل الثرى بعد أن صارت تلميذة ناجحة متفوقة. حسين صدقى الذى اهتم بقضية «العامل» فى فيلم يحمل الاسم نفسه عام 1942 لأحمد كامل مرسى، قرر إنتاج فيلم «الأبرياء» عام 1944 عن اليتامى وليس عن يتيم مات، وفى الفيلم ترى محسن الشاب الذى يهوى الرسم، وهو ذو طباع رومانسية لميوله الفنية يعيش فى بيت جده وهو قصر كبير لا يملؤه أى من صخب الحياة ، فيفكر محسن فى استغلال قصر جده فى إيواء اليتامى من الأطفال وينجح محسن فى احتواء عدد طيب من اليتامى المشردين ويبدأ فى تعليمهم والاهتمام بهم مما يثير حنق جده عليه، حتى يخيره بين العيش معه فى قصره دون هؤلاء اليتامى، أو الاحتفاظ بهم بعيدا عن القصر. يترك محسن القصر يقطن مسكنا متواضعا ويكد فى العمل كى يستطيع الإنفاق على اليتامى، لكن أهله لا يقتنعون بأسلوب حياته، فيرفعون أمره إلى القضاء فى دعوى حجر واتهامه بالحماقة والسفه لكن «محسن» يستطيع بما يؤمن به من حق العيش أن يدافع عن نفسه وعن أطفاله مما يجعله يكسب الدعوى ويخسرها جده. وقد حاول الفيلم أن يقدم حلا لليتامى فهم يتكاتفون ويبدأون فى الجد والعمل امتثالا لما علمه لهم محسن ويصبحون مواطنين صالحين ينجحون فى توفير نفقاتهم حتى لا يبددوا ثروة محسن الذى يشعر أنه نجح فى رسالته فيستمر فى البحث عن يتامى جدد ليرعاهم، إذن فالفيلم قدم حلا مقبولا من خلال ما يقوم به فرد مؤمن بالرسالة التى كرس حياته من أجلها. تشارلى شابلن أما أنور وجدى فبدا كأنه يمشى فى ركاب تشارلى تشابلن فى فيلم «الغلام» 1933، وهو يقدم فيلميه «ياسمين» 1950 و«دهب» 1953 فنحن هنا أمام لقيطة يرعاها رجل فقير، بينما تنتمى اليتيمة إلى أسرة غنية وغالبا ما يكون لها أب مثل «دهب» لكنها تعيش فى رعاية أب بديل وينتهى الفيلمان برجوع الصغيرة إلى أسرتها الثرية، تحت رعاية عرابها .. ياسمين مثلا أبوها وضعها ليلة ميلادها أمام الملجأ ثم مات فى حادث، فصارت يتيمة ثم تهرب من الملجأ وهى فى الثامنة وترعاها عصابة من النشالين ثم تتعرف على عازف الساكسفون العاطل الذى يتولى تربيتها ثم تتركه كى تعود إلى العصابة ويكتشف الرجل أن ياسمين هى حفيدة رجل ثرى يسعى إلى مقابلته، فى الوقت الذى تتفق فيه ياسمين مع الأطفال الآخرين للسطو على إحدى الفيلات وتكون هى فيلا الجد. ياسمين هى يتيمة عاشت فى الشوارع أكثر مما فعلت «دهب» فهى محترفة للسرقة والعصابة تقوم بتسريح أطفال متشردين يتامى لممارسة السرقة وهناك فارق واضح بين رؤية «يوسف جوهر» كمؤلف لفيلم «الأبرياء» ويوسف وهبى مؤلف «أولاد الشوارع» وبين «أنور وجدى»، فقد تحول الفيلم إلى استعراض ومواجهات بين العصابة والعازف. وفى «دهب» .. رأينا وحيد الفونسو بديلا عن العازف قد عثر على لقيطة على باب مسجد فيأخذها ويتولى رعايتها، وتعمل معه فى مجال التسول والفن إلى أن يظهر الأب الحقيقى الذى تعامل معها على أنها سفاح.. ويسعى هذا الأب إلى استغلالها. فى فيلم «الحرمان» ل«عاطف سالم» الذى قامت ببطولته فيروز أيضا، هو عن فتاة يتيمة بشكل اعتبارى فقد انفصل الأبوان وانشغلت الأم عن منزلها بأعمالها الخاصة وتهرب الطفلة من أبيها بعد أن تصورت أنها كانت السبب فى إصابته مما أدى إلى بتر ذراعه وتقع فى براثن عصابة تديرها امرأة، إذن هما في حكم اليتامى أى الذى فقد أبويه فليس اليتيم فى هذه الأفلام من مات والداه ولكن من فقدهما وعرف التشرد وتتحول الصغيرة هنا إلى طفلة شوارع، تسرق، وفيما بعد تهرب من العصابة وتتبناها أسرة سكندرية مما يعنى أنها عثرت على الأب البديل، وفى نهاية الفيلم ستعود إلى أبيها بعد أن لمه الشمل على زوجته. جعلونى يتيما تكررت هذه الموضوعات كثيرا فى هذه الفترة وجسدت فيروز هذا الدور فى أفلام عديدة، كذلك فإن عاطف سالم أخذ الموضوع نفسه فى فيلمه «جعلونى مجرما» عام 1954، ورأينا سلطان اليتيم الذى دخل الإصلاحية بعد وفاة أبيه واستيلاء عمه على ميراثه، وعندما يكبر سلطان يلتقى بطفل صغير فى خضم العصابة التى تضم الكثير من الأطفال اليتامى. ويحاول انقاذه من مصير محتوم يشبه مصيره، وقد رأى سلطان أمه تموت أمام عينيه وهو طفل وهى التى تزوجت من أبيه عرفيا، ولم يعترف به ثم مات وقد رأينا كيف أن اليتم يلاحق صاحبه وهو فى أعمار متعددة. نحن فى هذا الفيلم أمام جيلين من اليتامى، الجيل الأول يمثله سلطان الذى مهما حاول التوبة فإن شرور عمه له بالمرصاد وينتهى به الأمر أن يقتل عمه، أما الجيل الثانى فيمثله الصغير الذى هرب من أخته وتتحكم فيه عصابة النشل بالحديد والنار فعندما يدخل الطفل المستشفى ترتدى الأم زى سيدة راقية وتروح تبكى وتستعيد الطفل إلى العصابة. بدت مصر في النصف الأول من السنوات سينمائيا، وكأنها ملجئا لليتامى الذين رأيناهم فى أفلام عديدة منها أربع بنات وضابط .. لأنور وجدى 1954 أيضا وفيه قامت «نجمة إبراهيم» بدور شابة وفى الملجأ نرى الكثيرات من بنات يتيمات يتقبلن القسوة وطغيان المشرفة ويركز الفيلم على أربع يتيمات يهربن من الإصلاحية ويعملن فى الشوارع ويقبلن خديعة امرأة ثرية، بأن تدعى نعيمة أنها ابنتها المفقودة منذ سنوات. فى الفترة نفسها قدم «سيف الدين شوكت» قصة ثلاث بنات يلجأن إلى الشوارع أيضا بسبب الخلافات بين الأبوين فى فيلم «عصافير الجنة» إذن لقد سلكن سلوك اليتيمات رغم المركز المرموق للأب ووجود الأم وقد عملت البنات مع عازف
البيانو إبراهيم وصبيه الذى فقد عائلته هو الآخر فى ظرف يشابه ما حدث للبنات الثلاث اللاتى اضطررن إلى التخفى فى زى الصبيان مثلما فعلت الفتاة فى فيلم «الحرمان». تعيش الصغيرات هنا داخل انقاض أوتوبيس اتخذوه مأوى لهم ويقررن مهاجمة شركة المشروبات الغازية التى تمتلكها زوجة الأب واليتامى هنا وما أكثر عددهم يقومون بعمل إيجابى فهم ليسوا لصوصاً كما أنهم ينتقمون من زوجة الأب التى ترمز إلى الشر. لاشك أن ازدهار تناول موضوع اليتامى هنا ليس سببه أن للسينما دورا اجتماعىا فى الإصلاح ولكن السبب الأساسى هو وجود نجمة صغيرة يمكنها أن تأتى أفلامها بعوائد كبيرة فصارت على السينما أن تستغلها بكل قوة قبل أن تصير صبيبة حتى إذا بدت شابة انتبذتها السينما التى ظلت تبحث حتى الآن عن موهبة مماثلة دون أن يحدث ذلك. ولو نظرنا إلى استخدام كلمة «اليتيم» فى عناوين الأفلام فسوف نرى ذلك فى أعمال عديدة ولعل فيلم «اليتيمة» لفؤاد الجزايرى عام 1946 هو من أوائل تلك الأفلام، وهو حول امرأة تدعى «قمر هانم» تضع بنت سفاح تتركها فى الشارع وتنتحر ترعاها العناية الإلهية وتمر السنون لتصبح الفتاة وفية ممرضة فى مستشفى عبدالستار بك وتربط بينها وبين ابنه علاقة حب.. إلا أن الأب يرفض هذه العلاقة حيث لا أهل للبنت الممرضة ويتمسك الابن وحيد بها رغم رغبته فى عدم عصيانه تكتشف الفتاة أن عبدالستار يتزعم عصابة لتهريب المجوهرات وتخبر الأمر إلى وحيد الذى حسم الأمر وتزوج اليتيمة الممرضة. وهذه القصة قريبة بشكل ملحوظ من رواية «لقيطة» التى نشرها محمد عبدالحليم عبدالله عام 1945، والتى تحولت إلى فيلم بعنوان «ليلة غرام» إخراج بدرخان عام 1951، أما فيلم اليتيمتين لحسن الإمام عام 1948 فهو مأخوذ عن رواية فرنسية بنفس العنوان حيث عثر الحاج مرسى على طفلة رضيعة فى لفافتها على الطريق ويقوم بتربيتها مع ابنته وتنموان معا وما يلبث الحاج مرسى أن يفارق الحياة فتتوحد اليتيمتان من أجل مواجهة الحياة، وتفترقان عندما تصلان إلى القاهرة أو تتعرض كل منهما لمتاعب كثيرة إلى أن تلتقيان مرة أخرى. سقوط سكر أشرنا أن هناك أسبابا عديدة لتوقف ظهور اليتيم فى السينما المصرية بشكل مكثف وفى السبعينات رأينا فيلم «بص شوف سكر بتعمل إيه» لأشرف فهمى عام 1977، وهو يدور أيضا فى عالم اليتامى حيث إن سكر اليتيمة تقع فريسة عصابة خطف الأطفال تدربهم على مهن مختلفة منها التسول والنشل والموضوع هنا بمثابة تكرار للفيلمين اللذين قدمهما أنور وجدى. وفى التسعينات من القرن الماضى رأينا هذه الظاهرة تعود بشكل ملحوظ من خلال أفلام مثل «العفاريت» لحسام الدين مصطفى عام 1990، و«اليتيم والذئاب» لحسين عمارة، و«اليتيم والحب» لمحمود فريد وكلاهما عام 1993، وفى هذين الفيلمين هناك من يسمى بالأب البديل لليتامى وتتغير المعانى، فالطفل في «اليتيم والحب» فقد أمه ويعانى من عدم وجودها وهنا تتمثل المقولة الشعبية أن اليتيم الحقيقى هو من فقد أمه حيث ستنمو علاقة حب بين الأب المهندس، والمدرسة التى تعتنى به فى المدرسة، وما نلبث أن ندخل فى مطاردات وعمليات خطف للأطفال موجودة فى أفلام كثيرة. فى العقد الأول من القرن العشرين بدأت السينما تتحدث عن أطفال آخرين يعيشون فى أسر ميسورة الحال وبدا كأن مصر قد خلت تقريبا من اليتامى إلا أن كاتب السيناريو ناصر عبدالرحمن وجه كتاباته عن الفقراء الجدد، سكان العشوائيات فرأينا أطفالا مشردين أقرب إلى اليتامى لا يعرفون أين أباءهم الحقيقيين رغم أن هؤلاء الأباء على قيد الحياة، وقد يكونون على مسافة أمتار منهم، إنهم يعيشون فوق الأرصفة، وعلى أسطح القطارات مثلما رأينا فى «حين ميسرة» و«الغابة» وغيرهما.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.