دنفي مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون هناك أية مخططات اسرائيلية لشن هجوم وشيك علي لبنان، إلا أن هذا النفي لم يفلح في محو التكهنات التي أثارها تصريح وزير الدولة في حكومة اسرائيل يوسي بيلد منذ أيام، والذي أكد فيه " إن الحرب بين اسرائيل ولبنان وحزب الله حتمية، لأن كلا الطرفين اسرائيل وحزب الله، يتصرف بطريقة تقود إلي الصدام، وأن المسألة في نهاية الأمر هي مسألة وقت لا أكثر. " وأكد بيلد، وهو جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي، وشغل منصب قائد اللواء الشمالي عندما كانت قواته تحتل قسما كبيرا من أراضي لبنان، أنه (لا يعرف متي ستنشب الحرب، ولكنه يثق في أنها ستحصل). وفيما يتفق مع هذه التكهنات أيضا، جاءت تصريحات وزير خارجية فرنسا برنارد كوشنير خلال لقائه مع سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية، عندما قال " قد تدفع الأوضاع في إيران إلي الهروب إلي الأمام، من قبل عدد من المسئولين الإيرانيين.. وهذا أمر خطير لأن حزب الله يملك السلاح، وقد تحصل بعض الأحداث التي ستكون مؤسفة للغاية "، وهي التصريحات التي فسرتها أوساط قريبة من حزب الله علي أنها قد تكون مقدمة لقيام فرنسا بتغطية عدوان اسرائيلي وشيك علي لبنان. أما سفيرة الولاياتالمتحدة في بيروت، فقد أبدت قلق بلادها من اكتشاف مخازن أسلحة حزب الله جنوب نهر الليطاني، ورفضت الإجابة عن احتمالات توجيه ضربة عسكرية إلي لبنان. وكان حزب الله قد قام مؤخرا بنقل مواقع إطلاق الصواريخ طويلة المدي إلي داخل الشمال اللبناني وفي وادي البقاع، مما اعتبرته دوائر سياسية وأمنية خطوة لتوسيع نزاع مرتقب بين حزب الله واسرائيل، قد يتحول إلي حرب جديدة بين الجانبين. واقترن ذلك بتصريحات للأمين العام للحزب حسن نصر الله بأن أية مواجهة مع اسرائيل، ستنتهي بهزيمتها " بما يغير وجه المنطقة ". وذكرت مصادر اسرائيلية أن بعض صواريخ حزب الله يمكن أن تصل إلي أكثر من 150 ميلا، أي يمكنها أن تصل إلي تل أبيب، من مكان بعيد مثل بيروت. وتقول جوديث بالمر، الأكاديمية المختصة بشئون حزب الله في بيروت إن حزب الله قد حصن الكثير من المواقع والمناطق المختلفة، وانه مع حشد القوات اللبنانية، وتلك التابعة للأمم المتحدة علي الحدود، نتوقع نشوب معركة موسعة بدرجة أكبر، هذا، علما بأن قوات حفظ السلام الدولية، المعروفة باسم " اليونيفيل " تقوم يوميا بنحو 400 دورية، لمنع التجاوزات الحدودية، وبحثا عن مخازن مخبئة للسلاح في مناطق عملها. بين الثأر. . والانتقام مع اقتراب موعد الذكري السنوية الثانية لقيام اسرائيل باغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية في 12 فبراير 2008 في دمشق، يستنتج محللون أن كلا من اسرائيل وحزب الله، لديهما " الدوافع " للتصعيد، وصولا إلي الصدام المسلح. فحزب الله، الذي لم يقدم علي الثأر لاغتيال مغنية، وفضل ضبط النفس لمدة عامين، لأسباب ردعية، ولتقدير خطورة نتائج المواجهة، إلا أنه يعرف اليوم أن اسرائيل تستثمر عدم الرد علي اغتيال مغنية، لتنشيط استعدادها الأمني ليس فقط تجاه حزب الله، وإنما أيضا استعدادا لمواجهة مرتقبة مع إيران. ولكن الحزب وهو يتلقي تهديدات المسئولين الإسرائيليين، يؤكد علي لسان مسئول منطقة الجنوب الشيخ نبيل قاووق " إن الحزب لا يريد الحرب، ولكنها إذا وقعت، فإن نتائجها ستكون لصالح المقاومة ". وفي المقابل، فقد تلقت إسرائيل صدمة أمنية تمثلت في كشف شبكات عملائها في لبنان، وهي إلي جانب أن لديها الدافع للثأر والانتقام من هزيمة 2006، فإن هناك حزمة من الأهداف تتوخي بلوغها منها : القضاء علي سلاح حزب الله قبل التفرغ للمواجهة القادمة مع ايران، والتي يتردد أنها متوقعة في فبراير أو مارس، والسعي إلي رفع الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي قبل هذه المواجهة، وتوسيع نطاق التدريبات والمناورات علي الأسلحة، وما استجد من تقنيات عسكرية توفرت للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وليس خافيا أن اسرائيل أجرت مناورات عسكرية لاستعادة قدرات الردع والترهيب، إلي جانب تغييرات عسكرية في إطار الجيش الإسرائيلي، كما تدوي يوميا صفارات الإنذار الإسرائيلية في المستوطنات الشمالية المحاذية للخط الأزرق جنوب لبنان، في إطار المناورات، وسط حالة من الاستنفار، علي طول الخط الممتد من الناقورة غربا، وحتي سفوح جبل الشيخ شرقا. وهكذا تبدو حالة الاستنفار، ودوافع التصعيد، وأنباء تؤكد استدعاء الاحتياط في سوريا، وإعلان حالة التعبئة في الجيش السوري. لعبة التوازنات السياسية يبدو أن حزب الله، رسم لنفسه، بوعي أو بغير وعي، مصيرا يجعله دوما أسير لعبة التوازنات السياسية، ورهن اختيارات أطراف هذه اللعبة، حتي يمكن في نهاية المطاف القول بأن الحزب نفسه ، يمكن أن يكون أول ضحاياها. فعندما تختار سوريا، وفقا لحساباتها، اللجوء إلي العمق العربي، والتقارب مع السعودية، فإن حزب الله لا يتلقي هذه الأنباء بارتياح، خوفا من أن يكون هذا التقارب علي حساب حزب الله. وعندما تختار سوريا، ممارسة سياسة إيجابية تجاه قوي الداخل اللبناني، والمساعدة بفاعلية في العملية الحكومية، فإن الحزب يصاب بدوار سياسي يفقده بعض الرشد ( زيارة الحريري لدمشق) هذا، فضلا عن أن الحزب، بصورة أو بأخري، يجد نفسه رهينة اللعبة الصراعية بين سوريا وإيران، علي الورقة اللبنانية. أما بالمنظور الإسرائيلي، فإن استحضار القوة التسليحية لحزب الله، وبحث سبل التخلص منها، واختيار الموعد المناسب لتنفيذ هذه الخطوة، هو " الرسالة " التي تمهد اسرائيل لتوجيهها، في أقرب وقت ممكن إلي كل من سوريا وإيران، وذلك باعتبارأن طريق اسرائيل للتخلص من تهديدات البرنامج النووي الإيراني، حتما يمر ب " معركة "فاصلة مع حزب الله. وعندما فشلت الدول الست الكبري في الأسبوع الماضي، في الاتفاق علي فرض حزمة عقوبات جديدة علي إيران، فإن ضوءا أخضر أخذ يبرق في دوائر وأوساط إسرائيلية ، لتمهيد الطريق أمام الخطوة الكبري، للتعامل مع منشآت إيران النووية. وبالطبع، بات حزب الله علي رأس الأولويات العسكرية والأمنية في إسرائيل، وهناك جهود سياسية واستخباراتية تبذل بقوة لاختراق دفاعات الحزب، تجنبا لثغرات حرب 2006، حتي ليقال إن جبهة الجنوب باتت مهيئة للمواجهة المرتقبة، والتي لا يستطيع أحد في لبنان أو في اسرائيل تحديد موعدها. بين السياسة. . والمقاومة يقول دبلوماسي غربي "إن سيطرة حزب الله بالقوة المسلحة علي معظم الأراضي اللبنانية، لن يمر مرور الكرام بالنسبة للولايات المتحدة والغرب عموما ". ومن المعروف أن سلاح حزب الله هو دوما من الملفات المعروضة في الدوائر الأمريكية، كما أن هذا الموضوع هو من أهم ما يتضمنه جدول مناقشات المسئولين الأمريكيين وأعضاء الكونجرس في زياراتهم لسوريا ولبنان، ودائما ما تطرح التساؤلات حول الترسانة العسكرية لحزب الله، واحتمالات التصعيد بين الحزب واسرائيل علي خلفية التهديد الأمني الذي تمثله بالنسبة لإسرائيل. ويجري التمسك بالمادة 3 من قرار مجلس الأمن رقم 1701 التي تنص علي حق الدولة اللبنانية في أن تمارس كامل سيادتها علي الأراضي اللبنانية، وألا تكون هناك أية أسلحة دون موافقة حكومة لبنان، وذلك وفقا للقرارين الدوليين 1559، 1680 اللذين يطالبان بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان. فضلا عن ذلك، هناك برنامج أمريكي لدعم الجيش اللبناني بدأ عام 2006، وانفق عليه 456 مليون دولار، ويتوسع البرنامج في 2010 . كانت الولاياتالمتحدة قد لوحت في وقت سابق عبر عدد من مستشاريها بإمكانية الحوار مع حزب الله، إذا ما نجح الحزب بالفعل في التحول إلي حزب سياسي منخرط بقوة في السياسة الداخلية للبنان، وعلي اعتبار أن تجربة حزب الله، ستكون نموذجا يحتذي لتنظيمات إسلامية مسلحة أخري، يمكن أن تترك العنف، وتتحول إلي كيانات منغمسة في العملية السياسية. ولكن في الوقت الراهن، يؤكد مسئولون أمريكيون، أن حزب الله لايزال مدرجا علي لائحة المنظمات الارهابية الأجنبية، ولايوجد أي تغيير في هذه السياسة، وأنه " لن يكون هناك أي مجال للتعاون في المشروعات الزراعية مع لبنان، في ظل وجود وزير من حزب الله في وزارة الزراعة ". ويبدو أن زعامة حزب الله، تريد أن تمسك العصا من الوسط وذلك عبر تفاعلاتها السياسية مع القوي والتيارات السياسية في لبنان، وفي الوقت نفسه ، عدم التخلي عن ذريعة "المقاومة ". ففي وثيقة الحزب التي أعلنها حسن نصر الله في 30 نوفمبر 2009 كإطار فكري وسياسي للحزب، بدا واضحا الحرص علي المزاوجة بين أمرين أساسيين : أولا استثمار انخراط الحزب في الحياة السياسية في لبنان ( في البرلمان ثم في السلطة التنفيذية). ثانيا السعي الدائب لإضفاء المشروعية السياسية علي الوظيفة الرئيسية للحزب وهي " قيادة المقاومة " باعتبار أن هذه الوظيفة " تؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة، عنوانها محورية المقاومة دورا ووظيفة ". ويتأكد عبر هذه الوثيقة، أن جوهر المشروع السياسي والأمني لحزب الله، يتجاوز سلطة وسيادة الدولة اللبنانية، فالمقاومة هي وظيفة وطنية، يتعين تعميمها، وتوظيفها عربيا، واسلاميا، وعالميا، ضد قوي الاستكبار الأمريكية والإسرائيلية، حتي ليكاد مشروع " المقاومة " يتحول إلي مشروع مواز للدولة، ومستقل عنها. رسالة إيرانية في وثيقة تأسيس حزب الله في 1985، توجه الحزب بالخطاب إلي " المستضعفين في لبنان، والعالم، بأننا أبناء (أمة حزب الله) التي نصر الله طليعتها في إيران، نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة تتمثل بالولي الفقيه ". وفي وثيقة 2009، طالب الحزب الدول العربية بتوثيق علاقاتها مع إيران، باعتبارها " دولة مركزية مهمة في العالم الإسلامي، " وباعتبار أن " اختلاق التناقض مع الجمهورية الإسلامية. . يمثل طعنا للذات والقضايا العربية. " إلا أن عام 2009، عام انتخابات الرئاسة الإيرانية، مثل نقطة تحول في مسيرة الجمهورية الإسلامية، بعد انطلاق الحركة الإصلاحية المعارضة في إيران، وقيام النظام الإيراني بمواجهتها بقسوة وشراسة علي مرأي ومسمع من المجتمع الدولي. وفي الأسبوع الماضي، تلقي حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله رسالة موقع عليها من كتاب وصحفيين وسياسيين وباحثين إيرانيين يوجهون إليه أسئلة محورية هي: لماذ يسكت حزب الله علي الجرائم الوحشية التي يتعامل بها نظام نجاد مع المعارضة الإيرانية؟ لماذا لم ينفعل حزب الله تعاطفا مع شيعة إيران الذين يذوقون الأمرين علي أيدي النظام الإيراني؟ ألا يعني سكوت الحزب عن هذه المظالم طعنا في مصداقية الحزب، ومصداقية حسن نصر الله نفسه كفقيه ديني؟ وعلي الرغم من الأنباء التي تؤكد أن جهودا أمريكية، واسرائيلية تبذل من أجل الحد من نفوذ ومؤيدي حزب الله في إيران، إلا أن رسالة المثقفين الإيرانيين أثارت جدلا حول مستقبل العلاقة بين إيران والحزب، ومطالبة حسن نصر الله بالتبرؤ من نظام أحمدي نجاد، الذي ارتكب محرمات ومظالم، لم تجرؤ عليها حتي الحكومات العلمانية السابقة.