حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيرياليسون.. كيرياليسون
نشر في القاهرة يوم 27 - 03 - 2012

كان البابا شنودة في تلك المرحلة وكعهده دائماً شعلة من النشاط الدؤوب المتواصل لا يكل ولا يمل بل يعمل ليلاً ونهاراً، فقد كان يعمل مدرساً للغة العربية في مدرسة إكليركية ثانوية، وكان يعمل في الوقت نفسه مدرساً للغة الإنجليزية في مدرسة ابتدائية وكاتباً في مجلة مدارس الأحد، وقد تخرج البابا شنودة في الجامعة عام 1927 بتقدير امتياز ثم تخرج بعدها بثلاث سنوات في الكلية الإكليركية، وكان ترتيبه الأول، وأثناء وجوده في كلية الآداب كان قد التحق بالجيش في التدريب العسكري متطوعاً في سلك المتطوعين ثلاث سنوات، وكان أيضاً أول الخريجين من ضباط مدرسة المشاة عام 1947، بترتيب " الأول " وبرتبة الملازم .. كل هذه المؤثرات كان لها أكبر الأثر علي البابا شنودة في حبه الشديد للرهبنة والخدمة الروحية والدينية، فاستقال من كل أعماله عام 1954 وذهب إلي دير السريان بوادي النطرون حيث تم رسامته راهباً باسم أنطونيوس السرياني في 18 يوليو 1954 وقد اختار مغارة بعيدة في الصحراء لكي يتعبد فيها ويتأمل الكون من حوله. وقد حملت الجمال الآلاف من الكتب وناءت بحملها ظهور الجمال من كتب المعرفة الإنسانية وعكف البابا علي قراءتها في دير وادي النطرون وهو من أحب الأديرة إلي نفسه والذي لم يغادره ولو لمرة واحدة علي مدي أحد عشر عاماً من عام 1952 إلي عام 1963، حيث عكف علي القراءة ونسخ المخطوطات الأثرية القديمة، وقد قام مع بعض الرهبان بشراء مطبعة صغيرة وقام بنسخ المخطوطات القديمة وبيعها بثمن زهيد بسعر التكلفة .. وقد اختاره البابا كيرلس السادس سكرتيراً خاصاً له لثقته المطلقة به، ثم رسمه أسقفاً عاماً للتعليم في سبتمبر 1962، وكان وقتها رافضاً أن يرسم أسقفاً، فأمسكه البابا كيرلس من رأسه ورسمه، فقد كان البابا شنودة يود أن يعيش راهباً إلي الأبد يتأمل ويعكف علي الصلاة والكتابة والتأليف.. صاحب الرؤية والإلهام الروحي "ميلاد المسيح رسالة دافئة في ليلة باردة " بتلك الرؤية كان يوجز قداسة البابا شنودة الثالث ميلاد ورسالة السيد المسيح، ليؤكد أن رسالة المسيحية بميلادها كانت بمثابة الدماء التي تدفقت في العروق الباردة الميتة فبعثت الحياة فيها، .. وهكذا كان يري العصر الذي ولد فيه المسيح، ويضيف موضحاً " كان روح الله يعمل - وبخاصة وسط مختاريه - لكي يمنحهم حياة النصرة علي ذلك الجو. ولكي يقيمهم شهودا له. فاستحقوا أن يروا ملائكة، وأن يتسلموا رسالات إلهية.. " وكان قداسته أحد أهم الشهود لله، كارزاً ومبشراً عظيماً، وراعياً أكبر لشعب عظيم. إنه تأمل روحي بديع لراهب ناسك وقراءة غير مسبوقة لحدث وشخوص زمن ميلاد السيد المسيح.. ويضيف قداسته واصفاً الحدث بأنه مناسبة فرح " فرح الملائكة بميلاده. وانشدوا نشيدهم الخالد " المجد لله في الأعالي. وعلي الأرض السلام. وفي الناس المسرة ".. ودَعوا الرعاة أيضاً للاشتراك معهم في الفرح لأنه فرح لجميع الشعب. ومازال العالم يفرح أنه فرح ببدء عهد جديد. تظهر فيه مبادئ جديدة وقيم سامية عالية يقدمها السيد المسيح للعالم.. وظهرت في عظته الشهيرة علي الجبل. وفي سائر عظاته وتعاليمه. وفيما أودعه في قلوب تلاميذه من تعليم..". هكذا كان قداسته مُعلماً يمتلك بديع الرؤية، وعبقرية الإيجاز، وعظيم الدلالات والأمثلة لما يقول ويعلم لرعيته المسحورة بكاريزما وجوده، وبيان عباراته التي تصل القلوب فتبلسمها بروح الإيمان، مؤكداً المصدر العظيم للقوة بعبارته الشهيرة " ربنا موجود " التي باتت شعاراً لإحدي فضائيات الكنيسة التي أطلقها، وتوج بها إنجازاته في العقد الأخير من حياته وحياة من كان يبثهم رسالته العظيمة .. عن مفهوم القوة كان يقول: القوة صفة من صفات الله ..في الثلاث تقديسات نقول (قدوس الله القوي) وفي تسبحة البصخة نقول (لك القوة والمجد) ونحن نختم الصلاة الربية بقولنا (لأن لك الملك والقوة والمجد) (مت 6 : 12) وحينما تحدث الوحي الإلهي عن روح الله، قال (روح المشورة والقوة) (أش 11: 2) وعملية الخلق، وإقامة الموتي، وكل المعجزات دليل علي قوة الله .. ومادام الله قويا، ونحن قد خلقنا علي صورة الله، وعلي شبهه ومثاله (تك 1 : 27) إذن المفروض فينا أن نكون أقوياء.. الله قوي، وهو أيضا مصدر كل قوة حقيقية، ولذلك نردد في تسبحة البصخة قول المرتل في المزمور (قوتي وتسبحتي هو الرب، وقد صار لي خلاصا) (مز 118 : 14). ويقول المزمور أيضا (أحبك يا الله قوتي) وفي ترجمات أخري، ولهذا يقول الوحي الإلهي في سفر زكريا النبي (لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود) (زك 4 : 6) لهذا كله قال الكتاب (اختار الله ضعفاء العالم ليخزي بهم الأقوياء) . (1كو 1 : 27) فلماذا ؟ قال القديس بولس (ليكون فضل القوة لله لا منا) (2كو 4 : 7) ولكي يكون الله مصدر قوتنا..نعم، نحن نريد أن نكون أقوياء، لكن ليكن الله هو مصدر قوتنا . هو الذي يقوينا . لا نعتمد علي قوتنا الخاصة، بل علي قوته هو . نقف أمامه كضعفاء، لنأخذ القوة منه 0 أتذكر أنني كتبت مرة في مذكرتي: (قال الشيطان لله : اترك لي الأقوياء فإنني كفيل بهم. أما الذين يشعرون بضعفهم، فإنهم يلجأون إليك، ويحاربونني بالقوة التي يأخذونها منك، فلا أقدر عليهم) .. عن مفهوم الحرية قال : إن الله يحب لكل إنسان أن يكون حرا.وقد خلق الإنسان بإرادة حرة 0 وقال له في آخر سفر التثنية (انظر . قد جعلت اليوم قدامك : الحياة والخير، والموت والشر ... أشهد عليكم اليوم السماء والأرض . قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة . فاختر الحياة، لكي تحيا أنت ونسلك إذ تحب الرب إلهك، وتسمع لصوته وتلتصق به، لأنه هو حياتك ..) (تث 30 : 15 -20). ويضيف: يقابل الحرية حساب ومسئولية ..فالإنسان أو الكائن غير الحر لا يحاسب علي أفعاله . أما مع الحرية فيوجد حساب علي كل ما يفعله الإنسان خيرا أو شرا . فينال المكافأة علي أعماله الخيرة . كما توقع عليه العقوبة في أعماله الخاطئة أو الشريرة .آدم وحواء كانا حرين . وأمامهما وصية الله . يمكن أن يطيعاها أو يخالفاها . وقد خالفا الوصية . وأوقع الله علي كل منهما عقوبة مسببة (تك 3 : 9 - 19) .والعقوبة علي الخطأ الذي يفعله الإنسان بحريته هي عقوبة مزدوجة : علي الأرض وفي السماء . وقد ينجو الإنسان من العقوبة علي الأرض . لكن تبقي العقوبة في العالم الآخر قائمة، لا تمحي إلا بالتوبة (لو 13 : 3، 5). كما أن الخير الذي يفعله الإنسان بحرية إرادته له مكافأة مزدوجة أيضا. محطات ومبادرات وعن أهم محطات ومبادرات وإضافات قداسته يمكن التوقف عند الإنجازات التالية : 1- هو اول بابا زار كرسي روما وكرسي القسطنطينية منذ 15 قرنا. 2- هو اول من وصل الي حل لمشكلة الكريستولوجي (طبيعة المسيح) منذ 15 قرنا باتفاقيات مع الكاثوليك ومع الروم الارثوذكس ومع الانجلكان ومع الكنائس المصلحة. 3- هو اول بابا اسكندري صار احد رؤساء مجلس الكنائس العالمي . 4- وهو اول بابا انشئت في عهده كنائس قبطية ارثوذكسية في كينينا وزامبيا وزيمبابوي وجوهانسبرج. 5- وهو اول بابا زار هذه البلاد في افريقيا كما زار ايضا زائير والكونغو وبعض البلاد في السودان. 6- وهو اول بابا زار استراليا، وامريكا وكندا، و بلادا عديدة في أوروبا. لم يزرها بابا قبطي من قبل... 7- وهو اول بابا اسس 54 كنيسة في الولايات المتحدة ،والبحر الكاريبي ،و19 كنيسة جديدة في استراليا ،و12 كنيسة جديدة في كندا، وهو اول بابا اسس كنائس ودشنها في اسكتلندا ،و كنائس في مانشستر وكريدون وفي برايتون ونيو كاسل بانجلترا كما دشن اول كنيسة في لندن، وهو أول من سام اسقفا لبرمنجهام واسس كنيستين فيها .. وهو اول من انشأ كنائس عديدة في اوروبا في سويسرا والنمسا والمانيا وفرنسا وايطاليا والسويد والدنمرك وهولندا وبلغت كنائس اوروبا 38 كنيسة.. 8- وهو اول من اسس اديرة اخري في بلاد الغرب منها دير كريفلباخ بالمانيا ودير في ملبورن باستراليا.. 9- وهو اول بابا انشأ كليات اكليركية في بلاد الغرب في جيرسي ستي في شرق امريكا وفي لوس انجيلوس في غرب امريكا وفي سيدني باستراليا وقام بالتدريس في هذه الكليات. 10- وهو اول بابا انشأ معهدا للرعاية ومعهدا للكتاب المقدس. 11- وهو اول بابا عضو في نقابة الصحفيين، اول من اصدر مجلة دورية للكنيسة يكتب فيها ويرأس تحريرها.. 12- وهو اول بابا قبطي منحته جامعات امريكا والمانيا درجة الدكتوراة الفخرية (3 من امريكا وواحدة من بون بالمانيا(،وهو اول بابا قبطي حصل علي شهادة المواطنة الفخرية من عديد من مدن امريكا. 13- وهو اول بابا اعاده طقس الشماسات والخوري ابسكوبس، وهو اول من انتشر في عهده عمل الفتيات المكرسات وقد وضع لهن المجمع المقدس طقسا خاصا 14- وهو اول بابا اصدر حتي الان 78 كتابا في العقيدة واللاهوت وفي الروحيات وفي التفسير وفي سير القديسين والانبياء وفي التأمل في المزامير.. انتخاب البابا شنودة وعن احتفالات انتخاب البابا شنودة الثالث بعد نياحة البابا كيرلس السادس يصف الكاتب الصحفي محمود فوزي بعض ملامح المشهد .. وحين توفي البابا كيرلس في 9 مارس 1971 أُجريت انتخابات البابا الجديد في 31 أكتوبر عام 1971 في الكاتدرائية المرقسية، وذلك بعد أن تم اختيار ثلاثة من المرشحين الخمسة للكرسي البابوي .. في تمام الساعة الثامنة صباحاً امتلأت الكاتدرائية عن آخرها، ولم يكن هناك موقع لقدم لاختيار البابا الجديد رقم 117 في تاريخ البطاركة .. وحين دقت أجراس الكنيسة معلنة بدء الصلاة والتي رأسها الأنبا أنطونيوس قائمقام البابا البطريرك وكان يحيطه مجموعة من المطارنة والأساقفة، وقد اتجهت عيون الحشد الكبير الذي ملأ الكاتدرائية إلي صندوق من الفضة، كان يعلوه صليب، والذي فتحه الأنبا أنطونيوس وهو يقول للجميع : بنعمة الله سنجري القرعة لاختيار البابا المنتخب من قبل الله! كان بداخل هذا الصندوق الفضي ثلاث أوراق متساوية يبلغ طول الواحدة منها 25 سنتيمتراً وعرضها 7 سنتيمترات، وقد كُتب علي كل واحدة منها اسم المرشحين الثلاثة الأوائل وهم : الأنبا صموئيل، الأنبا شنودة، القمص تيموثاؤس .. ثم قام الأنبا أنطونيوس بفك الأوراق الثلاث وقال للجمع الحاشد : إني أفتحها أمامكم لكي تنظروا إليها بعيونكم ولكن الله ينظر للقلوب .. وكان كل اسم من المرشحين مكتوباً بالخط الفارسي، وخُتمت الورقة بخاتم القائم قام بالحبر الأحمر، وقد رُبطت كل ورقة بشريط، وبعد أن فرغ من ذلك قام بإعادة الأوراق الثلاث إلي داخل الصندوق وأغلقه، ثم قام الدكتور يوسف منصور فربطه بشريط أبيض ثم فتحه بالشمع الأحمر بخاتم قائمقام البطريرك، وبعد كل ذلك تم تسليم الخاتم للمهندس إبراهيم نجيب وزير السياحة وقتها. وبعد أن تم نقل الصندوق إلي الهيكل أُجريت مراسم الصلاة والتي اشترك فيها قائم قام البطريرك وكبار المطارنة والأساقفة والشمامسة ورئيس الوفد الكنسي الأثيوبي، والأب بيكاهيف مريم رئيس كاتدرائية الثالوث المقدس بأديس أبابا، وعلي هندوم سفير أثيوبيا بالقاهرة، كما حضر عدد من الوزراء من بينهم د. كمال رمزي ستينو والذي سبق أن حضر أيضاً مراسم البابا كيرلس السادس حين تم اختياره من قبل بابا للأقباط وقد وقع يومها بإمضائه علي أطراف الأظرف .. ثم أُقيمت صلاة خاصة قبيل إجراء القرعة الهيكلية. وقد وقع الاختيار علي ثمانية من الأطفال تناولوا الأسرار المقدسة، ثم وقع الاختيار علي طفل منهم لم يتجاوز عمره ست سنوات، اسمه أيمن منير كامل غبريال بالسنة الأولي الابتدائية بمدرسة التحرير .. ومن المفارقات الغريبة أن هذا الطفل أيمن لم يكن مقدراً له أن يدخل الكاتدرائية لأن والده لم يكن قد حصل علي بطاقة دعوة لدخول الاحتفال ومُنع في الصباح وكان قد حاول عدة أيام للحصول علي بطاقة لدخول الاحتفال دون جدوي ولكنهم سمحوا له في النهاية بالدخول.. ولكن شاءت الأقدار أن الطفل الذي مُنع في الصباح من أن يدخل الاحتفال هو الذي يقع عليه الاختيار ليسحب إحدي الورقات الثلاث لاختيار البطريرك الجديد .. تماماً مثلما حدث من قبل لحظة اختيار البابا كيرلس السادس، فقد أُختير يومها الطفل رفيق باسيلي الطوخي والذي لم يكن مقدراً له أن يسحب الورقة حيث قال لوالده وكان يعمل موظفاً في السجل التجاري بطنطا : أنا نفسي يا بابا أنا اللي أسحب الورقة اللي فيها اسم البابا الجديد، وكأنما كانت أبواب السماء
مفتوحة لحظتها للاستجابة له، فاختير لكي يسحب الورقة التي تحمل اسم البابا كيرلس السادس وأصبح الآن مديراً لأحد البنوك بطنطا! وعلي أثر انتهاء الطفل أيمن من تناول الأسرار المقدسة في داخل الهيكل خرج الأنبا أنطونيوس ومن حوله المطارنة والأساقفة وهو يحمل الصندوق الفضي، وكان الشمامسة يرددون الألحان الكنسية من حوله .. وكان جميع المصلين يرددون صلاة قصيرة مؤلفة من ثلاث كلمات هي: يار ب ارحم .. يارب ارحم .. يارب ارحم، ثم جاءت اللحظة المصيرية .. لحظة اختيار البابا الجديد .. وسحب الطفل أيمن إحدي الورقات الثلاث .. وكان اسم البابا الجديد هو البابا شنودة الثالث .. حفل التتويج للبابا شنودة ثم جاء حفل التتويج للبابا شنودة .. للجلوس علي كرسي البابوية، وامتلأت الكاتدرائية المرقسية الكبري بالقاهرة عن آخرها منذ الساعة السادسة صباحاً من يوم 14 نوفمبر عام 1971 .. كان في مقدمة الحاضرين صلاح الشاهد كبير الأمناء برئاسة الجمهورية مندوباً عن الرئيس محمد أنور السادات، والدكتور محمود فوزي رئيس مجلس الوزراء، وحافظ بدوي رئيس مجلس الشعب، والشيخ محمد أبوفاتح مندوباً عن شيخ الأزهر، ونواب رئيس الوزراء، ومندوب البابا بولس السادس بابا الفاتيكان .. والأنبا ثاؤفيلس بطريرك أثيوبيا، ووفود الكنائس الرومانية، والإنجليزية، واليونانية، والقبرصية، والروسية، ووفود من مجلس الكنائس العالمي، ومجلس الكنائس الأمريكي، ووفد من الأقباط الكاثوليكيين، ووفود عن الطوائف الإنجيلية، والأسقفية، وجمع غفير من الشعب المصري. وحين وصل البابا الراحل سجد أمام الهيكل، ثم وضع الأساقفة الإنجيل علي رأس البابا، وجلس بعد ذلك علي كرسي أمام الهيكل، وعن يساره وقف الأنبا أنطونيوس وكان يرتدي ملابس أرجوانية ثم قرأ الأنبا ميخائيل مطران أسيوط وثيقة التزكية والتي جاء فيها : نحن المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة وكل الشعب المحب للمسيح بمدينتي الأسكندرية والقاهرة وأقاليم مصر جميعاً .. عندما حلت بنا جائحة اليتم بانتقال الطيب الذكر ومثلث الرحمات البابا كيرلس السادس إلي الأخدار السمائية، الذي نال جميع المواعيد المقدسة ومضي إلي الله أحبه، فسمع منه تعالي إلي ذلك الصوت المملوء فرحاً القائل : نعماً أيها العبد الصالح الأمين ادخل إلي فرح سيدك .. عندما تيتمنا وترملت كنيسة الله المقدسة التي كان يرعاها بتعاليمه، تضرعنا إلي العلي أن يرشدنا إلي من هو جدير برئاسة الكهنوت العظمي، ليرعانا في طريق الرب ويهدينا سيناء الخلاص .. فبمنحة سماوية وفعل الروح القدس اتفقنا جميعاً بطيب قلب، فانتخبنا المتعبد لله الأنبا شنودة أسقف الكلية الإكليركية والمعاهد الدينية من رهبان دير السريان بابا وبطريركاً ورئيس أساقفة للكرسي الرسولي، كرسي القديس مرقس الإنجيلي كاروز الديار المصرية وأثيوبيا والنوبة والسودان وخمس المدن الغربية وسائر أقاليم الكرازة في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا واستراليا. وقد وقع اختيارنا عليه لأنه رجل متعبد لله، محب للغرباء، مجمل بالفهم والمعرفة، طاهر مجد في نشر تعاليم الإنجيل، ساهر علي حفظ طقوس الكنيسة وتقاليدها وأقمناه علي رأس رعاة وبابا وبطريركاً لكنيسة الله المقدسة، لكي يرعانا بالرحمة والوداعة. ثم بدأت المرحلة الثانية في التنصيب، وقد اشتملت علي ارتداء البابا لملابس خدمة الهيكل وبدأوا يلبسونه فوق الملابس السوداء وهي تتكون من 7 قطع، وهذه الملابس من نسيج أبيض موشي بالخيوط الذهبية علي شكل صلبان ومرصعة بعض نواحيها بأحجار كريمة جميلة .. أما الرداء فقد صُنع من قماش أبيض وطُرز بالصلبان الذهبية اللون .. ثم قال الأنبا أنطونيوس للبابا شنودة الثالث : تسلم تقليد رئاسة الكهنوت العليا لسنين عديدة وأزمنة عديدة .. ثم سلمه تقليد رئاسة الكهنوت وقد غُلفت باسطوانة من الورق المقوي المزخرف. وعلي أثر ذلك انسابت دموع البابا شنودة خاصة عندما شرع الأنبا أنطونيوس في تتويجه بالتاج المصنوع من قماش أبيض ثمين من نفس قماش الرواد ويعلوه صليب ذهبي .. ثم كانت اللحظة الحاسمة حين وقف البابا شنودة واتجه صوب الهيكل ليأخذ بنفسه عصا الرعاية والصليب من فوق الهيكل .. وهناك سنجد أولاً ثم أمسك بعصا الرعاية في يسراه والصليب في يمناه، بينما كان صوت الأنبا أنطونيوس يردد: تقدم إلي الأمام وتسلم عصا الرعاية من يد الله.. وخرج البابا شنودة من الهيكل ليرتقي الكرسي البابوي بين الهياكل والأناشيد الدينية .. ثم صاح الأنبا أنطونيوس في تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً : بنعمة الله نُجلس الأنبا شنودة رئيس الأساقفة علي الكرسي الطاهر كرسي الرسول الإنجيلي مارمرقس وسط عاصفة من التصفيق علي كرسي القديس مرقس .. وهنا أصبح البابا شنودة الثالث هو البابا رقم 117 في تاريخ البطاركة. الكنيسة المصرية أم الرهبنة كان البابا شنودة يؤكد دائماً أن الكنيسة المصرية أم الرهبنة، وأول راهب في العالم كله هو القديس الأنبا أنطونيوس الذي حضرت عيده في كاليفورنيا في 30 يناير الماضي، وكل الأديرة التي نؤسسها في بلاد الغرب نسميها باسم القديس أنطونيوس باعتباره أول راهب في العالم ولذلك يسمونه في بلاد العالم كله بأنه أب جميع الرهبان وقد عاش عمراً مديداً. وأضاف البابا أن الرهبنة أخذت لوناً من الازدواج ثم لوناً من التدرج .. وكان يعني بالازدواج أنه كانت توجد رهبنة فردية ورهبنة جماعية في الأديرة في نفس الوقت وكانت توجد أنظمة كثيرة من الرهبان فكانت رهبنة القديس أنطونيوس هي الرهبنة الانطوانية رهبنة وحدة، ثم رهبنة القديس مكاريوس فيما بعد في وادي النطرون .. وقد ولد القديس مكاريوس عام 300 ميلادية وتوفي عام 390 ميلادية وتأسست في عهده أربعة أديرة كبري في وادي النطرون حيث كان الرهبان يعيشون حياة وحدة في مغارات أو حفر في الجبال أو في الأرض في قلايات منفردة، ويحضرون إلي كنيسة الدير يوم السبت مساء لاجتماع روحي يسأل فيه الرهبان المبتدئون ويجيب فيه شيوخ الرهبنة، ويقضون الليل في الصلاة والتسبيح، ثم يصلون صباح الأحد ويأكلون معاً علي مائدة واحدة وينصرفون إلي وحدتهم لكي يحضروا في آخر الأسبوع المقبل. وكان قداسته يؤكد أن هدف الرهبنة أصلاً هو التفرغ للعبادة ولعل العبارة العميقة التي تجمع فلسفة الرهبنة في أصلها هي قول أحد الآباء: الرهبنة هي الانحلال من الكل للارتباط بالواحد.. والواحد هو الله فأراد بعض الناس أن يتفرغوا للعبادة وأن يجدوا لذة في التفرغ للصلاة والتأمل والتسبيح وحياة الوحدة والهدوء والبعد عن ضوضاء العالم ومشاكله وحياة الزهد والصوم وصفاء النفس وصفاء الفكر والروح بالتخلص بقدر الإمكان من الحياة المادية التي تشغل الإنسان عن أبديته. وكان الرحيل لقد رحل عن عالمنا غبطة البابا المعظم، صاحب المواقف الوطنية الرائعة، التي تحمل تبعاتها بإيمان وصبر وجلد .. كانت سيامته في ظرف تاريخي صعب، رحيل الزعيم الأسطورة جمال عبد الناصر، ووطن يحاول استرداد عافيته لاسترداد الأرض وإزالة العدوان، وبداية عصر السادات، الذي أكد منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم أنه جاء ليقيم دولة العلم والإيمان، وأنه رئيس مسلم لدولة مسلمة، ويضيف للدستور ما يؤكد علي تلك التوجهات مُداعباً مشاعر قوي التيارات الدينية المتشددة، ليواجه بها أصحاب الفكر اليساري، ومن ارتدوا قميص الزعيم عبد الناصر، ولم يروا فيه سوي أحد رفقاء زعيم كبير.. فكانت بدايات التوترات الطائفية، بأحداث الخانكة 1970، وحتي تفجيرات كنيسة القديسين في عصر الرئيس المخلوع، وحتي (للأسف) بعد قيام ثورة 25 يناير 2011، لتبدأ أحداث أكثر قسوة في نوعيتها ودلالتها، هدم وحرق كنائس ومنازل أقباط، ووصولاً لظاهرة التهجير القسري للعائلات المسيحية، وعلي مدي سني حبريته تواجه الحبر الجليل ضغوط هائلة من النظام الحاكم والجهات الأمنية، وقوي غاضبة من أقباط المهجر، وأخيراً مظاهرات لقوي التشدد علي أبواب الكاتدرائية تطالب بالأختين وفاء وكاميليا رافعة لافتات التجريح والإهانات له ولمؤسسته العتيدة، والرجل يلتزم آليات المقاومة السلبية بالصلاة والتهدئة والاعتكاف بالأديرة حتي لا يحترق الوطن. مع السلامة رمز التسامح النبيل، والوطني الرافض لشرذمة وتقسيم البلاد والعباد، ومهاجماً كل أصحاب دعاوي طلب الحماية والتدويل، لأنه أحب مصر الوطن الذي عاش فيه.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.